هلا جعلت لك من اسمك نصيباً؟ ماذا تفعل إذا كان اسمك قبيحا؟(3)

بقلم الشيخ //عاطف أبو زيتحار

بعض الناس أسماؤهم غير مقبولة لهم وللناس من حولهم -القط والجحش وأبو جاموس ...والحرامي والبغل – هذه الأسماء تُكوّن عندهم غالباً رسائل سلبية , فيسير أحدهم بين أصدقائه منكسر الفؤاد, بسبب غمز الناس ولمزهم له, ومن كان اسمه هكذا فليتحكم في شراعه , لأن عدم التحكم في الشراع يهيج الأمواج ويجعل السفينة تنحرف عن مسارها , ولا تصل إلى هدفها ومبتغاها , وليتعلم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع الأسماء الغير مقبولة والمنكرة .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد :
لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ، ودالة عليها ، اقتضت الحكمة أن يكون بينهما ارتباط وتناسب ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها ، فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك ، والواقع يشهد بخلافه ، بل للأسماء تأثير في المسميات ، وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح ، والخفة والثقل ، واللطافة والكثافة كما قيل :
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
( وكان صلى الله عليه وسلم يستحب الاسم الحسن ، وأمر إذا أبردوا إليه بَريداً أن يكون حسن الاسم حسن الوجه ) وكان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة كما ( رأى أنه وأصحابه في دار عقبة بن رافع ، فأتوا برطب من رطب ابن طاب ، فأوله بأن لهم الرفعة في الدنيا ، والعاقبة في الآخرة ، وأن الدين الذي قد اختاره الله لهم قد أرطب وطاب ، وتأول سهولة أمرهم يوم الحديبية من مجيء سهيل بن عمرو إليه ) .( وندب جماعة إلى حلب شاة ، فقام رجل يحلبها ، فقال : " ما اسمك ؟ " قال : " مرة فقال : اجلس ، فقام آخر ، فقال : " ما اسمك ؟ " قال : أظنه حرب ، فقال : اجلس ، فقام آخر ، فقال : " ما اسمك ؟ " فقال : يعيش ، فقال : " احلبها " ) .
ثم يضيف رحمه الله لطيفة في غاية الجمال وهي العلاقة بين الأرواح والأجسام وأن العقل هو الرسول بينهما قائلاً:ولما كان بين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة ما بين قوالب الأشياء وحقائقها ، وما بين الأرواح والأجسام عبر العقل من كل منهما إلى الآخر كما كان إياس بن معاوية وغيره يرى الشخص ، فيقول : ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت ، فلا يكاد يخطئ ، وضد هذا العبور من الاسم إلى مسماه كما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً عن اسمه ، فقال : جمرة ، فقال : واسم أبيك ؟ قال : شهاب ، قال : ممن ؟ قال : من الحرقة ، قال : فمنزلك ؟ قال : بحرة النار ، قال : فأين مسكنك ؟ قال : بذات لظى ، قال : اذهب فقد احترق مسكنك ،فذهب فوجد الأمر كذلك ، فعبر عمر من الألفاظ إلى أرواحها ومعانيها ، كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم من اسم سهيل إلى سهولة أمرهم يوم الحديبية ، فكان الأمر كذلك. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بتحسين أسمائهم ، وأخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها ، وفي هذا - والله أعلم - تنبيه على تحسين الأفعال المناسبة لتحسين الأسماء ؛ لتكون الدعوة على رءوس الأشهاد بالاسم الحسن ، والوصف المناسب له . وتأمل كيف اشتق للنبي صلى الله عليه وسلم من وصفه اسمان مطابقان لمعناه ، وهما أحمد ومحمد ، فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة محمد ، ولشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد ، فارتبط الاسم بالمسمى ارتباط الروح بالجسد ، وكذلك تكنيته صلى الله عليه وسلم لأبي الحكم بن هشام بأبي جهل ، كنية مطابقة لوصفه ومعناه ، وهو أحق الخلق بهذه الكنية ، وكذلك تكنية الله عز وجل لعبد العزى بأبي لهب ؛ لما كان مصيره إلى نار ذات لهب كانت هذه الكنية أليق به وأوفق ، وهو بها أحق وأخلق .
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، واسمها يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم غيره بطيبة ؛ لما زال عنها ما في لفظ يثرب من التثريب بما في معنى طيبة من الطيب ، استحقت هذا الاسم ، وازدادت به طيباً آخر ، فأثر طيبها في استحقاق الاسم ، وزادها طيباً إلى طيبها .
ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه ويستدعيه من قرب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض قبائل العرب وهو يدعوهم إلى الله وتوحيده : ( يا بني عبد الله إن الله قد حسن اسمكم واسم أبيكم ) ، فانظر كيف دعاهم إلى عبودية الله بحسن اسم أبيهم وبما فيه من المعنى المقتضي للدعوة ، وتأمل أسماء الستة المتبارزين يوم بدر كيف اقتضى القدر مطابقة أسمائهم لأحوالهم يومئذ ، فكان الكفار شيبة وعتبة والوليد ، ثلاثة أسماء من الضعف ، فالوليد له بداية الضعف ، وشيبة له نهاية الضعف ، كما قال تعالى : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ) ، وعتبة من العتب ، فدلت أسماؤهم على عتب يحل بهم ، وضعف ينالهم ، وكان أقرانهم من المسلمين علي ، وعبيدة ، والحارث رضي الله عنهم ، ثلاثة أسماء تناسب أوصافهم وهي العلو ، والعبودية ، والسعي الذي هو الحرث ، فعلوا عليهم بعبوديتهم وسعيهم في حرث الآخرة .
ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه ومؤثراً فيه كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه كعبد الله ، وعبد الرحمن ، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما ، كالقاهر والقادر ، فعبد الرحمن أحب إليه من عبد القادر ، وعبد الله أحب إليه من عبد ربه ؛ وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة ، والتعلق الذي بين الله وبين العبد بالرحمة المحضة ، فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده ، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتأله له وحده محبة وخوفاً ، ورجاء وإجلالاً وتعظيماً ، فيكون عبداً لله ، وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره ، ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب ، كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر .
بعد هذا الكلام الطيب لابن القيم رحمه الله الذي آثرت نقله ينبغي علينا أن نستنبط علاجاً وحلاً ودواء لمن ابتلي باسم غير مقبول :
1- قتل هذه الرسائل السلبية القاتلة والمميتة التي تأتي من وراء هذا الأسماء الغير مقبولة , ومقاومتها قدر المستطاع , وتبخيرها بعيداً عن الذاكرة وعدم تخزينها .
2- إن استطعت أن تغيره إلى الأفضل فافعل , وخصوصاً إن كنت في بداية حياتك ومقتبل عمرك .
3- اختر لك لقباً أو كنية وعرف الناس والأصدقاء من حولك بها .
4- قاوم قبيح الأفعال وسوء الأخلاق الملتصقة بهذا الاسم , وحاول أن تصنع من المر شراباً حلو المذاق .
5- اجعل لك فعلاً واحداً يلتصق بك ينسى الناس الاسم ويقلبه إلى فعل , بل يحول هذا الفعل إلى اسم حقيقي , كأرباب الصنائع المختلفة – السباك النجار...-كأن تحافظ دائماً على صيام النهار حتى يقال فلان الصوام , أو قيام الليل فيقال فلان القائم , أو الفجر والنزول إليه مبكراً فيقال فلان المحافظ على الفجر أو الصدقة أو تحفظ القرآن أو تبحث لك عن مكانة علمية عالية , كأن يقال الدكتور فلان أو الداعية ... فتقلب الاسم بسبب المرتبة العلمية التي حصلت عليها من سيء إلى حسن .
6- أن تضع في ذهنك دائماً أنك ستدعى بهذا الاسم على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى تغيره بعمل أو لقب أو كنية , وتعمل جاهداً على تحسينه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق