بين صحبة البشر وصحبة الملائكة

جاء في كتاب المحيط في اللغة :
الصَّحبُ:جماعة الصاحب ، والأصحاب:جماعة الصَّحبِ ، ويجمع أيضا بالصُّحبان والصُّحبة، والصِّحاب . وأحسن الله صَحابَتَكَ، وتقول عند التوديع : مُعانا مُصاحَبا . وأصحب الرجلُ: إذا كان ذا صاحب . وأصحَبَ –أيضا -: تَبََعََََ وانقاد . وكذلك إذا بلغ ابنه مبلغ الرجال ، لأمَ شيئا فقد استَصحَبَه
وإنه لمُصحِبٌ له:أي قَويٌ
وأصحبتُه :أجرتُه من قوله عز وجل
( ولا هم منا يصحبون )أي يجارون
وجاء في الصحاح في اللغة :
صحبه يصحبه صُحبة بالضم ، وصحابة بالفتح
وجمع الصاحب : صَحبٌ وصُحبَةٌ وصِحابٌ . قال الشاعر امرؤ القيس :
وقال صِحابي قد شأونَكَ فاطلُبِ
وصُحْبانٌ . والأصحاب جمع صحب والصحابة بالفتح : الأصحاب، وهي في الأصل مصدر ، وجمع الأصحاب أصاحيب
وقولهم في النداء يا صاحِ معناه يا صاحبي ، وأصحبتُه الشيء :بالتاء جعلته له صاحبا .واستصحبه الكتابَ وغيره . وكل شيء لاءم شيئا فقد استصحبه
واصطحب القومُ : صحب بعضهم بعضا ، وأصله اصتحب
وأصحب البعير والدابة : إذا انقاد بعد صعوبة .
قال الشاعر:
ولست بذي رَثْيَةٍ إمَّرٍ إذا قيدَ مستكرَها أصْحَبا
وأصحب الرجل إذا بلغ ابنه
إذا الصحبة هي الملازمة والمرافقة والمعاشرة والصاحب هو المرافق والقائم على الشيء والملازم له .
ولذلك الرجل يقاس بين إخوانه وأصحابه وأهله بمن يصاحب من الناس كما قال الشاعر :
أنت في الناس تقاس بمن اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكرا جميلا
وصحبة الأخيار من البشر شرف عظيم قال صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
قال صلى الله عليه وسلم(يحشرالمرء مع من أحب)
إن وجود الصديق المؤمن في دنيا المادة بمثابة العثور على كنز بعد فقر وهوان وأي كنز مهما بلغ وزنه وقدره وغلا ثمنه يساوي قلب مؤمن ؟ وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي جلسائنا خير؟ قال (من ذكركم بالله رؤيته وزادكم في علمكم منطقه ودلكم على الآخرة عمله)
والمؤمن يبحث عن أمثاله من المؤمنين الصالحين ويدعوهم إلى مجالسه ويحضر مجالسهم الإيمانية فإن مجالسهم هي البيئة المناسبة التي ينموا فيها الإيمان ويزدهر
إن رؤيا المؤمن والجلوس معه غذاء وشراب وري للأرواح قبل الأبدان إن تكلم فكلامه بركة وإن نظرت إليه ذكرك بالله فرؤيته بركة والسلام عليه بركة والنظر إليه بركة ودخوله بيتك بركه وصحبته بركة والأكل معه بركة .
قال صلى الله عليه وسلم : (لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي) .
كان معاذ ابن جبل إذا لقي الرجل من إخوانه يقول له اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله عز وجل ويحمدانه .
يقول عمر ابن الخطاب ( ما أعطي أحد بعد الإسلام خيرا له من أخ صالح فإذا رأى أحدكم ودا من أخيه فليتمسك به ) ولذلك قالو من جالس جانس
إن معرفتهم نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها نعمة تبارك العمر وتزكيه ومن ذاق عرف ومن جرب صدق ومن مر في حياته بهذا الحب بقي يطلبه باستمرار
يقول الله عز وجل يوم القيامة (أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن عبدين تحابا في الله عز وجل ، واحد في المشرق وآخر في المغرب لجمع الله بينهما يوم القيامة ، يقول : هذا الذي كنت تحبه في )
إننا لم نضمن الجنة بصيامنا ولا بقيامنا ولا بصلاتنا ولا بحجنا ولا بكل أعمالنا الصالحة ولكن ربما صحب الإنسان منا إنسانا صالحا فارتفع به يوم القيامة إلي الجنة
إن حب الصالحين زاد روحي في الدنيا وعدة وذخيرة للنجاة في الآخرة .يقول صلى الله عليه وسلم :"مَا مِنْ رَجُلَيْنِ تحابا في الله بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلا كَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللَّهِ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ".
وحب الصالحين والقرب منهم عبادة وزاد لأنهم العون والمدد والسند والساعد عند الشدائد ، يذكرون وينصحون إذا نسي ، ويعينون إذا ذكر
* أيها الحبيب إذا كان حب الصالحين من البشر قربة إلى الله وزاد للمؤمنين فما بالكم بحب الملائكة الأطهار الأخيار والحرص على كل ما يقربنا منهم من أعمال طاهرة صالحة ؟
إنهم يحبوننا وينصحون لنا ويأخذون بأيدينا إلى كل خير وإلى كل فضيلة
يقول ابن قيم الجوزية في كتابه إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان : ( والملائكة الموكلون بالإنسان من حين كونه نطفة إلى آخر أمره لهم وله شأن آخر فإنهم موكلون بتخليقه ونقله من طور إلى طور وتصويره وحفظه في أطباق الظلمات الثلاث وكتابة رزقه وعمله وشقاوته وسعادته وملازمته في جميع أحواله وإحصاء أقواله وأفعاله وحفظه في حياته وقبض روحه عند وفاته وعرضها على خالقه وفاطره وهم الموكلون بعذابه وبنعيمه في البرزخ وبعد البعث وهم الموكلون بعمل آلات النعيم والعذاب وهم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله والمعلمون له ما ينفعه والمقاتلون الذابون عنه وهم أولياؤه في الدنيا والآخرة وهم الذين يعدونه بالخير ويدعونه إليه وينهونه عن الشر ويحذرونه منه فهم أولياؤه وأنصاره وحفظته ومعلموه وناصحوه والداعون له والمستغفرون له وهم الذين يصلون عليه مادام في طاعة ربه ويصلون عليه مادام يعلم الناس الخير ويبشرونه بكرامة الله تعالى في منامه وعند موته ويوم بعثه وهم الذين يزهدونه في الدنيا ويرغبونه في الآخرة وهم الذين يذكرونه إذا نسي وينشطونه إذا كسل ويثبتونه إذا جزع وهم الذين يسعون في مصالح دنياه وآخر ته فهم رسل الله في خلقه وأمره وسفراؤه بينه وبين عباده تتنزل بالأمر من عنده في أقطار العالم وتصعد إليه بالأمر ) (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم *وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم )
إنه أكبر زاد وإنها قمة القرب من الله أن نتقرب إليه بحب الملائكة ، فهل نبادلهم حبا بحب وشوقا بشوق ؟ يحرصون على نصحنا والأخذ بأيدينا إلى الله في الرخاء والشدة عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن لله ملكا ينادي عند كل صلاة : يا بني آدم ، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم ، فأطفئوها بالصلاة )
إن الملائكة مع الإنسان المؤمن الطائع في كل شئون حياته لإسعاده وهدايته ونصحه والأخذ بيديه إلى رضوان الله إلى الجنة.
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن للشيطان لمة لابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاز بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاز بالخير وتصديق بالحق فمن وجد من ذلك شيئا فليعلم أنه من الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان ثم قرأ :( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)
إن هذا الحب وهذه الصحبة تأتي من باب رد الجميل بالجميل والمعروف بالمعروف والإحسان بالإحسان (هل جزاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (*) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )
(وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا )
وورد في الأثر ( من أسدى إليكم جميلا فكافئوه )
قال الإمام الشافعي : الحر من يرعى وداد لحظة .
وود الملائكة موصول بالمؤمنين لا ينقطع (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )
كان لرجل حديقة مزروعة وكان يمر به صديق حميم في طريقه صباحا ومساءا فقالت له زوجته يوما ألا تدعو صديقك على عنقود عنب فسارع الرجل في تنفيذ نصيحة زوجته ودعاه على عنقود عنب وجلس الضيف يأكله ثم قام شاكرا لصاحبه ومرت عشرة أيام على ذلك وكل يوم يدعوه إلى عنقود عنب وفي اليوم العاشر قالت الزوجة لزوجها إن من تمام إكرام الضيف أن تأكل معه حتى تشجعه على الاستزادة فنفذ الرجل وصية زوجته وغسل عدة عناقيد وقدمها لصاحبه وجلس معه يشاركه الطعام وصديقه يأكل مبتسما شاكرا لصاحبه وإذا بصاحب الكرمة يضع واحدة من العنب في فمه فيصيح من مرارتها ويلفظها قائلا
لصديقه منذ كم وأنت تأكل من هذا العنب ؟ ابتسم له صديقه وقال له منذ أول يوم فهاج صاحب العنب وقال له كيف تأكل منه وهو بهذه المرارة ؟ فقال له صديقه الوفي لقد أكلت من يديك حلوا كثيرا ألا أغفر لك بعض المر؟ .
والملائكة لا مر عندهم أبدا للمؤمنين كل ما عندهم خير لنا وإحسان إلينا في أبداننا وأبنائنا وزوجاتنا وأموالنا وفي كل أحوالنا في دنيانا وآخرتنا ، وشأن المؤمن معهم إذا خلا الناس بأحبابهم خلا هو بربه فرأوه وأحبوه وإذا تقربوا إلى ملوكهم تقرب هو إلى مولاه فقربوه واقتربوا منه وإذا أنس الناس بمن يحبون في دنياهم أنس هو بمن يحب أثناء قيامه وتلاوته وصلاته لربه ...
اللهم إنا نشهدك أننا نحب ملائكتك فحببنا إليهم وحببهم إلينا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق