خيانة الضمير بين الإنسان والحيوان المفترس



بقلم الشيخ/عاطف أبو زيتحار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما تقول لإنسان يا منافق فإنه يغضب وينفعل ، ولربما أوقع بك الأذى الأدبي والنفسي أو الجسماني وذلك لخطورة الكلمة ولكبر حجمها ولفداحة خطرها ولقبح شكلها يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) سورة النساء . هذا هو شين فعالهم وقبح حركاتهم وسوء حالهم وفساد باطنهم وظاهرهم ونتن ريحهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) النساء
وضلال وخراب قلوبهم وانحراف وجهتهم (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) النساء
ولذلك عندما تسب إنسانا وتصفه بها يزمجر ويغضب ، وحق له أن يغضب وأن ينفعل وأن يزمجر (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة
وسر غضب العوام من الناس من هذا الوصف القبيح أنه عندما يذكر تنقدح في الذهن كلمة خيانة بمفهومها الضيق المحدود وينصرف الذهن من بين الأوصاف إلى الخيانة المادية ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) رواه البخاري ولو فكر بعين العقل وأمعن النظر ورسم أركان الخيانة على لوحة بيضاء وقام بكتابتها بأقلام سوداء لرأى أن هذا الغضب وهذا الانفعال اللحظي ينبغي أن لا ينقطع وأن يستمر، ولا بد من إعلان الحرب عليها حتى تطهيرها وخلعها واجتثاثها من جذورها
لو علم المسكين أن أكبر أنواع الخيانة خيانة الضمير لقتلته الكلمة كما قتلت لبيد بن الأعصم من قبل كلمة معاوية رضي الله عنهما عندما قال له : فيم الزيادة وقد شبت فقال له بعد أن طعنته الكلمة في مقتل إذا أموت يا أمير المؤمنين وبالفعل مات بعد ثلاثة أيام
*إن خيانة الضمير من شيم الحيوانات المفترسة وإن كان بعضها يؤنب نفسه ويوبخها على هذا النوع من الخيانة حكى بعضهم قال: دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وإلى جانبها جرو ذئب. فقالت: أتدري ما هذا؟ فقلت: لا، قالت: هذا جرو ذئب أخذناه صغيراً وأدخلناه بيتنا وربيناه، فلما كبر فعل بشاتي ما ترى، وأنشدت:
بقرت شويهتي وفجعت قومي ... وأنت لشاتنا ابن ربيب
غذيت بدرها ونشأت معها ... فمن أنباك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء ... فلا أدب يفيد ولا أديب
اللهم إنا نعوذ بك من البغي وأهله، ومن الغادر وفعله. المستطرف للأبشيهي
- جاء في مجمع الأمثال والمستطرف وكتاب الحيوان : أن قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حار، فإنهم لكذلك إذ عرضت لهم أم عامر وهي الضبع فطردوها وأتبعتهم حتى ألجؤوها إلى خباء أعرابي فاقتحمته فخرج إليهم الأعرابي وقال: ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا وطريدتنا، فقال: كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي ، قال : فرجعوا وتركوه وقام إلى لقحة فحلبه وماء فقرب منها فأقبلت تلغ مرة في هذا ومرة في هذا حتى عاشت واستراحت. فبينا الأعرابي نائم في جوف بيته إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وشربت دمه وتركته فجاء ابن عم له يطلب فإذا هو بقير في بيته فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقال: صاحبتي والله فأخذ قوسه وكنانته وأتبعها فلم يزل حتى أدركها فقتلها وأنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف مع غير أهله ... يلاق الذي لاقى مجير أم عامر
أدام لها حين استجارت بقربه ... لها محض ألبان اللقاح الدرائر
وأسمنها حتى إذا ما تكاملت ... فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... بدا يصنع المعروف في غير شاكر .مجمع الأمثال
الخيانة من شيم الحيوانات المفترسة والإنسان الخائن يسبق هذا الحيوان لأن الله ميز الإنسان بالعقل وحباه وكرمه بالفهم والإدراك والشعور ( ولقد كرمنا بني آدم )فإن لم يفعل وخان ضميره فإن منزلته تتدنى وتنحط وتنزل حتى يصبح أحقر وأذل وأقل في المنزلة والمكانة من الحيوان
_الأسد لما خان مدربه وقتله أنّبه ضميره وأخذ يعض في أنامله وأظافره حتى قطعها ثم امتنع عن الطعام ووضع نفسه في محاكمة علنية وأبى أن يدخل عليه أحد حتى مات وهو ينزف قرأت على موقع ترانيم ما مفاده : والقصة بدأت أمام جمهور غفير من المشاهدين في السيرك حينما استدار محمد الحلو ليتلقى تصفيق الجمهور الحاضر بعد نمرة ناجحة مع الأسد المسمى ((سلطان)) ..وفي لحظة قفز الأسد على كتفه من الخلف وأنشب مخالبه وأسنانه في ظهره .. وسقط المدرب على الأرض ينزف دما ومن فوقه الأسد الهائج .. واندفع الجمهور والحراس يحملون الكراسي وهجم ابن الحلو على الأسد بقضيب من حديد وتمكن أن يخلص أباه بعد فوات الأوان .ومات الأب في المستشفى بعد ذلك بأيام .أما الأسد سلطان فقد أنطوى على نفسه في حالة اكتئاب ورفض الطعام .وقرر مدير السيرك نقله إلى حديقة الحيوان باعتباره أسدا شرسا لا يصلح للتدريب.وفي حديقة الحيوان استمر الأسد سلطان على إضرابه عن الطعام فقدموا له أنثى لتسري عنه فضربها في قسوة وطردها وعاود انطواءه وعزلته واكتئابه .وأخيرا انتابته حالة جنون فراح يعض جسده وهوى على ذيله بأسنانه فقضمه نصفين .. ثم راح يعض ذراعه ، الذراع نفسها التي اغتال بها مدربه ، وراح يأكل منها في وحشية وظل يأكل من لحمها حتى نزف ومات .. واضعا بذلك خاتمة لقصة ندم من نوع فريد . ندم حيوان أعجم وملك نبيل من ملوك الغاب عرف معنى الوفاء وأصاب منه حظا لا يصيبه الآدميون . أسد قاتل أكل يديه الآثمتين !!!كانت آخر كلمة قالها ((محمد الحلو)) وهو يموت ..أوصيكم أن لا تقتلوا سلطان .. وصية أمانة لا أحد يقتله .هل سمع الأسد وصية مدربه ؟وهل فهمها . وهل عرف معنى الندم ؟ وهل عاقب نفسه على جريمته ؟ ...انتهى
*إن من يدلي بصوته في الانتخابات ثم يخون ضميره ويخون مجتمعه ويخون أمته بسبب إيمانه بالمصالح والعصبية وتقديمه للمصلحة الخاصة وهوى النفس على مصلحة الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين
لقد علمنا الإسلام في حياتنا أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب يقول الشيخ الغزالي عليه رحمة الله تعالى : الأمانة تقضي بأن نصطفي للأعمال أحسن الناس قياما بها فإذا ملنا عنه إلى غيره لهوى أو رشوة أو قرابة فقد ارتكبنا بتنحية القادر وتولية العاجز خيانة فادحة والأمة التي لا أمانة فيها هي الأمة التي تعبث فيها اشفاعات بالمصالح المقدرة وتطيش بأقدار الرجال الأكفاء
إن تنحية الكفاءات وتولية العاجزين خيانة للأمة .
عن ابن عباس رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من استعمل عاملا من المسلمين وهو يعلم أن فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين) رواه البيهقي في السنن الكبرى
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:مَنْ أَعَانَ بِبَاطِلٍ لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقًّا، فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَشَى إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ ليُذِلَّهُ، أَذَلَّهُ اللَّهُ مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ مِنَ الْخِزْي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، سُلْطَانُ اللَّهِ كِتَابُ اللَّهِ وسنة نبيه، وَمَنْ تَوَلَّى مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ تَرَكَ حَوَائِجَ النَّاسِ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَوَائِجَهُمْ وَيُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِحَقِّهِمْ، وَمَنْ أَكَلَ دِرْهَمَ رِبًا فَهُوَ ثَلاثٌ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً، وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ.) .رواه الطبراني وأحمد
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إذا وسد الأمر إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ) رواه البخاري
وروى أحمد وبن ماجه والطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرويبضة قِيلَ : وَمَا الرويبضة ؟ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)
وما شكواي أو شكواك إلا بسبب غياب الرجل المناسب في حياتنا الاقتصادية والسياسية والفكرية ....وجلوس الرويبضة على الكرسي ليطل علينا بآرائه وفكره المغلوط والمقلوب ولغته العرجاء التي كثيرا ما أتت بأمتنا إلى الخلف ....
*إن خطر خيانة الضمير أكبر من خطر ترك فروض الكفاية على المجتمع والأمة ، لأن النزول إلى ميدانها والأكل على موائدها والجري في ساحاتها يأكل مقاصد الشريعة والدين كما تأكل النار الحطب ، ويحلق الخير والصلاح كما يحلق الرجل شعره ، ويمزق الأخلاق والأعراف الحسنة كما يمزق الرجل الخرقة والثياب
إن حركة قلم منك على ورقة الإصلاح والتغيير قد تغير واقعا مرا وتحي مجتمعا وتمنع باطلا وتحق حقا وترد ظلما وتحيي نفسا ، روى زياد عن مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه قال لما بعث أبو جعفر إلى مالك بن أنس وابن طاوس قال دخلنا عليه وهو جالس على فرش وبين يديه أنطاع قد بسطت وجلادون بأيديهم السيوف يضربون الأعناق فأومأ إلينا أن اجلسا فجلسنا فأطرق زمانا طويلا ثم رفع رأسه والتفت إلى ابن طاوس وقال حدثني عن أبيك قال سمعت أبي يقول قال رسول الله إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله تعالى في ملكه فأدخل عليه الجور في حكمه فأمسك أبو جعفر ساعة حتى اسود ما بيننا وبينه قال مالك فضممت ثيابي مخافة أن ينالها شيء من دم ابن طاوس ثم قال يا ابن طاوس ناولنى هذه الدواة فأمسك عنه فقال ما يمنعك أن تناولنيها قال أخاف أن تكتب بها معصية فأكون شريكك فيها فلما سمع ذلك قال قوما عني فقال ابن طاوس ذلك ما كنا نبغي قال مالك فما زلت أعرف لابن طاوس فضله من ذلك اليوم . المستطرف في كل فن مستظرف
إن الرجل أبى أن يمسك الدواة بيده خوفا من أن يشارك في ظلم أحد وأنا وأنت إن شاركنا في وضع الرجل الغير مناسب ألسنا نشارك في زيادة عدد المنتحرين ، لقد انتحر في رمضان الماضي ما يقرب من ثمانية عشر رجلا منهم رجل انتحر في ليلة القدر بسبب الغلاء وكثرة الوباء ، ألسنا نشارك باختيارنا السيئ في زيادة عدد فتياتنا اللاتي لم يتزوجن بعد ؟ فعددهن الآن أكثر من 9 مليون عانس . ألسنا نشارك باختيارنا للرجل الغير مناسب في زيادة البطالة التي يربو عدد أفرادها من معدومي الدخل إلى أكثر من سبعة ملايين فرد؟ ألسنا باختيارنا الغير مناسب نشارك في نشر الأمية والجهل وتفشي الأمراض ؟ فعندنا أكثر من ثلاثين مليون لا يجيدون القراءة وأكثر من سبعة مليون مريض بأمراض سرطانية ، ألسنا باختيارنا السيئ نشارك في سرقة خيرات بلادنا ونهبها وبيعها مثل الغاز والأرض .... ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)) الأنفال . روى البخاري بسنده عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبْ الْأَرْضَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)
*إن الخائن الذي يخون ضميره ويجري خلف هواه وشيطانه ويؤمن بمسايرة الواقع والتبعية العمياء للآباء والكبراء يوم القيامة يعتريه الندم بعد فوات الأوان ، إنه يريد أن يستدرك ولو للحظة ولكن هيهات الموطن موطن حساب لا موطن استدراك يقول تعالى :(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)) الفرقان ويقول تعالى : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)) الأحزاب ، ويقول تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) ) البقرة ويقول تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) إبراهيم
*فأقبل أخي الكريم وشارك ولا تخن ضميرك وأمتك بسوء اختيارك انزل إلى الميدان لأنك بنزولك تكشف الباطل وتعريه يقول تعالى :(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) ) الرعد
متعنا الله بالصحة والعافية ،وجعلنا ممن يؤدون الأمانة على أكمل وجه ويبتعدون عن الخيانة ،وجعلنا ممن يشاركون في بناء مجد أمتهم وصلاح وإصلاح مجتمعاتهم آمين ..آمين والحمد لله رب العالمين

هناك تعليق واحد: