(وطنية عبد الله بن أبي بن سلول)
بقلم /عاطف ابوزيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فاجأني صديقي بهذا الرد الغير متوقع حيث أنه رجل مثقف وذلك بعد حديثي قبل العيد عن فلسطين الحبيبة بقوله لي أنت ما عندكش وطنية أين وطنيتك أيها الشيخ ؟ مرة تتحدث عن فلسطين ومرة عن العراق ومرة عن الصومال أو أفغانستان أو الجزائر ....... ......... وأيقنت أنه يلمح أين حديثك وأنت مصري عن مصر؟ عن فضلها ومكانتها .....؟ ولكنني استدركت الموقف وعذرته لأنني أعرف جيدا أن عبد الله بن أبي بن سلول غير وطنية الرجل المسكين وأثر عليه في ثقافته وفي فكره كما غير فكر السذج والبسطاء من الناس في يوم أحد وأثر عليهم بغوغائيته وعاد بهم ولم يشهد القتال.
عن ابن إسحاق قال، حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا، كلهم قد حدَّث قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني حين خرج إلى أحد - في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة، انخزل عنهم عبدالله بن أبيّ ابن سلول بثلث الناس وقال: أطاعهم فخرج وعصاني! والله ما ندري علامَ نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس!! فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق وأهل الريْب، واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم، أذكّركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوّهم! فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن يكون قتال! فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدَكم الله أعداء الله! فسيُغني الله عنكم! ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفسير الطبري
يقول الله عز وجل في سورة آل عمران (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الذين قالوا لإخوانهم وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) ) آل عمران
وفي مصنف بن أبي شيبة عن سعيد بن المنذر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ، فلما خلف ثنية الوداع نظر خلفه ، فإذا كتيبة حسناء ، فقال : " من هؤلاء ؟ قالوا : عبد الله بن أبي بن سلول ومواليه من اليهود فقال : وقد أسلموا ؟ قالوا : لا ، قال : (فإنا لا نستعين بالكفار على المشركين).مصنف بن أبي شيبة
نعم إن لوطنيته حدود ولولائه أركان فمن ذكاء عبد الله بن أبي بن سلول الخارق أنه لا يتعدى حدود وطنيته ولا يخرج على أركان ولائه أبدا . فهو لا دخل له بفلسطين ولا العراق ولا الصومال ....لأن هذه البلاد خارج حدود وطنه فعلام يقتل نفسه ويضيع جيشه ويخرب اقتصاد بلده ؟ فهو الحريص على الجيش والاقتصاد وحياة الشعب والمدافع والمتحدث باسم الطبقة المعدومة الدخل !!! وانظر مع من يسير وفي ركاب من يمشي ؟ مواليه من اليهود !!!
وكما أثر على شريحة كبيرة من الناس في أحد فقد أثر أيضا على شريحة من الناس في بني المصطلق وحادثة الإفك
انظر إلى حديث عائشة في المعجم الكبير للطبراني وهي تتحدث عن عبد الله بن أبي في حادثة الإفك وكيفية تأثيره في غيره ......وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ مِسْطَحَ بن أُثَاثَةَ وَحَسَّانَ بن ثَابِتٍ وَحَمْنَةَ وَالْمُنَافِقَ عبد الله بن أبي بن سلول وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ .....) المعجم الكبير للطبراني
عنده قدرة على التجميع ونشر الخبر ، وهو الآن يملك وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وله أعوان في كل مكان ينشرون فكره ويروجون له ويعملون على تغيير فكر وثقافة الناس بالليل والنهار فهو كسحرة فرعون استرهبوا الناس وجاءوا بسحر عظيم
فقلت لأخي بعد أن خرجت من المسجد وأنا أمسك بيده وأخذت في السير وتوجهت إلى بيتي هل لك في السير معي ؟ قال : نعم . قلت له برفق أي وطنية تعني ؟ هل تقصد وطنية عبد الله بن أبي بن سلول ؟ فبهت ونظر إلى وأبطأ في السير وقال : وما هي وطنية عبد الله بن أبي بن سلول ؟ قلت له الوطنية العرجاء الناقصة القائمة على الجنس واللون واللغة وحدود المحتل الذي قسم أرضنا وفرق بيننا وشتت شملنا ، وطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم ويكيد بعضها لبعض وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء وشكلتها الغايات والأغراض وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية
روى بن أبي شيبة في مصنفه قال: حدثنا أبو أسامة قال حدثنا هشام عن أبيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق لما أتوا المنزل ، وقد جلا أهله أجهضوهم ، وقد بقي دجاج في المعدن فكان بين غلمان من المهاجرين وغلمان من الأنصار ، قتال : فقال غلمان من المهاجرين : يا للمهاجرين ، وقال غلمان من الأنصار ، يا للأنصار ، فبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فقال : أما والله لو أنهم لم ينفقوا عليهم انفضوا من حوله ، أما والله (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالرحيل مكانه يشغلهم ، فأدرك ركبا من بني عبد الأشهل في المسير فقال لهم : ألم تعلموا ما قال المنافق عبد الله بن أبي ؟ قالوا : ماذا قال يا رسول الله ؟ قال : قال : أما والله لو لم تنفقوا عليهم لانفضوا من حوله أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، قالوا : صدق يا رسول الله ! فأنت والله العزيز وهو الذليل. مصنف بن أبي شيبة
وروى الطبراني في المعجم الكبير عَنْ مُحَمَّدِ بن كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ زَيْدَ بن أَرْقَمَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عبد الله بن أبي بن سلول ، يَقُولُ : {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرْتُهُ وَأَتَاهُ ابْنُ أُبَيٍّ فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ، قَالَ : فَأَتَانِي أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلامُونِي ، فَأَتَيْتُ مَنْزِلِي فَنِمْتُ ، قَالَ : كَأَنَّهُ كَئِيبٌ ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ ، أَوْ قَالَ : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ وَعَذَرَكَ ، وَتَلا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} [المنافقون : 7] حَتَّى خَتَمَ الآيَتَيْنِ . رواه الطبراني
إنها وطنية التآمر والتربص بالغير والخيانة ،الوطنية القائمة على الاختلاف والتفرق والتشرذم ، وطنية التفكك وتشقق المجتمع ، وطنية ترفع من نسبة الأفكار المختلف عليها لتصدع بنيان المجتمع
هذا هو حقد الوطنية الذي يعزف دائما على بغض المشاركة وحب الانفراد والاستئصال ، هذا هو حقد الوطنية القائم على تكية الوالد وعزبة الجد ومملكة الخال وتركة العم ، هذا هو حقد الوطنية القائم على قص أجنحة الخصوم ، وإن كانوا إخوانه وبني جنسه ، هذا هو حقد الوطنية القائم على إشعال نار الخصومة والعداوة بين الأهل والأحباب ، هذا هو حقد الوطنية الضيقة التي تنظر دائما تحت أقدامها القائمة على حدود زرب الأغنام واصطبل الدواب وعش الطير وقرية الحشرات وكور الزنانير وجحر الضب
قال سيد قطب رحمه الله: فالإنسان في نظر الإسلام إنسان بروحه . بالنفخة التي جعلت منه إنساناً . ومن ثم فهو يتلاقى على العقيدة أخص خصائص الروح فيه . ولا يلتقي على مثل ما تلتقي عليه البهائم من الأرض والجنس والكلأ والمرعى والحد والسياج! والولاية بين فرد وفرد ، وبين مجموعة ومجموعة ، وبين جيل من الناس وجيل ، لا ترتكن إلى وشيجة أخرى سوى وشيجة العقيدة . يتلاقى فيها المؤمن والمؤمن . والجماعة المسلمة والجماعة المسلمة . والجيل المسلم والأجيال المسلمة من وراء حدود الزمان والمكان ، ومن وراء فواصل الدم والنسب ، والقوم والجنس؛ ويتجمعون أولياء - بالعقيدة وحدها
ثم يضيف قائلا : والبشرية إما أن تعيش - كما يريدها الإسلام - أناسيّ تتجمع على زاد الروح وسمة القلب وعلامة الشعور . . وإما أن تعيش قطعاناً خلف سياج الحدود الأرضية ، أو حدود الجنس واللون . . وكلها حدود مما يقام للماشية في المرعى كي لا يختلط قطيع بقطيع!!!
سيد قطب في ظلال القرآن 1/385
هذه هي وطنية بن سلول الرجل الأعرج في لغته الجاهل بمعاني الكلمات في اللغة جاء في كتاب العين الوَطَنُ: مَوْطِنُ الإنسان ومَحَلُّهُ وأوطانُ الأغنام: مَرابضُها التي تأوي إليها، ويُقال: أَوْطَنَ فلانٌ أرضَ كذا، أي: اتّخذها مَحَلاًّ ومَسْكَناً يُقِيمُ بها، قال رؤبة:
حتّى رَأَى أَهْلُ العِراقِ أَنَّني
أَوْطَنْتُ أرضا لم تكُنْ من وَطني
والمَوْطِنُ: كلّ مكان قام به الإنسانُ لأمرٍ.كتاب العين 2/107
وفي المحيط في اللغة : الوَطَن: المَوْطِنُ. وأوْطَانُ الأغْنَامِ: مَرَابِضُها. وأوْطَنَ فُلانٌ أرْضَ كذا: اتخَذَها مَحَلاً ومَوْطِناً. وأطننته على الأمر: بمعنى واطأته.
نحن لا نتجني على بن سلول في وطنيته وحبه المزيف لها لأنه يدلس ويخلط في الأوراق ويسرق من النصوص ما يظن أنه يؤيد كلامه ولكن سرعان ما تأتي الرياح بما لا يشتهي السفن ، فإن كنت تستدل بحب النبي صلى الله عليه وسلم لمكة ، فإن مكة لها من المكانة الدينية ما لها ، فإن القلوب في مشارق الأرض ومغاربها تهفوا إليها وتتمنى النزول بها لأن بها المسجد الحرام الذي يأتي في الفضل والمكانة في المرتبة الأولى وله من التشريف والمهابة والمكانة ماله ،ولدعوة إبراهيم عليه السلام لها بالأمن والبركة
فلا تزايد يا بن سلول ولا تغالي في قراءة الأحاديث ولا تلوي عنقها
وبالرغم من ذلك نقول لك : إن حب الوطن الإسلامي عندنا من الإيمان وخصوصا مكان النشأة الأولى فهو غريزة وفطرة
في مصنف عبد الرزاق عن أبي سلمة قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم بالحزورة فقال : (قد علمت أنك خير أرض الله ، وأحب الأرض إلى الله ، ولو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت).
وفي الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ : (ما أطيبك من بلد وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)
وفي أخبار مكة للأزرقي عن ابن شهاب ، قال : قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل على عائشة رضي الله عنها ، فقالت له : يا أصيل ، كيف عهدت مكة ؟ قال : عهدتها قد أخصب جنابها ، وابيضت بطحاؤها قالت : أقم حتى يأتيك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلبث أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : « يا أصيل ، كيف عهدت مكة ؟ » قال : والله عهدتها قد أخصب جنابها ، وابيضت بطحاؤها ، وأغدق إذخرها ، وأسلت ثمامها ، وأمش سلمها فقال : « حسبك يا أصيل لا تحزنا »
بل دعا لها صلى الله عليه وسلم روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ
وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ : اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللهم حبب إلينا المدينة كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا وَصَحِّحْهَا لَنَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ قَالَتْ وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ قَالَتْ فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا تَعْنِي مَاءً آجِنًا) رواه البخاري
إن تأريخ الدعوة في العهد المكي منذ البعثة حتى الهجرة ليعلمنا قانون الوطنية في الإسلام ويدلنا على الطريق ويرسم لنا معالمه ويبصرنا بالحقيقة ويوضح لنا ما خفي علينا وما التبس ، يوضح لنا الوطنية العامة التي تجمع ولا تفرق ، وطنية الأمن والأمان لا وطنية المغالاة والإرهاب
لقد بحث النبي صلى الله عليه وسلم عن نقطة الانطلاق بهذا الدين منذ أن بعث حتى هاجر إلى المدينة عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ أُوْلَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ أَقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ قَالَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ أَيْ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَآهُ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو مخرجي هم قَالَ وَرَقَةُ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ) رواه مسلم
هذه هي البداية ، أن مكة ليست دار الانطلاق وليست الموطن فلا تركن إليها ولا تنشغل بشغب الكفار فيها وابحث لك عن وطن وموطن آخر تنطلق منه بدعوة الله إلى الأفاق ولذلك تحرك النبي وهو لا يعرف معالم دار الانطلاق لأن مكة ليست الدار التي سينطلق منها بهذا الدين
َرَوَى أَحْمَد وَأَصْحَاب السُّنَن وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث جَابِر " كَانَ رَسُول اللَّه يَعْرِض نَفْسه عَلَى النَّاس بِالْمَوْسِمِ فَيَقُول : هَلْ مِنْ رَجُل يَحْمِلنِي إِلَى قَوْمه ؟ فَإِنَّ قريشا منعوني أَنْ أُبَلِّغ كَلَام رَبِّي . فَأَتَاهُ رَجُل مِنْ هَمْدَانَ فَأَجَابَهُ ، ثُمَّ خَشِيَ أَنْ لَا يَتْبَعهُ قَوْمه فَجَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ : آتِي قَوْمِي فَأُخْبِرهُمْ ثُمَّ آتِيك مِنْ الْعَام الْمُقْبِل . قَالَ : نَعَمْ . فَانْطَلَقَ الرَّجُل وَجَاءَ وَفْد الْأَنْصَار فِي رَجَب "فتح الباري
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم في كل موسم يستقبل الوفود وينادي عليهم هل من رجل يحملني إلى قومه ؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي . ذهب إلى كندة وإلى بني حنيفة وإلى بني عامر بن أبي صعصعة .....وإلى غيرهم
فلما جاءت رحلة الاسراء والمعراج وحددت له المعالم ورسمت له دار الانطلاق بهذا الدين ركز جهده على أهلها فما سمع بوافد من المدينة قدم إلى مكة إلا وتصدى له
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أريت دار هِجْرَتِكُمْ رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) رواه البخاري
بعد هذه الرحلة الشاقة عن بلد يأوي إليه وينطلق منه بدين الله واستقراره أخيرا في المدينة المنورة كان إذا خرج من المدينة لغزوة أو غيرها تحركت نفسه إلى المدينة وعاد إليها وأسرع الخطى أثناء دخوله حبا وشوقا إليها .
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا ) رواه البخاري
فكما اشتاق من قبل إلى مكة لأنه كان يتمنى أن تكون دار الانطلاق بهذا الدين لمكانتها الدينية فقد اشتاق إلى المدينة لأنها احتضنت إخوانه وآوتهم وضحَّى أهلها بكل ما يملكون
وكما اشتاق إلى مكة والمدينة فقد اشتاق إليك في العراق وفي فلسطين وفي الجزائر وفي أمريكا وفي مصر وفي كل مكان من أرض الله روى أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْتُ أَنِّي لقيت إخواني قَالَ فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ ؟ قَالَ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي )
روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ
نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ فَقُلْتُ مَا أَضْحَكَكَ قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ قَالَتْ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا فَقَالَتْ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشام فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ
وأمرك أن ترفع لواء الوطنية الإسلامية العامة بعيدا عن الأسوار المغلقة والحجر الضيقة روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أن عبدين تحابا في الله عز وجل ، واحد في المشرق وآخر في المغرب لجمع الله بينهما يوم القيامة ، يقول : هذا الذي كنت تحبه في »
إن وطنية بن سلول وطنية قائمة على الاستعلاء والكبر اقتبسها من المحتل قديما الذي وضع مفرداته في عقله فأصبحت جزء لا يتجزأ من فكره لا يقوى ولا يقدر على تغيرها حتى بعد إسلامه الصوري والشكلي بعد ذلك فهو هو
في المعجم الكبير للطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عبد الله بن أبي بن سلول وَهُوَ فِي ظِلٍّ، فَقَالَ: قَدْ غَبَّرَ عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، فَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَئِنْ شِئْتَ لآتِيَنَّكَ بِرَأْسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا، وَلَكِنْ بِرَّ أَبَاكَ وَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُ".
وفي مستخرج بن أبي عوانه عن عروة بن الزبير ، أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة ، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة رضي الله عنه في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، فسار حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول قبل أن يسلم عبد الله ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين ، والمشركين ، وعبدة الأوثان واليهود ، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي بردائه ، ثم قال : لا تغبروا علينا ، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف فدعاهم إلى الله ، وقرأ عليهم القرآن ، فقال له عبد الله بن أبي : يا أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا وارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه ، قال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك ، فاستب المسلمون ، والمشركون ، واليهود حتى كادوا يتثاورون ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال : « أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب » ، يريد عبد الله بن أبي ، قال : « كذا وكذا » ، قال سعد : يا رسول الله بأبي أنت اعف عنه ، واصفح فقد أعطاك الله ما أعطاك ، ولقد اجتمع أهل هذه البحيرة أن يتوجوه ، ويعصبوه بالعصابة ، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك ، فذلك فعل الله به ما رأيت ، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه هي الوطنية المبتورة الصلة بالسماء التي لا نسب فيها ولا ارتفاع
وطنية الارتماء في أحضان إبليس والنفس والهوى وطنية المادية التي تشد الناس دائما إلى أسفل وطنية إشباع الشهوات والرغبات العفنة
هذا هو عبد الله قبل إسلامه وبعد إسلامه لم يتغير في فكره فهو هو وطنيته وطنية الحسب والنسب والجاه والسلطان والكبر والفخر روى أبو داود في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عبية الجاهلية وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ )
وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عبية الجاهلية وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
إنه لم يقرأ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ولو قرأه فإن الله حرمه من نعمة الفهم والإدراك لأن الله يريد له أن يظل هكذا يرسف في غبائه وجهله حتى يوافيه يوم القيامة روى أحمد في مسنده عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ألا إن ربكم واحد وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِب) رواه أحمد
يقول الإمام البنا عليه رحمة الله موضحا وجه الخلاف بيننا وبين بن سلول العصر الحديث : أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعترونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك فلا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض ويظهر ذلك الفارق العملي فيما إذا أرادت أمة من الأمم أن تقوي نفسها على حساب غيرها فنحن لا نرضى ذلك على حساب أي قطر إسلامي وإنما نطلب القوة لنا جميعا ودعاة الوطنية المجردة لا يرون في ذلك بأسا ومن هنا تتفكك الروابط وتضعف القوى ويضرب العدو بعضهم ببعض . الرسائل
متعنا الله بوطنيتنا الإسلامية العامة البعيدة عن تضييق بن سلول وحرر عقولنا من الفكر الضيق ورفع من شأن أمتنا آمين
بقلم /عاطف ابوزيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فاجأني صديقي بهذا الرد الغير متوقع حيث أنه رجل مثقف وذلك بعد حديثي قبل العيد عن فلسطين الحبيبة بقوله لي أنت ما عندكش وطنية أين وطنيتك أيها الشيخ ؟ مرة تتحدث عن فلسطين ومرة عن العراق ومرة عن الصومال أو أفغانستان أو الجزائر ....... ......... وأيقنت أنه يلمح أين حديثك وأنت مصري عن مصر؟ عن فضلها ومكانتها .....؟ ولكنني استدركت الموقف وعذرته لأنني أعرف جيدا أن عبد الله بن أبي بن سلول غير وطنية الرجل المسكين وأثر عليه في ثقافته وفي فكره كما غير فكر السذج والبسطاء من الناس في يوم أحد وأثر عليهم بغوغائيته وعاد بهم ولم يشهد القتال.
عن ابن إسحاق قال، حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا، كلهم قد حدَّث قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني حين خرج إلى أحد - في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة، انخزل عنهم عبدالله بن أبيّ ابن سلول بثلث الناس وقال: أطاعهم فخرج وعصاني! والله ما ندري علامَ نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس!! فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق وأهل الريْب، واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم، أذكّركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوّهم! فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن يكون قتال! فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدَكم الله أعداء الله! فسيُغني الله عنكم! ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفسير الطبري
يقول الله عز وجل في سورة آل عمران (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الذين قالوا لإخوانهم وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) ) آل عمران
وفي مصنف بن أبي شيبة عن سعيد بن المنذر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ، فلما خلف ثنية الوداع نظر خلفه ، فإذا كتيبة حسناء ، فقال : " من هؤلاء ؟ قالوا : عبد الله بن أبي بن سلول ومواليه من اليهود فقال : وقد أسلموا ؟ قالوا : لا ، قال : (فإنا لا نستعين بالكفار على المشركين).مصنف بن أبي شيبة
نعم إن لوطنيته حدود ولولائه أركان فمن ذكاء عبد الله بن أبي بن سلول الخارق أنه لا يتعدى حدود وطنيته ولا يخرج على أركان ولائه أبدا . فهو لا دخل له بفلسطين ولا العراق ولا الصومال ....لأن هذه البلاد خارج حدود وطنه فعلام يقتل نفسه ويضيع جيشه ويخرب اقتصاد بلده ؟ فهو الحريص على الجيش والاقتصاد وحياة الشعب والمدافع والمتحدث باسم الطبقة المعدومة الدخل !!! وانظر مع من يسير وفي ركاب من يمشي ؟ مواليه من اليهود !!!
وكما أثر على شريحة كبيرة من الناس في أحد فقد أثر أيضا على شريحة من الناس في بني المصطلق وحادثة الإفك
انظر إلى حديث عائشة في المعجم الكبير للطبراني وهي تتحدث عن عبد الله بن أبي في حادثة الإفك وكيفية تأثيره في غيره ......وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ مِسْطَحَ بن أُثَاثَةَ وَحَسَّانَ بن ثَابِتٍ وَحَمْنَةَ وَالْمُنَافِقَ عبد الله بن أبي بن سلول وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ .....) المعجم الكبير للطبراني
عنده قدرة على التجميع ونشر الخبر ، وهو الآن يملك وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وله أعوان في كل مكان ينشرون فكره ويروجون له ويعملون على تغيير فكر وثقافة الناس بالليل والنهار فهو كسحرة فرعون استرهبوا الناس وجاءوا بسحر عظيم
فقلت لأخي بعد أن خرجت من المسجد وأنا أمسك بيده وأخذت في السير وتوجهت إلى بيتي هل لك في السير معي ؟ قال : نعم . قلت له برفق أي وطنية تعني ؟ هل تقصد وطنية عبد الله بن أبي بن سلول ؟ فبهت ونظر إلى وأبطأ في السير وقال : وما هي وطنية عبد الله بن أبي بن سلول ؟ قلت له الوطنية العرجاء الناقصة القائمة على الجنس واللون واللغة وحدود المحتل الذي قسم أرضنا وفرق بيننا وشتت شملنا ، وطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم ويكيد بعضها لبعض وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء وشكلتها الغايات والأغراض وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية
روى بن أبي شيبة في مصنفه قال: حدثنا أبو أسامة قال حدثنا هشام عن أبيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق لما أتوا المنزل ، وقد جلا أهله أجهضوهم ، وقد بقي دجاج في المعدن فكان بين غلمان من المهاجرين وغلمان من الأنصار ، قتال : فقال غلمان من المهاجرين : يا للمهاجرين ، وقال غلمان من الأنصار ، يا للأنصار ، فبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فقال : أما والله لو أنهم لم ينفقوا عليهم انفضوا من حوله ، أما والله (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالرحيل مكانه يشغلهم ، فأدرك ركبا من بني عبد الأشهل في المسير فقال لهم : ألم تعلموا ما قال المنافق عبد الله بن أبي ؟ قالوا : ماذا قال يا رسول الله ؟ قال : قال : أما والله لو لم تنفقوا عليهم لانفضوا من حوله أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، قالوا : صدق يا رسول الله ! فأنت والله العزيز وهو الذليل. مصنف بن أبي شيبة
وروى الطبراني في المعجم الكبير عَنْ مُحَمَّدِ بن كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ زَيْدَ بن أَرْقَمَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ عبد الله بن أبي بن سلول ، يَقُولُ : {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرْتُهُ وَأَتَاهُ ابْنُ أُبَيٍّ فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ، قَالَ : فَأَتَانِي أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلامُونِي ، فَأَتَيْتُ مَنْزِلِي فَنِمْتُ ، قَالَ : كَأَنَّهُ كَئِيبٌ ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ ، أَوْ قَالَ : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ وَعَذَرَكَ ، وَتَلا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} [المنافقون : 7] حَتَّى خَتَمَ الآيَتَيْنِ . رواه الطبراني
إنها وطنية التآمر والتربص بالغير والخيانة ،الوطنية القائمة على الاختلاف والتفرق والتشرذم ، وطنية التفكك وتشقق المجتمع ، وطنية ترفع من نسبة الأفكار المختلف عليها لتصدع بنيان المجتمع
هذا هو حقد الوطنية الذي يعزف دائما على بغض المشاركة وحب الانفراد والاستئصال ، هذا هو حقد الوطنية القائم على تكية الوالد وعزبة الجد ومملكة الخال وتركة العم ، هذا هو حقد الوطنية القائم على قص أجنحة الخصوم ، وإن كانوا إخوانه وبني جنسه ، هذا هو حقد الوطنية القائم على إشعال نار الخصومة والعداوة بين الأهل والأحباب ، هذا هو حقد الوطنية الضيقة التي تنظر دائما تحت أقدامها القائمة على حدود زرب الأغنام واصطبل الدواب وعش الطير وقرية الحشرات وكور الزنانير وجحر الضب
قال سيد قطب رحمه الله: فالإنسان في نظر الإسلام إنسان بروحه . بالنفخة التي جعلت منه إنساناً . ومن ثم فهو يتلاقى على العقيدة أخص خصائص الروح فيه . ولا يلتقي على مثل ما تلتقي عليه البهائم من الأرض والجنس والكلأ والمرعى والحد والسياج! والولاية بين فرد وفرد ، وبين مجموعة ومجموعة ، وبين جيل من الناس وجيل ، لا ترتكن إلى وشيجة أخرى سوى وشيجة العقيدة . يتلاقى فيها المؤمن والمؤمن . والجماعة المسلمة والجماعة المسلمة . والجيل المسلم والأجيال المسلمة من وراء حدود الزمان والمكان ، ومن وراء فواصل الدم والنسب ، والقوم والجنس؛ ويتجمعون أولياء - بالعقيدة وحدها
ثم يضيف قائلا : والبشرية إما أن تعيش - كما يريدها الإسلام - أناسيّ تتجمع على زاد الروح وسمة القلب وعلامة الشعور . . وإما أن تعيش قطعاناً خلف سياج الحدود الأرضية ، أو حدود الجنس واللون . . وكلها حدود مما يقام للماشية في المرعى كي لا يختلط قطيع بقطيع!!!
سيد قطب في ظلال القرآن 1/385
هذه هي وطنية بن سلول الرجل الأعرج في لغته الجاهل بمعاني الكلمات في اللغة جاء في كتاب العين الوَطَنُ: مَوْطِنُ الإنسان ومَحَلُّهُ وأوطانُ الأغنام: مَرابضُها التي تأوي إليها، ويُقال: أَوْطَنَ فلانٌ أرضَ كذا، أي: اتّخذها مَحَلاًّ ومَسْكَناً يُقِيمُ بها، قال رؤبة:
حتّى رَأَى أَهْلُ العِراقِ أَنَّني
أَوْطَنْتُ أرضا لم تكُنْ من وَطني
والمَوْطِنُ: كلّ مكان قام به الإنسانُ لأمرٍ.كتاب العين 2/107
وفي المحيط في اللغة : الوَطَن: المَوْطِنُ. وأوْطَانُ الأغْنَامِ: مَرَابِضُها. وأوْطَنَ فُلانٌ أرْضَ كذا: اتخَذَها مَحَلاً ومَوْطِناً. وأطننته على الأمر: بمعنى واطأته.
نحن لا نتجني على بن سلول في وطنيته وحبه المزيف لها لأنه يدلس ويخلط في الأوراق ويسرق من النصوص ما يظن أنه يؤيد كلامه ولكن سرعان ما تأتي الرياح بما لا يشتهي السفن ، فإن كنت تستدل بحب النبي صلى الله عليه وسلم لمكة ، فإن مكة لها من المكانة الدينية ما لها ، فإن القلوب في مشارق الأرض ومغاربها تهفوا إليها وتتمنى النزول بها لأن بها المسجد الحرام الذي يأتي في الفضل والمكانة في المرتبة الأولى وله من التشريف والمهابة والمكانة ماله ،ولدعوة إبراهيم عليه السلام لها بالأمن والبركة
فلا تزايد يا بن سلول ولا تغالي في قراءة الأحاديث ولا تلوي عنقها
وبالرغم من ذلك نقول لك : إن حب الوطن الإسلامي عندنا من الإيمان وخصوصا مكان النشأة الأولى فهو غريزة وفطرة
في مصنف عبد الرزاق عن أبي سلمة قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم بالحزورة فقال : (قد علمت أنك خير أرض الله ، وأحب الأرض إلى الله ، ولو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت).
وفي الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ : (ما أطيبك من بلد وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)
وفي أخبار مكة للأزرقي عن ابن شهاب ، قال : قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل على عائشة رضي الله عنها ، فقالت له : يا أصيل ، كيف عهدت مكة ؟ قال : عهدتها قد أخصب جنابها ، وابيضت بطحاؤها قالت : أقم حتى يأتيك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلبث أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : « يا أصيل ، كيف عهدت مكة ؟ » قال : والله عهدتها قد أخصب جنابها ، وابيضت بطحاؤها ، وأغدق إذخرها ، وأسلت ثمامها ، وأمش سلمها فقال : « حسبك يا أصيل لا تحزنا »
بل دعا لها صلى الله عليه وسلم روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ
وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ : اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللهم حبب إلينا المدينة كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا وَصَحِّحْهَا لَنَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ قَالَتْ وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ قَالَتْ فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا تَعْنِي مَاءً آجِنًا) رواه البخاري
إن تأريخ الدعوة في العهد المكي منذ البعثة حتى الهجرة ليعلمنا قانون الوطنية في الإسلام ويدلنا على الطريق ويرسم لنا معالمه ويبصرنا بالحقيقة ويوضح لنا ما خفي علينا وما التبس ، يوضح لنا الوطنية العامة التي تجمع ولا تفرق ، وطنية الأمن والأمان لا وطنية المغالاة والإرهاب
لقد بحث النبي صلى الله عليه وسلم عن نقطة الانطلاق بهذا الدين منذ أن بعث حتى هاجر إلى المدينة عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ أُوْلَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ أَقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ قَالَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ أَيْ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَآهُ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو مخرجي هم قَالَ وَرَقَةُ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ) رواه مسلم
هذه هي البداية ، أن مكة ليست دار الانطلاق وليست الموطن فلا تركن إليها ولا تنشغل بشغب الكفار فيها وابحث لك عن وطن وموطن آخر تنطلق منه بدعوة الله إلى الأفاق ولذلك تحرك النبي وهو لا يعرف معالم دار الانطلاق لأن مكة ليست الدار التي سينطلق منها بهذا الدين
َرَوَى أَحْمَد وَأَصْحَاب السُّنَن وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث جَابِر " كَانَ رَسُول اللَّه يَعْرِض نَفْسه عَلَى النَّاس بِالْمَوْسِمِ فَيَقُول : هَلْ مِنْ رَجُل يَحْمِلنِي إِلَى قَوْمه ؟ فَإِنَّ قريشا منعوني أَنْ أُبَلِّغ كَلَام رَبِّي . فَأَتَاهُ رَجُل مِنْ هَمْدَانَ فَأَجَابَهُ ، ثُمَّ خَشِيَ أَنْ لَا يَتْبَعهُ قَوْمه فَجَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ : آتِي قَوْمِي فَأُخْبِرهُمْ ثُمَّ آتِيك مِنْ الْعَام الْمُقْبِل . قَالَ : نَعَمْ . فَانْطَلَقَ الرَّجُل وَجَاءَ وَفْد الْأَنْصَار فِي رَجَب "فتح الباري
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم في كل موسم يستقبل الوفود وينادي عليهم هل من رجل يحملني إلى قومه ؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي . ذهب إلى كندة وإلى بني حنيفة وإلى بني عامر بن أبي صعصعة .....وإلى غيرهم
فلما جاءت رحلة الاسراء والمعراج وحددت له المعالم ورسمت له دار الانطلاق بهذا الدين ركز جهده على أهلها فما سمع بوافد من المدينة قدم إلى مكة إلا وتصدى له
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أريت دار هِجْرَتِكُمْ رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) رواه البخاري
بعد هذه الرحلة الشاقة عن بلد يأوي إليه وينطلق منه بدين الله واستقراره أخيرا في المدينة المنورة كان إذا خرج من المدينة لغزوة أو غيرها تحركت نفسه إلى المدينة وعاد إليها وأسرع الخطى أثناء دخوله حبا وشوقا إليها .
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا ) رواه البخاري
فكما اشتاق من قبل إلى مكة لأنه كان يتمنى أن تكون دار الانطلاق بهذا الدين لمكانتها الدينية فقد اشتاق إلى المدينة لأنها احتضنت إخوانه وآوتهم وضحَّى أهلها بكل ما يملكون
وكما اشتاق إلى مكة والمدينة فقد اشتاق إليك في العراق وفي فلسطين وفي الجزائر وفي أمريكا وفي مصر وفي كل مكان من أرض الله روى أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْتُ أَنِّي لقيت إخواني قَالَ فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ ؟ قَالَ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي )
روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ
نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ فَقُلْتُ مَا أَضْحَكَكَ قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ قَالَتْ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا فَقَالَتْ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشام فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ
وأمرك أن ترفع لواء الوطنية الإسلامية العامة بعيدا عن الأسوار المغلقة والحجر الضيقة روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أن عبدين تحابا في الله عز وجل ، واحد في المشرق وآخر في المغرب لجمع الله بينهما يوم القيامة ، يقول : هذا الذي كنت تحبه في »
إن وطنية بن سلول وطنية قائمة على الاستعلاء والكبر اقتبسها من المحتل قديما الذي وضع مفرداته في عقله فأصبحت جزء لا يتجزأ من فكره لا يقوى ولا يقدر على تغيرها حتى بعد إسلامه الصوري والشكلي بعد ذلك فهو هو
في المعجم الكبير للطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عبد الله بن أبي بن سلول وَهُوَ فِي ظِلٍّ، فَقَالَ: قَدْ غَبَّرَ عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، فَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَئِنْ شِئْتَ لآتِيَنَّكَ بِرَأْسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا، وَلَكِنْ بِرَّ أَبَاكَ وَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُ".
وفي مستخرج بن أبي عوانه عن عروة بن الزبير ، أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف على قطيفة ، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة رضي الله عنه في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر ، فسار حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول قبل أن يسلم عبد الله ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين ، والمشركين ، وعبدة الأوثان واليهود ، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي بردائه ، ثم قال : لا تغبروا علينا ، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف فدعاهم إلى الله ، وقرأ عليهم القرآن ، فقال له عبد الله بن أبي : يا أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا وارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه ، قال عبد الله بن رواحة : بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك ، فاستب المسلمون ، والمشركون ، واليهود حتى كادوا يتثاورون ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال : « أي سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب » ، يريد عبد الله بن أبي ، قال : « كذا وكذا » ، قال سعد : يا رسول الله بأبي أنت اعف عنه ، واصفح فقد أعطاك الله ما أعطاك ، ولقد اجتمع أهل هذه البحيرة أن يتوجوه ، ويعصبوه بالعصابة ، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك ، فذلك فعل الله به ما رأيت ، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه هي الوطنية المبتورة الصلة بالسماء التي لا نسب فيها ولا ارتفاع
وطنية الارتماء في أحضان إبليس والنفس والهوى وطنية المادية التي تشد الناس دائما إلى أسفل وطنية إشباع الشهوات والرغبات العفنة
هذا هو عبد الله قبل إسلامه وبعد إسلامه لم يتغير في فكره فهو هو وطنيته وطنية الحسب والنسب والجاه والسلطان والكبر والفخر روى أبو داود في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عبية الجاهلية وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ )
وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عبية الجاهلية وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
إنه لم يقرأ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ولو قرأه فإن الله حرمه من نعمة الفهم والإدراك لأن الله يريد له أن يظل هكذا يرسف في غبائه وجهله حتى يوافيه يوم القيامة روى أحمد في مسنده عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ألا إن ربكم واحد وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِب) رواه أحمد
يقول الإمام البنا عليه رحمة الله موضحا وجه الخلاف بيننا وبين بن سلول العصر الحديث : أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعترونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك فلا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض ويظهر ذلك الفارق العملي فيما إذا أرادت أمة من الأمم أن تقوي نفسها على حساب غيرها فنحن لا نرضى ذلك على حساب أي قطر إسلامي وإنما نطلب القوة لنا جميعا ودعاة الوطنية المجردة لا يرون في ذلك بأسا ومن هنا تتفكك الروابط وتضعف القوى ويضرب العدو بعضهم ببعض . الرسائل
متعنا الله بوطنيتنا الإسلامية العامة البعيدة عن تضييق بن سلول وحرر عقولنا من الفكر الضيق ورفع من شأن أمتنا آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق