رفسة الفرس

بقلم الشيخ\\عاطف أبو زيتحار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
"لن أدعك تمسح عارضيك بي مرتين" كلمات انسابت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عزة الجمحي الذي أُسر في غزوة بدر , وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليه الميثاق أن لا يخرج لقتاله مرة ثانية , فخرج في أُحد بعد أن غرّر به صفوان .. أخرج الواقدي من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب قال: أمّن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسرى يوم بدر أبا عزة عمرو بن عبد الله بن عمير الجمحي وكان شاعراً , فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال: لي خمس بنات ليس لهن شيء , فتصدق بي عليهن يا محمد ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو عزة: أعطِك موثقاً لا أقاتلك أبداً , فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما جاءت غزوة أحد ظل صفوان به حتى خرج , فأُسر ولم يُؤسر غيره من قريش , فقال يا محمد امنن علي فلي خمس بنات , فتصدق بي عليهن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين , يا عاصم بن ثابت قدمه فاضرب عنقه" , فقدمه عاصم فضرب عنقه ..
إنه ليس من العيب أن يقع الإنسان , ولكن العيب كل العيب
أن يظل راقداً على الأرض , تركله الأرجل , وتنال منه الأيدي... لقد سرق اللصوص مجوهراتنا ونهبوا خيراتنا , بسبب عدم حراستنا الجيدة , وفي نفس الوقت قوة خصمنا وشدة عناده.. فهل نترك لهم ثغرة ليعودو من جديد ويقوضوا ما بقي في البيت من جدران , ويسرقوا ما بقي من أساس ؟
لقد عادت لنا قوتنا , واستنشقنا عبير حريتنا , ونفضنا الغبار عن رؤوسنا ... فهل نقوم بسد كل الثغرات حتى لا يعود اللص من جديد ..؟؟
إنه من السذاجة في الوعي السياسي أن تجد فرصة على خصمك ثم تفوتها مادام فيها صالح العباد والبلاد بعيداً عن التآمر والخيانة والتربص , أو تأخذ منه عهوداً ومواثيقاُ تؤمن مستقبلك , وتحفظ حقوقك... قال يعقوب عليه السلام لأبنائه عندما طلبوا منه أن يترك لهم أخاهم يذهب معهم .. "قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)" يوسف
أخذ منهم الميثاق لأن ماضيهم السيئ مع يوسف عليه السلام يوم أن تآمروا عليه باق في نفسه , وعالق في ذهنه...
إن الغفلة اليوم عن ماضي اللصوص السيء غباء وبلادة فلنفطن لهم , لأن مثَل لصوص اليوم الذين عدوا علينا في السياسة والاقتصاد والفن والتعليم والإعلام , كمثل الأعرابي الذي احتضن الضبعة وغفل عن ماضيها وعن طبعها التي جبلت عليه ..
يحكى أن قوماً خرجوا إلى الصيد ، و بينما هم في عرض الصحراء إذ خرجت عليهم ضبع ، فطاردوها فهربت منهم حتى دخلت إلى خباء أعرابي ؛ فخرج إليهم الأعرابي وقال: ما شأنكم؟ فقالوا: صيدنا وطريدتنا ، فقال: كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت سيفي بيدي ، ومن أخلاق العرب أنهم إذا استجار بهم أحد لا يخذلونه ، فرجع الصيادون وتراجعوا , فقام الأعرابي إلى شاة عنده فحلبها و قربها إلى الضبع , وقرب إليها إناء ماء , فأقبلت تشرب مرة من هذا ومرة من ذاك , حتى ارتوت واستراحت وعادت لها الحياة و نامت ..!! وبينما الأعرابي نائم في جوف الليل إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وشربت دمه وأكلت لحمه ثم تركته ..!! .. فجاء ابن عم له يزوره في الصباح و إذ به مجندل وقد بُقر بطنه و أُكِل قلبه ..!! .. فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقال: هي والله التي أجارها بالأمس ..!!.. فأخذ قوسه وكنانته وتبعها ؛ فلم يزل يبحث عنها حتى أدركها فقتلها .. .. ثم بكى على ابن عمه عند جثتها وانشأ يقول :
ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي ما لاقى مجير أم عامر
أدام لـها حين استجـارت بقربه ... قـراها مـن ألبان اللقاح الغزائر
وأسمنها حتى إذا ما تكاملت ... فرته بـــأنياب لهــا وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... غداً يصنع المعروف مع غير شاكر
هل من المعقول بعد أن رأى بن عمه مبقور البطن مُلقى الأحشاء يجيرها مرة ثانية؟ بالطبع والتأكيد لا وألف لا .
ونحن بعد أن مزقوا أحشاءنا بالأمراض المستوردة , ونهبوا خيرات بلادنا , وخربوا مدارسنا وجامعاتنا , وشوهوا سمعتنا , وأهدروا كرامتنا , واستهانوا بآدميتنا .....إلخ ندعهم يمسحوا عوارضهم بنا مرة ثانية .. لا وألف لا.. ومن أعطاهم الأمان , فلا يلومن إلا نفسه..
يا شعب لا تشكوا الشقاء ولا تطل فيه نواحك
لو لم تكن بيديك مجروحا لضمدنا جراحك
أيسيل صدرك من جراحتهم وتعطيهم سلاحك
فإذا بهم يرخون فوق خسيس دنياهم وشاحك
لهفي عليك أهكذا تطوي على الذل جناحك
الواعي والمدرك له صوتنا
لقد بشر الله خديجة رضي الله عنها بقصر في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب .. لأنها قدمت ثمن بنائه , فكانت وزير صدق لزوجها , فهي الواعية الفاهمة المدركة لما يحمله زوجها من قيم غالية ورسالة عالية , استمع إلى قولها وانظر إلى فعلها , عندما جاءها خائفاً وجلاً بعد نزول الوحي عليه في غار حراء "كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق "
أما الجونية التى استقبلته في ليلة زفافها بأعوذ بالله منك , قال لها :الحقي بأهلك .. لأنها قليلة الوعي والإدراك , فكيف تستقبل وحياً , أو تُعلم سنة , أو تحفظ حديثاً..؟
وبمثل ذلك عند اختيارنا لرجل المرحلة نائباً كان أو رئيساً .... ينبغي علينا أن نختار الفطن اللبيب الفاهم الواعي الخبير العالم بالمهمة القادر على آدائها كاملة غير منقوصة .. فإذا ملنا عنه لغيره لهوى أو رشوة أو قرابة , فقد ارتكبنا بتولية العاجز وتنحية القادر خيانة فادحة كما قال الشيخ الغزالى عليه رحمة الله: والأمة التي لا أمانة فيها هي الأمة التي تعبث فيها إشفاعات بالمصالح المقدرة وتطيش بأقدار الرجال الأكفاء إن تنحية الكفاءات وتولية العاجزين خيانة للأمة يقول صلى الله عليه وسلم : " من استعمل رجل من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه , فقد خان الله ورسوله والمؤمنين "
لأن العمل في المجالس النيابية أو المحلية أو النقابية أو الطلابية حرفي بامتياز , فلابد للنائب من أن يكون على علم بمداخل ومخارج وحرفية العمل , فمثلاُ نائب الشعب عليه أن يستوعب اللائحة التي تحمل أكثر من ستمائة مادة , ويكون عارفاً باللجان المؤقتة والدائمة والمشتركة والنوعية والتخصصية ... وكيفية إعداد التقارير , والأدوات الرقابية , والفرق بين طلب الإحاطة والاستجواب ...إلخ
إن عريض الوساد لا مكان له في مجلس الشعب أو الشورى أو المحليات أو النقابات أو الاتحادات الطلابية المقبلة , لأننا على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها التحول والنهوض , فكيف ينهض قليل الفهم ببلده أو مؤسسته ..؟
يحكى أن امرأة قالت لزوجها قل لي كلمة , وكان قليل الذكاء , فقال لها أنت الطيبة , فكررت عليه السؤال , فقال لها أنت الطيبة , فكررت تستنطقه , فقال لها ماذا تريدين ؟ قالت قلي أنت طالق , فقال لها أنت طالق , فانطلق إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وطلبت منه أن يفرق بينها وبين زوجها لأنه طلقها , فأرسل إليه وسأله , فأخبره بما حدث بينه وبين زوجه , فضربه عمر على رأسه عشرين سوطاً ثم أمره أن يعود بزوجته إلى بيتها ويوجع رأسها كما أوجع بسوطه رأسه .
إن المرأة ضاقت زرعاً من سوء فهمه وقلة ذكائه , فاحتالت له حتى تتخلص منه ..
فهل نتخلص من قليلي الذكاء عريضي الوساد قبل أن يجهزوا على البقية المتبقية من بلادنا؟؟
السجن التربوي
يقول الله تعالى :"وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) " التوبة
لقد صُنع لمرارة وكعب وهلال رضي الله عنهم سجن تربوي بعد أن تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر , حيث أوقف النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم خمسين ليلة حتى يستقيم أمرهم على أمر الله , ولا يقعوا في المخالفات مرة ثانية , ويكونوا عبرة لغيرهم.
إن للهَجْر التربوي أثره في استقامة المجتمع , فهل نعزل كل من أفسد أو شارك في إفساد حياتنا لفترة من الزمن حتى يستقيم أمره , ويُبعد عن بلادنا خطره ؟؟
إن آكلة العذرة أو ما تسمى بالجلالة تحبس فترة على العلف الطاهر حتى تُغير مرعاها , وأثناء الحبس لا تؤكل ولا تُركب , وهؤلاء لوثوا حياتنا بفسادهم , فهل نقوم بعزلهم فترة حتى تطهر مرعاهم مما علق بها من فساد؟؟
وصدق من قال:
رفسة الفرس تركت على الجبين شجاً وعلمت القلب أن يحترس
نسأل الله أن يحفظ بلادنا , وأن يولي أمورنا خيارنا , وأن يؤمنا في أوطاننا ,, اللهم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
Atef_200955@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق