عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع تأمل الآية الكريمة نلحظ أن الله تعالى لم يقل بعد العسر يسراً وإنما قال "مع العسر يسراً" أي أن اليسر يخرج من رحم العسر , والفرج يخرج من رحم الضيق , والصحة تخرج من رحم المرض , والغنى يخرج من رحم الفقر , والنعيم يخرج من رحم البؤس , والربح يخرج من رحم الخسارة , والنصر يخرج من رحم الهزيمة , والشبع يخرج من رحم الجوع , والري يخرج من رحم العطش , والبسمة تطارد الدمعة , والأمن يطارد
الخوف , والسكينة تطارد الفزع , والحق يطارد الباطل.. , وهذا ما نراه من آيات الله البينات , فنرى الصبح يطارد الليل , والزرع يطارد الصحراء ويقتحم ساحاتها , والنوم يطارد السهر , والنور يطارد الظلام , والري يطارد الظمأ , والشبع يطارد الجوع ... وفي كل هذا تسرية لكل مبتلى بشدة وعسر وفاقة.
- يونس عليه السلام عندما خرج من قريته مغاضبا قبل أن يؤذن له بالخروج " وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)" فأخرجه الله من بطن الحوت ومن ظلمات البحر. - كليم الرحمن موسى عليه السلام يخرج من بين الأمواج المتلاطمة بعد أن رفع شعار الثقة في موعود الله " كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" أي وعدني ربي النجاة ولا خلف لوعده , وهو ما كان " وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)"
- المعصوم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في الغار , عندما سمع رسالة سلبية من الصديق رضي الله عنه : لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا , رد عليه معلماً "إن مع العسر يسراً" ومع الشدة والضيق فرجاً ," ما ظنك باثنين الله ثالثهما" يقول تعالى:" إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)" التوبة.
- زكريا عليه السلام , بلغ من العمر عتياً وكانت امرأته عاقراً , بعد أن دعا ربه أصلح الله له زوجه , ووهبه يحي الذي آتاه الله الكتاب وأمره أن يأخذه بقوة " وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)" الأنبياء
- نوح عليه السلام من بين الأمواج الهادرة ترسو سفينته على اليبس ونجاه الله ومن معه من المؤمنين ," وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)"هود
- إبراهيم عليه السلام وهبه الله الولد على كبر فشكر ربه وحمده على هبته " رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)"الصافات "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)" إبراهيم
- هذه خديجة رضي الله عنها فهمت معنى الحرية , فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رأت في وجهه الخوف الفطري بعد لقائه جبريل عليه السلام لأول مرة ".. كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ , وَتَحْمِلُ الْكَلَّ , وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ , وَتَقْرِي الضَّيْفَ , وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.." وكأنها تقول له : أنت ستحمل كثيراً من أثقال الحياة التي لا يطيقها المهازيل والمرضى والخوارين ومن يحملون عقول وقلوب أطفال , أنت صاحب منكب شديد , صبار في تعريف الناس بالحق , عملاق في نصرة المظلوم والضعيف , ولذلك نصيبك من شدائد الحياة أكثر من غيرك , فسر على بركة الله ولا تتردد , وأرادت أن تؤكد له ذلك , فأخذت بيده إلى عمها ورقة بن نوفل الذي أكد كلامها وعرفه بطبيعة الطريق وشدائده وعسره , فقال له :" هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ.." رواه البخاري عن عائشة , ولذلك نهض النبي صلى الله عليه وسلم برسالة ربه وبلغها وأداها أتم أداء وبلاغ , وعندما ساوموم عليها أجاب:"والله لو وضعوا الشمس في يميني , والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه " وفي رواية :"حتى تنفرد هذه السالفة " ولذلك عندما أخرجوه من مكة المكرمة أقام دولته في المدينة , فلم ييأس ولم يقنط.
- وهذا عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه عالم الدنيا في عهده ومحدثها , كان أفطس , مفلفل الشعر , دميم الخلقة , قعيد , كفيف .., وبالرغم من ذلك حول محنته هذه إلى منحة فعلم أجيالا الفقه والحديث واللغة ..
- أحمد بن حبنل وبن تيمية عليهما الرضوان حبسا وعذبا , فخرج الأول من محبسه إماما لأهل السنة , وأَخرج الثاني لنا علماً جماً غفيراً كثيراً وفيراً على رأسه كتابه القيم الفتاوى الكبرى .
- السرخسي وبن الأثير وبن الجوزي رحمهم الله جميعا ً, وضع الأول في قعر بئر فألف المبسوط في الفقه , والثاني أقعد فألف الكامل في التاريخ , وجامع الأصول , والنهاية في الحديث , والثالث نفي فجود القرءان , وكتب القراءات السبع ..
- الأحنف بن قيس والأعمش , الأول نحيف الجسم أحدب الظهر أحنى الساقين وبالرغم من ذلك لقب بحليم العرب , والثاني من الموالي ضعيف فقير ممزق الثياب رث الهيئة .. وبالرغم من ذلك لقب بمحدث الدنيا .
- لقد ظهرت الحرية كاملة في قصة يوسف عليه السلام وهو ينتقل من طور شدة إلى أخرى , فمن الجب إلى الفتنة ثم إلى السجن "السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)" يوسف , ثم خرج من السجن أصلب عودا وأقوى عزيمة "اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)" يوسف , لم تلن له قناة ولم تضعف له قوة , مضى في سبيله لم يعقه جب ولا مؤامرة ولا سجن " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)" يوسف
- قصة الملأ من بني إسرائيل كشفت لنا عن عبيد كثر , حركتهم الحماسة الفائرة وعندما جد الجد تركوا إخوانهم في الميدان وحدهم فريسة لأعدائهم تتناوشهم السهام من هنا وهناك لولا أن أدركتهم عناية الله وحفظه " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" لقد استيقظ القوم بعد عتاب الله لهم , وعتاب الله في أغلب الأحوال دماء , فلقد حادوا عن منهج الله فحرفوا وبدلوا وأكلوا الحرام وقتلوا العلماء والعباد وعثوا في الأرض فساداً , فسامهم عدوهم سوء العذاب فاستغاثوا بنبيهم"ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)" البقرة , بعد أن دخلوا في دوائر الجد وحيز التنفيذ لاذ أغلبهم بالفرار وبقيت قلة خاض بهم ملكهم غمار التجربة حتى يخلص العبيد من الأحرار"فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)" البقرة , بقي مع ملكهم ثلاثمائة وخمسة عشر بعد أن كان العدد ثمانمائة ألف أو ثمانون ألفا كما في بعض الروايات , لقد بقي مع ملكهم خلاصة الخلاصة من الأحرار وفر العبيد أو رسبوا في الاختبار, ليثبتوا أن العبيد في دنيا المادة والعسر والشدة كثرة والأحرار قلة , ليثبتوا أنهم كثرة ولكنهم غثاء كغثاء السيل " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" , ليثبتوا أن الحر يوزن بمئات من العبيد .
- أخي الحبيب كن حراً واصنع من الشدة والضيق فرجاً , والعسر يسراً , والخسارة ربحاً , والمرض صحة ’ والفقر غنى , لا تكن عبداً فتغلق على نفسك بابك خوفاً من غبار الطريق , ولا تفر من الميدان خوفاً من بارقة السلاح وروعة الزحف وكثرة العدو..بل اثبت تعش كبيراً وتموت كبيراً وتبعث في زمرة الكبار يوم القيامة.
إذا رماك ربك بالعسر والضيق والشدة فكن بجواره تنجوا
سأل أحد الرجال رجلا صالحا مؤمنا سؤالا قال له: إذا كان ربك يرمينا بسهام قدره فتصيبنا فكيف لي بالنجاة ؟ فقال له كن بجوار الرامي تنجوا. إذا رماك ربك بسهم المرض فضعفت , فكن بجواره تنجوا وتصح وتقوى , وإذا رماك بسهم الفقر فقلّ مالك وخويت خزائنك , فكن بجوار الرامي تنجوا وتُغنى وتمتلئ خزائنك , وإذا رماك بسهم البؤس فأصبحت في شقاء , فكن بجوار الرامي تنعم وتسعد , وإذا رماك بسهم الخسارة , فكن بجواره تربح وتكسب , وإذا رماك بسهم الهزيمة فأصاب منك العدو فكن بجواره تنجوا وتنصر " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)" الأنفال إنك أخي عندما تحتمي به وتلجأ إليه يُضعف من حر الشدة والعسر في قلبك ويفلّ من حدّها على بدنك , يقول بن رجب الحنبلي في نور الاقتباس :فمن قام بحقوق الله عليه فإن الله يتكفل بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة , ومن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فليرع حقوق الله عليه , ومن أراد أن لا يصيبه شيء مما يكره فلا يأت شيئا مما يكرهه الله منه . نور الاقتباس 141 , يقول تعالى:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)" البقرة , ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "وإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وخطيئة وإني لا أثق إلا برحمتك"
- لقد أصيبت المدينة بسهم القحط فلجأ القوم إلى الرامي وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخاطبه فخاطبه وناجاه من فوق المنبر , عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْكُرَاعُ هَلَكَتْ الشَّاءُ فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا قَالَ أَنَسٌ وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ" رواه البخاري
- ورميت امرأة بسهم القدر في زوجها أثناء خروجه للجهاد في سبيل الله , فقال لها النسوة كيف تأكلين وتطعمين أولادك ؟, فردت عليهم وقالت : منذ تزوجنا عرفته أكالاً وليس رزاقاً , فإذا مات الأكال بقي الرزاق . إنها كثيرة الوقوف بجوار الرامي من أجل ذلك كانت الإجابة حاضرة جاهزة .
- ورمي أهل بيت بسهم الفقر , فوقفوا بجوار الرامي وتوكلوا عليه , فرزقهم من حيث لا يحتسبوا , فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَهُ فِي السَّلَفِ الْخَالِي لَا يَقْدِرَانِ عَلَى شَيْءٍ فَجَاءَ الرَّجُلُ مِنْ سَفَرِهِ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ جَائِعًا قَدْ أَصَابَتْهُ مَسْغَبَةٌ شَدِيدَةٌ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ أَعِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ نَعَمْ أَبْشِرْ أَتَاكَ رِزْقُ اللَّهِ فَاسْتَحَثَّهَا فَقَالَ وَيْحَكِ ابْتَغِي إِنْ كَانَ عِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ نَعَمْ هُنَيَّةً نَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِ الطَّوَى قَالَ وَيْحَكِ قُومِي فَابْتَغِي إِنْ كَانَ عِنْدَكِ خُبْزٌ فَأْتِينِي بِهِ فَإِنِّي قَدْ بَلَغْتُ وَجَهِدْتُ فَقَالَتْ نَعَمْ الْآنَ يَنْضَجُ التَّنُّورُ فَلَا تَعْجَلْ فَلَمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا سَاعَةً وَتَحَيَّنَتْ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لَهَا قَالَتْ هِيَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا لَوْ قُمْتُ فَنَظَرْتُ إِلَى تَنُّورِي فَقَامَتْ فَوَجَدَتْ تَنُّورَهَا مَلْآنَ جُنُوبَ الْغَنَمِ وَرَحْيَيْهَا تَطْحَنَانِ فَقَامَتْ إِلَى الرَّحَى فَنَفَضَتْهَا وَأَخْرَجَتْ مَا فِي تَنُّورِهَا مِنْ جُنُوبِ الْغَنَمِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَخَذَتْ مَا فِي رَحْيَيْهَا وَلَمْ تَنْفُضْهَا لَطَحَنَتْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" رواه أحمد
أخي الكريم : إذا رماك بقوس قدره في مالك , أو ولدك , أو نفسك .. , أو وطنك , فقف بجوار الرامي بالدعاء والقيام والاستغفار تنجو" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)" نوح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا , فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ" رواه مسلم.. صلى ركعتين في جوف الليل وناجه وأكثر من الاستغفار يفتح لك الأبواب والأقفال.. فرج الله هموم المهمومين وأزاح كرب المكروبين من أمة سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع تأمل الآية الكريمة نلحظ أن الله تعالى لم يقل بعد العسر يسراً وإنما قال "مع العسر يسراً" أي أن اليسر يخرج من رحم العسر , والفرج يخرج من رحم الضيق , والصحة تخرج من رحم المرض , والغنى يخرج من رحم الفقر , والنعيم يخرج من رحم البؤس , والربح يخرج من رحم الخسارة , والنصر يخرج من رحم الهزيمة , والشبع يخرج من رحم الجوع , والري يخرج من رحم العطش , والبسمة تطارد الدمعة , والأمن يطارد
الخوف , والسكينة تطارد الفزع , والحق يطارد الباطل.. , وهذا ما نراه من آيات الله البينات , فنرى الصبح يطارد الليل , والزرع يطارد الصحراء ويقتحم ساحاتها , والنوم يطارد السهر , والنور يطارد الظلام , والري يطارد الظمأ , والشبع يطارد الجوع ... وفي كل هذا تسرية لكل مبتلى بشدة وعسر وفاقة.
لنا في الأنبياء أسوة
- فرج الله كرب إبراهيم عليه السلام وفتح له شرفات اليسر من رحم العسر " قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)" الأنبياء , روى الإمام الطبري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنها: لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من شدّة بردها، فلم يبق يومئذ نار في الأرض إلا طفئت، ظنت أنها هي تعنى، فلما طُفئت النار نظروا إلى إبراهيم، فإذا هو رجل آخر معه، وإذا رأس إبراهيم في حجره يمسح عن وجهه العرق، وذكر أن ذلك الرجل هو ملك الظلّ....وفي رواية أخرى عن كعب، قال: ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه , وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله:( قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) قال: بردت عليه حتى كادت تقتله، حتى قيل: وسلاما، قال: لا تضرّيه , وعن المنهال بن عمرو، قال: قال إبراهيم خليل الله: ما كنت أياما قطّ أنعم مني من الأيام التي كنت فيها في النار. وروى الطبري أيضا بسنده عن سعيد قال: لمَّا ألقي إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم في النار، قال الملك خازن المطر: رب خليلك إبراهيم، رجا أن يؤذن له فيرسل المطر، قال: فكان أمر الله أسرع من ذلك فقال:" قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ " فلم يبق في الأرض نار إلا طُفئت. تفسير الطبري بإيجاز
- يونس عليه السلام عندما خرج من قريته مغاضبا قبل أن يؤذن له بالخروج " وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)" فأخرجه الله من بطن الحوت ومن ظلمات البحر. - كليم الرحمن موسى عليه السلام يخرج من بين الأمواج المتلاطمة بعد أن رفع شعار الثقة في موعود الله " كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" أي وعدني ربي النجاة ولا خلف لوعده , وهو ما كان " وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)"
- المعصوم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في الغار , عندما سمع رسالة سلبية من الصديق رضي الله عنه : لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا , رد عليه معلماً "إن مع العسر يسراً" ومع الشدة والضيق فرجاً ," ما ظنك باثنين الله ثالثهما" يقول تعالى:" إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)" التوبة.
- زكريا عليه السلام , بلغ من العمر عتياً وكانت امرأته عاقراً , بعد أن دعا ربه أصلح الله له زوجه , ووهبه يحي الذي آتاه الله الكتاب وأمره أن يأخذه بقوة " وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)" الأنبياء
- نوح عليه السلام من بين الأمواج الهادرة ترسو سفينته على اليبس ونجاه الله ومن معه من المؤمنين ," وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)"هود
- إبراهيم عليه السلام وهبه الله الولد على كبر فشكر ربه وحمده على هبته " رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)"الصافات "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)" إبراهيم
العسر بين العبيد والأحرار
الحر يصنع من الحنظل دواء , ومن الليمون عصيراً وشراباً , ومن السم ترياقاً , إنه يتعزى بأهل البلاء , ويستعذب البلاء والعسر في سبيل الله , إنه يحول الخسائر إلى أرباح , والمحن إلى منح , والعسر إلى يسر , أما الرعديد الجاهل لا يرى في العسر والشدة إلا الضيق والنكد والضجر والتعاسة والهم والغم والحزن والكدر والوصب والنصب, يجعل من المصيبة مصائب لضيق صدره وانعدام تفكيره وانطماس بصيرته. - هذه خديجة رضي الله عنها فهمت معنى الحرية , فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رأت في وجهه الخوف الفطري بعد لقائه جبريل عليه السلام لأول مرة ".. كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ , وَتَحْمِلُ الْكَلَّ , وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ , وَتَقْرِي الضَّيْفَ , وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.." وكأنها تقول له : أنت ستحمل كثيراً من أثقال الحياة التي لا يطيقها المهازيل والمرضى والخوارين ومن يحملون عقول وقلوب أطفال , أنت صاحب منكب شديد , صبار في تعريف الناس بالحق , عملاق في نصرة المظلوم والضعيف , ولذلك نصيبك من شدائد الحياة أكثر من غيرك , فسر على بركة الله ولا تتردد , وأرادت أن تؤكد له ذلك , فأخذت بيده إلى عمها ورقة بن نوفل الذي أكد كلامها وعرفه بطبيعة الطريق وشدائده وعسره , فقال له :" هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ.." رواه البخاري عن عائشة , ولذلك نهض النبي صلى الله عليه وسلم برسالة ربه وبلغها وأداها أتم أداء وبلاغ , وعندما ساوموم عليها أجاب:"والله لو وضعوا الشمس في يميني , والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه " وفي رواية :"حتى تنفرد هذه السالفة " ولذلك عندما أخرجوه من مكة المكرمة أقام دولته في المدينة , فلم ييأس ولم يقنط.
- وهذا عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه عالم الدنيا في عهده ومحدثها , كان أفطس , مفلفل الشعر , دميم الخلقة , قعيد , كفيف .., وبالرغم من ذلك حول محنته هذه إلى منحة فعلم أجيالا الفقه والحديث واللغة ..
- أحمد بن حبنل وبن تيمية عليهما الرضوان حبسا وعذبا , فخرج الأول من محبسه إماما لأهل السنة , وأَخرج الثاني لنا علماً جماً غفيراً كثيراً وفيراً على رأسه كتابه القيم الفتاوى الكبرى .
- السرخسي وبن الأثير وبن الجوزي رحمهم الله جميعا ً, وضع الأول في قعر بئر فألف المبسوط في الفقه , والثاني أقعد فألف الكامل في التاريخ , وجامع الأصول , والنهاية في الحديث , والثالث نفي فجود القرءان , وكتب القراءات السبع ..
- الأحنف بن قيس والأعمش , الأول نحيف الجسم أحدب الظهر أحنى الساقين وبالرغم من ذلك لقب بحليم العرب , والثاني من الموالي ضعيف فقير ممزق الثياب رث الهيئة .. وبالرغم من ذلك لقب بمحدث الدنيا .
- لقد ظهرت الحرية كاملة في قصة يوسف عليه السلام وهو ينتقل من طور شدة إلى أخرى , فمن الجب إلى الفتنة ثم إلى السجن "السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)" يوسف , ثم خرج من السجن أصلب عودا وأقوى عزيمة "اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)" يوسف , لم تلن له قناة ولم تضعف له قوة , مضى في سبيله لم يعقه جب ولا مؤامرة ولا سجن " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)" يوسف
- قصة الملأ من بني إسرائيل كشفت لنا عن عبيد كثر , حركتهم الحماسة الفائرة وعندما جد الجد تركوا إخوانهم في الميدان وحدهم فريسة لأعدائهم تتناوشهم السهام من هنا وهناك لولا أن أدركتهم عناية الله وحفظه " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" لقد استيقظ القوم بعد عتاب الله لهم , وعتاب الله في أغلب الأحوال دماء , فلقد حادوا عن منهج الله فحرفوا وبدلوا وأكلوا الحرام وقتلوا العلماء والعباد وعثوا في الأرض فساداً , فسامهم عدوهم سوء العذاب فاستغاثوا بنبيهم"ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)" البقرة , بعد أن دخلوا في دوائر الجد وحيز التنفيذ لاذ أغلبهم بالفرار وبقيت قلة خاض بهم ملكهم غمار التجربة حتى يخلص العبيد من الأحرار"فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)" البقرة , بقي مع ملكهم ثلاثمائة وخمسة عشر بعد أن كان العدد ثمانمائة ألف أو ثمانون ألفا كما في بعض الروايات , لقد بقي مع ملكهم خلاصة الخلاصة من الأحرار وفر العبيد أو رسبوا في الاختبار, ليثبتوا أن العبيد في دنيا المادة والعسر والشدة كثرة والأحرار قلة , ليثبتوا أنهم كثرة ولكنهم غثاء كغثاء السيل " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" , ليثبتوا أن الحر يوزن بمئات من العبيد .
- أخي الحبيب كن حراً واصنع من الشدة والضيق فرجاً , والعسر يسراً , والخسارة ربحاً , والمرض صحة ’ والفقر غنى , لا تكن عبداً فتغلق على نفسك بابك خوفاً من غبار الطريق , ولا تفر من الميدان خوفاً من بارقة السلاح وروعة الزحف وكثرة العدو..بل اثبت تعش كبيراً وتموت كبيراً وتبعث في زمرة الكبار يوم القيامة.
إذا رماك ربك بالعسر والضيق والشدة فكن بجواره تنجوا
سأل أحد الرجال رجلا صالحا مؤمنا سؤالا قال له: إذا كان ربك يرمينا بسهام قدره فتصيبنا فكيف لي بالنجاة ؟ فقال له كن بجوار الرامي تنجوا. إذا رماك ربك بسهم المرض فضعفت , فكن بجواره تنجوا وتصح وتقوى , وإذا رماك بسهم الفقر فقلّ مالك وخويت خزائنك , فكن بجوار الرامي تنجوا وتُغنى وتمتلئ خزائنك , وإذا رماك بسهم البؤس فأصبحت في شقاء , فكن بجوار الرامي تنعم وتسعد , وإذا رماك بسهم الخسارة , فكن بجواره تربح وتكسب , وإذا رماك بسهم الهزيمة فأصاب منك العدو فكن بجواره تنجوا وتنصر " إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)" الأنفال إنك أخي عندما تحتمي به وتلجأ إليه يُضعف من حر الشدة والعسر في قلبك ويفلّ من حدّها على بدنك , يقول بن رجب الحنبلي في نور الاقتباس :فمن قام بحقوق الله عليه فإن الله يتكفل بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة , ومن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فليرع حقوق الله عليه , ومن أراد أن لا يصيبه شيء مما يكره فلا يأت شيئا مما يكرهه الله منه . نور الاقتباس 141 , يقول تعالى:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)" البقرة , ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم "وإنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وخطيئة وإني لا أثق إلا برحمتك"
- لقد أصيبت المدينة بسهم القحط فلجأ القوم إلى الرامي وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخاطبه فخاطبه وناجاه من فوق المنبر , عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْكُرَاعُ هَلَكَتْ الشَّاءُ فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا قَالَ أَنَسٌ وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ" رواه البخاري
- ورميت امرأة بسهم القدر في زوجها أثناء خروجه للجهاد في سبيل الله , فقال لها النسوة كيف تأكلين وتطعمين أولادك ؟, فردت عليهم وقالت : منذ تزوجنا عرفته أكالاً وليس رزاقاً , فإذا مات الأكال بقي الرزاق . إنها كثيرة الوقوف بجوار الرامي من أجل ذلك كانت الإجابة حاضرة جاهزة .
- ورمي أهل بيت بسهم الفقر , فوقفوا بجوار الرامي وتوكلوا عليه , فرزقهم من حيث لا يحتسبوا , فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَهُ فِي السَّلَفِ الْخَالِي لَا يَقْدِرَانِ عَلَى شَيْءٍ فَجَاءَ الرَّجُلُ مِنْ سَفَرِهِ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ جَائِعًا قَدْ أَصَابَتْهُ مَسْغَبَةٌ شَدِيدَةٌ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ أَعِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ نَعَمْ أَبْشِرْ أَتَاكَ رِزْقُ اللَّهِ فَاسْتَحَثَّهَا فَقَالَ وَيْحَكِ ابْتَغِي إِنْ كَانَ عِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ نَعَمْ هُنَيَّةً نَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِ الطَّوَى قَالَ وَيْحَكِ قُومِي فَابْتَغِي إِنْ كَانَ عِنْدَكِ خُبْزٌ فَأْتِينِي بِهِ فَإِنِّي قَدْ بَلَغْتُ وَجَهِدْتُ فَقَالَتْ نَعَمْ الْآنَ يَنْضَجُ التَّنُّورُ فَلَا تَعْجَلْ فَلَمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا سَاعَةً وَتَحَيَّنَتْ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ لَهَا قَالَتْ هِيَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا لَوْ قُمْتُ فَنَظَرْتُ إِلَى تَنُّورِي فَقَامَتْ فَوَجَدَتْ تَنُّورَهَا مَلْآنَ جُنُوبَ الْغَنَمِ وَرَحْيَيْهَا تَطْحَنَانِ فَقَامَتْ إِلَى الرَّحَى فَنَفَضَتْهَا وَأَخْرَجَتْ مَا فِي تَنُّورِهَا مِنْ جُنُوبِ الْغَنَمِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَخَذَتْ مَا فِي رَحْيَيْهَا وَلَمْ تَنْفُضْهَا لَطَحَنَتْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" رواه أحمد
أخي الكريم : إذا رماك بقوس قدره في مالك , أو ولدك , أو نفسك .. , أو وطنك , فقف بجوار الرامي بالدعاء والقيام والاستغفار تنجو" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)" نوح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا , فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ" رواه مسلم.. صلى ركعتين في جوف الليل وناجه وأكثر من الاستغفار يفتح لك الأبواب والأقفال.. فرج الله هموم المهمومين وأزاح كرب المكروبين من أمة سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق