عاطف أبو زيتحار ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في ظل الثورة الكريمة ذهبت إلى وزارة الأوقاف أكثر من مرة , وكلما ذهبت لقضاء مصلحة , أو لمقابلة مسئول , رأيت إخوة كُثر يرتدون الزي الأزهري , وينتقلون بين المكاتب المختلفة لقضاء مصالحهم , لفت انتباهي طريقة بعضهم في ارتدائه للزي الأزهري , البعض اهتم بزيه .., فرأيت الزي على جسده متناسق الألوان والأطوال مع الجسد , نظيف .. كسى صاحبه هيبة ووقاراً , وعلى الجانب الآخر رأيت عجباً عجاباً رأيت بعض الأخوة الكرام سامحهم الله ارتدو زياً مبعثراً , شعرهم باد من تحت العمة في منظر غير مقبول , والثياب غير منسقة ولا متناسقة , بعضهم فرط في طول زيه , والآخر
أفرط في قصره , وبعضهم ارتدى الكاكولا أو الجبة فوق قميص وبنطلون , ....وبعضهم أتى بجلباب قديم متسخ غير عابيء بنظرات الناس إليه..... , في الحقيقة سائتني هذه الأذواق ... لأنها لا تختلف كثيراً عن ثياب البواب والبائع وأصحاب المهن الدنيا ... , ومثل هؤلاء يجتريء عليهم السفهاء والسقاط والهمل والرعاع والجهال .. ويسقطون من أعين الناس . أصحاب الأذواق العالية والراقية يعرفون قيمة الثياب الحسنة عند اللقاء , وقيمة تأثيرها في نفوس المستقبلين , يعرف هذا أشج عبد قيس , فيتأخر وقد هرول الناس لمقابلة النبي صلى الله عليه وسلم , فيرتدي أحسن الثياب , ويهيء نفسه جيداً لِلُقيا النبي صلى الله عليه وسلم , فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم : إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة..." إن المظهر الخارجي مع النشاط والحيوية واستقامة المشية والبسمة الحانية المرسومة على الجبين باستمرار.. من عوامل جذب الانتباه إلى الفرد .. بعض الدعاة للأسف الشديد يتأخرون في هذا الميدان من السباق , فيسرق غيرهم منهم الأبصار , بأناقة ملابسه وحيوية مشيته. إن أولى الناس بالذوق الرفيع الدعاة الذين يوقعون عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم , ينبغي عليهم أن يسرقوا أبصار الناس وأفئدتهم ومشاعرهم وعواطفهم , وأن يساوقوا العصر , لأن أناقة الملابس وتناسقها ومناسبتها للموقف من عوامل نجاح الداعية في دعوته , ولأهمية الذوق وتأثيره في نفوس المستمعين بوب الإمام البخاري بابا في كتابه فتح الباري في كتاب الخطبة أسماه " يلبس أحسن مايجد" ولأهمية هذا الأمر أيضا لفت الوحي الانتباه في بداية الدعوة إلى أهمية الذوق الرفيع والطهارة الدائمه والمتواصلة مع الزي , فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: " وثيابك فطهر" وفي حديث جبريل عليه السلام الطويل .. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحنُ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟..." رواه مسلم , وفي نهاية الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم" نعم جاء يعلمهم نظافة المظهر كما يعلمهم معاني الإيمان والإسلام والإحسان وأشراط الساعة.., فعلى الداعية أن يقتدي بنبيه وأن يكون قدوة لغيره , فيأخذ زينته عند كل لقاء جماهيري ومحفل عام ..اعمالاً وتطبيقاً لقول الله تعالى :" خذوا زينتكم " فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس حرصاً على المظهر والعناية به ..كانت له عمامة تسمى السحاب كان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة .. وكانت ترى عليه وهو فوق المنبر قد أرخى طرفيها بين كتفيه .. فعلى الداعية أن يميز نفسه بثيابه ولا يكن كرجل الشارع العادي , فلا يصعد حاسر الرأس مهلهل الثياب مفلفل الشعر دميم الشارب واللحية , ثيابه متسخة أو شفافة تشف ماتحتها . بعض الخطباء لهم قدرة على التأثير القوي والوصول بسرعة فائقة إلى أفئدة روادهم ومستمعيهم وشعارهم :تكلم حتى أراك.. فجمال الوجه والملبس لا يكفي للمعرفة وأدلتهم على ذلك كثيرة منها: أن عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في عهده مولى أفطس أسود أشل مفلفل الشعر , وكان الأحنف بن قيس حليم العرب قاطبة نحيف الجسم أحدب الظهر أحنى الساقين ضعيف البنية , وكان الأعمش محدث الدنيا من الموالي ضعيف البصر فقير ذات اليد ممزق الثياب رث الهيئة والمنزل , وكان ميرابو خطيب الثورة الفرنسية دميما حقا , ولكنه إذا تكلم أسكت فلا يحس المستمع بأنه ناقل كلام غيره إليه ولكن قلبه يفيض بالمعاني فيضانا .. إن هؤلاء ألقو المعاني وقلوبهم تحترق , فسرقوا قلوب الناس ومشاعرهم وعواطفهم , والقلب إذا انفعل بالمعنى فلا تسل عن الشارة والإشارة .. إن الخطيب الناجح هو الذي يقدم لجمهوره الجديد ويبدو أمامهم جديدا .. يقدم لهم الغذاء المناسب في هديه وزيه وكلامه ومعانيه ودروسه وعبره وأدلته .. ثم يحوط ذلك باحتراق ينساب على لسانه , ويُرى في بريق عينيه , ويُقرأ في قسمات وجهه... فإذا المستمع أمام مائدة حافلة بأطايب الطعام المتنوع لا تملها النفس أبدا , ولا تقع منها على قبيح ولا مستقذر. ولذلك يجب على الخطيب والداعية دائما أن يهتم بجوار اهتمامه بملابسه وزيه , بحفظ وتجويد القرآن الكريم ومراجعته باستمرار , وبتزيين اللفظ بأجمل العبارات , ووزن الكلمات بأبلغ الجمل , وتعطيرها ببسمة طيبة..وزن الكلام إذا نطقت..فإنما يبدي عيوب ذوي العقول المنطق...." المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تكلم ظهر عيبه.." مع بذل الجهد في تحضير الخطب والدروس لأنه يؤدي إلى توقير الناس له.. وعدم التحضير يؤدي إلى ضعف الداعية وسقوطه من أعين الناس.. والمشكل أن تجتمع الهيئة الرثة مع ضعف القراءة وسوء الضبط والأداء..فيسقط نهائياً من أعين القوم بلا رجعة , ثم يتواجد بين الناس في أحزانهم وأفراحهم وحل مشاكلهم والسهر على راحتهم .. لأن العزلة تقلل من التأثير , وإذا ما أفتى الناس فعليه التدقيق في فتواه والتأكد من صحتها وأدلتها ومظانها قبل النطق بها, وقول الله أعلم أفضل من قول ينزل بصاحبه في الدنيا ويوبقه يوم القيامة .. أيضا عليه أن يضيف إلى هذه المائدة لونا آخر من ألوان الأطعمة التي تجذب الناس إليه , وهو اهتمامه ببيته وأولاده ورعايته لهم تربوياً وعلميا وأدبيا وجسديا .... إلخ , يقول عمر بن الخطاب لآل بيته "اتقوا الله ياآل عمر فإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم.." فالناس يرقبون أهلك وأبناءك ومالك ليقتدوا بك في كل شيء , فإذا ماكان ابنك فاشلا في دراسته , وابنتك متبرجة , فكيف يتلقى الناس عنك ويقتدون بك؟
زهد في غير موضعه
لقد تعاهد الناس في بلادنا على أن لكل صنعة زيها , فالطب له زيه الخاص به , اللون الأخضررأثناء العملية , وأثناء الكشف له زيه الأبيض , وكذلك القاضي والمحامي لكل منهما زيه أثناء الاستماع والدفاع , وهكذا رجل الدين عرف بزيه الأزهري من غطاء للرأس – العمة أو الطاقية أو الشملة – , وجلباب – الكاكولا أو الجبة أو الثياب البيض أو غيرها - , والعمة والكاكولا صنعا خصيصا لمن يصعد المنبر أو يُدرّس ويَدرُس الدين ,.. وهكذا تعارف الناس على زي عمال النظافة ورجال الأمن والشرطة والجيش .. إلخ . ما يعنينا في حديثنا هنا هو الزي الأزهري على اختلاف أشكاله وألوانه..ومن العيب أن تهتم الشرائح المختلفة بزيها , ويهمل الداعية حتى يتحول إلى مثال للسخرية .. ألا يدعو زي الطبيب أو المهندس أو المحامي أو القاضي .... إلخ , الداعية إلى الغيرة على نفسه ودعوته , فيرتدي ثيابا أجمل من ثيابهم , وزيا يجذب الانتباه أكثر من زيهم ..
والبس كمثل الناس لا تخرج عن المعتاد في شيء فتخطيء أو تشي
أرى بعض الأئمة يرتدون المتسخ والرث والقديم من الثياب , بل لا يجارون الموضة الجميلة في لبس الثياب والزي الأزهري .. بل إن بعضهم تجده غني وعنده فضل مال .. ولكنه مصر على ارتداء لون واحد من الثياب لم يعد يرتديه الأطفال في حيه ولا في حارته ولا في قريته ... وعندما يُسأل يبرر ذلك بالزهد والورع ويأتي بأحاديث تتحدث عن الورع والزهد, وما علم أن هناك نوع من المستمعين اسمه بصري إذا لم يجد منظرا حسنا , فإنه سيُعرض عنه وعن أحاديثه .. وما ذنبي أنا كمستمع أن أرى في الشارع والمصالح الحكومية المختلفة القوم والمسئولين يرتدون جميل الثياب .. وفي المسجد الساعة والدقائق التي ننتظرها لتروح وتسري فيها عن أنفسنا من متاعب اليوم وهمومه وآلامه , أجد فيها شيخ المسجد ليس قدوة في زيه , وذوقه العام ضعيف... كيف يتلقى الطفل الصغير عن هذا الداعية العلم الشرعي .. ؟؟ إن شباب العصر إن لم يرى في الشيخ الأزهري جمال الثياب مع جمال الكلام .. أعرض عنه ....
ولذلك على الداعية أن يكون حذاؤه نظيفا غير متسخ , متماشيا مع الثياب , فلا يرتدي حذاء نصف مع الزي الأزهري , ولا يرتدي ملابس شفافة تشف ما تحتها , وإن كان فعليه أن يرتدي مايستر بدنه من الداخل , البعض يرتدي ملابس شفاقة ثم يتقدم ليؤم الناس في المحراب وقد أصبحت أكتافه مكشوفه وسيقانه إلى منتصف فخذيه بادية لرواده دون أن يشعر بنظرات الناس إليه.. , أيضا الثياب ينبغي أن تكون نظيفه مرت عليها المكواه قبل الوقوف أمام الناس قد وضع عليها بعضا من العطر ... ليست بالقصيرة المنفرة ولا بالطويلة المفرطة ولكن بين بين .., غطاء الرأس البعض يستهين به لربما كانت به بعض العيوب , فمثلا العمة ينبغي أن تكون على أكمل وجه وأفضل حال وصنعة , وأن تنسق على يد متخصص .., البعض يأتي بالشال كما هو ويقوم بلفه فتجد العمة على رأسه كالهرم كبيرة ورأسه ووجه تحتها صغير للغاية ,والبعض الآخر يأتي بقطعة قماش لربما متسخة لا قيمة لها ثم يقوم بوضعها فوق الطاقية فتزيده خيبة , وتبعده عن مواطن الهيبة والوقار , فعلى الداعية أن يفطن لمثل هذه الأمور وأن يجعلها دائما في الاعتبارلأنها في الحقيقة مثار نقد وسخرية من البعض .. وأخيرا أخي الداعية وليس آخرا
اعتز بزيك الأزهري ولا تفرط فيه وإن هوجمت في وسائل الإعلام , أو ضعُف مستواك المادي , فحله قدر المستطاع , وابذل معه الجهد , وابتعد به عن مواطن الشبهات , فإن البعض أساء إلى زيه بارتياد مواطن الشبهة , فزاده خيبة وحرمه الله من الهيبة
أخي الكريم: بعد هذا العرض الموجز لحالنا مع الزي فإن هناك أسباب تزيد الزي بهاء فوق بهائه وجمالا فوق جماله مثل:حسن الصلة بالله , موافقة الأفعال للأقوال , طهارة القلب من الرياء والنفاق .. والأهواء , كثرة القيام بالليل والصيام بالنهار والمحافظة على الأذكار والختمة الأسبوعية والدعاء المتواصل قبل وبعد الخطبة أو الدروس, كن مميزا بين أهلك وقومك وعشيرتك وروادك بملابسك وكلامك وأفعالك وعباداتك وميز أهلك وأبناءك بالرعاية والتربية , افعل ذلك وفي خلدك حديث النبي صلى الله عليه وسلم :"من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة" وهذا سيقودك إلى أن تفعل ذلك عبادة وقربة لله لأنك دلال عليه وموقع عنه .. نسأل الله أن يرزقنا الفهم والقبول.. آمين والحمد لله رب العالمين Atef_200955@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق