بعد الغرس يبقى الأثر

بقلم الشيخ//عاطف أبو زيتحار


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حاضرنا أحد الأخوة الكرام محاضرة طيبة كريمة , وزع في بداية محاضرته استبياناً به نقاط تحتاج إلى إعمال فكر وتشغيل عقل , ومن ذكائه أنه طلب أن يكون ملء الاستبيان بسرعة حيث بدأ بعد دقيقتين أو ثلاثة في جمع الاستبيان ممن ملأه ... وأثناء قراءتي للاستبيان وجدت أن كل عنصر يحتمل أكثر من إجابة , فملأت استبياني ثم سلمته , وعلى غرار من سبق نظر فيه نظرة سريعة ثم دفعه إلينا مرة ثانية , وبعد أن اطمأن على مستوى الحضور الفكري والثقافي .. بدأ محاضرته وأخذ يسأل البعض لماذا أجبت بنعم حول هذا العنصر ولمن أجاب بلا لماذا أجبت بلا حتى وصل إلى عنصر في استبيانه يقول :


الدور الأساسي للعاملين في مجال نشر الدعوة هو تعريف الناس بالقيم والأحكام الشرعية الصحيحة ... وطلب خيارات أوافق تماما أو إلى حد كبير أو أوافق نوعا ما أو أرفض نوعا ما أو أرفض إلى حد كبير أو أرفض تماما .
وكان اختياري في الحقيقة أوافق لأني أعرف أن أصحاب فن الغرس قلة وأغلب الدعاة أو الجماعات الموجودة على الساحة تعرف فن التعريف أكثر من الغرس لأن السبيل إليه سهل وميسور .
ولأن فن الغرس لا يجيده سوى رواحل الدعوة النّجب وهم قلة القلة وخلاصة الخلاصة بين الدعاة والناس .
ودار نقاش طويل بين الحضور والمحاضر الكريم حول الغرس والتعريف , أخذت التقط بعض الكلمات من هنا ومن هناك ثم ركزت مع مصطلح التعريف والغرس وأخذ عقلي يدور بين المصطلحين وهو يلتقط بعض الآيات والأحاديث والمواقف الطيبة ..
استأذنت في الكلام , فأذن لي بعد أن انتقل المحاضر إلى عنصر آخر استغرق في شرحه دقيقة , فالتقطت طرف الحديث وقلت إن في النفس شيء بسبب فصلكم بين التعريف والغرس , وفي رأي أن التعريف درجة موصلة إلى الغرس وبينهما تلازم وعموم وخصوص فكل غرس تعريف وليس كل تعريف غرس , والغرس لا ينفك عنه التعريف , فالتعريف قاعدة من قواعد الغرس وأصل من أصوله وثابت من ثوابته .. وذكرت حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الذي قَالَ فيه : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)
وبينت كيف أن التعريف سلمة ودرجة لابد من الوقوف عليها قبل القفز إلى الغرس حتى لا يقع الغارس في المحذور وهذا ما تعلمناه في الدعوة الفردية الكريمة .. فهو وسيلة للوصول وسلمة للصعود , وضربت مثالا بالتعريف عند الامام أحمد ولكنى لم أتمكن من إكماله حيث قاطعني الأخ الكريم .. ثم ساق عدة أمثلة لاأخفيكم سراً لم تركز في ذهني لأنها كانت في واد آخر ..
عذرت أخي الكريم وقلت لعل انتقاله إلى عنصر آخر أخفى عليه مرادي من المناقشة والمداخلة فسكت ... ولكنني لم أهدأ أثناء المحاضرة أخذت أدون سريعا نقاطا تجمع الغرس بالتعريف وتساوق بينهما.... وعندما وصلت إلى البيت انفعلت بالمحاضرة أمسكت بقلمي وجمعت قصاصات أوراقي .. وأخذت أكتب ... وأنا أردد كلاما سمعته من الدكتور عمارة : أن الفكر الذي لا يحرك قلما ويهز مشاعرا وعقلا ليس بفكر...
وكانت البداية مع التأكيد على أن مفتاح العلم وتحطيم الجهل هما بابا الوصول إلى الحقيقة .. لأن الركون والاستسلام إلى فكر الآخر دون مناقشته أو محاورته يصنع بليداً أو جاهلاً أو إمعة ..
وكما قيل الجهل : اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه وفعل الشيء بخلاف ما حقّه أن يفعل .
والجهل ضياع الحق .
والعلم هو العلم بالشيئ على حقيقته على سبيل الثقة واليقين , وهو الارتياح التام بحقيقة علمه به وسكون النفس لذلك .
والمعرفة العلم بتفاصيل هذا الشيء ويقال : المعرفة يسبقها جهل والعلم قد يسبقه وقد لا يسبقه، لهذا يقال : إن الله عالم ولا يقال عارف.
وكما قيل: " لا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أن علم فقد جهل.
والعِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على منهج علمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة.


وقفة مع المصطلح


معنى التعريف:
عرَّفَ يُعرِّف، تعريفًا، فهو مُعرِّف، والمفعول مُعرَّف
• وعرَّف الشَّيءَ:
1 - حدَّد معناه بتعيين جنسه ونوعه وصفاته "عرَّف الجبلَ بأنّه كذا- عرَّف نبات كذا".
2 - طيَّبه وزيَّنه " {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} ".
• عرَّفه الأمرَ/ عرَّفه بالأمر/ عرَّفه على الأمر:
1 - أعلمه إيّاه، أخبره به وأطلعه عليه، هداه وأرشده إليه "عرَّفه ما حدث البارحة- عرَّفه نتيجة الامتحان- {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} ".
2 - نشده "عرَّف حقيبتَه المفقودة".
• عرَّفه بشخصٍ: أخبره باسمه "عرَّفه بزميله في العمل".
• عرَّف الاسمَ النَّكرةَ: (نح) أضاف إليه (أل) أو أضافه إلى معرفة، ضِدَّ نكَّرَه.معجم اللغة العربية المعاصر ج2 ص 1485 تأليف: د أحمد مختار عبد الحميد عمر (المتوفى: 1424هـ) بمساعدة فريق عمل , الناشر: عالم الكتب ,الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م
فالتعريف ورد بمعنى : تحديد المعنى وتعيين جنسه ونوعه وصفته وورد بمعنى الإخبار والإعلام.
•وقيل التَّعريف بالشَّيء: تقديم معلوماتٍ عنه "قدَّم تعريفًا بنبات كذا- قام المحاضر بتعريف السّامعين بمعنى اقتصاد السُّوق".
• تعريف الشَّيء: تحديد مفهومه الكلِّيّ بذكر خصائصه ومميّزاته "ورقة تعريف- اشتمل الكتاب على أبواب تتعلَّق بتعاريف القانون وأهدافه ونطاق تطبيقه"? غنِيّ عن التَّعريف: مشهور، لا يحتاج إلى تعريف . المرجع السابق ج2 ص1486
ولقد جاء لفظ التعريف في القرآن الكريم بمعان مختلفة , يقول الله تعالى:"وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) " سورة التحريم
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
عَرَّفَ حَفْصَةَ بَعْضَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ بِمَا نَهَاهَا عَنْ أَنْ تُخْبِرَهَا، وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ تَكَرُّمًا. تفسير القرطبي ج18 ص187 تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة , الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964 م.
ويقول تعالى:"وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)محمد"
وَقِيلَ:" عَرَّفَها لَهُمْ" أَيْ بَيَّنَهَا لَهُمْ حَتَّى عَرَفُوهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ. قَالَ الْحَسَنُ: وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا دَخَلُوهَا عَرَفُوهَا بِصِفَتِهَا. تفسير القرطبي ج16 ص230
وقيل: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي: زينها لهم قال أبو سعيد الخدري: إذا نجّى الله المؤمنين من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ثم يؤذن لهم بالدخول إلى الجنة، قال: فما كان المؤمن بأدل بمنزلة [في الدنيا منه بمنزلة] في الجنة حتى يدخلها.. ـ[الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه]ـ ج11 ص6888
تأليف: أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (المتوفى: 437هـ) , تحقيق: مجموعة رسائل جامعية بكلية الدراسات العليا والبحث العلمي - جامعة الشارقة، بإشراف أ. د: الشاهد البوشيخي. , الناشر: مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة , الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م
أما الغرس فقيل في تعريفه:
غرَسَ يَغرِس، غَرْسًا وغِراسةً، فهو غارِس، والمفعول مَغْروس وغَرْس وغِراس.
• غرَس الشّجرَ ونحوَه: أثبته في الأرض وزرعه "غرَس الأزهارَ في المشتل- اغرِس العودَ ما دام لدنًا- غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون [مثل]- {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَغْرِسُونَ} [ق] " ° غرس كُلية في جسم المريض: وضع كلية سليمة بدل المريضة.
• غرَس فيه فكرةً ونحوَها: رسَّخها، أثبتها، طبَعها في ذهنه "غرَس في نفسه مجموعة من الصفات الحميدة- غرَس فيه عاطفة الحنان". المرجع السابق ج2 ص1608
ولقد جاء الغرس في الأحاديث بمعان مختلفة فجاء بمعنى النصب , قال صلى الله عليه وسلم" مَنْ نَصَبَ شَجَرَةً فَصَبَرَ عَلَى حَفِظِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا حَتَّى يثْمِرَ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُصَابُ مِنْ ثَمَرِهَا صَدَقَةٌ عِنْدَ اللهِ "رواه البيهقي في شعب الايمان
وجاء بمعنى الاثبات في الأرض , فعَنْ جَابِرٍ، عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي نَخْلٍ لِي، فَقَالَ: " لِمَنْ هَذَا النَّخْلُ؟ " قُلْتُ: لِي، قَالَ: " مَنْ غَرَسَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ؟ " قُلْتُ: مُسْلِمٌ، قَالَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ، أَوْ طَيْرٌ، أَوْ سَبْعٍ، إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَأَخْرَجاهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه.
ومقتضاه أن ثواب ذلك مستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولاً منه ولو مات غارسه أو زارعه ولو انتقل ملكه إلى غيره.
قال ابن العربي: في سعة كرم الله أن يثيب على ما بعد الحياة كما كان يثيب ذلك في الحياة وذلك في ستة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو غرس، أو زرع، أو رباط فللمرابط ثواب عمله إلى يوم القيامة انتهى.
ونقل الطيبي عن محيي السُّنّة أنه روى أن رجلاً مرّ بأبي الدرداء وهو يغرس جوزة فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير وهذه لا تطعم إلا في كذا وكذا عامًا. قال: ما عليّ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري. ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج4 ص171 تأليف: أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين (المتوفى: 923هـ) الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، مصر الطبعة: السابعة، 1323 هـ


بين الغرس والتعريف
من التعريفات السابقة يتضح لنا أن بين التعريف والغرس عموم وخصوص , فكل غرس تعريف وليس كل تعريف غرس , وبينهما تلازم لحاجة الغرس إلى التعريف وحتى لايقفز الغارس فينفر من غرسه قلوب الناس , بل لابد من التمهيد للغرس بالتعريف.. لأن صعود درجات سلم القلب تحتاج إلى تدرج وتأن .
فالشيء المغروس لابد من تعريفه وتحبيبه وتقريبه للنفس حتى تقبله وتقبل عليه.
ومثل القلب والعقل قبل الغرس كمثل الأرض قبل البذر والزرع , تحتاج إلى رعاية من نوع خاص يتساوق مع المغروس والمزروع فيها .. فالعقل والقلب يحتاجان إلى تهيئة وإعداد قبل غرس القيمة فيه من تهيأته وتنقيته بالوسائل المحببه إليه حسب الطبيعة النفسية والمكانية والزمانية ونوع القيمة المغروسة وأهميتها..
والغفلة عن مقدمات الغرس لها سلبياتها التي لا تخفى على ذي بصيرة .. فهي تؤخر النمو وتضعف الثمرة ولربما جلبت الآفات والأمراض ..
هذا موسى عليه السلام يُحلى بالصيام قبل المناجاة يقول تعالى:"وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) " الأعراف
ثم يحلى بالتدريب بإلقاء العصا ونزع اليد قبل لقاء فرعون.
وهذا نبي الله محمد عليه السلام يحلى بشق صدره وهو في مراتع الصبا وقبل الرسالة وقبل الاسراء .
ونحن علينا أن نحلي الأرض قبل الغرس فيها وأن نربت على القلب قبل الجري بين شرايينه وأوعيته حتى يثبت الغرس ويكثر الثمر .


الغرس يبقى أثره ويطول أمده


من المعلوم أن الحياة مصنع يظهر انتاجه بعد الوفاة , كما قيل:
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَحْيَاءُ
ولذلك أثر الغرس يبقى ويدوم أكثر من التعريف لأن المعرف يعرف ثم ينطلق والغارس يصر ويصبر حتى يجني ثمرة غرسه .
ولذلك ينبغي على كل صاحب بصيرة أن يبحث له عن تابع يحمل عنه تركته في الخير والنور لأن التابع الذي يحمل الخير عن المتبوع يضخ له رصيدا فوق رصيده من الحسنات .
لقد بكى موسى عليه السلام ليلة الاسراء والمعراج لأن تابع محمد يوم القيامة أكثر من تابعه .
وحرص إبراهيم عليه السلام على دعوة والده أن يحمل عنه وأن يدخل في هذا الدين وهكذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم حرص على هداية عمه , ومن قبله نوح عليه السلام صرخ في ابنه "اركب معنا" فلما أصابه ما أصابه قال: رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين"
قال أحد الصالحين : كلما رأيت إنسانا هداه الله على يدي شبعت وارتويت.. لأن مضخة الحسنات لن تتوقف , فلنحرص على إرضاع التابعين لنا قيما يبقى أثرها ويطول أمدها ولا ينقطع مددها , تدر علينا دخلا في قبورنا ونرى فيضها يأخذ بأيدينا إلى الفردوس يوم القيامة.. "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى"النجم
قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يدعو له". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ.
نسأل الله أن يهيء لنا من أمرنا رشدا .. وللحديث بقية.. بعد التعريف والغرس يبقى الأثر.(2)
ATEF_200955@YAHOO.COM





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق