واقعنا المعاصر بين بدر والأحزاب(1)

عاطف أبو زيتحار

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 من المعلوم يقينا أن الأمم الراشدة هي التي تستنبط وتستخلص مقومات نصرها من هزائمها وآلامها .. , فجراح ماضيها وقود مستقبلها , وهموم وأكدار أمسها مصدر سعادة وفرح لغدها , وأحلام أمسها حقائق ونور طريقها في غدها القريب ومستقبلها البعيد. بعد أيام تحل على قلوبنا المكدودة ذكرى الخامس والعشرين من يناير المرقومة بدم الرجال , المحفوفة بالتضحيات , التي تجلت فيها الوحدة في أسمى معانيها.
بعد أن انجلى غبار ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 , وأقصي العسكر ظاهرا عن واقعنا السياسي , وبدأنا نحصد خيراتها وننعم بحريتنا شيئا ما .., وبدأنا إرساء قواعد الاستحقاق الدستوري بانتخاب البرلمان بغرفتيه , والرئاسة , والجمعية التأسيسية للدستور , ثم دستور 2012 , وبدأ المد الثوري والدستوري يسيران في طريق واحد رغم عقبات الداخل , ومكر وتمويل الخارج . مع السير في هذا الطريق بسرعة .... للأسف الشديد نسي البعض مكر الأعداء وتربصهم به فعاش يسبح في واد الفرح وميدان النصر دون أن يستعد لمطبات ومرتفعات وهضاب وجبال الصحراء بعد الخروج من حديقة النصر , وأن يتجهز لمستلزماته ومتطلباته.. ظل غارقا داخل حديقته الخضراء في النظر إلى خيراتها , وإن كان لم ينعم بها , ولم يتلذذ بثمارها , ولم يشرب من مائها , ونسي أن بعد النصر متطلبات واستعدادات لابد من تحقيقها حتى يستمر النصر, وأن من يتربص به داخل الحديقة وخارجها كثر.., وفجأة وجد نفسه على باب الحديقة يدفعه المتربصون من الداخل للخروج منها دفعاً , ويجره من بالخارج جرا , ويسحبه على وجهه سحبا عنيفا , فخرج منها مرغما , فإذا بمرتفعات وهضاب وجبال وتلال ورمال وأتربة , فسار وسط صحاري شاسعة , يقوم مرة ويقع آخري .., والمتربصون يطاردونه هنا وهناك وهو يقاومهم .. كان هذا حالنا بعد ثورة الخامس والعشرين نقوم مرة ونقع أخرى , نخرج من حفرة , فنجد تلا , نخرج من التل فنجد جبلا وعرا , نتسلق الجبل , فنجد هضبة مرتفعة , ثم واد ضيق .., عاما كاملا بين السهول والجبال والوديان والهضاب , وسط الصحاري نقاوم الأفاعي والحيات والثعالب والحيوانات المفترسة .., حتى تحين المتربصون ساعة ضاقت علينا فيها الوديان , وارتفعت فيها الجبال , وامتدت الصحاري , وتمكنوا بعد أن تأكدوا من الفصل بيننا وبين الحديقة , فأبعدوا عنا الناس .., ثم انقضوا علينا في الثلاثين من يونيو , ليعلنوا تمردهم وانقلابهم , وخارطة طريقهم , ويفرضوا على أمتنا رأيهم , لم يكتفوا بذلك وإنما انقضوا علينا في رابعة والنهضة والميادين يبضعوا من أجسادنا , ويحرقوا جثثنا , ويعتقلوا حرائرنا وما زلنا نقاوم هجمتهم وسط الجبال والتلال والهضاب والوديان والصحارى الممتدة .. حتى اليوم . إن حالات التدهور المتتابعة التي تنتابنا اليوم وسط هذه الصحاري.. ليست وليدة الصدفة , وإنما هي نتاج طبيعي لتنائي أمتنا عن منهاج ربها وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم. إننا إذا وقفنا مع حالنا في الفترة من يناير 2011 حتى يناير 2014 - تسليم العسكر للسلطة , انتخابات البرلمان بغرفتيه , والرئاسة ثم الدستور.. ثم رجات الانقلاب وتبعات الخيانة من قتل للمعتصمين في رابعة والنهضة وغيرهما , واعتقال ومصادرة الأموال..- , وقارناها بالفترة ما بين بدر في السنة الثانية , حتى الأحزاب في السنة الرابعة من الهجرة – غزوة بني سليم , والسويق , وذي أمر , وبني قينقاع , وقتل كعب بن الأشراف , ثم غزوة أحد , ويوم الرجيع , وبئر معونة , وإجلاء بني النضير .. - تبين لنا أثناء مقارنتنا استنباط بعض المسلمات والدروس بيانها كالتالي :
أولا: مسلّمات لابد من معرفتها :
 1- أنه لا يستطيع عاقل أن يعقد وجها للمقارنة الإيمانية بين ما يحدث لنا اليوم منذ يناير 2011 حتى يناير 2014 وما حدث للمسلمين الأوائل بين بدر والأحزاب , لأن المنسوب الإيماني سجل أعلى درجاته على الإطلاق في العصر الأول .
2- ما يدور بديارنا اليوم وساحاتنا لا يصح تأويله وتوصيفه على نحو الاختبار لإيماننا , فما الإيمان في حياة جلنا إلا مجرد شفويات ثانوية , ولذلك التوصيف الأمثل له :الجزاء من جنس العمل , والثمرة من جنس الشجرة " فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير", ابتلانا ليردنا ..
 3- أن وحي السماء كشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن الجبهات المحرضة على المسلمين الكارهة للإسلام "وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان.." أما اليوم فانقطع الوحي وبقيت العلامات ..
 4- أن قوله تعالى:"ويتخذ منكم شهداء" ليست وقفا على جيل دون جيل وإنما هي للأمة جمعاء حتى قيام الساعة , فالله يصطفى من خلقه من يشاء للشهادة في سبيله , وهو وحده الأعلم من يكلم ويقتل في سبيله..
5- عتاب الله للمسلمين في صدر الإسلام بعد نصر بدر كان دماء سالت في أحد وفي يوم الرجيع وبئر معونة... واليوم يتكرر العتاب.. وإن لم ننتبه ونعود إليه خاشعين متذللين , ضارعين منكسرين , قائمين صائمين , تالين مبتهلين , سيحصد عتابه الكثير " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير".. نسأ ل الله العفو.
 6- قراءة المشهد الماضي بين بدر والأحزاب تمتد ذكراه الأليمة لتشمل فرقاء اليوم الذين يلهثون خلف عرض من الدنيا .., فقد حال تطلعهم إلى المنصب والتذلل للانقلابيين بين تحقيق الأمن والرخاء لأنفسهم وأمتهم وهؤلاء " استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا "
 ثانيا : دروس وعبر لمن كان له عقل وبصر
 1- أن الله سلط علينا هؤلاء حتى نعود إلى رحابه , ونؤدي شكر نعمته على أكمل وجه , "ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون" ".. وسيجزي الله الشاكرين" "..ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة تؤته منها وسنجزي الشاكرين" 
2- التركيز على قراءة رسائل الأنفال حتى لا يتكرر الوقوع في حفر أحد .." ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.." " أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون" "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم .."
 3- تضييق مساحات المصافي الدعوية وإفراد مساحات أكبر للتربية الإيمانية.
4- الكشف والتنقيب مجددا عن بالونات دعوية انتشرت بيننا وتقدمت الصفوف وتأخيرها إلى المؤخرة حتى تملأ بالعلم النافع بدلا من الهواء الضار..
 5- تنقية العمل الحزبي من هرمون العائلة الضار , وفيروس الصحبة القاتل , ومرض التطلع إلى زهرة الدنيا , قبل تحليتهم وتقديمهم .. 
6- علتنا لا تكمن في ذنوب مردها الجهل وإنما في إعراضنا عن منهج الله واغترارنا بالأيديولوجيات الوضعية " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم"
7- علتنا أيضا تكمن في ربط البعض وخصوصا جيل الشباب الحق بالأشخاص والرايات , فإذا مالت الراية مال معها , وإذا مات الشخص ترك الحق , والله يقول:" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين".
8- الفترة بين بدر والأحزاب كشفت عن الجبهات الكارهة المحاربة للإسلام , الموالية للمشركين – أهل الكتاب , المنافقون - , واليوم كشف لنا السير بين السهول والوديان والهضاب والجبال عن معادن لا تستحق السير معنا , ولا شرف صحبتنا .., بل كشفت هي عن معدنها , وعن نيتها , وعن ثوبها الحقيقي .., بل منهم من كشف الله ستره وفضحه بعد انجلاء الغبار , ومنهم سقط في الطريق بسبب ضعف إيمانه وقلة يقينه , ومازالت الأقنعة تتهاوى وتتساقط.
9- هذه الفترة بين العصرين , أو بين الأمس واليوم كشفت لنا عن أصحاب النفس الطويل , وعن المتهورين والمتحمسين الذين سقطوا مع أول رجة وهزة " فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين".
10- ليس من العيب أن تهزم مرة أو مرتين " وتلك الأيام نداولها بين الناس" , ولكن العيب كل العيب أن تظل مهزوما ضعيفا هزيلا , لا تبحث عن مستلزمات النصر , ومتطلبات القوة" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"
 11- هزيمة الأمس –أحد - جرت على المسلمين ويلات يوم الرجيع وبئر معونة , وجرأت يهود المدينة , ومنافقي العرب على الإسلام .., حتى أنقذهم الله بالأحزاب عام 4 من الهجرة , واليوم عقب نكبة 3 يوليو 2013 تجرأت علينا أعراب الخليج وصهيونية الغرب وأوباش الداخل .. اللهم بلغنا الأحزاب
12- كم مرة رزقنا الله ببدر ؟ .... ولكنا غفلنا عن شكرها , فعاقبنا بأحد حتى نستفيق من غفلتنا , ونؤدي شكر نعمته علينا .. ...
 للحديث بقية
 Atef.abozethar@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق