خوف الداعية بين الجبن والفطرة

خوف الداعية بين الجبن والفطرة


عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للنظم المستبدة الظالمة طرق متعددة في تخويف الناس وإرهابهم ,حتى لا يتعرضوا لهم من قريب أو بعيد , بالإشارة أو التلميح , أو يقفوا في طريق فسادهم والكشف عن مؤامراتهم الخبيثة وسياساتهم الظالمة المستبدة وعن ضلالاتهم المنحرفة ، ومن كثرة تعدد طرقهم في تخويف الناس صنعوا عند العوام منهم هاجسا أمنيا وحاجزا من الخوف والإرهاب
، فأبواب المعتقلات مفتوحة لكل شجاع أو جريء يذكُرهم بنقص أو سوء ، والنقل والتشريد والعزل من الوظيفة في انتظار كل من تسول له نفسه الحديث عن مفاسدهم أو الكشف عن ظلمهم ، وإلصاق التهم مجهزة لكل داعية يجهر بكلمة الحق ، ولكل وظيفة متخصصون لها ينقبون عن الصغائر والكبائر عن الفتيل والقطمير بين الموظفين فمن ذكر السلطان بسوء أو تفوه بكلمة فيا ويل أمه ، المراقبة المستمرة والتضييق المنظم والخصم من راتبه والوقوف له بالمرصاد تقاريره سيئة ومعاملته أسوأ هؤلاء الموظفون أوقفوا حياتهم وتطوع أكثرهم لخدمة السلطان ليس حبا فيه ولكن تزلفا إليه .
ومن بين مئات الوظائف الحكومية التي أصبحت تشكوا وتئن من كثرة شكواها بسبب تدخل الأيدي الخفية التي أصبحت من كثرة تدخلها في الخفاء علنية ، وظيفة من أهم الوظائف الحكومية هي في الحقيقة رسالة وأمانة قبل أن تكون وظيفة , وإن كانت وظيفة فالعمل فيها ليس في بلاط الأمراء والرؤساء أو ديوان الوزراء , إنها وظيفة ومهمة التوقيع عن الله رب العالمين ورسوله محمد النبي الأمين صلى الله عليه وسلم والأخذ بحجز الناس إلى الفضيلة والنأي بهم بعيدا عن الرذيلة ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) الأحزاب
المهم عندهم أثناء أدائهم لعملهم والقيام بوظيفتهم هو رضا الله والسعي لنيل الفردوس الأعلى والحشر مع النبي صلى الله عليه وسلم وتحت لوائه يوم القيامة .
يقول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت
هذه الوظيفة للأسف الشديد اخترقت وطوعت لخدمة السلطان وأصبحت بعض المنابر بوقا للدعاية لهم ومدحهم والثناء عليهم , ومن العجيب في سياستهم ومعاملتهم مع الخطباء والأئمة الرسميين أنهم يستخدمون سياسة خاصة في غاية الغرابة .
فبالنسبة للمرتبات يتقاضى الإمام راتبه وكأنهم يعاقبونه على اختياره لهذه الوظيفة الحوافز المميزة لا نصيب فيها لمن يغضبون عليه لأنها تخضع لشروط جائرة ولقلة عدد قروشها لا يعيرها الأئمة اهتماما فبالرغم من اسمها الفضفاض الكبير فهي ثمانية جنيهات فقط لا غير اسم على غير مسمى , أما باقي المرتب من الحوافز والدروس وراتب الشهر فيأتي على فترات يأتي المرتب مرة وينقطع المدد الذي يجبر كسره وضعفه وقلة حيلته عدة شهور ، ومن يحول إلى عمل إداري فالتعليمات القاسية من قبل أبناء الذوات تأمر بعدم صرف كل المستحقات المالية له فهو لا يتقاضى سوى المرتب فقط لا غير من دون غسيل اليد ، وبالرغم من أن هذا الإجراء غير قانوني إلا أنك ترهق في طرق الأبواب وكلما ذهبت إلى مسئول كبير قال لك : هذه تعليمات لا دخل لنا بها .
وبالنسبة للتقارير السرية السنوية تخضع لتعليمات أولاد الذوات , فالأكفاء من الدعاة تقاريرهم متوسطة , ومن يرضوا عنه ويرقّون له من بين الأئمة يحصل على جيد , ومن يسايرهم ويجري في فلكهم فالتقديرات العالية من حظه ونصيبه .
كلما نشط الأئمة في مكان ورفعوا شعار التكامل وتقاربوا فيما بينهم وجعلوا رحم العلم والدعوة مقدم على كل شيء اغتاظ أبناء الذوات وأقلقهم هذا الصنيع وأفزعهم هذا التقارب وغاظهم هذا الحب فعملوا على تفريق كلمتهم وبث روح الرعب بينهم وتخويفهم , فيلتهمون من بينهم واحدا أو اثنين فيعزلونهم ويحولونهم إلى أعمال إدارية ولربما قاموا بنقلهم بعيدا عن محل سكنهم من باب بث روح الرعب والتخويف وزرع هواجس الإرهاب في نفوس الدعاة .
بعض الأئمة والخطباء يعتريهم الخوف وينكمشوا فوق منابرهم ويتقوقعوا في محاريبهم ويستسلموا لهذا الواقع المر الذي ينتظرهم بعد أن وصل إلى بعض زملائهم , ويرهبهم هذا العمل الذي قامت به أيدي العابثين ، والبعض الآخر وهم قلة يواصلون السير وفي خلدهم أن الله هو الذي يتولى الدفاع عنهم وحفظهم مالم يغيروا أو يبدلوا أو ينحرفوا , وفي عقيدتهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
إن على كل داعية أن يفقه ويعي وقبل أن يفقه ويعي يؤمن ويعتقد من أعماقه أنه وقف لله تعالى
ولتعلم أخي الداعية أنك مادمت قد أوقفت حياتك لهل فلتوثق إيمانك بأن الأجل والرزق بيديه وحده وساعتها تتحرر من الخوف والجبن والهلع والحرص وكل ما يعوق حركتك ولتنظر إلى من يضيق عليك في أداء رسالتك وتبليغ دعوتك ويحاربك في رزقك.... أنه صغير تافه لا قيمة له لأنه لو اطلع على ما في صدرك لعلم حجمك وعرف قيمتك ...آمن أخي أنك غني بالله عزيز به ... وإياك والخوف المؤدي إلى الجبن فإنه آفة تبعد العبد وتقصيه عن ميدان السعادة الدنيوية والأخروية .
إن الفطرة السليمة تخبرنا بأن الخوف يخرج من مشكاتها ولكنه إذا انقلب في جوف العبد وتحول إلى جبن فهي تدير ظهرها له ولا تعرفه ولا يعرفها تلفظه وتبعده وتقصيه ولا تلتفت إليه .
لقد أفرد القرآن حديثا مستفيضا عن الخوف وتنوعت آياته أثناء تعرضها للمحمود منه والمذموم فالمحمود منه ما ساوق الفطرة والمذموم ما ابتعد عن الفطرة , بل رغبت الآيات فيما هو محمود ورهبت مما هو مذموم يخالف الفطرة .
* يقول الله تعالى محذرا من انقلاب الخوف إلى جبن ومبينا ثواب الصابرين الثابتين الذين لا تزلزلهم الابتلاءات والفتن والمحن بل تزيدهم صلابة وثباتا (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)البقرة
جاء في ظلال القرآن : لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة ، كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف . والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى . فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين . وكلما تألموا في سبيلها ، وكلما بذلوا من أجلها . . كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها . كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها . . إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم : لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيراً مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء ، ولا صبروا عليه . . وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها ، مقدرين لها ، مندفعين إليها . . وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجاً . .في ظلال القرآن
* ثم يحذرسبحانه من تلبيس إبليس على عباده ويحذرهم من تخويفه لهم بأتباعه وأوليائه فيحول الخوف في الجوف إلى جبن فينقلب العبد من ولي لله إلى ولي وتابع للشيطان ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)آل عمران أي يخوفكم بأوليائه
* ثم يأمرهم بإتباع المنهج القويم والصراط المستقيم وأن لا يغتروا بقوتهم في لحظة من اللحظات أو ساعة من الساعات , وأن يحذروا من تلبيس إبليس عليهم فيحول القوة والشجاعة والبسالة والصمود إلى جبن وهلع وهروب وهزيمة من حيث لا يشعرون , يقول تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)الأنفال
* ثم يحذر أولياءه المؤمنين من السير وولوج مسالك المنافقين الذين يسلكون دائما طرق الشيطان والذين انطمست فطرتهم السليمة وانقلب الخوف فيها إلى جبن (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)النساء
* ولقد جاءت سورة الأحزاب لتلقن كل داعية درسا تربويا في فقه الخوف الفطري الذي يرتفع بصاحبه ويجعله ينتمي إلى حزب الله المفلح الناجي ولا يرتمي في أحضان الهوى والنفس الأمارة بالسوء وإبليس , وفرق بين من ينتمي إلى حزب الله فيرتفع إلى عنان السماوات ومن يرتمي فينزل إلى الدركات
لقد صورت السورة حال المؤمنين عندما التقوا مع أهل الكفر (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)) روى الإمام الطبري في تفسيره عن قتادة(وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ) : شخصت. وقوله:(وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ) يقول: نبت القلوب عن أماكنها من الرعب. تفسير الطبري
هذا الزلزال الشديد الذي أصابهم ووصل إلى أعماق قلوبهم ما زادهم إلا إيمانا وتسليما واطمئنانا ويقينا وثباتا ورضا ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)) الأحزاب
أما أهل النفاق والريب والزيغ والشك انقلب الخوف في قلوبهم إلى جبن وهلع وحرص على الحياة عندما رأوا قوة المشركين وعددهم ففروا من الميدان (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)) الأحزاب
ولذلك كان جزاء كل فريق من جنس عمله ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) الأحزاب
* ولقد رغبت كثير من آيات القرآن الكريم وحضت على الخوف من الله وحذرت من عدم الخوف منه سبحانه وجعلت ذلك زادا لكل داعية لأنه خوف يتماشى مع الفطرة السليمة وهو طريق للنجاة في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة يقول الله تعالى :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)النحل
( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)النور
* وفي سورة إبراهيم تجعل الخوف منه سبحانه شرطا من شروط التمكين والنصر على الكافرين (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)ابراهيم
* وفي سورة المائدة يخبرنا سبحانه أن من صفات المؤمنين الذين يستحقون النصر والتمكين الجرأة والشجاعة والإقدام المحفوف بالإيمان الذي يقود إلى النصر والعز على الكافرين والتواضع بين يدي المؤمنين يقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)المائدة
* ثم تخبرنا بأن جزاء من خاف ووصل الخوف الفطري إلى قلبه فرق لمولاه وتذلل بين يديه جنة عرضها السموات والأرض ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47)الرحمن
ويقول تعالى : (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)النازعات
* ثم تخوفنا من مصير الكافرين المفزع ونهايتهم المخيفة لأنهم أعطوا للبشر ولم يعطوا لله وهابوا البشر ولم يهابوا الله وتذللوا للبشر ولم يتذللوا لله وسكنوا إلى البشر ولم يسكنوا إلى الله من أجل ذلك جعل الله مصيرهم عبرة لكل معتبر وآية لكل متدبر
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)هود
إن معرفة سنن الله في العصاة والظالمين والفاسدين والمفسدين طريق موصل إلى الخوف منه
( وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)الذاريات
* ثم تخبرنا بأن عمل الصالحات يمحق الخوف المفضي إلى الجبن ويطهر المؤمن من جراثيم الحرص والهلع فهو سبحانه العادل المتصف بالعدل لايظلم عنده أحد , ومن قدم شيئا في الدنيا وجده بين يديه يوم القيامة فمن أقبل على عمل الصالحات في الدنيا أقبل عليه العادل بفضله يوم القيامة
(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) طه من الآية 99
* ثم تخبرنا بأن من أسرار انطماس الفطرة وانقلاب الخوف في الجوف إلى جبن اقتراف المعصية والبعد عن هدي المرسلين والصالحين والمصلحين
( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)النمل
ويقول تعالى : (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الأنعام
إنها قوة الايمان في مواجهة ضعف الكفر تصنع موازنة بين خوفين بين خوف ينقل العبد إلى الأمن وخوف ينقل العبد إلى التعاسة والشقاء
( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)المائد
* الخوف المحفوف بالحرص المؤدي إلى النصيحة أبيض مشع مضيء كضوء الشمس ونور القمر وهو عز لفاعله في الدنيا ورفعة له ونجاة يوم القيامة , فهذا نوح عليه السلام يحرص عليه ويبذل فيه قصارى جهده (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)الأعراف
وهذا شعيب عليه السلام لم يبخل على قومه بالتبليغ بل أنذرهم ورهبهم وخوفهم يقول تعالى : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)
وهذا خليل الرحمن عليه السلام يحرص على نصح والده يربت على كتفه ويأخذ بيديه برفق ولين وشعاره الخوف من المستقبل المظلم الذي ينتظر والده إن لم يسلم يقول تعالى : ( يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)مريم
ولذلك الداعية يقتدي بسير الصالحين والمصلحين على مر التأريخ فينوح بالنصيحة كما ناح من قبله نوح , ويطوف بها كما طاف بها شعيب ويرهب مرة ويرغب أخرى كما فعل إبراهيم , يفعل ذلك لحرصه وخوفه على قومه وأهله وحسابه على الله ( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق
وهكذا تتوالى الآيات وتترى لتطرق كل أذن محب لدينه وتصل إلى كل قلب غيور مشفق على دعوته وأمته أن يصدع بالنصح لأهله وقومه والناس من حوله
(وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) غافر
(وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)الأحقاف
(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)هود
* إذا كان أهل الباطل يخافون على باطلهم ويدافعون عنه لأنهم يرون في بقائه بقاء لهم وفي فنائه فناء لهم , فمن باب أولى أن يحرص أهل الحق على مبادئهم ويدافعوا عنها ويتمسكوا بها بكل ما أوتوا من قوة , وعليهم أيضا أن يربطوها بالحق لا بالأشخاص لأن الأشخاص يعتريهم الزوال والنقصان وعدم الثبات ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)غافر




مما سبق يتضح لكل عامل في الحقل الدعوي أن الخوف إذا انقلب في جوف العبد إلى جبن فإن ذلك يعود إلى أسباب منها :
1_ الوقوع في شباك المعصية
2_ وجود بعض آيات النفاق وعلاماته في قلب العبد لأن النفاق يفضي إلى الجبن والحرص والشك والريب .....( أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)النور
3_ ضعف الجانب الإيماني .
4_ ربط الحق بالأشخاص .


* ولكن كيف تحول الخوف في جوفك إلى فطرة وتنجوا بنفسك من الجبن المؤدي إلى الحرص والهلع وترك الحق وكلمته ؟؟
1_ التدريب على كلمة الحق كما فعل موسى عليه السلام قبل مواجهة فرعون .
2- الابتعاد عن أجواء المعصية .
3- صحبة من يقول الحق والابتعاد عن صحبة الجبناء .
4- المكث في ميدان عمل الصالحات وعدم الخروج منه بأي حال من الأحوال .
5- النظر بعين العقل إلى الدنيا بميزان الآخرة حيث تتبدل الموازين هناك فالربح الدنيوي قد يكون خسارة هناك والخسارة قد تكون ربحا والغنى قد يكون فقرا والفقر قد يكون غنا وهكذا الافلاس 6- التعرف على الباقي من الأشياء والفاني ... ( كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفرة )المدثر
7- تعلم فنون التدرج في الأمر والنهي .
8- تعلم فقه الأولويات .
9- قتل هوى النفس ومقاومته قدر المستطاع ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)الجاثية مع رفع شعار المصلحين الذين يرون في الجبن والحرص معصية وعذابا وتهلكة , ويرون في السباق إلى الأمر والنهي وعمل الصالحات نجاة (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)الزمر
10_ عدم مسايرة الواقع المر الذي فرض نفسه على الناس والعمل على إصلاح وتغيير هذا الواقع بفقه الأمر والنهي .
11_تطهير الجوارح مما علق بها من هرمونات عائلية وبيئية ضارة وموروثات قديمة أدمنت الحرص ورضيت به ورأت فيه النجاة , وأبعدت الحرية وكلمة الحق ورأت فيها التهلكة (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) البقرة ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)الزخرف
12- اللجوء إليه دائما فهو وحده المعين والمثبت ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) الشعراء ويقول تعالى : (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص
13- النظر في نهاية الجبناء ومصيرهم وقراءة حياتهم , حتى لا يقع في شباك الجبن الذي يقود إلى شهادة الزور وينفي عن حامله معاني الرجولة فيعيش صغيرا ويموت صغيرا ، ويحرمه من دخول مصنع الحياة في الدنيا والفوز في الآخرة ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) المائدة هذا هو مصيرهم المفزع الذي جعل الصحابة الكرام يوم بدر يذكرونه قال المقداد بن عمرو : يا رسول الله امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. السيرة النبوية لابن كثير
14- الحرص على الأجواء الإيمانية والتمسك بها والعض عليها فهي سفينة النجاة والفوز والفلاح في الدنيا ولآخرة
وأخيرا ...من بدل جبنه إلى خوف من سيده ومولاه وعمل الصالحات وابتعد عن المنكرات وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وصدع وجهر بكلمة الحق واتبع منهج الله وسلك طريق المصلحين فإن الله يبدل خوفه أمنا يوم القيامة ويرزقه السعادة والفوز في الدنيا والآخرة يقول تعالى : ( وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)الجن يقول الإمام الطبري : فمن يصدّق بربه فلا يخاف بخسا: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها؛ ولا رَهَقا: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة يعملها. تفسير الطبري
عن شداد بن أوس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : ( وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين ، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي ، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي ) رواه الطبراني
أسأل الله أن يرزقنا الخوف منه وأن يجنبنا الوقوع في الزلل وأن يرزقنا كلمة الحق وصحبة أهلها وأن يبصرنا بعيوبنا آمين ..آمين والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق