الأخوة الحائرة بين جهل الشعوب وفساد الحكام
بقلم /عاطف ابوزيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دعاني صديق لي على طعام إفطار فلبيت الدعوة وأثناء تناولنا لطعام الإفطار تجاذب الحاضرون أطراف الحديث عن كرة القدم التي جرت مؤخرا بين الشقيقتين مصر والجزائر على أرض السودان الحبيبة وما حدث فيها وكانت لغتهم الغالبة أنت شفت اللي حصل باللهجة المصرية ( أي رأيت) ، رأيت الولد المضروب بالسكينة ،الطائرات الحربية ،الأستاذ فلان بن ...قال كلام حلو جدا ،بيقول على رو روا هو هوا، ...أعطيتهم أذني أما يدي وفمي ولساني كان بعيدا عنهم وقلت لنفسي كلاما لأبي علي الدقاق رحمه الله (المسلم بن وقته ) ووقتي الآن الطعام ولكن شدني الحديث عندما أكثروا من ترداد كلام وسائل الإعلام وما دار فيها إلى أن قال أحدهم لقد اشتروا سكاكين السودان فضحكت بحسرة وقلت له إذا أهل السودان سيذبحون خرافهم في العيد بأمواس حلاقة تمالكت أعصابي حتى انتهى الإفطار وبعده
قدمني صديقي لألقي كلمة عن فضل الأيام العشر ويوم عرفة ويوم النحر وما المطلوب منا أن نفعله في هذه الأيام حمدت الله وأثنيت عليه وجال خاطري بسرعة البرق ووجدت نفسي أتحدث عن الأخوة الحائرة بين جهل الشعوب وظلم الحكام وفسادهم، وجدت نفسي أتحدث عن الأخوة التائهة بين العصبية النتنة والأنظمة الفاسدة الظالمة ودار في ذهني وخاطري حكاية الصحفي الذي أشعلها نارا وصور نعوشا طائرة كذبا وبهتانا بسبب كثرة القتل في صفوف الجزائريين على أيدي إخوانهم في مصر وتذكرت قصة الصحيفة التي أشعلت نار الفتنة ضد الأزهر الشريف وهى مملوكة لرجل لا يدين بالإسلام فقلت لهم اقرءوا معي سورة آل عمران والتأريخ يعيد نفسه من جديد ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) ) سورة آل عمران
روى الطبري أثناء تفسيره لهذه الآيات عن زيد بن أسلم، قال: مرّ شأسُ بن قيس وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، عظيمَ الكفر، شديد الضِّغن على المسلمين، شديدَ الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه. فغاظه ما رأى من جَماعتهم وألفتهم وصَلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع مَلأ بني قَيْلة بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملأهم بها، من قرار! فأمر فَتى شابًّا من يهودَ وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذَكّرهم يَوْم بعاث وما كان قبله، وأنشدْهم بعض ما كانوا تقاوَلوا فيه من الأشعار وكان يوم بُعَاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفرُ فيه للأوس على الخزرج ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجُلان من الحيَّين على الرُّكَب: أوسُ بن قَيْظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس - وجبّار بن صخر، أحد بني سَلمة من الخزرج. فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رَدَدْناها الآن جَذَعَةً! وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ!! موعدُكم الظاهرة والظاهرةُ: الحَرَّة فخرجوا إليها. وتحاوز الناس. فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغَ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال:"يا معشرَ المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُرِكم بعد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمرَ الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكَوْا، وعانقَ الرجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رَسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيدَ عدوِّ الله شَأس بن قيس وما صنع. فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع:"قل يا أهل الكتاب لم تكفرُون بآيات الله والله شهيدٌ على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا" الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قَيْظيّ وجبّار بن صخر ومَنْ كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية: "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين" إلى قوله:"أولئك لهم عذابٌ عظيم". تفسير الطبري 6/52
أين العقلاء ليقرءوا هذه الآيات وهذا الموقف لقد تعدد شأس بن عبد قيس وفعله القبيح في العصر الحديث فمرة يرتدي عباءة شأس ويتحدث بلسانه لأن فطرة الإخوة عنده قد انتكست ومرة يظهر على حقيقته يشعلها ثم يقف موقف المتفرج الذي ينتظر رماد النار ويتمنى أن لا تبقي على شيء أبدا لقد ظهر شأس في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية لقد ترجل بيننا وتحدث بلساننا وضحك من سذاجتنا وغفلتنا وحالنا أراد شأس العصر الكبير أن يشعلها نارا في كل ميدان وفي كل حارة وفي كل بيت في كل قرية وبلدة في كل جمهورية ومملكة ليتفرغ لمشروعه الكبير الذي لا يخفى على أحد وهو الهيمنة على مقدساتنا والقضاء عليها واحتلال أرضنا وقتل إخواننا والاستيلاء على خيرات بلادنا ففي الساعات التي نتراشق فيها بالكلمات يجهز هو على الأقصى بالحفريات ويضيق الخناق على إخواننا بالحصار يبغي لنا هلاكا وموتا أكيدا لن يهدأ أبدا لتمزيق صفوفنا أما شأس العصر الصغير الذي أصبح ذيلا لأخيه شأس الكبير فهو منا ومن أبناء أمتنا للأسف الشديد يريد منا أن نكثر من هذا اللون حتى نشغل عن فساده وإفساده حتى تتسع له الطريق وتفسح ليصل إلى مراده ومبتغاه من الفساد والإفساد
يا لحسرة الشعوب يا لجهالتها يا لغفلتها من سكين تسن لتشرع على أعناقها وهي غافلة نائمة بل بلغ من كثرة غفلتهم وجهالتهم أن سبقوا أكلت الخضرة ورحم الله بن القيم وهو يقول : ( والمتخلف في ظل الشجرة نائم، فما كان إلا قليل حتى خربت الشجرة، فقلعها قيمها من أصلها ،فأصبح أهلها في حر السموم يتحسرون على ما فاتهم من العيش في ظلها، ثم أحرقها صاحبها فصارت وما حولها ناراً تلظى، وأحاطت النار بمن تحتها فلم يستطيع أحد منهم الخروج ) .
عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «إنما مثلي ومثلكم مثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء، حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أم ما بقي أنقذوا الزاد وحسروا الظهر، وبقوا بين ظهراني المفازة لا زاد ولا حمولة، فأيقنوا بالهلكة، فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه فقالوا: إن هذا قريب عهد بزيف، وما جاءكم هذا إلا من قريب، فلما انتهى إليهم قال: يا هؤلاء علام أنتم؟ قالوا: على ما ترى؟ قال: أرأيتم إن هديتكم على ماء رواء، ورياض خضر، ما تجعلون لي؟ قالوا: لا نعصيك شيئًا. قال: عهودكم ومواثيقكم بالله. قال: فأعطوه عهودهم، ومواثيقهم بالله لا يعصونه شيئًا، قال: فأوردهم ماء ورياضًا خضراء. قال: فمكث فيهم ما شاء الله. ثم قال: يا هؤلاء الرحيل، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى ماء ليس كمائكم ورياض ليست كرياضكم، قال: فقال جُلُّ القوم وهم أكثرهم: والله ما وجدنا هذا حتى ظننَّا أن لن نجده، وما نصنع بعيش هو خير من هذا! قال: وقالت طائفة وهم أقلهم: ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم بالله لا تعصونه شيئًا، وقد صدقكم في أول حديثه، فوالله ليصدقنكم في آخره، فراح بمن اتبعه وتخلف بقيتهم فبادرهم عدوهم فأصبحوا بين أسير وقتيل». جامع الأحاديث والمراسيل
وكأني بهذه الشجرة الوارفة الظلال الكثيرة الأغصان الجميلة المنظر العطرة الرائحة صاحبة الميدان والتربة والأرض الطاهرة التي غذيت بالإيمان فأثمرت وأينعت وازدادت جمالا على جمالها وعطرا على عطرها لها لسان ينطق وعين تبصر تنادي الآن على العقلاء رؤساء ومرؤوسين لماذا جعلتموني حائرة بينكم لماذا أطلقتم سراحي ولم تقيدوني في قلوبكم هل هنت عليكم لهذا الحد وأصبحت عارا عليكم ؟ ألم تعلموا أني كنت قاعدة من قواعد البناء والتشييد لدولة الإسلام الأولى ؟ ألم تعلموا أني كنت سببا من أسباب نصر المسلمين في بدر وغيرها من معارك الإسلام الأولى ؟ إن لم أعد إليكم لأجمع شملكم وأوحد صفكم وأنزع الفرقة والشقاق والخلاف من بينكم ؟ إن لم تقيدوني في قلوبكم سأشكوكم إلى خالقكم الذي يعرف قدري وساعتها تضلوا الطريق وتنحرفوا عن الجادة والصواب وتعيشوا في أوهام وخراب وتعود إليكم الجرثومة الفتاكة التي أكلت العرب قبل الإسلام ونصرت عليهم اليهود على مر الأيام
أتعلمون أن الذي ربطني وشد وثاقي في قلوبكم هو الله رب العالمين رباط ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )الأنفال
(فألف بين قلوبكم فأصبحتم بعمته إخوانا ) آل عمران
ولذلك لو قامت الدنيا بأثرها على حل عقدتي ووثاقي فلن تقدر لأني لست واهية ولا ضعيفة
أزداد قوة بالإيمان وأضعف بالمعصية وبدعوى الجاهلية (العصبية) فاتقوا الله في إن أردتم صناعة مستقبلكم وحاضركم (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) ألم تعلموا أني سبب من أسباب الله فمن تمسك بي فقد هدي ووفق لطريق واضح ومحجة مستقيمة غير معوجة فيستقيم بي إلى رضى الله، وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته
آن لكم أن تتمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عَهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله.
لا تقلقي أيتها الشجرة فإن أغصانك مازالت خضرة وعروقك ممتدة في خير أمة أخرجت للناس لا تقلقي من شغب المشاغبين وفساد المفسدين وجهل الجاهلين لا تنظري إلى المتبطلين والعاطلين أقزام العصر والسفلة الغارقين في مستنقع العصبية النتنة الذين لم يعرفوا قدرك وعظيم شأنك اعلمي أنكي في قلوبنا بجذورك وثمارك حلاوتها على ألسنتنا نحب إخواننا ، وإن أساءوا إلينا اعتذرنا لهم ، وقدوتنا في ذلك أصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم ، يقول الإمام الطبري لما نزلت (واذكروا نعمةَ الله عليكم إذْ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا )، الآية. فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يتلوها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضًا، وحتى إن لهم لخنينًا يعني البكاءَ. قال الطبري والخنين: تردد البكاء في الأنف والخياشيم حتى يصير في الصوت مثل الغنة ، لكتمان البكاء من ألم وحياء وخجل. وقد ورد في كثير من الأحاديث من ذلك: "أنه كان يسمع خنينه في الصلاة" ، وفي حديث أنس: "فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ، لهم خنين". تفسير الطبري 6/52
صلى عمر رضي الله عنه بالناس الفجر ثم التفت فقال أين معاذ ؟ وكان معاذ رضي الله عنه يصلي في مؤخرة الصفوف فقال ها أنا يا أمير المؤمنين فقال يا معاذ لقد تذكرتك البارحة فبقيت أتقلب على فراشي حبا وشوقا إليك فتطاولا وتعانقا وتباكيا حتى ضج المسجد بالبكاء . اللهم اجعل حبنا لأهلنا في كل مكان من أرض الله كحب عمر لمعاذ أما آن لإخواننا الذين يتنازعون على حطام الدنيا في اليمن والجزائر ومصر والصومال ودار فور ولبنان والعراق والكويت .... على أرض أو بترول أو إمارة أو سلطة أو كرة أو غير ذلك .......أن يعلنوها لإخوانهم لقد تذكرناكم فنسينا خلافاتكم معنا لقد تذكرناكم فامتنعنا عن رجم القول لقد تذكرناكم فألقينا السلاح
أيها الأحباب إن لم نقم نحن بالأمر فنسقي الشجرة ونتعاهدها فمن يقوم به غيرنا عن أبي عامر عبد الله بن لُحَيٍّ قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان، فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهْلَ الْكَتَابَيْنِ افْتَرَقُوا في دِينِهِمْ عَلَى ثنتيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وإنَّ هذِهِ الأمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً -يعني الأهواء-كُلُّهَا فِي النَّار إلا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارى بِهِمْ تِلْكَ الأهْواء، كَمَا يَتَجَارى الكَلبُ بصَاحِبِهِ، لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إلا دَخَلَهُ. واللهِ -يَا مَعْشَر العَربِ-لَئِنْ لَمْ تَقُومُوا بِمَا جاء بِهِ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم لَغَيْرُكم مِن النَّاسِ أحْرَى ألا يَقُومَ بِهِ) .تفسير بن كثير 2/85
يا بن سلول اتق الله ياشأس العصر الصغير اتقوا الله يا أصحاب العقول عودوا لدينكم ودعوها فإنها نتنة روى البخاري عن عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ) رواه البخاري
( ومعنى كسعه أي ضربه على دبره قال بن حجر في فتح الباري رَجُل لَعَّاب )
أَيْ بَطَّال ، وَقِيلَ : كَانَ يَلْعَب بِالْحِرَابِ كَمَا تَصْنَع الْحَبَشَة ، وَهَذَا الرَّجُل هُوَ جهجاه بْن قَيْس الْغِفَارِيُّ وَكَانَ أَجِير عُمَر بْن الْخَطَّاب ، وَالْأَنْصَارِيّ هُوَ سِنَان بْن وَبْرَة حَلِيف بَنِي سَالِم الْخَزْرَجِيّ) فتح الباري 10/322 ما أكثر البطالين في عالمنا والمتسكعين الذين أضاعوا على جمهور المسلمين حلاوة الأخوة ولذتها وبهجتها
لقد أشار إليها الإمام البنا عليه رحمة الله بقوله : والأمة الإسلامية واحدة لأن الأخوة التي جمع الإسلام عليها القلوب أصل من أصول الإيمان لا يتم إلا بوجودها . الرسائل رسالة الحكم ص 212
إنها الترياق الذي يجمع ولا يفرق والملا س الذي يقوى ولا يضعف والساعد الذي يعمل ولا يكل والدواء الذي يشفى ويداوى ويبرئ ولا يمرض إنها الروح التي بدونها الجسد لا حياة له ولا بقاء إنها كالعطر المهدئ الذي يجذب العقول والقلوب في آن واحد
ولهذا جعلها الإمام البنا زادا للسائرين ونورا للعاملين وركنا من أركان بيعة الإخوان المسلمين في رسالة التعاليم بقوله :
,, وأريد بالأخوة أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها والأخوة أخوة الإيمان والتفرق أخو الكفر وأول القوة قوة الوحدة ولا وحدة بغير حب وأقل الحب سلامة الصدر وأعلاه
مرتبة الإيثار ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) التغابن 16 والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وهكذا يجب أن نكون . الرسائل ص276
يعلق الحاج / على ابوشعيشع على ركن الأخوة قائلا
,, إن هذه العقيدة عجيبة فعلا إنها حين تخالط القلوب تربط بينها برباط وثيق فإذا نظرة العين ولمسة اليد ونطق الجارحة وخفقة القلب ترانيم من التعارف والتعاطف ولا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب .فالقرآن الكريم يحذر الجماعة المسلمة من التفرق والاختلاف وينذرها
عاقبة الذين حملوا أمانة منهج الله قبلها من أهل الكتاب ثم تفرقوا واختلفوا فنزع الله الراية منهم وسلمها للجماعة المسلمة المتآخية
إن الجماعة يصلحها أن يحس كل فرد من أفرادها انه يكمل أخاه ويكمله أخوه وان الجميع جسد واحد منه العين ومنه القلب ومنه الروح وهكذا تكون الجماعة ويكون الفرد في الجماعة ،، زاد العاملين ص 224
إنها الملاط الذي يجمع بين لبنات المجتمع فيكون منها جدارا واحدا ليحمى أفراده من حر الصيف وبرد الشتاء ومن العواصف والرياح العاتية وكلما ازدادت متانتها وصلابتها وأصالتها زادت الجدار قوة وصلابة وتماسكا
ولذلك حرص عليها النبي صلي الله عليه وسلم فبمجرد أن وصل إلى المدينة جعلها من دعائم وأسس بناء الدولة الإسلامية الحديثة .
يقول الحاج على أبو شعيشع : وان ذلك المهاجر الذي كان يترك أهله ويفارق أرضه في مكة ويفر بدينه كان يجد أمامه أبناء الإسلام من فتيان يثرب ينتظرون وكلهم شوق إليه وما كان لهم سابق معرفة ولا قديم صلة وإنما هي عقيدة الإسلام جعلتهم يحنون إليه ويتصلون به ويعدونه جزءا من أنفسهم وشقيقا لأرواحهم وما هو إلا أن يصل إلى المسجد حتى يلتف حوله الغر الميامين من الأوس والخزرج كلهم يدعوه إلى بيته ويؤثره على نفسه حتى يؤول الآمر إلى الاقتراع فقد روى البخاري ما معناه : ( ما نزل مها جرى على أنصارى إلا بقرعة ) ولقد خلد القرآن للأنصار ذلك الفضل ابد الدهر فما زال يبدو غرة مشرفة في جبين البشرية في قوله تعالى ( والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) الحشر 9 زاد العاملين ص225
يقول الدكتور محمد السيد : إن الحب والأخوة كالنبع الدافق يسيل وحده ولا يتكلف استخراجه الآلات والأثقال والأخوة لا تفرض بقوانين ومراسيم وإنما هي اثر تخلص الناس من نوازع الأثرة والشح وقد تبودلت بين المسلمين الأولين لأنهم ارتقوا بالإسلام في نواحي حياتهم فكانوا عباد الله إخوانا ولو كانوا عبيد أنفسهم ما أبقى بعضهم على بعض . الهجرة مرحلة من مراحل التغيير الإنساني ص 194
والأخوة الإسلامية هي الرابطة السامية التي تربط بين المسلمين في العالم .. هذه الرابطة المحكمة هي التي يمكن أن تقوم بين البشر جميعا على مختلف لغاتهم وأوطانهم وأنسابهم وألوانهم تحت شعار واحد وراية واحدة .
شعار يستوي فيه البشر جميعا ولا يرتفع احد بلونه أو نسبه أو وطنه بل كل هذه الاعتبارات لا قيمة لها إمام هذا الشعار السامي لأنها من نتاج الجاهلية العمياء التي تزكي نار العداوة والبغضاء بتغذية هذه الاعتبارات ورفعها .شعار يرفع المظلوم الذي استضعفه المجتمع الجاهلي وهضمه حقوقه وكبت فيه روح التنافس والطموح إما لنسبه أو لونه أو غير ذلك من الاعتبارات والمقاييس الجاهلية فأحله هذا الشعار السامي منزلة عالية وسلمه قيادة البشرية فإذا بالعبيد والمستضعفين من رجال الفكر الذين أبعدهم المجتمع الجاهلي عن القيادة نجدهم سادة للأمم وروادا للإصلاح والتوجيه . هذا الشعار هو شعار الأخوة الإسلامية الذي يقتضي وزن الناس بميزان الإسلام الرحيم العادل لا بمقاييس الجاهلية الجائرة
والعلم اليوم قد سئم من ترديد الشعارات الكاذبة التي يرفعها ساسة الدول الكبرى بين الحين والحين زاعمين إنهم يعملون للسلام العالمي وإنهم يحاولون إيجاد روابط بين البشر تقوم على المودة والتفاهم ونبذ حياة الخوف والذعر التي تفرضها الحروب الدامية التي يشعل نارها غالبا قادة الدول الكبرى وأحيانا غلبة العصبية الجاهلية في الشعوب المتخلفة .
والعالم اليوم يتطلع لمن يمد يده إليه لينتشله من حومة الرذائل والحيرة القاتلة والاضطراب النفسي المنهك .. هذه الأمراض النفسية التي وقع في شباكها بسبب طغيان المادة في حياة الناس وتوافر عدد كبير من المجرمين الذين يقومون بالتخطيط الدائم لهلاك البشرية في مقابل ملء كنوزهم بحطام الدنيا الزائل وتربعهم على عرش السيادة العالمية .
والعالم اليوم يتطلع للحياة السعيدة التي يعيش فيها بأمان وتتوافر له فيها ظروف المعيشة الكريمة وأن يتعامل مع الآخرين بالأخلاق الفاضلة والكرامة الإنسانية المتجردة من العدوانية والوحشية .
وذلك كله وغيره من الأماني السامية لا يمكن أن يتحقق إلا بانتشار دعوة الإسلام وسيادته على الأرض وبروز الإخاء الإسلامي العالمي البعيد كل البعد عن العدوان والتسلط والخضوع للعصبية الجاهلية الممقوتة . الأخوة الإسلامية هي الرابطة العالمية 5/6
رد الله إلينا روحها وألبسنا ثوبها وأذاقنا حلاوتها وثبتها في قلوبنا بعد حيرتها آمين.
بقلم /عاطف ابوزيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دعاني صديق لي على طعام إفطار فلبيت الدعوة وأثناء تناولنا لطعام الإفطار تجاذب الحاضرون أطراف الحديث عن كرة القدم التي جرت مؤخرا بين الشقيقتين مصر والجزائر على أرض السودان الحبيبة وما حدث فيها وكانت لغتهم الغالبة أنت شفت اللي حصل باللهجة المصرية ( أي رأيت) ، رأيت الولد المضروب بالسكينة ،الطائرات الحربية ،الأستاذ فلان بن ...قال كلام حلو جدا ،بيقول على رو روا هو هوا، ...أعطيتهم أذني أما يدي وفمي ولساني كان بعيدا عنهم وقلت لنفسي كلاما لأبي علي الدقاق رحمه الله (المسلم بن وقته ) ووقتي الآن الطعام ولكن شدني الحديث عندما أكثروا من ترداد كلام وسائل الإعلام وما دار فيها إلى أن قال أحدهم لقد اشتروا سكاكين السودان فضحكت بحسرة وقلت له إذا أهل السودان سيذبحون خرافهم في العيد بأمواس حلاقة تمالكت أعصابي حتى انتهى الإفطار وبعده
قدمني صديقي لألقي كلمة عن فضل الأيام العشر ويوم عرفة ويوم النحر وما المطلوب منا أن نفعله في هذه الأيام حمدت الله وأثنيت عليه وجال خاطري بسرعة البرق ووجدت نفسي أتحدث عن الأخوة الحائرة بين جهل الشعوب وظلم الحكام وفسادهم، وجدت نفسي أتحدث عن الأخوة التائهة بين العصبية النتنة والأنظمة الفاسدة الظالمة ودار في ذهني وخاطري حكاية الصحفي الذي أشعلها نارا وصور نعوشا طائرة كذبا وبهتانا بسبب كثرة القتل في صفوف الجزائريين على أيدي إخوانهم في مصر وتذكرت قصة الصحيفة التي أشعلت نار الفتنة ضد الأزهر الشريف وهى مملوكة لرجل لا يدين بالإسلام فقلت لهم اقرءوا معي سورة آل عمران والتأريخ يعيد نفسه من جديد ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) ) سورة آل عمران
روى الطبري أثناء تفسيره لهذه الآيات عن زيد بن أسلم، قال: مرّ شأسُ بن قيس وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، عظيمَ الكفر، شديد الضِّغن على المسلمين، شديدَ الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه. فغاظه ما رأى من جَماعتهم وألفتهم وصَلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع مَلأ بني قَيْلة بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملأهم بها، من قرار! فأمر فَتى شابًّا من يهودَ وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذَكّرهم يَوْم بعاث وما كان قبله، وأنشدْهم بعض ما كانوا تقاوَلوا فيه من الأشعار وكان يوم بُعَاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفرُ فيه للأوس على الخزرج ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجُلان من الحيَّين على الرُّكَب: أوسُ بن قَيْظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس - وجبّار بن صخر، أحد بني سَلمة من الخزرج. فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رَدَدْناها الآن جَذَعَةً! وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ!! موعدُكم الظاهرة والظاهرةُ: الحَرَّة فخرجوا إليها. وتحاوز الناس. فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغَ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال:"يا معشرَ المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُرِكم بعد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمرَ الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكَوْا، وعانقَ الرجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رَسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيدَ عدوِّ الله شَأس بن قيس وما صنع. فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع:"قل يا أهل الكتاب لم تكفرُون بآيات الله والله شهيدٌ على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا" الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قَيْظيّ وجبّار بن صخر ومَنْ كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية: "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين" إلى قوله:"أولئك لهم عذابٌ عظيم". تفسير الطبري 6/52
أين العقلاء ليقرءوا هذه الآيات وهذا الموقف لقد تعدد شأس بن عبد قيس وفعله القبيح في العصر الحديث فمرة يرتدي عباءة شأس ويتحدث بلسانه لأن فطرة الإخوة عنده قد انتكست ومرة يظهر على حقيقته يشعلها ثم يقف موقف المتفرج الذي ينتظر رماد النار ويتمنى أن لا تبقي على شيء أبدا لقد ظهر شأس في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية لقد ترجل بيننا وتحدث بلساننا وضحك من سذاجتنا وغفلتنا وحالنا أراد شأس العصر الكبير أن يشعلها نارا في كل ميدان وفي كل حارة وفي كل بيت في كل قرية وبلدة في كل جمهورية ومملكة ليتفرغ لمشروعه الكبير الذي لا يخفى على أحد وهو الهيمنة على مقدساتنا والقضاء عليها واحتلال أرضنا وقتل إخواننا والاستيلاء على خيرات بلادنا ففي الساعات التي نتراشق فيها بالكلمات يجهز هو على الأقصى بالحفريات ويضيق الخناق على إخواننا بالحصار يبغي لنا هلاكا وموتا أكيدا لن يهدأ أبدا لتمزيق صفوفنا أما شأس العصر الصغير الذي أصبح ذيلا لأخيه شأس الكبير فهو منا ومن أبناء أمتنا للأسف الشديد يريد منا أن نكثر من هذا اللون حتى نشغل عن فساده وإفساده حتى تتسع له الطريق وتفسح ليصل إلى مراده ومبتغاه من الفساد والإفساد
يا لحسرة الشعوب يا لجهالتها يا لغفلتها من سكين تسن لتشرع على أعناقها وهي غافلة نائمة بل بلغ من كثرة غفلتهم وجهالتهم أن سبقوا أكلت الخضرة ورحم الله بن القيم وهو يقول : ( والمتخلف في ظل الشجرة نائم، فما كان إلا قليل حتى خربت الشجرة، فقلعها قيمها من أصلها ،فأصبح أهلها في حر السموم يتحسرون على ما فاتهم من العيش في ظلها، ثم أحرقها صاحبها فصارت وما حولها ناراً تلظى، وأحاطت النار بمن تحتها فلم يستطيع أحد منهم الخروج ) .
عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «إنما مثلي ومثلكم مثل الدنيا كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء، حتى إذا لم يدروا ما سلكوا منها أكثر أم ما بقي أنقذوا الزاد وحسروا الظهر، وبقوا بين ظهراني المفازة لا زاد ولا حمولة، فأيقنوا بالهلكة، فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه فقالوا: إن هذا قريب عهد بزيف، وما جاءكم هذا إلا من قريب، فلما انتهى إليهم قال: يا هؤلاء علام أنتم؟ قالوا: على ما ترى؟ قال: أرأيتم إن هديتكم على ماء رواء، ورياض خضر، ما تجعلون لي؟ قالوا: لا نعصيك شيئًا. قال: عهودكم ومواثيقكم بالله. قال: فأعطوه عهودهم، ومواثيقهم بالله لا يعصونه شيئًا، قال: فأوردهم ماء ورياضًا خضراء. قال: فمكث فيهم ما شاء الله. ثم قال: يا هؤلاء الرحيل، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى ماء ليس كمائكم ورياض ليست كرياضكم، قال: فقال جُلُّ القوم وهم أكثرهم: والله ما وجدنا هذا حتى ظننَّا أن لن نجده، وما نصنع بعيش هو خير من هذا! قال: وقالت طائفة وهم أقلهم: ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم بالله لا تعصونه شيئًا، وقد صدقكم في أول حديثه، فوالله ليصدقنكم في آخره، فراح بمن اتبعه وتخلف بقيتهم فبادرهم عدوهم فأصبحوا بين أسير وقتيل». جامع الأحاديث والمراسيل
وكأني بهذه الشجرة الوارفة الظلال الكثيرة الأغصان الجميلة المنظر العطرة الرائحة صاحبة الميدان والتربة والأرض الطاهرة التي غذيت بالإيمان فأثمرت وأينعت وازدادت جمالا على جمالها وعطرا على عطرها لها لسان ينطق وعين تبصر تنادي الآن على العقلاء رؤساء ومرؤوسين لماذا جعلتموني حائرة بينكم لماذا أطلقتم سراحي ولم تقيدوني في قلوبكم هل هنت عليكم لهذا الحد وأصبحت عارا عليكم ؟ ألم تعلموا أني كنت قاعدة من قواعد البناء والتشييد لدولة الإسلام الأولى ؟ ألم تعلموا أني كنت سببا من أسباب نصر المسلمين في بدر وغيرها من معارك الإسلام الأولى ؟ إن لم أعد إليكم لأجمع شملكم وأوحد صفكم وأنزع الفرقة والشقاق والخلاف من بينكم ؟ إن لم تقيدوني في قلوبكم سأشكوكم إلى خالقكم الذي يعرف قدري وساعتها تضلوا الطريق وتنحرفوا عن الجادة والصواب وتعيشوا في أوهام وخراب وتعود إليكم الجرثومة الفتاكة التي أكلت العرب قبل الإسلام ونصرت عليهم اليهود على مر الأيام
أتعلمون أن الذي ربطني وشد وثاقي في قلوبكم هو الله رب العالمين رباط ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم )الأنفال
(فألف بين قلوبكم فأصبحتم بعمته إخوانا ) آل عمران
ولذلك لو قامت الدنيا بأثرها على حل عقدتي ووثاقي فلن تقدر لأني لست واهية ولا ضعيفة
أزداد قوة بالإيمان وأضعف بالمعصية وبدعوى الجاهلية (العصبية) فاتقوا الله في إن أردتم صناعة مستقبلكم وحاضركم (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) ألم تعلموا أني سبب من أسباب الله فمن تمسك بي فقد هدي ووفق لطريق واضح ومحجة مستقيمة غير معوجة فيستقيم بي إلى رضى الله، وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته
آن لكم أن تتمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عَهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله.
لا تقلقي أيتها الشجرة فإن أغصانك مازالت خضرة وعروقك ممتدة في خير أمة أخرجت للناس لا تقلقي من شغب المشاغبين وفساد المفسدين وجهل الجاهلين لا تنظري إلى المتبطلين والعاطلين أقزام العصر والسفلة الغارقين في مستنقع العصبية النتنة الذين لم يعرفوا قدرك وعظيم شأنك اعلمي أنكي في قلوبنا بجذورك وثمارك حلاوتها على ألسنتنا نحب إخواننا ، وإن أساءوا إلينا اعتذرنا لهم ، وقدوتنا في ذلك أصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم ، يقول الإمام الطبري لما نزلت (واذكروا نعمةَ الله عليكم إذْ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا )، الآية. فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يتلوها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضًا، وحتى إن لهم لخنينًا يعني البكاءَ. قال الطبري والخنين: تردد البكاء في الأنف والخياشيم حتى يصير في الصوت مثل الغنة ، لكتمان البكاء من ألم وحياء وخجل. وقد ورد في كثير من الأحاديث من ذلك: "أنه كان يسمع خنينه في الصلاة" ، وفي حديث أنس: "فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ، لهم خنين". تفسير الطبري 6/52
صلى عمر رضي الله عنه بالناس الفجر ثم التفت فقال أين معاذ ؟ وكان معاذ رضي الله عنه يصلي في مؤخرة الصفوف فقال ها أنا يا أمير المؤمنين فقال يا معاذ لقد تذكرتك البارحة فبقيت أتقلب على فراشي حبا وشوقا إليك فتطاولا وتعانقا وتباكيا حتى ضج المسجد بالبكاء . اللهم اجعل حبنا لأهلنا في كل مكان من أرض الله كحب عمر لمعاذ أما آن لإخواننا الذين يتنازعون على حطام الدنيا في اليمن والجزائر ومصر والصومال ودار فور ولبنان والعراق والكويت .... على أرض أو بترول أو إمارة أو سلطة أو كرة أو غير ذلك .......أن يعلنوها لإخوانهم لقد تذكرناكم فنسينا خلافاتكم معنا لقد تذكرناكم فامتنعنا عن رجم القول لقد تذكرناكم فألقينا السلاح
أيها الأحباب إن لم نقم نحن بالأمر فنسقي الشجرة ونتعاهدها فمن يقوم به غيرنا عن أبي عامر عبد الله بن لُحَيٍّ قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان، فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهْلَ الْكَتَابَيْنِ افْتَرَقُوا في دِينِهِمْ عَلَى ثنتيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وإنَّ هذِهِ الأمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً -يعني الأهواء-كُلُّهَا فِي النَّار إلا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارى بِهِمْ تِلْكَ الأهْواء، كَمَا يَتَجَارى الكَلبُ بصَاحِبِهِ، لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مَفْصِلٌ إلا دَخَلَهُ. واللهِ -يَا مَعْشَر العَربِ-لَئِنْ لَمْ تَقُومُوا بِمَا جاء بِهِ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم لَغَيْرُكم مِن النَّاسِ أحْرَى ألا يَقُومَ بِهِ) .تفسير بن كثير 2/85
يا بن سلول اتق الله ياشأس العصر الصغير اتقوا الله يا أصحاب العقول عودوا لدينكم ودعوها فإنها نتنة روى البخاري عن عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ أَلَا نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ) رواه البخاري
( ومعنى كسعه أي ضربه على دبره قال بن حجر في فتح الباري رَجُل لَعَّاب )
أَيْ بَطَّال ، وَقِيلَ : كَانَ يَلْعَب بِالْحِرَابِ كَمَا تَصْنَع الْحَبَشَة ، وَهَذَا الرَّجُل هُوَ جهجاه بْن قَيْس الْغِفَارِيُّ وَكَانَ أَجِير عُمَر بْن الْخَطَّاب ، وَالْأَنْصَارِيّ هُوَ سِنَان بْن وَبْرَة حَلِيف بَنِي سَالِم الْخَزْرَجِيّ) فتح الباري 10/322 ما أكثر البطالين في عالمنا والمتسكعين الذين أضاعوا على جمهور المسلمين حلاوة الأخوة ولذتها وبهجتها
لقد أشار إليها الإمام البنا عليه رحمة الله بقوله : والأمة الإسلامية واحدة لأن الأخوة التي جمع الإسلام عليها القلوب أصل من أصول الإيمان لا يتم إلا بوجودها . الرسائل رسالة الحكم ص 212
إنها الترياق الذي يجمع ولا يفرق والملا س الذي يقوى ولا يضعف والساعد الذي يعمل ولا يكل والدواء الذي يشفى ويداوى ويبرئ ولا يمرض إنها الروح التي بدونها الجسد لا حياة له ولا بقاء إنها كالعطر المهدئ الذي يجذب العقول والقلوب في آن واحد
ولهذا جعلها الإمام البنا زادا للسائرين ونورا للعاملين وركنا من أركان بيعة الإخوان المسلمين في رسالة التعاليم بقوله :
,, وأريد بالأخوة أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها والأخوة أخوة الإيمان والتفرق أخو الكفر وأول القوة قوة الوحدة ولا وحدة بغير حب وأقل الحب سلامة الصدر وأعلاه
مرتبة الإيثار ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) التغابن 16 والأخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وهكذا يجب أن نكون . الرسائل ص276
يعلق الحاج / على ابوشعيشع على ركن الأخوة قائلا
,, إن هذه العقيدة عجيبة فعلا إنها حين تخالط القلوب تربط بينها برباط وثيق فإذا نظرة العين ولمسة اليد ونطق الجارحة وخفقة القلب ترانيم من التعارف والتعاطف ولا يعرف سرها إلا من ألف بين هذه القلوب .فالقرآن الكريم يحذر الجماعة المسلمة من التفرق والاختلاف وينذرها
عاقبة الذين حملوا أمانة منهج الله قبلها من أهل الكتاب ثم تفرقوا واختلفوا فنزع الله الراية منهم وسلمها للجماعة المسلمة المتآخية
إن الجماعة يصلحها أن يحس كل فرد من أفرادها انه يكمل أخاه ويكمله أخوه وان الجميع جسد واحد منه العين ومنه القلب ومنه الروح وهكذا تكون الجماعة ويكون الفرد في الجماعة ،، زاد العاملين ص 224
إنها الملاط الذي يجمع بين لبنات المجتمع فيكون منها جدارا واحدا ليحمى أفراده من حر الصيف وبرد الشتاء ومن العواصف والرياح العاتية وكلما ازدادت متانتها وصلابتها وأصالتها زادت الجدار قوة وصلابة وتماسكا
ولذلك حرص عليها النبي صلي الله عليه وسلم فبمجرد أن وصل إلى المدينة جعلها من دعائم وأسس بناء الدولة الإسلامية الحديثة .
يقول الحاج على أبو شعيشع : وان ذلك المهاجر الذي كان يترك أهله ويفارق أرضه في مكة ويفر بدينه كان يجد أمامه أبناء الإسلام من فتيان يثرب ينتظرون وكلهم شوق إليه وما كان لهم سابق معرفة ولا قديم صلة وإنما هي عقيدة الإسلام جعلتهم يحنون إليه ويتصلون به ويعدونه جزءا من أنفسهم وشقيقا لأرواحهم وما هو إلا أن يصل إلى المسجد حتى يلتف حوله الغر الميامين من الأوس والخزرج كلهم يدعوه إلى بيته ويؤثره على نفسه حتى يؤول الآمر إلى الاقتراع فقد روى البخاري ما معناه : ( ما نزل مها جرى على أنصارى إلا بقرعة ) ولقد خلد القرآن للأنصار ذلك الفضل ابد الدهر فما زال يبدو غرة مشرفة في جبين البشرية في قوله تعالى ( والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) الحشر 9 زاد العاملين ص225
يقول الدكتور محمد السيد : إن الحب والأخوة كالنبع الدافق يسيل وحده ولا يتكلف استخراجه الآلات والأثقال والأخوة لا تفرض بقوانين ومراسيم وإنما هي اثر تخلص الناس من نوازع الأثرة والشح وقد تبودلت بين المسلمين الأولين لأنهم ارتقوا بالإسلام في نواحي حياتهم فكانوا عباد الله إخوانا ولو كانوا عبيد أنفسهم ما أبقى بعضهم على بعض . الهجرة مرحلة من مراحل التغيير الإنساني ص 194
والأخوة الإسلامية هي الرابطة السامية التي تربط بين المسلمين في العالم .. هذه الرابطة المحكمة هي التي يمكن أن تقوم بين البشر جميعا على مختلف لغاتهم وأوطانهم وأنسابهم وألوانهم تحت شعار واحد وراية واحدة .
شعار يستوي فيه البشر جميعا ولا يرتفع احد بلونه أو نسبه أو وطنه بل كل هذه الاعتبارات لا قيمة لها إمام هذا الشعار السامي لأنها من نتاج الجاهلية العمياء التي تزكي نار العداوة والبغضاء بتغذية هذه الاعتبارات ورفعها .شعار يرفع المظلوم الذي استضعفه المجتمع الجاهلي وهضمه حقوقه وكبت فيه روح التنافس والطموح إما لنسبه أو لونه أو غير ذلك من الاعتبارات والمقاييس الجاهلية فأحله هذا الشعار السامي منزلة عالية وسلمه قيادة البشرية فإذا بالعبيد والمستضعفين من رجال الفكر الذين أبعدهم المجتمع الجاهلي عن القيادة نجدهم سادة للأمم وروادا للإصلاح والتوجيه . هذا الشعار هو شعار الأخوة الإسلامية الذي يقتضي وزن الناس بميزان الإسلام الرحيم العادل لا بمقاييس الجاهلية الجائرة
والعلم اليوم قد سئم من ترديد الشعارات الكاذبة التي يرفعها ساسة الدول الكبرى بين الحين والحين زاعمين إنهم يعملون للسلام العالمي وإنهم يحاولون إيجاد روابط بين البشر تقوم على المودة والتفاهم ونبذ حياة الخوف والذعر التي تفرضها الحروب الدامية التي يشعل نارها غالبا قادة الدول الكبرى وأحيانا غلبة العصبية الجاهلية في الشعوب المتخلفة .
والعالم اليوم يتطلع لمن يمد يده إليه لينتشله من حومة الرذائل والحيرة القاتلة والاضطراب النفسي المنهك .. هذه الأمراض النفسية التي وقع في شباكها بسبب طغيان المادة في حياة الناس وتوافر عدد كبير من المجرمين الذين يقومون بالتخطيط الدائم لهلاك البشرية في مقابل ملء كنوزهم بحطام الدنيا الزائل وتربعهم على عرش السيادة العالمية .
والعالم اليوم يتطلع للحياة السعيدة التي يعيش فيها بأمان وتتوافر له فيها ظروف المعيشة الكريمة وأن يتعامل مع الآخرين بالأخلاق الفاضلة والكرامة الإنسانية المتجردة من العدوانية والوحشية .
وذلك كله وغيره من الأماني السامية لا يمكن أن يتحقق إلا بانتشار دعوة الإسلام وسيادته على الأرض وبروز الإخاء الإسلامي العالمي البعيد كل البعد عن العدوان والتسلط والخضوع للعصبية الجاهلية الممقوتة . الأخوة الإسلامية هي الرابطة العالمية 5/6
رد الله إلينا روحها وألبسنا ثوبها وأذاقنا حلاوتها وثبتها في قلوبنا بعد حيرتها آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق