الحفاظ على البيئة من اوامر الاسلام

عاطف أبو زيتحار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه ...وبعد في أتون الأزمات العاتية , وفي خضم المشكلات الكبرى تفزع الأمة إلى دينها وقيمها ومبادئها , ومنظومتها الحاكمة لأخلاقها وسلوكها تستلهمها الحل , وتستوجبها العلاج , وتستمنحها الرشد . ومشكلة التلوث من أخطر المشكلات التي تعانيها أمتنا , ويجثم تحت ضغوطها شعبنا , ويحمل كفلا ضخما منها بلدنا العزيز , وتنوء تحت وطأتها الشديدة أجيالنا الراهنة التي تصطلي بسعير أضرارها القاسية وأمراضها المتعددة وأوبئتها المعروفة والمجهولة الآنية والمستقبلية. وما من شعب ناضج أو أمة ماجدة أو بلد ناهض إلا
ويكون من علامة نبض الحياة فيه أن يستشعر الألم , وأن يستحسر الخطر , وأن يستوثق الضرر , وأن يعود إلى دينه يستمطر غوثه , ويستنشر رحمته , ويستنزل رفده, ويستدعي دوره في علاج الأزمات وحل المشكلات بتشخيص الداء وحصر المرض وتوصيف الدواء , واستئصال الجذور , والقضاء على المرض . وهاهي أمتنا الحبيبة وبلدنا العزيز تلوذ بدينها في مشكلة التلوث تطلب الحل , وتتوجه إلى ربها ترجوه العلاج , فإذا بالإسلام يفتح لها بابه , ويوسع لها قلبه , ويبسط لها يده , ويهتف بها أن هلمي إلى العلاج . إن احترام البيئة في نظر الإسلام عبادة , والحرص عليها طاعة والحفاظ عليها دين من الدين , والحماية لها إيمان من الإيمان . فهل بعد هذا توجه أو توجيه أو سلوك أو ترشيد يدعو إلى رعاية البيئة , وعدم النيل منها أو الافساد لها ؟. البيئة صديقة إن من واجب الإنسان وصالحه وصالح أجياله أن يتعامل مع هذا الكون على أنه صديق ودود لا عدو لدود . وأن يتعايش مع البيئة على أنها الأم الرءوم تعايشا سداه ولحمته الموجود لا المفقود , والبر الموصول لا المقطوع , والصلة الحميمة الخالية عن الجفوة والقطيعة والعبث والفساد . والاسلام له مع البيئة شأن أي شأن حيث جاءت جميع تعاليمه المتصلة بها تحميها ولا تفنيها , وتصونها ولا تدمرها , وتصلحها ولا تفسدها , وتقيها من كل عدوان عليها أو إهمال لها أو مساس بها إذ أن ذلك إنما ينعكس بالطرح من رصيد خلافته في الأرض وبالسلب من مؤهلاته المعينة عليها . ومن المنطقي عقلا ونقلا أن تتوازى معطيات الوحي فيما يتصل بالكون والانسان معا نظرا لوحدة المصدر والتوجيه والهدف . إن الانسان إذا تحضر وارتقى ماديا وكان هذا على حساب بيئته , وخصما من صحته وعافيته , وطرحا من عمره وحياته , فليس هناك شرا من هذه الحضارة , ولا أسوأ من هذا التقدم !! فكيف إذا تعاقدت مع هذا خناصر الطمع والجشع والأثرة والأنانية والجهل واللا مبالاه على سائر الأصعدة وفي كل المجالات ؟! إن الأمر -لا شك- يغدوا أنكى وأبشع حيث يتفاقم الخطر , ويستفحل الضرر , ويستأسد الداء , ويعز الدواء . إن المشكلة باختصار شديد تجاوزت بمعدلات مخيفة سقف اختلاف النسب واضطراب الموازين في الكون والبيئة بحيث وصلت في البر والبحر إلى حد الإفناء لألوف كثيرة من كائنات الطير والحيوان والنبات والأشجار مما أخلى البيئة منها وأخل بها وأفقدها توازنها , وجعلها تنقم على ساكنيها , وتنفث عليهم أضعاف ما سموها به من الضر والشر والفساد . الانسان خليفة الله في أرضه الانسان في الكون سيد مخدوم وخدمته دائمة , وأداؤها مستمر, وصورها متنوعة تختلف عليه وتسهر على نفعه ليله ونهاره ونومه وصحوه وحركته وسكونه وغفلته وشعوره وجهله وعلمه جحدها أو شكرها طلبها أو أغضى عنها , ولذلك ينبغي عليه أن يكون على قدر المسئولية فلا يخرب بيته ويحطم بيئته بيديه . وإذا كانت سنة الله في خلقه وحكمته في كونه قد قضت أن كل حق يقابله واجب , فإن خلافة الإنسان في الكون تطلب منه أن يؤدي الواجب وتقتضي منه المقابل عملا وبناء , واستثمارا وعمرانا , واكتشافا وتنقيبا , وإنتاجا وتنمية , وحضارة وتقدما ونفعا بمكونات الكون وخاماته وثرواته , ومعرفة بمنظومة السنن والقوانين الحاكمة , حتى تبوح بسرها لهذا الخليفة فيوظفها في البناء والعمران والنفع والخدمة . وإذا كانت الخلافة تبعة وأمانة فمن واجب المؤتمن أن يكون أمينا على ما استودع حفيظا على ما وكل إليه حفيا بما ينفعه ويفيده ودودا به محبا له . نظافة المظهر ينبغي أن تنعكس على البيئة من أول ما نزل على رسول الله من الأوامر (وثيابك فطهر) لأن الإسلام جعل النظافات شرطا في صحة الصلاة التي فرضها الله على كل مسلم عاقل , وإذا كان ذلك كذلك كانت النظافة ملازمة للمسلم طوال حياته حتى آخر رمق من عمره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ""إذا صليتم فارفعوا سبلكم فإن كل شيء أصاب الأرض من سبلكم فهو في النار"رواه البخاري عن أنس قال الأستاذ رشيد رضا:ومن كان نظيف البدن والثوب كان أهلا لحضور كل اجتماع وللقاء فضلاء الناس وشرفائهم ويتبع ذلك أنه يرى نفسه أهلا لكل كرامة يكرم بها الناس , وأما من يعتاد على الوسخ والقذارة فإنه يكون محتقرا عند كرام الناس لا يعدونه أهلا لأن يلقاهم ويحضر مجالسهم ويشعر هو في نفسه بالضعة والهوان ومن دقق النظر في طبائع النفوس واخلاق البشر راى بين طهارة الظاهر والباطن أو طهارة الجسد واللباس وطهارة النفس وكرامتها وارتباطها وتلازمها. تفسير المنار ج6 ص263 عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش " رواه أبو داود لقد امر الإسلام وحبب في النظافة فأمر بغسل اليدين عقب الاستيقاظ , وامر بالنظافة وأكد عليها عند دخول الخلاء وقضاء الحاجة ووضع لذلك آدابا, وأمر بتنظيف الفم والأسنان بالسواك أو الفرشاة , وأمر بغسل اليدين عند الطعام وعند النوم , وأمر وأوجب الغسل من الجنابة , وأمر بالاغتسال عند حضور الجمع والجماعات , وأمر بسنن الفطرة وهي قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وتقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الابط وغسل أثر الغائط والبول بالماء . إنه من العيب على الإنسان أن يكون كريما مع نفسه محافظا على نظافة بدنه وبخيلا مع بيئته والناس من حوله , ولذلك ينبغي أن تنعكس هذه النظافة على بيته وطريقه وقريته ... حتى لايحرق نظافة نفسه بتلويث بيئته فيكون مثله كمثل الذي يعد على عقد مفروط , أو يحمل في جراب مثقوب . الذوق نعمة ونقصد به الذوق الاجتماعي أو الحساسية التي تنعكس من المجتمع نتيجة الفعل الصادر من الشخص , والطبائع مجبولة على قبول الحسن ورفض القبيح , والفال الحسن يراه او يسمعه الانسان يظل في مباهج السماع والرؤية فترة طويلة ففي الحديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل الحسن " والجمال في أي صورة حسن يستمتع به الناظر والسامع ويطلبه كل الناس فالوجه الجميل حسن يحب الناس رؤيته , والصوت الجميل حسن يحب الناس سماعه , والتصرف الجميل حسن يحب الناس صاحبه , والبيئة الجميلة حسنة يستمتع بها كل الناس , حين رأى وارد السيارة وجه يوسف الجميل استبشر وقال " يابشرى هذا غلام" ولقد من الله على عبده داود بالصوت الحسن "ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه" وأوصى عبديه موسى وهارون بالكلام اللين الجميل فقال لهما" فقولا له قولا لينا " وفي الجانب المضاد يكره المجتمع الفعل القبيح الصادر من أي جهة ويمجه وينفر منه . لقد حرص الإسلام على عنصر الذوق في الأفراد وطالبهم جميعا بفعل كل جميل في المجتمع لتكون التصرفات والأفعال مقبولة ومستساغة اجتماعيا والذي يهمنا من تصرف المسلم المتصل بصحة الأبدان أو النفوس مثل أفعاله في أكله وشربه أمام الناس , ما يصيب الناس منه من منظر حسن ورائحة حسنة أو صوت حسن أو غير ذلك فيما له صلة بالصحة والنظافة والوقاية ولذلك فقد نهى الاسلام عن كل ما يؤذي شعور الآخرين أو يكون فيه مجرد احتمال الضرر بالصحة , فنهى عن التنفس في الماء أو ينفخ فيه , ونهى عن الجشاء وهو الريح الذي يخرج من المعدة عند الشبع , ونهى عن التثاؤب , ونهى عن البصاق في الأماكن العامة ومرور الناس وفي الطرقات , ونهى عن الشراهة حيث ان للمائدة ذوق حساس في تناول الطعام وطريقته " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" ونهى عن ترك الأواني متسخة في داخل البيت وأمر بنظافتها , وأمر بنظافة المرافق الخاصة والعامة , فأمر بنظافة البيوت ففي الحديث : " نظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود" رواه الترمذي عن سعد بن أبي وقاص , وأمر بالعناية بالطعام " أكرموا الخبز"رواه الحاكم عن عائشة , ونهى عن التبول في الماء , وأمر بنظافة المساجد , ونهى عن إلقاء القاذورات في الطرقات والشوارع وأماكن المارة , وأمر برعايتها ونظافتها وجعل الثواب الجزيل والحسنات الكثيرة لمن أزال من طريق الناس كل ما يضرهم "اعزل الأذى عن طريق المسلمين " رواه مسلم عن أبي برزة وأخيرا إن قضية النظافة قضية طاعة أو معصية , جنة أو نارا , لعلاقتها الوطيدة الوثيقة بالله والناس , فيجب الانتباه واليقظة , عن عبد الله بن الزبير أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :" نعم العبد من عباد الله والرجل من اهل الجنة: عويم بن ساعدة" قال موسى بن يعقوب : وبلغني انه لما نزلت لمسجد أسس على التقوى من اول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين"قال الرسول صلى الله عليه وسلم منهم عويم بن ساعدة" قال موسى : وكان عويم اول من غسل مقعدته بالماء فيما بلغنا والله أعلم.الطبقات الكبرى ج3 ص 459 لقد وجدنا روح الإسلام فيما سلف أمرا ماثلا , وتوجيها راشدا وعلاجا ناجعا بالنسبة لكل ما يلوث عناصر البيئة وسائر مكوناتها في الماء والهواء والتراب والغذاء وكل ماتقع عليه حواسنا..ويصك أسماعنا , ويؤذي أبصارنا في منشآتنا وشوارعنا , ومجامعنا وطرقنا ومنتدياتنا ومساجدنا مما ينال من مشاعرنا ويصيبنا بالعصبية والتوتر . ويؤثر على مسيرنا ومصيرنا , وثروتنا وإنتاجنا ... إلخ ماوجه إليه الإسلام في هذا الصدد واعتبره جزءا من برنامجه ومنسكا من محتواه وبعضا من منهجه. الأمر الذي لا يسع من يقف عليه إلا الإعجاب به , والانبهار له والاقتناع التام بأنه فعلا دين الحياة والعالمية , والخلود والبقاء . مما يلقى على دعاته والحاملين لرسالته , والقائمين على دعوته عبئا أكثر وتبعة أكبر ومسئولية أخطر وواجبا دائما يملأ أقطارهم , ويملك عليهم حياتهم ويحتبس على بلاغه وجودهم , ويستأدي منهم امانتهم التي لا يقصرون في أدائها .. وأسوتهم في هذا ورائدهم على الدرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان شعاره وهتافه( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام 162 أرأيت أخي الكريم كيف أن الإسلام دين الحياة والأحياء جميعا , بل إن شئت فقل : إنه روح الحياة , بوجوده الحياة , وبفقده الموت , تحقيقا لقول الله عز وجل ( يا يايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ) الأنفال24 , 25 ويقول سبحانه:( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له مافي السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور )الشورى52 , 53 والله نسأل أن يتقبل منا أعمالنا وأن يشرح بهذا العمل صدورنا وأن يؤمنا في أوطاننا ودورنا ..آمين والحمدلله رب العالمين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق