عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صناعة الهيبة بين الماضي والحاضر:
لقد وقعت غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة النبوية , ووقعت غزوة حنين في السنة الثامنة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم , ووقعت غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم , وجاء الحج الأكبر في السنة العاشرة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم . والناظر إلى غزوة أحد وما قع فيها من مشاهد مضيئة , وما أعقبها من أحداث حتى غزوة الأحزاب يستطيع أن يبصر واقع أمتنا اليوم , وكذلك غزوة حنين وما حدث فيها من مواقف مشهودة , وما تبعها من أحداث حتى حجة الوداع يستطيع أن يبصر واقعنا اليوم .. بعد غزوة بدر حلت هيبة النصر على المسلمين , وارتفع شأنهم عسكريا في
المدينة ومكة وبين القبائل المجاورة .. وحاولت جبهات الأعداء الداخلية والخارجية – اليهود , المشركون – المنافقون , النصارى على أطراف المدينة - التقليل من هذه الهيبة , وبث الرسائل السلبية في نفوس المسلمين , ومحاولة رفع الروح المعنوية في نفوسهم بقولهم " .. غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ " الأنفال من الآية : 49. وقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم " لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس , وإنك لم تلق مثلنا ". وهنا يبرز الوعي السياسي في فكر النبي صلى الله عليه وسلم , والفكر العسكري المحفوف بالنبوة , فيُجهز عليهم , ويُكمل مسيرة هيبته , ويُحاول تحطيم تفكيرهم بمباغتات سريعة , ويربك خططهم , ويشل حركتهم , ويفشل مختطاتهم بعدم تفويت أي فرصة سانحة له تجاههم .. حربية كانت , أو اقتصادية ,.. ولذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في مائة راكب لاعتراض قافلة أبو سفيان التي قدمت من الشام فلقيها عند ماء يقال له القُردة , ففر رجالها وتركوا ما معهم من تجارة , فعادوا بها إلى المدينة , فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخمس ووزع الباقي بين أفراد السرية. ثم باغت رسول الله صلى الله عليه وسلم بني سليم بعد بدر بسبع ليال فهربوا , ولم يلق قتالاً , وذلك بعد أن علم أنهم يتجهزون لمقاتلته , وساق غنائم , وسميت بماء الكدر في بني سليم . وبعد أن أغار أبو سفيان على المدينة بمائتي فارس من ناحية العُريض , فقتل رجلين من الصحابة , وأحرق زرعاً ؛ تعقبه النبي صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل من الصحابة , ففر هاربا بمن معه .., وسميت بغزوة السويق لما كان مع المشركين من حنطة وشعير محمصين طحنا بعسل ولبن وسمن ... ثم تجمعت قبيلتي ثعلبة ومحارب بقيادة دُعْثور بن الحارث المحاربي يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فخرج إليهم رسول الله في أربعمائة وخمسين من الصحابة الكرام عليهم الرضوان , وبمجرد أن اقترب من مكان تجمعهم بذي أمر , فر القوم إلى رؤوس الجبال , وولوا الأدبار , ومكث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في نجد مدة تقارب شهراً دون أن يلقى قتالاً ثم عاد إلى المدينة , وفي هذه الفترة أسلم كبيرهم دُعثور . وفي جمادى الأولى من السنة الثالثة للهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة من الصحابة يريد بني سليم بعد أن تجمعوا للمرة الثانية في أشهر قليلة بعد بدر لقتاله صلى الله عليه وسلم , فبلغ بحران بين مكة والمدينة , فوجدهم قد تفرقوا , فعاد دون قتال . وفي هذه الفترة أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني قينقاع بعد أن كشف سيء منهم عورة امرأة مؤمنة .. , وهكذا تعقبهم صلى الله عليه وسلم وأحال نارهم رماداً , بل قل إن شئت كلما صنعوا قدرا مغليا للمسلمين وضعهم فيه صلى الله عليه وسلم , وكلما أوقدوا ناراً ألقاهم فيها .. , فأصبحوا في هذه الفترة يخربون بيوتهم , ويحطمون مقدراتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين . لقد أظلت خيمة هيبة النصر – التي كساها الله المؤمنين - مكة والمدينة والقبائل المجاورة , بل قل إن شئت الجبهات المناوئة من اليهود والمشركين والمنافقين وغيرهم في المدينة وخارجها , فأخرصت ألسنتهم , وأصمت آذانهم , وأعمت أبصارهم , وأرعبت قلوبهم في هذه الفترة بين بدر وأحد , وهكذا يصنع النصر الهيبة للمؤمنين , والخوف والفزع في نفوس المجرمين .. والإنسان كلما أخذ بأسباب النصر ومقوماته , وتخلى عن عوامل الهزيمة وأسبابها , رزقه الله النصر ومنحه هيبته , وإذا وركن إلى البطالة وتخلى عن أسبابه.. نزعت منه هيبة النصر , وحلت بداره الهزائم تلو الهزائم . إن الممعن النظر في غزوة أحد , وما تبعها من أحداث حتى غزوة الأحزاب .., يلحظ أن هزيمة أحد جرت كثيراً من الويلات على المسلمين , فلقد كُسرت هيبتهم في نفوس أعدائهم , وتجرأت عليهم القبائل المجاورة للمدينة , ورفعت الجبهات الداخلية من اليهود والمنافقين والمشركين أصواتها , وأطلت بأعناقها , وألقت بسهامها . والمطالع لحالنا اليوم , والمبصر لواقعنا المعاصر , يجد أننا كنا نعيش أزهى فترات الهيبة بعد المكاسب السياسية التي نزلت بساحاتنا , وحلت بدعوتنا , فمن فوز إلى فوز , ومن نجاح كاسح إلى نجاح أكبر اكتساحاً , وأوسع انتشاراً , كم سعدت قلوبنا بالفوز في المجالس النيابية , وفرحت عقولنا بالنجاح في الاتحادات الطلابية , والنقابات العمالية , والجمعية التأسيسية , ومن قبل ذلك في الانتخابات الرئاسية ..... وغيرها , كم فُتِحت شرفات جديدة للدعوة , ومنابر حرمنا من التحدث للناس من خلالها لسنوات عديدة وأزمنة مديدة .. والمتصفح لكتاب الابتلاء الذي حل بديارنا , ونزل بأمتنا مؤخرا , يجد أن ما حل بالمؤمنين الأوائل إبان أحد حل بديارنا مؤخرا - مع اختلاف المنسوب الإيماني بيننا وبينهم - , فتجرأ الأعراب على دعوتنا , وسمع نقيق أنصاف الرجال يهاجم أُخُوّتنا , وارتفع عواء ونباح الحاقدين الحاسدين هنا وهناك.. , أغدقت الأموال , وجُيّشت الجيوش , من أجل القضاء على البقية الباقية .., وتمادى القوم في غيهم , وتوالى ظلمهم .. ومن رحمة الله بنا أن ثبتنا على ديننا ودعوتنا , وأننا ما زلنا في الميدان حتى اليوم , وأننا نخرج من حمراء الأسد إلى حمراء أخرى , وأننا لم نفقد وعينا بعد , وما زلنا نتحكم في شراعنا .. ولكن المدقق النظر في مرحلة ما بعد بدر , يلحظ في الوعي السياسي الكمال المقتبس من مشكاة النبوة الكاملة . ولأننا بشر تنطح علينا بشريتنا , فنخطيء ونصيب , ونتذكر وننسى , ونغفل ونستيقظ , ونتعلم من ماضينا لبناء مستقبلنا .. غفلنا ولم نتعلم من هذا الوعي النبوي الكامل الذي لم يعتريه نقص في مرحلة ما بعد بدر حتى أحد , فكم أتيحت لنا فرص الإجهاز على خصومنا , مع الفارق في التطبيق والوسائل , فلكل مرحلة وسائلها وطريقة تطبيق هذه الوسائل . ولعل السر يكمن أن خبرتنا الدعوية تغلبت على فكرتنا السياسية , وأننا تعاملنا مع الثعالب والأفاعي بربانية تامة , ولم يكن بيننا خبراء يبصروننا بمختطاتهم , وخديعتهم , ومكرهم , وإفكهم , وكيفية مواجهة هذه المختطات من جنس ما يبيتون .. , ونحن معذورون فلقد استبعدنا في العصور الغابرة من كل هذه المؤسسات , فنقبوا عن فتيلنا , وقطميرنا واستبعدوا كل من فيه رائحة إسلامية , لتخلوا لهم وحدهم , يفعلوا فيها ما يشاءون , ويديرونها كيفما شاءوا . ولعل سرا آخر يكمن في دوائر صنع القرار بيننا حيث قل فيهم الخبير العسكري , والبصير الأمني , والمدقق المخابراتي . فعندما نطالع دوائر الشورى لا نكاد نجد هذه المسميات بل تكاد تنعدم , فهذا مدرس , والآخر طبيب , والثالث موظف , والرابع أستاذ جامعي , والخامس خرج من الخدمة وأصبح على المعاش .. , وهذا شيخ .., ربانيون يفكرون بطريقة ربانية صرفة لا التواء فيها ولا خداع , لا كذب فيها ولا تدليس , وليت هؤلاء الكرام وقفوا مع قول عمر :" لست بخب ولا الخب يخدعني ". إن الناظر إلى المرحلة الغابرة من عمر أمتنا بعد بدر يلحظ أنه لا غفلة ولا فتور , بل عمل مستمر متواصل ما بين سرية وغزوة , مرة يغنمون , وأخرى يقتلون , ومرة يطاردون , ومرة يردون ويدافعون , فما اعترتهم الغفلة في ساعة , وما سكنهم الفتور والكسل في ليل أو نهار , بالرغم من نصرهم وهزيمة عدوهم , الصف بأكمله من القائد حتى أصغر جندي خلية نحل عملها الجهادي ديمة غير منقطع . ونحن عندما نقف مع واقعنا بعد هذه المكاسب السياسية والدعوية , نلحظ أن بعض المكاسب لم تأتي بسبب عرق الصف الدعوي بأكمله , ولكن بعضها جاء بسبب أداء متميز من بعض الشرائح الدعوية , فنتيجة الشورى مثلا جاءت قبل الهجمة الإعلامية الشرسة على التيار الإسلامي على وجه العموم , والإخوان من بينهم على وجه الخصوص , وبسبب أداء الكتلة الإسلامية المتميز في البرلمان كما يقول الخبراء .. والملاحظ على الصف الإسلامي بشكل عام أنه أصابه فتور دعوي , فقلت حركته وضعفت مشاركاته , واعتمد على أداء نوابه , ولعل بعضهم أكثر من الجدل حول كشف الشبهات التي أثيرت حول الأداء البرلماني في هذه الفترة , وبمعنى آخر شغلونا أو شُغلنا بفضول القول عن العمل , والجري في الساحات مبلغين , وفي الميادين داعين , وغفل البعض عن : نحن قوم عمليون. ولعل سياط القوم التي ألهبت ظهورنا , تكون زادا ومحركا وموقظة لنا من جديد , بعد أن غرق البعض في العافية لسنوات . ولعل سرا ربانيا آخر يكمن في هذه المحنة أن نعرف خبايا هؤلاء.. , نعرف داخلهم بعد أن كشف الله ستره عنهم , وفضحهم وفضح خباياهم , وطريقة تفكيرهم .. لقد وضعوا على أنفسهم خيمة مرسومة من الخارج بحب الوطن والمواطن , فوجدناهم بعد أن مزق الله خيمتهم وكشف ستره عنهم يبغضون الوطن ويقتلون المواطن . من كان يظن أن يحدث هذا , فيرى الناس جميعا , إلا من ختم الله على قلبه , وأعمى بصره وبصيرته , ولاء هؤلاء لإسرائيل , وعدائهم لعروبتهم ودينهم وأمتهم الإسلامية ؟ من كان يظن أن يرى في يوم من الأيام سلاحا مصريا تم شراؤه بأموالنا يصوب تجاه صدر مصري شارك في شرائه ؟ من كان يظن أن يرى حركات المقاومة في بلادنا العربية أعداء في أعين وتفكير هؤلاء , والصهيونية حبيبة لهم ؟ من كان يظن أن يقدم قميص المجون على عمامة الشيخ ؟ من كان يظن أن يرى ما نراه اليوم من مآس فكرية , وأزمات ثقافية , وخلفيات مشبوهة لدى هؤلاء ؟ لقد مزقت الخيمة وارتفع الستر ورأى القاصي والداني خيبة الأمل التي تحياها مؤسسات بلادنا , لقد أصبحت دمى في أيدي الصهاينة , أو أصبحت تتحرك بريموت اليهود وتعليمات أمريكا .. ولعل الليالي والأيام المقبلة حبلى بكل جديد ف " لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير " من داخل المعركة : أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم دينه ودعوته : لقد كانت البداية مع انسحاب عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش يوم أحد وعودته إلى المدينة رافعا شعار : علام نقتل أنفسنا , حتى همت بعض القبائل أن تستجيب لدعوتهم وتنفذ أوامره , ولكن الله عصمهم "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما " وموقف المنافق مربع بن قيظى من مرور الجيش الإسلامي من حائطه , وحمله التراب في كفه يريد أن يضرب به وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : والله لو أعلم أني لا أصيب به غيرك يا محمد , لضربت بها وجهك , فابتدره القوم ليقتلوه , فقال لهم :" لا تقتلوه , فهذا الأعمى أعمى القلب , أعمى البصيرة .. ومحاولة أبو سفيان وأبو عامر الفاسق - الملقب بينهم يومئذ بالراهب - , شق عصا المسلمين , وتصديع جبهتهم المتماسكة , يقول الأول مخاطبا الأنصار : خلوا بيننا وبين ابن عمنا , فننصرف عنكم , فلا حاجة بنا إلى قتال , فردوا عليه بما يكره . وصرخ الثاني في الأوس يريد أن يصرفهم من المعركة : يا معشر الأوس , أنا أبو عامر , قالوا فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق .. ولو كشف الله للمؤمنين وأطلعهم على غيبه في هذا الوقت وأظهر لهم مكنون أسراره لعلموا أن انسحاب ابن أبي - عليه لعنة الله – ومن على شاكلته من التحالف الإسلامي في هذا الوقت العصيب نعمة عليهم , لأنه وجماعته لو خرجوا فيهم ما زادوهم إلا خبالا , وأن الله يريد أن يميز الخبيث من الطيب ." ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ". ولما وجدنا عبد الله بن حرام يحاول إقناعهم بالعودة وعدم خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما تحمس أحد من المسلمين لقتلهم . وفي أيامنا هذه يتعجب بعض العاملين في الحقل الإسلامي من المنتسبين إلى التيار الإسلامي شكلا ومظهرا , وهم يرونهم يوالون أعداء الله حقيقة وواقعا , يرونهم يؤيدون الظالمين ويعادون العاملين لدين الله , فيتحول تعجب بعضهم إلى ناصح لهم مشفق عليهم , فيصرخ فيهم كما صرخ جابر بن عبد االله – رضي الله عنهما - من قبل :" يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم .." ولو علم هذا الصارخ أن الله يريد أن يميز الصف وينقيه لما صرخ , ولو علم أن وجود هؤلاء بين التحالف الإسلامي سيزيده خبالا "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا.." التوبة الآيات من : 47 – 49 . لقد رأينا مئات على شاكلة مربع بن قيظى , يشيرون إلينا بإشارات تخدش الحياء , ويتلفظون بألفاظ تقتل الرجولة , بل بعضهم لم يكتفي بإشارته البذيئة .., وألفاظه الدنيئة .., فاعتدى على شبابنا بيديه , ومنهم من حمل سلاحه للأسف الشديد ووصل به الأمر إلى حد الافتخار .. ثم إننا رأينا أثناء الخروج في الخامس والعشرين وما تبعها من أحداث حتى اليوم مئات وآلاف على شاكلة أبي عامر الفاسق .. صرخوا في العهد الغابر بعدم الخروج على الحاكم , ودعوا البلاد تستقر , واتركوا فرصة للرجل , ولما جاءت اللحظات الفارقة من عمرهم بعد الانقضاض على الحاكم الشرعي , وتقويض حكمه , قالوا حاكم متغلب ... , وما هو بمتغلب لأن شروط المتغلب لا تنطبق عليه .. ونحن نقول لمن على شاكلة أبي عامر الفاسق ..: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق . أيضا لقد عَدّ عوام الناس وحَسبوا على الصف الإسلامي العمل الحزبي بأخطائه , فكل من انتسب إلى أحزابنا الإسلامية عدوه منا مادام يحمل كارنيها لحزبنا الفلاني , وهو الذي كان يأكل الربا بالأمس ولا زال , وهو الفلولي القديم ولا زال , وهو الغاش ولا زال , وهو القاطع لرحمه ولا زال , وهو الفاحش البذيء ولا زال , وهو شارب الخمر ولا زال , فأساءوا أكثر من إحسانهم , وشوهوا أكثر من تزينهم ..؛ لقد جمع الصف الإسلامي غثاء كثيرا , وخصوصاً في المرحلة من 25 يناير حتى اليوم .. لقد عد الناس علينا أيضا دوائر ربطنا العام وانتشارنا , وجعلوا دعوتنا الفردية من صميم الدعوة وأعمدتها ورموزها وقادتها وقدواتها.., ولم يعلموا أن هؤلاء لم ينقوا بعد من جراثيم الصحبة , وفيروسات العائلة , ولو علموا لما لا مونا , ولا قبحونا , ولا أهانونا , ولا شوهوا صورتنا , ولا ربطوا دعوتنا بأفعالهم وأقوالهم وسلوكياتهم. ومن رحمة الله بنا أنه عندما جاءت المحن الأخيرة , من الاعتقالات , والقتل والملاحقات , والتشريد والتدمير..., ومصادرة الأموال , فر هؤلاء من الميدان ورفعوا شعار : علام نقتل أنفسنا , بل أظهر من أضمر حقده , وأظهر حبه حقده على حقيقته .., فنقى الله صفه ولا زال ينقي . ولو ظلت العجلة تسير كما كانت لحدثت طامة في مرحلة من المراحل , ولرأينا في يوم من الأيام متهورا متحمساً لم يأخذ حظاً من التربية يقود دعوة الله , أو لرأينا من أظهر حبه ونشاطه في العمل الحزبي يقود سفينة الدعوة بعد أن اختلط العمل بينهما .. لقد رأينا المصافي التربوية تتسع في فترة العافية من 25 يناير حتى محنة 3 يوليو وهذه حقيقة , فلقد رأيت ثرثارون يتقدمون أماكن ما كان ينبغي عليهم أن يتقدموها , ولقد رأيت قليل البضاعة العلمية يتقدم ركب العلماء , ولقد رأيت شباباً لم يلتزموا بالمحاضن التربوية ووسائلها إلا قليلاً يقودون بعض الأقسام الدعوية المهمة .. وإن من رحمة الله بنا أن منحنا هذه المحنة حتى نستفيق ونعود مرة ثانية إلى مصافينا التربوية الحقيقية , ووسائلنا المتعددة التي تقدم من يستحق التقديم وتؤخر من يستحق التأخير . إن هذه المحنة التي تحمل في طياتها منحاً متعددة تثبت لنا يوما بعد يوم أن من تم سلقه في ماء بارد في أيام الصيف إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير لم يصلح اليوم للبناء , وأن من انصهر في تنور هذه الفتن وصبر على شدتها ولأوائها أغلبهم من الذين صهرتهم محن الأيام والليالي في العهود الغابرة . أيضا لقد أظهرت لنا هذه المرحلة وأنتجت رجالا كنا نعدهم من الأشرار , فكم مرة قلنا لمريض بالسكر ارجع فلن نستعين بك في دعوة الله , فترك مع الأيام شرابه وطلق سكره عندما رأى ما يحدث للحرائر من انتهاك لأعراضهن , وللشباب من إراقة لدمائهم , وللشيوخ من تعذيب وترهيب وتخويف لأبدانهم , .. فأثبت رجولته وآمن بقدسية دعوته واعتنقها وسبق بعض المنتسبين إلى قافلتنا بسنوات .. كم رأينا هؤلاء وهم يبكون بسبب تأخرهم عن ركبنا , وتقاعسهم عن نصرتنا , ورضائهم وتأييدهم لما حدث لنا من ابتلاء ومحن ..؟ . كم رأينا هؤلاء وهم يدافعون عنا , ويستميتون في ذلك ؟ لقد رأينا بعض هؤلاء ممن لم يشهد معنا كتيبة إيمانية , ولم يحضر أسرة تربوية , ولم يتنزه في رحلة قمرية أو جهادية , يستشهد فنرى البسمة بادية على جبينه , والرضا على بدنه , وكأنه ولد في دعوة الله يذب عنها غلو الغاليين , ويدفع انتحال المبطلين , ويرد عنها جمود وتطرف الجامدين المتطرفين ... لنعلم أخيرا أن العبرة ليست بمن سبق ولكنها بمن صدق " صدق الله فصدقه الله" - من كان يظن أن يرى سمرة ورافعا في الميادين من جديد بعد آلاف السنوات من غيابهما , وهم يقبلون على الموت ببسالة في الأسكندرية , أو في القاهرة في الصعيد , أو السلوم ..؟ . من كان يظن أن يرى أم خلاد زوج عمرو وصفية أخت حمزة في مصرنا وهي تدفن زجها وابنها , أو شقيقها وهي تقول : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ؟ . من كان يظن أن يرى نسيبة وهي تقذف الباغي بحجرها لتدفعه بعيدا عن فلذات أكبادها ؟ . من كان يظن أن يرى عجوزا طاعنا في السن يقهر عذر كبره , ويقف بين الصفوف مزاحما , وأمام الحرائر مدافعا ؟ . من كان يظن أن يرى أنموذجا في مصرنا كمصعب وسعد وابن حجش في صدق إيمانهم , وإخلاص دعواتهم على تراب مصر ؟ من كان يظن أن يرى حرص حنظلة الزوج على الجهاد والاستشهاد , وحرص جميلة الزوجة على أن تعلق منه بولد قبل الخروج لأحد ؟ كم رأينا مثل هذه المواقف فهذا زوج يزف مرتين مرة في الدنيا إلى عروسه , وبعدها بأسبوع إلى الحور العين ؟. أي صدق وأي إخلاص هذا ؟. من كان يظن أن يشم رائحة الجنة كما شمها أنس بن النضر – رضي الله عنه - لقد شمها الشهيد قبل استشهاده , وشمها من حمله بعد استشهاده.. أحبتي في الله : لقد تخلى ابن سلول وخذل التحالف الإسلامي , وسبه مربع اليوم , وعمل أبو عامر على شق الصف وبذل مجهوده في ذلك , فسخر الله للمسلمين من يدفع عنهم , وفتح أماكن ما كانوا ليستطيعوا اقتحامها والتحدث من شرفاتها , كالاتحاد الأفريقي , ومنظمة الأمم المتحدة , وحقوق الإنسان بجنيف , وكم من دول فتحت ذراعيها لنا مرحبة .. وهكذا .. وإن كنا لا نعول على هؤلاء كثيرا , فيكيفنا أن شعوب العالم الحر تبنت فكرتنا , ورأت مصابنا , وتحدثت باسمنا , وبلغت عنا بلغتنا فأصبحنا حديث العالم , وأصبحت رابعة بمسجدها رمزا لصمود أمم الأرض قاطبة .. ثم تتجلى أعظم منحة وسط طيات هذه المحنة , وهي أننا كنا نبحث عن كوادر لشغل أماكن معينة , فكم كشفت لنا هذه المحن عن كوادر ما خطرت لنا على بال , وما مرت على فكر , وكنا نعدهم هملا .. لقد لقيت أحدهم بعد أن خرج من السجن فقال لي : كم كنت في حاجة إلى شديدة السجن , حتى أستفيق من غفلتي , وأستيقظ من رقدتي , وأرى الحقيقة مرة ثانية , لأعيد تفكيري في سابق عهدي , وأجدد البيعة مع ربي .. , يقول هذا وهو من هو : إنه لم يعرف منهجا , ولم يشهد كتيبة من كتائب الحق يوما .. , ولكنه بمجرد أن استنشق عبيرنا عن قرب , ورأى نتاج المحنة في قلبه شهداً , تمسك بها , وعض عليها , وعاهد أن لا يتخلى عنها يوماً .. ثم تتجلى المنحة أكثر وأكثر عندما تربي لنا السجونُ والمعتقلاتُ والمحنُ والشدائدُ كوادرَ من نوعٍ خاص .. , تربي لنا جيلا جديدا على القيادة , فتهدأ من حماستهم وتصوغ فكرهم في قالب جديد .. نسأل الله القبول , وللحديث بقية . Atef.abozethar@yahoo.com
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صناعة الهيبة بين الماضي والحاضر:
لقد وقعت غزوة أحد في السنة الثالثة من الهجرة النبوية , ووقعت غزوة حنين في السنة الثامنة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم , ووقعت غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم , وجاء الحج الأكبر في السنة العاشرة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم . والناظر إلى غزوة أحد وما قع فيها من مشاهد مضيئة , وما أعقبها من أحداث حتى غزوة الأحزاب يستطيع أن يبصر واقع أمتنا اليوم , وكذلك غزوة حنين وما حدث فيها من مواقف مشهودة , وما تبعها من أحداث حتى حجة الوداع يستطيع أن يبصر واقعنا اليوم .. بعد غزوة بدر حلت هيبة النصر على المسلمين , وارتفع شأنهم عسكريا في
المدينة ومكة وبين القبائل المجاورة .. وحاولت جبهات الأعداء الداخلية والخارجية – اليهود , المشركون – المنافقون , النصارى على أطراف المدينة - التقليل من هذه الهيبة , وبث الرسائل السلبية في نفوس المسلمين , ومحاولة رفع الروح المعنوية في نفوسهم بقولهم " .. غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ " الأنفال من الآية : 49. وقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم " لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس , وإنك لم تلق مثلنا ". وهنا يبرز الوعي السياسي في فكر النبي صلى الله عليه وسلم , والفكر العسكري المحفوف بالنبوة , فيُجهز عليهم , ويُكمل مسيرة هيبته , ويُحاول تحطيم تفكيرهم بمباغتات سريعة , ويربك خططهم , ويشل حركتهم , ويفشل مختطاتهم بعدم تفويت أي فرصة سانحة له تجاههم .. حربية كانت , أو اقتصادية ,.. ولذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في مائة راكب لاعتراض قافلة أبو سفيان التي قدمت من الشام فلقيها عند ماء يقال له القُردة , ففر رجالها وتركوا ما معهم من تجارة , فعادوا بها إلى المدينة , فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخمس ووزع الباقي بين أفراد السرية. ثم باغت رسول الله صلى الله عليه وسلم بني سليم بعد بدر بسبع ليال فهربوا , ولم يلق قتالاً , وذلك بعد أن علم أنهم يتجهزون لمقاتلته , وساق غنائم , وسميت بماء الكدر في بني سليم . وبعد أن أغار أبو سفيان على المدينة بمائتي فارس من ناحية العُريض , فقتل رجلين من الصحابة , وأحرق زرعاً ؛ تعقبه النبي صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل من الصحابة , ففر هاربا بمن معه .., وسميت بغزوة السويق لما كان مع المشركين من حنطة وشعير محمصين طحنا بعسل ولبن وسمن ... ثم تجمعت قبيلتي ثعلبة ومحارب بقيادة دُعْثور بن الحارث المحاربي يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فخرج إليهم رسول الله في أربعمائة وخمسين من الصحابة الكرام عليهم الرضوان , وبمجرد أن اقترب من مكان تجمعهم بذي أمر , فر القوم إلى رؤوس الجبال , وولوا الأدبار , ومكث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في نجد مدة تقارب شهراً دون أن يلقى قتالاً ثم عاد إلى المدينة , وفي هذه الفترة أسلم كبيرهم دُعثور . وفي جمادى الأولى من السنة الثالثة للهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة من الصحابة يريد بني سليم بعد أن تجمعوا للمرة الثانية في أشهر قليلة بعد بدر لقتاله صلى الله عليه وسلم , فبلغ بحران بين مكة والمدينة , فوجدهم قد تفرقوا , فعاد دون قتال . وفي هذه الفترة أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني قينقاع بعد أن كشف سيء منهم عورة امرأة مؤمنة .. , وهكذا تعقبهم صلى الله عليه وسلم وأحال نارهم رماداً , بل قل إن شئت كلما صنعوا قدرا مغليا للمسلمين وضعهم فيه صلى الله عليه وسلم , وكلما أوقدوا ناراً ألقاهم فيها .. , فأصبحوا في هذه الفترة يخربون بيوتهم , ويحطمون مقدراتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين . لقد أظلت خيمة هيبة النصر – التي كساها الله المؤمنين - مكة والمدينة والقبائل المجاورة , بل قل إن شئت الجبهات المناوئة من اليهود والمشركين والمنافقين وغيرهم في المدينة وخارجها , فأخرصت ألسنتهم , وأصمت آذانهم , وأعمت أبصارهم , وأرعبت قلوبهم في هذه الفترة بين بدر وأحد , وهكذا يصنع النصر الهيبة للمؤمنين , والخوف والفزع في نفوس المجرمين .. والإنسان كلما أخذ بأسباب النصر ومقوماته , وتخلى عن عوامل الهزيمة وأسبابها , رزقه الله النصر ومنحه هيبته , وإذا وركن إلى البطالة وتخلى عن أسبابه.. نزعت منه هيبة النصر , وحلت بداره الهزائم تلو الهزائم . إن الممعن النظر في غزوة أحد , وما تبعها من أحداث حتى غزوة الأحزاب .., يلحظ أن هزيمة أحد جرت كثيراً من الويلات على المسلمين , فلقد كُسرت هيبتهم في نفوس أعدائهم , وتجرأت عليهم القبائل المجاورة للمدينة , ورفعت الجبهات الداخلية من اليهود والمنافقين والمشركين أصواتها , وأطلت بأعناقها , وألقت بسهامها . والمطالع لحالنا اليوم , والمبصر لواقعنا المعاصر , يجد أننا كنا نعيش أزهى فترات الهيبة بعد المكاسب السياسية التي نزلت بساحاتنا , وحلت بدعوتنا , فمن فوز إلى فوز , ومن نجاح كاسح إلى نجاح أكبر اكتساحاً , وأوسع انتشاراً , كم سعدت قلوبنا بالفوز في المجالس النيابية , وفرحت عقولنا بالنجاح في الاتحادات الطلابية , والنقابات العمالية , والجمعية التأسيسية , ومن قبل ذلك في الانتخابات الرئاسية ..... وغيرها , كم فُتِحت شرفات جديدة للدعوة , ومنابر حرمنا من التحدث للناس من خلالها لسنوات عديدة وأزمنة مديدة .. والمتصفح لكتاب الابتلاء الذي حل بديارنا , ونزل بأمتنا مؤخرا , يجد أن ما حل بالمؤمنين الأوائل إبان أحد حل بديارنا مؤخرا - مع اختلاف المنسوب الإيماني بيننا وبينهم - , فتجرأ الأعراب على دعوتنا , وسمع نقيق أنصاف الرجال يهاجم أُخُوّتنا , وارتفع عواء ونباح الحاقدين الحاسدين هنا وهناك.. , أغدقت الأموال , وجُيّشت الجيوش , من أجل القضاء على البقية الباقية .., وتمادى القوم في غيهم , وتوالى ظلمهم .. ومن رحمة الله بنا أن ثبتنا على ديننا ودعوتنا , وأننا ما زلنا في الميدان حتى اليوم , وأننا نخرج من حمراء الأسد إلى حمراء أخرى , وأننا لم نفقد وعينا بعد , وما زلنا نتحكم في شراعنا .. ولكن المدقق النظر في مرحلة ما بعد بدر , يلحظ في الوعي السياسي الكمال المقتبس من مشكاة النبوة الكاملة . ولأننا بشر تنطح علينا بشريتنا , فنخطيء ونصيب , ونتذكر وننسى , ونغفل ونستيقظ , ونتعلم من ماضينا لبناء مستقبلنا .. غفلنا ولم نتعلم من هذا الوعي النبوي الكامل الذي لم يعتريه نقص في مرحلة ما بعد بدر حتى أحد , فكم أتيحت لنا فرص الإجهاز على خصومنا , مع الفارق في التطبيق والوسائل , فلكل مرحلة وسائلها وطريقة تطبيق هذه الوسائل . ولعل السر يكمن أن خبرتنا الدعوية تغلبت على فكرتنا السياسية , وأننا تعاملنا مع الثعالب والأفاعي بربانية تامة , ولم يكن بيننا خبراء يبصروننا بمختطاتهم , وخديعتهم , ومكرهم , وإفكهم , وكيفية مواجهة هذه المختطات من جنس ما يبيتون .. , ونحن معذورون فلقد استبعدنا في العصور الغابرة من كل هذه المؤسسات , فنقبوا عن فتيلنا , وقطميرنا واستبعدوا كل من فيه رائحة إسلامية , لتخلوا لهم وحدهم , يفعلوا فيها ما يشاءون , ويديرونها كيفما شاءوا . ولعل سرا آخر يكمن في دوائر صنع القرار بيننا حيث قل فيهم الخبير العسكري , والبصير الأمني , والمدقق المخابراتي . فعندما نطالع دوائر الشورى لا نكاد نجد هذه المسميات بل تكاد تنعدم , فهذا مدرس , والآخر طبيب , والثالث موظف , والرابع أستاذ جامعي , والخامس خرج من الخدمة وأصبح على المعاش .. , وهذا شيخ .., ربانيون يفكرون بطريقة ربانية صرفة لا التواء فيها ولا خداع , لا كذب فيها ولا تدليس , وليت هؤلاء الكرام وقفوا مع قول عمر :" لست بخب ولا الخب يخدعني ". إن الناظر إلى المرحلة الغابرة من عمر أمتنا بعد بدر يلحظ أنه لا غفلة ولا فتور , بل عمل مستمر متواصل ما بين سرية وغزوة , مرة يغنمون , وأخرى يقتلون , ومرة يطاردون , ومرة يردون ويدافعون , فما اعترتهم الغفلة في ساعة , وما سكنهم الفتور والكسل في ليل أو نهار , بالرغم من نصرهم وهزيمة عدوهم , الصف بأكمله من القائد حتى أصغر جندي خلية نحل عملها الجهادي ديمة غير منقطع . ونحن عندما نقف مع واقعنا بعد هذه المكاسب السياسية والدعوية , نلحظ أن بعض المكاسب لم تأتي بسبب عرق الصف الدعوي بأكمله , ولكن بعضها جاء بسبب أداء متميز من بعض الشرائح الدعوية , فنتيجة الشورى مثلا جاءت قبل الهجمة الإعلامية الشرسة على التيار الإسلامي على وجه العموم , والإخوان من بينهم على وجه الخصوص , وبسبب أداء الكتلة الإسلامية المتميز في البرلمان كما يقول الخبراء .. والملاحظ على الصف الإسلامي بشكل عام أنه أصابه فتور دعوي , فقلت حركته وضعفت مشاركاته , واعتمد على أداء نوابه , ولعل بعضهم أكثر من الجدل حول كشف الشبهات التي أثيرت حول الأداء البرلماني في هذه الفترة , وبمعنى آخر شغلونا أو شُغلنا بفضول القول عن العمل , والجري في الساحات مبلغين , وفي الميادين داعين , وغفل البعض عن : نحن قوم عمليون. ولعل سياط القوم التي ألهبت ظهورنا , تكون زادا ومحركا وموقظة لنا من جديد , بعد أن غرق البعض في العافية لسنوات . ولعل سرا ربانيا آخر يكمن في هذه المحنة أن نعرف خبايا هؤلاء.. , نعرف داخلهم بعد أن كشف الله ستره عنهم , وفضحهم وفضح خباياهم , وطريقة تفكيرهم .. لقد وضعوا على أنفسهم خيمة مرسومة من الخارج بحب الوطن والمواطن , فوجدناهم بعد أن مزق الله خيمتهم وكشف ستره عنهم يبغضون الوطن ويقتلون المواطن . من كان يظن أن يحدث هذا , فيرى الناس جميعا , إلا من ختم الله على قلبه , وأعمى بصره وبصيرته , ولاء هؤلاء لإسرائيل , وعدائهم لعروبتهم ودينهم وأمتهم الإسلامية ؟ من كان يظن أن يرى في يوم من الأيام سلاحا مصريا تم شراؤه بأموالنا يصوب تجاه صدر مصري شارك في شرائه ؟ من كان يظن أن يرى حركات المقاومة في بلادنا العربية أعداء في أعين وتفكير هؤلاء , والصهيونية حبيبة لهم ؟ من كان يظن أن يقدم قميص المجون على عمامة الشيخ ؟ من كان يظن أن يرى ما نراه اليوم من مآس فكرية , وأزمات ثقافية , وخلفيات مشبوهة لدى هؤلاء ؟ لقد مزقت الخيمة وارتفع الستر ورأى القاصي والداني خيبة الأمل التي تحياها مؤسسات بلادنا , لقد أصبحت دمى في أيدي الصهاينة , أو أصبحت تتحرك بريموت اليهود وتعليمات أمريكا .. ولعل الليالي والأيام المقبلة حبلى بكل جديد ف " لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير " من داخل المعركة : أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم دينه ودعوته : لقد كانت البداية مع انسحاب عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش يوم أحد وعودته إلى المدينة رافعا شعار : علام نقتل أنفسنا , حتى همت بعض القبائل أن تستجيب لدعوتهم وتنفذ أوامره , ولكن الله عصمهم "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما " وموقف المنافق مربع بن قيظى من مرور الجيش الإسلامي من حائطه , وحمله التراب في كفه يريد أن يضرب به وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : والله لو أعلم أني لا أصيب به غيرك يا محمد , لضربت بها وجهك , فابتدره القوم ليقتلوه , فقال لهم :" لا تقتلوه , فهذا الأعمى أعمى القلب , أعمى البصيرة .. ومحاولة أبو سفيان وأبو عامر الفاسق - الملقب بينهم يومئذ بالراهب - , شق عصا المسلمين , وتصديع جبهتهم المتماسكة , يقول الأول مخاطبا الأنصار : خلوا بيننا وبين ابن عمنا , فننصرف عنكم , فلا حاجة بنا إلى قتال , فردوا عليه بما يكره . وصرخ الثاني في الأوس يريد أن يصرفهم من المعركة : يا معشر الأوس , أنا أبو عامر , قالوا فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق .. ولو كشف الله للمؤمنين وأطلعهم على غيبه في هذا الوقت وأظهر لهم مكنون أسراره لعلموا أن انسحاب ابن أبي - عليه لعنة الله – ومن على شاكلته من التحالف الإسلامي في هذا الوقت العصيب نعمة عليهم , لأنه وجماعته لو خرجوا فيهم ما زادوهم إلا خبالا , وأن الله يريد أن يميز الخبيث من الطيب ." ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ". ولما وجدنا عبد الله بن حرام يحاول إقناعهم بالعودة وعدم خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما تحمس أحد من المسلمين لقتلهم . وفي أيامنا هذه يتعجب بعض العاملين في الحقل الإسلامي من المنتسبين إلى التيار الإسلامي شكلا ومظهرا , وهم يرونهم يوالون أعداء الله حقيقة وواقعا , يرونهم يؤيدون الظالمين ويعادون العاملين لدين الله , فيتحول تعجب بعضهم إلى ناصح لهم مشفق عليهم , فيصرخ فيهم كما صرخ جابر بن عبد االله – رضي الله عنهما - من قبل :" يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم .." ولو علم هذا الصارخ أن الله يريد أن يميز الصف وينقيه لما صرخ , ولو علم أن وجود هؤلاء بين التحالف الإسلامي سيزيده خبالا "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا.." التوبة الآيات من : 47 – 49 . لقد رأينا مئات على شاكلة مربع بن قيظى , يشيرون إلينا بإشارات تخدش الحياء , ويتلفظون بألفاظ تقتل الرجولة , بل بعضهم لم يكتفي بإشارته البذيئة .., وألفاظه الدنيئة .., فاعتدى على شبابنا بيديه , ومنهم من حمل سلاحه للأسف الشديد ووصل به الأمر إلى حد الافتخار .. ثم إننا رأينا أثناء الخروج في الخامس والعشرين وما تبعها من أحداث حتى اليوم مئات وآلاف على شاكلة أبي عامر الفاسق .. صرخوا في العهد الغابر بعدم الخروج على الحاكم , ودعوا البلاد تستقر , واتركوا فرصة للرجل , ولما جاءت اللحظات الفارقة من عمرهم بعد الانقضاض على الحاكم الشرعي , وتقويض حكمه , قالوا حاكم متغلب ... , وما هو بمتغلب لأن شروط المتغلب لا تنطبق عليه .. ونحن نقول لمن على شاكلة أبي عامر الفاسق ..: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق . أيضا لقد عَدّ عوام الناس وحَسبوا على الصف الإسلامي العمل الحزبي بأخطائه , فكل من انتسب إلى أحزابنا الإسلامية عدوه منا مادام يحمل كارنيها لحزبنا الفلاني , وهو الذي كان يأكل الربا بالأمس ولا زال , وهو الفلولي القديم ولا زال , وهو الغاش ولا زال , وهو القاطع لرحمه ولا زال , وهو الفاحش البذيء ولا زال , وهو شارب الخمر ولا زال , فأساءوا أكثر من إحسانهم , وشوهوا أكثر من تزينهم ..؛ لقد جمع الصف الإسلامي غثاء كثيرا , وخصوصاً في المرحلة من 25 يناير حتى اليوم .. لقد عد الناس علينا أيضا دوائر ربطنا العام وانتشارنا , وجعلوا دعوتنا الفردية من صميم الدعوة وأعمدتها ورموزها وقادتها وقدواتها.., ولم يعلموا أن هؤلاء لم ينقوا بعد من جراثيم الصحبة , وفيروسات العائلة , ولو علموا لما لا مونا , ولا قبحونا , ولا أهانونا , ولا شوهوا صورتنا , ولا ربطوا دعوتنا بأفعالهم وأقوالهم وسلوكياتهم. ومن رحمة الله بنا أنه عندما جاءت المحن الأخيرة , من الاعتقالات , والقتل والملاحقات , والتشريد والتدمير..., ومصادرة الأموال , فر هؤلاء من الميدان ورفعوا شعار : علام نقتل أنفسنا , بل أظهر من أضمر حقده , وأظهر حبه حقده على حقيقته .., فنقى الله صفه ولا زال ينقي . ولو ظلت العجلة تسير كما كانت لحدثت طامة في مرحلة من المراحل , ولرأينا في يوم من الأيام متهورا متحمساً لم يأخذ حظاً من التربية يقود دعوة الله , أو لرأينا من أظهر حبه ونشاطه في العمل الحزبي يقود سفينة الدعوة بعد أن اختلط العمل بينهما .. لقد رأينا المصافي التربوية تتسع في فترة العافية من 25 يناير حتى محنة 3 يوليو وهذه حقيقة , فلقد رأيت ثرثارون يتقدمون أماكن ما كان ينبغي عليهم أن يتقدموها , ولقد رأيت قليل البضاعة العلمية يتقدم ركب العلماء , ولقد رأيت شباباً لم يلتزموا بالمحاضن التربوية ووسائلها إلا قليلاً يقودون بعض الأقسام الدعوية المهمة .. وإن من رحمة الله بنا أن منحنا هذه المحنة حتى نستفيق ونعود مرة ثانية إلى مصافينا التربوية الحقيقية , ووسائلنا المتعددة التي تقدم من يستحق التقديم وتؤخر من يستحق التأخير . إن هذه المحنة التي تحمل في طياتها منحاً متعددة تثبت لنا يوما بعد يوم أن من تم سلقه في ماء بارد في أيام الصيف إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير لم يصلح اليوم للبناء , وأن من انصهر في تنور هذه الفتن وصبر على شدتها ولأوائها أغلبهم من الذين صهرتهم محن الأيام والليالي في العهود الغابرة . أيضا لقد أظهرت لنا هذه المرحلة وأنتجت رجالا كنا نعدهم من الأشرار , فكم مرة قلنا لمريض بالسكر ارجع فلن نستعين بك في دعوة الله , فترك مع الأيام شرابه وطلق سكره عندما رأى ما يحدث للحرائر من انتهاك لأعراضهن , وللشباب من إراقة لدمائهم , وللشيوخ من تعذيب وترهيب وتخويف لأبدانهم , .. فأثبت رجولته وآمن بقدسية دعوته واعتنقها وسبق بعض المنتسبين إلى قافلتنا بسنوات .. كم رأينا هؤلاء وهم يبكون بسبب تأخرهم عن ركبنا , وتقاعسهم عن نصرتنا , ورضائهم وتأييدهم لما حدث لنا من ابتلاء ومحن ..؟ . كم رأينا هؤلاء وهم يدافعون عنا , ويستميتون في ذلك ؟ لقد رأينا بعض هؤلاء ممن لم يشهد معنا كتيبة إيمانية , ولم يحضر أسرة تربوية , ولم يتنزه في رحلة قمرية أو جهادية , يستشهد فنرى البسمة بادية على جبينه , والرضا على بدنه , وكأنه ولد في دعوة الله يذب عنها غلو الغاليين , ويدفع انتحال المبطلين , ويرد عنها جمود وتطرف الجامدين المتطرفين ... لنعلم أخيرا أن العبرة ليست بمن سبق ولكنها بمن صدق " صدق الله فصدقه الله" - من كان يظن أن يرى سمرة ورافعا في الميادين من جديد بعد آلاف السنوات من غيابهما , وهم يقبلون على الموت ببسالة في الأسكندرية , أو في القاهرة في الصعيد , أو السلوم ..؟ . من كان يظن أن يرى أم خلاد زوج عمرو وصفية أخت حمزة في مصرنا وهي تدفن زجها وابنها , أو شقيقها وهي تقول : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ؟ . من كان يظن أن يرى نسيبة وهي تقذف الباغي بحجرها لتدفعه بعيدا عن فلذات أكبادها ؟ . من كان يظن أن يرى عجوزا طاعنا في السن يقهر عذر كبره , ويقف بين الصفوف مزاحما , وأمام الحرائر مدافعا ؟ . من كان يظن أن يرى أنموذجا في مصرنا كمصعب وسعد وابن حجش في صدق إيمانهم , وإخلاص دعواتهم على تراب مصر ؟ من كان يظن أن يرى حرص حنظلة الزوج على الجهاد والاستشهاد , وحرص جميلة الزوجة على أن تعلق منه بولد قبل الخروج لأحد ؟ كم رأينا مثل هذه المواقف فهذا زوج يزف مرتين مرة في الدنيا إلى عروسه , وبعدها بأسبوع إلى الحور العين ؟. أي صدق وأي إخلاص هذا ؟. من كان يظن أن يشم رائحة الجنة كما شمها أنس بن النضر – رضي الله عنه - لقد شمها الشهيد قبل استشهاده , وشمها من حمله بعد استشهاده.. أحبتي في الله : لقد تخلى ابن سلول وخذل التحالف الإسلامي , وسبه مربع اليوم , وعمل أبو عامر على شق الصف وبذل مجهوده في ذلك , فسخر الله للمسلمين من يدفع عنهم , وفتح أماكن ما كانوا ليستطيعوا اقتحامها والتحدث من شرفاتها , كالاتحاد الأفريقي , ومنظمة الأمم المتحدة , وحقوق الإنسان بجنيف , وكم من دول فتحت ذراعيها لنا مرحبة .. وهكذا .. وإن كنا لا نعول على هؤلاء كثيرا , فيكيفنا أن شعوب العالم الحر تبنت فكرتنا , ورأت مصابنا , وتحدثت باسمنا , وبلغت عنا بلغتنا فأصبحنا حديث العالم , وأصبحت رابعة بمسجدها رمزا لصمود أمم الأرض قاطبة .. ثم تتجلى أعظم منحة وسط طيات هذه المحنة , وهي أننا كنا نبحث عن كوادر لشغل أماكن معينة , فكم كشفت لنا هذه المحن عن كوادر ما خطرت لنا على بال , وما مرت على فكر , وكنا نعدهم هملا .. لقد لقيت أحدهم بعد أن خرج من السجن فقال لي : كم كنت في حاجة إلى شديدة السجن , حتى أستفيق من غفلتي , وأستيقظ من رقدتي , وأرى الحقيقة مرة ثانية , لأعيد تفكيري في سابق عهدي , وأجدد البيعة مع ربي .. , يقول هذا وهو من هو : إنه لم يعرف منهجا , ولم يشهد كتيبة من كتائب الحق يوما .. , ولكنه بمجرد أن استنشق عبيرنا عن قرب , ورأى نتاج المحنة في قلبه شهداً , تمسك بها , وعض عليها , وعاهد أن لا يتخلى عنها يوماً .. ثم تتجلى المنحة أكثر وأكثر عندما تربي لنا السجونُ والمعتقلاتُ والمحنُ والشدائدُ كوادرَ من نوعٍ خاص .. , تربي لنا جيلا جديدا على القيادة , فتهدأ من حماستهم وتصوغ فكرهم في قالب جديد .. نسأل الله القبول , وللحديث بقية . Atef.abozethar@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق