ياوريث النبي صلى الله عليه وسلم لا تتخلى عن تركتك

بقلم الشيخ عاطف ابو زيتحار

الناس في الحياة لهم مشارب مختلفة فالذي يحبه زيد قد يكرهه عمرو وعلى العكس ( ولذلك خلقهم )
وإذا ما نظرنا في الحياة التعبدية نجد أن واحدا يحب القيام ويكثر منه والآخر يحب الصيام ويكثر منه والآخر يدمن قراءة القرآن الكريم ، هذا يحب الذكر والآخر يحب التفكر ...
ومع الكل يعمل عداد الإيمان ولا يتعطل ولكن فرق بين من يحصى له العداد بالآحاد ومن يحصي له العداد بالعشرات ومن يحصي له العداد بالمئات ومن يحصي له العداد بالآلاف ومن يحصي له العداد بالملايين والمليارات ..... ومن يحصي له العداد بلا حصر
فقدرات الناس متفاوته في تشغيل العداد وأفهامهم متعددة والكل يسعى وله أجره وثواب سعيه
ولكن هل يستوي من يحصي بأقل مجهود جبالا من الحسنات ومن يتعب نفسه ويرهق روحه ثم يخرج بالقليل ؟
هل يستوي من يحصي له العداد بلا حصر مع من يحصي له العداد بالآحاد ؟
إن ورثة الأنبياء يعد لهم العداد بلا حصر إن تجردوا وأخلصوا في أعمالهم لله عز وجل
ومن العيب على الداعية أن يرضى بالدون ولا يتطلع إلى معالي الأمور
وأن يستوي مع
من يحصي له عداده الإيماني بالآحاد أو العشرات ، لأن وريث النبي  مجاهد يحلق دائما في سماء الفضل كما صوره الإمام البنا عليه رحمة الله : .... أعد العدة وأخذ الأهبة وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدم الاستعداد إن دعي أجاب أو نودي لبى غدوه ورواحه حديثه وكلامه جده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له حياته وإرادته يجاهد في سبيلها تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوى لاصق وألم دفين وما تفيض به نفسه من همة عالية وغاية بعيد .
لا يرضى بالدون أبدا فهو لا يلهوا مع من يلهوا ولا يلعب من يلعب يعمل في الحياة ويتحرك على بصيرة وفق خطة مستنيرة
لقد بوب الإمام البخاري بابا أسماه بَاب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) وقال رحمه الله :
فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَرَّثُوا الْعِلْمَ مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) وَقَالَ ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) وَقَالَ : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ( كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ) حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ وَيُقَالُ الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ )
إنه لا يترك شيئا للحظوظ العمياء ولا للتجارب الصماء
قدوته في ذلك سيد الأنبياء وإمام العلماء وتاج الحكماء الذي أوتي جوامع الكلم والبيان فهو يبلغ ولا يعتذر عن تبليغ مهما حدث له من إيذاء
عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ )
وفي رواية البيهقي ( إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، ولكنهم أورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظه ، وموت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد ، وهو نجم طمس )
فاقتدي يا وريث الأنبياء بالأنبياء إن لم تكن مثلهم إن الاقتداء بالأنبياء فلاح ونجاح أقبل على تركتك الكبيرة وخذ نصيبك منها واحذر أن يسبقك غيرك إليها وتتأخر أنت عنها
هذا إبراهيم عليه السلام ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم، ابتلي بالإسلام فأتمه، فكتب الله له البراءة فقال:"وإبراهيم الذي وفى"، فذكر عشرا في"براءة" 112 فقال:( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ ) إلى آخر الآية، وعشرا في"الأحزاب" 35،( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ )، وعشرا في"سورة المؤمنون" 1-9 إلى قوله:( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )، وعشرا في"سأل سائل" 22-34 ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ).
إن عداده يعد بلا حصر ولذلك استحق أن يكون أمة وحده فأوفي يا داعية الإسلام لدعوتك ولا تعتذر وكن أمة بين أهلك وعشيرتك والناس من حولك ينجيك الله من النار ويدخلك الجنة مع الأنبياء والمتقين الأخيار
( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)
هل عرفت التركة أيها الوريث ؟ إنه التبليغ والإنذار والبدار البدار والسعي والحركة والجد لا الهزار بما معك من علم وعدم الالتفات والتباطؤ أو الكسل والفتور أو التثاؤب والاعتذار
( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)
عن قتادة قوله:"أيّ شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا أيها الناس، بلِّغوا ولو آية من كتاب الله، فإنه من بَلَغه آيةٌ من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله، أخذه أو تركه.
وعن محمد بن كعب القرظي:"لأنذركم به ومن بلغ" ، قال: من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ:"ومن بلغ أئنكم لتشهدون".
وقال الربيع بن أنس: حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينذر كالذي أنذر.
تركه ثقيلة تحتاج إلى رجال أشداء أقوياء حتى يقوموا بها على أكمل وجه

هناك تعليق واحد:

  1. عمار ابو زيتحار30 سبتمبر 2011 في 7:56 ص

    جعلك الله من العلماء العاملين وجزاك الله خيرا

    ردحذف