خماسية تجديد الحب(3)

عاطف أبو زيتحار 
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 سبق أن تحدثنا عن وثيقة تجديد الحب اليومية , والأسبوعية , واليوم آن لنا أن نتحدث عن خماسية جديدة ووثيقة أخرى , يفوح عطرها بين أشواك الحياة , ويظهر لونها الجميل بين صحاريها القاحلة الممتدة في طول الحياة وعرضها.. فمع جرينا في ساحاتها هنا وهناك , وسعينا بين هضابها ووديانها , وصعودنا وهبوطنا بين مرتفعاتها ومنخفضاتها , علقت بأثواب الحب أشواك , وتخللت خيوطه أتربة ورمال , فاتسخ بعد
أن كان نظيفا , وخلق وبلي بعد أن كان جيدا ..فاحتاج إلى تجديد تلو تجديد..وتنظيف بعد تنظيف. إن الحب يخلق في القلب كما يخلق الثوب على البدن , ولذلك يحتاج إلى تجديد على مدار اليوم , وتجديد على مدار الأسبوع , وتجديد على مدار الشهر , وتجديد على مدار العام ,وهكذا ,بل قل إن شئت يحتاج إلى تجديد مستمر .. ومن المعلوم أنه يختلف من شخص إلى شخص , فيختلف تكوينه بين الزوجين عن تكوينه بين الآباء والأولاد , تختلف مادته بين الأخوة ذكورا وإناثا , عن مادته بين أبناء العمومة وبقية الأقارب , وتتنوع مواده بين الأصدقاء في العمل والجيران في السكن , عن مادته بين بقية المعارف , وهكذا تختلف مواد الحب بين المسلم وغير المسلم. ولعل الآفات التي تعتريه أغلبها متقاربة مع اختلاف تأثيرها من شخص إلى شخص ومن نوع حب إلى نوع.. والتجديد مع الآفات وكثرتها وتواليها على القلب المكدود المنهك بالمشاكل والمشاغل , يحتاج إلى فنان بارع مبتكر يزيل ما علق به ويعمل جاهدا على تغييره وإعادة تجديده , فيراه الناظر وردا بعد أن زينه وحلاه ونظفه من أشواكه , ويستنشقه المار عطرا بعد أن وضعه في أطهر إناء وأصفى ماء وأجود مسحوق.. إن الثوب كلما اتسخ غسل , وكلما ارتفعت درجة اتساخه احتاج إلى مسحوق جيد ليزيل ما علق به , وبعد غسله بأجود أنواع المساحيق ونقعه في أجود وأفضل أنواع الغسالات ثم كيه , يراه الناس جديدا على البدن يعجب الناظر ويبهر اللابس . وإذا ما تمزق احتاج إلى حائك ليعيد إليه نضارته من جديد , فإذا ما اتسعت رقعه واستحال تجديدها غُير الثوب بأفضل منه فغير قطنه بصوف أو صوف ثيابه بقطن , غير الصناعة المحلية بمستوردة , أو المستوردة بمحلية الصنع , غير قميصه بحلة جميلة أو حلته بقميص.... وهكذا الحب مع مرور الأيام والأسابيع تعلوه أتربة الحياة وعرق الجباه , فمع المزاحمة يتسخ , ومع العمل يتسخ , ومع المدافعة يتسخ , ولذلك يحتاج إلى مسحوق طيب ونقع جيد ... فالزوجة مع زوجها في البيت تنضب مشاعر الحب بينهما يوما بعد يوم وكلما مر الزمن خبت المشاعر ونضبت الأحاسيس وخصوصا بعد العام الأول من الزواج ومجيء الضيف الجديد , ومع كثرة الأعباء عاما تلو عام , يتشاغل الزوجان بكثرة الأعباء , ويتحول البيت إلى لوكاندة للاستراحة وفقط .. ومن هنا تدب المشاكل وتتلامس الأكتاف داخل حلبة المصارعة – البيت - , ويتنافس الزوجان على الحزام أو الكأس لغياب ملين الحب , وملطف الأنس .. ويبحث كل واحد منهما عن كسب الجولة بين الأهل .. ..ويتناسيان أن البيت محراب حب ومودة وليس حلبة مصارعة , أو صالة سلة , أو استاد كرة..!! وهكذا الأولاد مع آبائهم , والآباء مع أبنائهم , والأقارب مع دوائر القرب , والصحبة مع دوائر الانتشار , يعتريها ما يعتري الأسر من جفاء وغلظة .. لقد تداعت على الحب آفات عصفت به في قلوب , وكادت أن تعصف به في أخرى , هذه الآفات التي جاءت إليه رغماً عنه لم يكن لبعضهم يد في مجيئها حينا , وكان لبعضهم أياد أحيانا , فأصبح كالمعارضة في المجالس النيابية , بعد أن زاحمته الهموم , والأحزان , ومشاكل الزمان , وكدر الأيام , فشرّعت قوانين الكره للجوارح , وسنت سنناً سيئة لها , ففرقت بين الزوج وزوجته , وبين الأخ وأخيه , وبين الابن وأمه وأبيه , وبين الصديق وصديقه , والقريب وقريبه , ..أو قل إن شئت باعدت بين الأحبة , وفرقت بين العطشى والمشتاقين ..ولذلك أضفنا خماسية جديدة إلى الخماسيات السابقة لعلها تقرب بعدا , وتزيل جفاء ووحشة , وترفع هما , وتطرد غلظة , وتجلب لينا وحبا ومودة .. 1- مقاومة الهموم ضرورة والتغلب عليها فريضة : قاوم همومك وتغلب على أكدارك , فليس لأولادك وأقاربك وأصدقائك والدوائر المحيطة بك ذنب فيما حدث لك , هل تعلم أنهم يعانون أكثر من معاناتك , ويئنون أكثر من أنينك , منزعجون لحالك وما حدث لك أكثر من انزعاجك , إنهم يقطنون في سجن مفتوح همومه أكبر من هموم سجنك , وجلادوه أكثر من جلاديك , لا تحملهم فوق طاقتهم بل حاول أن تخفف عنهم , وأن تصنع بسمة على جباههم , أيا من كنت وما كان حالك.. إن صناعتك البسمة وأنت في هذا الحال , زادُ ثباتهم على حبك وإخلاصهم لك وتفانيهم في إنقاذك مما أنت فيه .. أعجبني أخ أرسل من وراء القضبان لزوجه عقدا صنعه خصيصا لها غزله من النوى , وآخر غزل عقدا لزوجه من بذر الزيتون فتقلدت به وجلست بين أخواتها تفاخر به , وآخر صنع باقة ورد في زجاجة مياه فارغة شكّلها ورسمها وزينها ودفعها إلى زوجه أثناء زيارتها له في السجن ..وآخر أرسل إلى ابنه رسالة شوق ., ورابع وخامس .. فاصنع من الكدر سرورا , ومن الحزن فرحا , ومن الحنظل دواء , ومن الليمون عصيرا وشرابا , ومن المصيبة سعادة , ابتسم رغم آلامك , وافرح رغم أحزانك , وتظاهر بالشفاء رغم أمراضك , وبالغنى رغم فقرك , وبسعادتك رغم شقائك , وبسرورك رغم همك ,وبربحك رغم خسارتك .. حول الموازين الضارة إلى نافعة .., فهم في شوق إليك أكثر من شوقك إليهم .. 2- حدد موعدا للقاء المقبل قبل الوداع لا تخلفه : فتحديد الموعد والمكان يجعل حبيبك حاضرا في قلبك أثناء فراغك وشغلك , وفي كل أحوالك , قل له موعدنا يوم كذا في مكان كذا ساعة كذا , والتزم بالوقت والمكان , فكم من حبيب جفا حبيبه بسبب كثرة خُلفه , وكم من أصدقاء فقدوا الثقة في أصدقائهم بسبب عدم وفائهم , تغلب على مشاغلك وأوف بعهدك ووعدك , فالوفاء من شيم المحبين الأحرار .. 3- عش لقاءك بين الشوق والعطش : شوقك هذا جزء من مائة جزء , تسعة وتسعون لخالقك وجزء لأحبابك , ولذلك الحذر الحذر من أن يغلب جزءٌ أجزاء , والحذر الحذر من أن يتيه الجزء بين الأجزاء , فإن لأهلك عليك حقا , كما أن لربك عليك حقا , فأعط كل ذي حق حقه , وكن عادلا في عطائك .. لا تظهر لهم أنك من الزاهدين في حبهم , وأن محاور العبادة والدعوة أخذتك منهم , ومشاغل الحياة سلبتك الحب , لا تجلس بينهم وأنت متشاغل , بل خلص لقاءك من كل الشوائب والمشاغل وصفه إلا من الحب ..أظهر أثناء لقائك احتراق أحشائك واهتياج قلبك وولوعك بهم وعطشك إليهم.. 4- استحضر كلمة يحبها حبيبك , متعلقة باسمه كالكنية أو اللقب , أو بعمله , أو بمكان سكنه , أو بأي شيء يحبه , أو بموقف طيب يحب ذكره دائما .., حاول بهذه الكلمة أن تطبع أو تختم على قلبه خاتما لا يزيله هم , ولا يمسحه كدر بل تبقى معه ما بقي , اجعلها زاد حبه لك , واعلم أن الزاد يحتاج إلى مجهود , فابذل مجهودك في استحضارها وتجهيزها قبل اللقاء , واعلم أن زاد الحب متعلق بالروح والفؤاد لا بالمعدة , فاجعل روحه تهفوا إلى روحك بمجرد انسيابها على لسانك , وقلبه ينبض بحبك بمجرد ظهورها على قسماتك , وعقله وكيانه يهتز بمجرد حركتها في بريقك .., كان النبي ينادي السيدة عائشة بقوله : ياعائش , وكانت هي إذا أقسمت أمامه قالت : ورب محمد . فإذا ما غضبت قالت ورب إبراهيم فعاتبها عتابا محفوفا بالحب , فقالت والذي بعثك بالحق لا أهجر سوى اسمك . كن هكذا مع أقاربك وأصدقائك ودوائر الحب المحيطة بك , لا تجعل همك يسيطر عليك فينسيك الكلمة .. 5- بين الإيثار والأنانية , وبين الجود والبخل فارق كما بين السماء والأرض , فالأنانية آفة والإيثار خلق حميد :" ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " بعضنا مع هزائم أحد المتوالية وضربات يوم الرجيع المتتالية , وتفشي طاعون العصر , وارتداء ملابس الرمادة .. تجده يقضي وقته مهموما يحرم أحبابه من ري البسمة لما حل بساحته الفكرية من هزائم , وبماله من نكبات , وبصحته من تردي , ولو تعلمنا فن الإيثار وخلقه لكتمنا ما حل بأبداننا , وما نزل بأموالنا .. وآثرنا أحبابنا ببسمة تفرحهم وتسعدهم وتغيظ عدوهم .., يعجبني بسمات المعتقلين أم شاشات التلفاز وعدسات الكاميرات , نعلم ما هم فيه من هموم وأحزان , ولكن قوتهم جعلتهم يؤثرون على أنفسهم فيظهرون لنا البسمة من وراء الأسلاك والقضبان ليبثوا روحا من الأمل في نفوس كل من رآهم .. فابعثوا بأبي أنتم وأمي ببسماتكم للناس أجمعين سيروا بينهم وارفعوا بسماتكم ولا تظهروا عبوسكم في وجوههم ..إن كنت معتقلا أو صادر الظالمون أموالك أو أصابوا أحدا من أهلك .. أيا من كنت وما كان حالك حاول أن تبعث ببسماتك إلى أهلك وأصدقائك وأن تتغلب على خصاصتك .. والجود خلق والبخل آفة .. والبذل والجود ليس مالا ولا طعاما ولا كساء ولا سكنى فقط بل ميادينه وساحاته أكبر من أن تحصر في الطعام والمال والكساء والسكن , فالابتسامة في موطن الكدر والهم , والهدية مع الفقر , والزيارة والصلة مع كثرة الأعباء والمشاغل , .... إيثار وجود هذه خماسية تلحق بأخواتها , إذا جمعت مع خماسيات سابقة شكلت إطارا يحفظ الحب من أيدي العابثين , والمتطفلين , والفضوليين , والساقطين , فإذا ما أضيفت الخماسيات جميعها إلى : التعارف شجرة طيبة تذبل بين المتاجرة والمراهقة رسمت خيوطا للسير..من تخطاها انزلق إلى الردى , فإذا ما أبصر صاحب الخماسيات الثلاث الملتقط ثمار التعارف : شجرة الأخوة وحدود الغضب لها عرف موضع قدمه , وطريق ثباته , وأرض نجاته .. ورأى الكوخ كونا , وكدر الإخوان والأصحاب صفاء , وعلو أشجار الكره من حوله زبدا .., فلنسرع بالتنفيذ ولنبدأ في الجمع فالوقت قصير والآفات كثيرة من حولنا .., نجاني الله وإياك من الكره والكارهين , والبغض والمبغضين .., وأسكنني وإياك جنة المحبين المشتاقين .. وللحديث بقية.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق