هرمون العائلة وضرره على الدعوة المظاهر والعلاج

بقلم الشيخ /عاطف أبو زيتحار


من المعلوم والمسلم به أن من يرضع لبان الدعوة وهو صغير يختلف عمن يدخلها وهو كبير ، لأن من الصعب رياضة الهرم قال صالحُ بن عبد القُدُّوس:
وإنّ مَن أدَّبته في الصِّبَى ... كالعُود يُسْقَى الماءَ في غَرْسِهِ
حَتَّى تُرَاهُ مُورِقاً ناضِراً ... بعدَ الذي قد كان في يُبْسِهِ
وقال آخر:
يُقَوِّمُ مِنْ مَيلِ الغُلامِ المؤدِّبُ ... ولا يَنْفَعُ التأديبُ والرأسُ أشيَبُ
وقال آخر:
وَتَلُومُ عِرْسَكَ بَعْدَ ما هَرِمَتْ ... وَمِنَ العَنَاءِ رِياضَةُ الهَرمِ
وقال آخر:
إنَّ الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولا تلين إذا قومتها الخشبُ
فمن تفتحت عيناه في محراب الدعوة ونبت لحمه ونشز عظمه على ساحاتها ومر بمراحل التحول في حياته بين قواعدها وأركانها ووجد من يرعاه بعيدا عن اليتم التربوي ، فإن مستقبله معها مستقبل باهر جميل وسيتحول إلى
نابغة عصره إن لم يفتن بمحن الزمان وخواطر النفس ووساوس الشيطان ..
من المعلوم أن الدعوة تعمل مع كل المستويات وكل الأعمار ، فهي كما تعمل مع الأشبال الصغار والزهرات الصغيرات والأخوات التقيات ، فهي أيضا تعمل على نشر فكرتها بين كل شرائح المجتمع ومن المسلم به أيضا ما يعرف بمصافي الدعوة التربوية مع كل الأعمار والمستويات والشرائح
فالفرد بعد توصيل الفكرة إليه ومروره بما يسمى بالدعوة الفردية ووصول شمولية الفكرة وعالمية الرسالة واهتمامه بإخوانه المسلمين في الأقطار المختلفة
يقضي فيها مدة من الزمن يحبها ويسارع فيها ويلبي طلباتها ويتحدث بلسانها وبالرغم من أنه لم يقضي فيها مدة طويلة إلا أنك تجد الدعوة تنضح على جوارحه وأعماله ، مشاعره فياضة قد رفع شعار سرعة الاستجابة .
بعض من أصيب بهرمون العائلة من العصبية والاعتداد بالرأي والبخل والكبر والتفاخر والمراء والاهتمام بالمظاهر وحب الصدارة وتقديم العائلة والأسرة على الدعوة وكثرة الثرثرة وبغض الصمت ..... بعد فترة من تسكينهم ووصولها إلى قلوبهم وظهورها على حركاتهم وأعمالهم تجدهم تختلط عليهم الأمور وتتلبس عليهم الأركان وتنقلب عندهم المفاهيم
تجدهم يخلطون بين الموروث العائلي والأمور الدعوية فمثلا إذا كانت هناك انتخابات برلمانية وتساوق وجود مرشحين أحدهما تابع لعائلته والآخر تابع لفكرته فإنه يحتار بين الاثنين أيهما أولى ومن يقدم على الآخر؟ وتدور على ساحات قلبه معارك طاحنة بين الاثنين ..
وبعضهم عندما تطلب منه الدعوة مالا وذلك بعد قضائه فيها فترة من الزمن فإنه يحتار بين احتياجات الدعوة وكماليات العائلة ثم يخضع في النهاية إلى الكماليات لعدم قدرته على المقاومة فتجده يرفع شعار إبليس (اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع)
وبعضهم فطرة حب الأبناء والزوجة عنده عالية وفطرة حب الدعوة عنده تحتاج إلى تنمية ، ولأن الأسرة الكريمة لم ترود بعد على سرعة الاستجابة لنداء الدعوة فتجد المسكين في حيرة بين نداء الدعوة وجذبة الأسرة هذه تناديه لحضور الأسرة التربوية والأخرى تجذبه للمرح والجلوس ، الدعوة تدعوه لسرعة الخروج لحاجتها إليه والأخرى تتشبث به خوفا عليه ، الأولى تدعوه إلى رياض الجنة والأخرى إلى الدعة والخلود ، الأولى تدعوه إلى فقه السكون إلى الله والثانية تدعوه إلى السكون على السرير وبين الأبناء ..
وبعضهم لأنه تربى على حب الظهور الذي يحطم الجوارح والأفئدة والعقول ويقسم الظهور ونبت لحمه على داء الكبر والفخر وأرضع لبان الثرثرة تجده لا يكتم سرا دعويا في التليفون يتحدث وبين الناس يفشي الأسرار وينبش قبورها لم يتحكم في جوارحه فانساب السر من فوق لسانه وتحول بعد أن أصبح مخضرم الدعوة إلى أكبر ثرثار بين إخوانه
ولأن البعض أجاد هذا الهرمون وتربى عليه ونبت لحمه ونشز عظمه وأرضع لبانه القاتل كان ينزل بأسرارها إلى قاع الدعوة ومن ثم إلى الشارع لأنه لا يوجد سدود ولا حدود ولا حواجز تمنع من انزلاق السر إلى الشارع فكان الناس يتحدثون بذلك في أعمالهم ويتناقلون الحديث في بيوتهم ..
بعض الأخوة سامحهم الله يعملون في المحراب الدعوي منذ فترة طويلة ، ولكن سبحان الله نضح إناء العائلة وانكشف غطاء العصبية بعد عشرات السنين من العمل الدعوي ، وذلك عندما جاء تقييم بعض أقاربه ووضعه في قالب التعديل والتجريح وبدأ الجميع ينطق بالسلبيات التي وقع فيها قريبه المخضرم كما يراه هو في الدعوة فغضب وظهر ذلك على جوارحه غير أنه تحكم في جوارحه وفي المرة الثانية لم يتمالك نفسه فأظهر غضبه وزمجر وانفعل ونسي أن الحديث هنا باسم الدعوة وليس باسم العائلة ومصلحة الدعوة مقدمة على كل مخضرم وكل عائلة ولكن لأن جرثومة العائلة مازالت مسيطرة قام المسكين بنقل الكلام إلى قريبه فحدث مالا يحمد عقباه ، الخصومه التي تصل إلى حد الفجور والسباب والشتائم بأفظع الألفاظ
إن هذا المسكين الذي أوقدها وأشعلها نارا لم يطهر من جرثومة العائلة القاتلة ولم يغسل بالغسول الدعوي الطاهر ولو غسل قبل وصوله إلى صنع القرار ما انفعل لأن قريبه المخضرم في محل التجريح ويستحق ذلك ، وفي نظري أن العيب ليس فيه وإنما العيب فيمن تعجل عليه وأرضاه وأرضى أقاربه المخضرمين فقلده قبل تطهيره
ما المانع أن يستخدم هذا الأخ قرابته وحبه لقريبه بالنصح له والتوجيه والرعاية بدلا من التآمر وإفشاء سر دعوي ونقله إليه فيوغر صدره ويحزن فؤاده
في بعض الأحيان نفرح لأن كثيرا من أبناء العائلة دخلوا في الدعوة ويفرح البعض أن عنده في الدعوة خمسة أو عشرة أكثر أو أقل يتعجل عليهم قبل أن يخلصهم من هرموناتهم الضارة القاتلة المميتة ويقوم بضمهم وهؤلاء ضررهم أكثر من نفعهم إن لم يربوا تربية سليمة بعيدا عن هذا الأخ الذي أتى بهم
وأنا هنا أهيب بإخواني القائمين على المصافي الدعوية أن يجزوا هذا الأخ خيرا على صنيعه ثم يقطفوا من ورائه هذا الكم الذي أتى به ويقوموا برعايته داخل الصوب والحضانات الدعوية قبل تقليدهم
إن دعوة الله طاهرة تنفي وتبعد وتقصي عن نفسها كل قبيح ومهما كتم الإنسان في نفسه مظاهره وأعماله السيئة الخبيثة فإنها ستنكشف في يوم من الأيام إن لم يتوب ويتجرد لله منها
إن الحرص على دخول أفراد العائلة إلى محراب الدعوة أمر محمود (خيركم خيركم لأهله ).... (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)) الشعراء... ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على دخول عائلته وقرابته إلى الإسلام ودعا لهم وقضى وقتا من حياته يدعوهم إلى الله ومن دخل منهم رباه على التجرد التام لدين الله بعيدا عن هرمونات العائلة القاتلة ومن ذلك ما رواه أحمد بسنده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَنْ يُسَوِّيَ كُلَّ قَبْرٍ وَأَنْ يُلَطِّخَ كُلَّ صَنَمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَدْخُلَ بُيُوتَ قَوْمِي قَالَ فَأَرْسَلَنِي فَلَمَّا جِئْتُ قَالَ يَا عَلِيُّ لَا تَكُونَنَّ فَتَّانًا وَلَا مُخْتَالًا وَلَا تَاجِرًا إِلَّا تَاجِرَ خَيْرٍ فَإِنَّ أُولَئِكَ مُسَوِّفُونَ أَوْ مَسْبُوقُونَ فِي الْعَمَلِ)
ثم يربيه على احترام أهل الفضل والسبق حتى لا يتكبر ولا يفخر عليهم في المستقبل عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ طَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ يَا عَلِيُّ لَا تُخْبِرْهُمَا) رواه احمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
ثم يغرس فيهم بذور الإيمان ليبعدهم عن شبح الجاهلية وعفنها ويعوضهم عنها خيرا منها عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَ الْعَبَّاسُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً لَمْ يَأْتِهِ فِيهَا، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عَمُّكَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ:ائْذَنُوا لَهُ فَقَدْ جَاءَ لأَمْرٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ:فَمَا جَاءَ بِكَ يَا عَمَّاهُ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَلَيْسَتْ سَاعَتَكَ الَّتِي كُنْتَ تَجِيءُ فِيهَا؟قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي ذَكَرْتُ الْجَاهِلِيَّةَ وَجَهْلَهَا فَضَاقَتْ عَلَيَّ الدُّنْيَا بِمَا رَحُبَتْ، فَقُلْتُ مَنْ يُفَرِّجُ عَنِّي؟ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لا يُفَرِّجُ عَنِّي أَحَدٌ إِلا اللَّهُ ثُمَّ أَنْتَ، فَقَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْقَعَ هَذَا فِي قَلْبِكَ، وَوَدِدْتُ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، قَالَ:أَحْبُوكَ؟قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:أُعْطِيكَ؟قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:أَحْبُوكَ؟قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:فَإِذَا كَانَتْ سَاعَةٌ يُصَلَّى فِيهَا لَيْسَتْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَأَسْبَغْ طَهُورَكَ، ثُمَّ قُمْ إِلَى اللَّهِ فَاقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا منْ أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ، فَإِذَا فَرَغْتَ منَ السُّورَةِ، فَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرةَ مَرَّةً، فَإِذَا رَكَعْتَ فَقُلْ ذَلِكَ عَشْرًا، فَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فَقُلْ ذَلِكَ عَشَرَ مِرَارٍ. ) رواه الطبراني
إنه التعويض النفسي وملء الإناء باحتياجاته الحقيقية من الزاد الإيماني والتربوي وتفريغه من الهرمونات الضارة حتى لا تنضح عليه في ساعة من ليل أو نهار
لقد عاب القرآن في كثير من آياته على المشركين صنيعهم في تبعيتهم العمياء وعصبيتهم البغيضة وعدم إعمال عقولهم وتفكيرهم في موروثهم العائلي


1- فلقد عاب على اليهود ردهم على النبي صلى الله عليه وسلم بتبعيتهم العمياء للآباء بعد إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه يقول الله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170البقرة
عن ابن عباس قال: دَعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودَ من أهل الكتاب إلى الإسلام ورَغَّبهم فيه، وحذرهم عقاب الله ونقمته، فقال له رَافع بن خارجة، ومَالك بن عوف: بل نَتبع ما ألفينا عليه آباءنا، فإنهم كانوا أعلم وخيرًا منا! فأنزل الله في ذلك من قولهما "وإذا قيلَ لهُم اتبعوا ما أنزل اللهُ قالوا بَل نتِّبع ما ألفينا عَليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يَهتدون" رواه الطبري
إنها عادة يهودية قديمة ومن العيب أن نقلدهم فيها في دعوتنا لأن من أوتي جوامع الكلم أمرنا أن نخالفهم قائلا ( خالفوا اليهود )
يقول الإمام الطبري:
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار: فكيف أيها الناس تَتَّبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمرُكم به ربكم، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئًا، ولا هم مصيبون حقًّا، ولا مدركون رشدًا؟ وإنما يَتّبع المتبعُ ذا المعرفة بالشيء المستعملَ له في نفسه، فأما الجاهل فلا يتبعه -فيما هو به جاهل- إلا من لا عقل له ولا تمييز. تفسير الطبري
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى : أولو كان الأمر كذلك ، يصرون على اتباع ما وجدوا عليه آباءهم؟ فأي جمود هذا وأي تقليد؟! ومن ثم يرسم لهم صورة زرية تليق بهذا التقليد وهذا الجمود ، صورة البهيمة السارحة التي لا تفقه ما يقال لها ، بل إذا صاح بها راعيها سمعت مجرد صوت لا تفقه ماذا يعني! بل هم أضل من هذه البهيمة ، فالبهيمة ترى وتسمع وتصيح ، وهم صم بكم عمي : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء . صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) صم بكم عمي . ولو كانت لهم آذان وألسنة وعيون . ما داموا لا ينتفعون بها ولا يهتدون . فكأنها لا تؤدي وظيفتها التي خلقت لها ، وكأنهم إذن لم توهب لهم آذان وألسنة وعيون .
وهذه منتهى الزراية بمن يعطل تفكيره ، ويغلق منافذ المعرفة والهداية ، ويتلقى في أمر العقيدة والشريعة من غير الجهة التي ينبغي أن يتلقى منها أمر العقيدة والشريعة . .في ظلال القرآن
ولذلك على الداعية أن يكون فطنا فيقلد من عائلته النافع المفيد المحمود ويترك القبيح والمذموم لأنه بتقليده للقبيح يرتمي في أحضان التخلف فتنزل منزلته ويسوء حاله بين إخوانه والناس من حوله ويتخلف عن ركب التقدم الدعوي وإذا ما قلد الخير والنافع والمحمود وترك القبيح ولفظه انتمى بذلك إلى قافلة التقدم الدعوي وشتان بين من يرتمي فينزل ومن ينتمي فيرتفع .


2- ولقد عاب القرآن أيضا على المشركين رضاهم بما هم عليه من واقع مر بعد دعوتهم إلى الخير والنور والفضيلة فأبوا إلا أن يقلدوا أجدادهم ويسيروا على نهجهم المظلم ويعيشوا أمواتا في صورة أحياء بعد أن انطمست فطرتهم وتاهت عقولهم يقول تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) المائدة
يقول الشهيد سيد قطب رحمه : إن القلب البشري إما أن يستقيم على فطرته التي فطره الله عليها؛ فيعرف إلهه الواحد ، ويتخذه رباً ، ويعترف له وحده بالعبودية ويستسلم لشرعه وحده؛ ويرفض ربوبية من عداه فيرفض إذن أن يتلقى شريعة من سواه . . إما أن يستقيم القلب البشري على فطرته هذه فيجد اليسر في الاتصال بربه ، ويجد البساطة في عبادته ، ويجد الوضوح في علاقاته به . . وإما أن يتيه في دروب الجاهلية والوثنية ومنعرجاتها ، تتلقاه في كل درب ظلمة ، ويصادفه في كل ثنية وهم . تطلب إليه طواغيت الجاهلية والوثنية شتى الطقوس لعبادتها ، وشتى التضحيات لإرضائها؛ ثم تتعدد الطقوس في العبادات والتضحيات ، حتى ينسى الوثني أصولها ، ويؤديها وهو لا يعرف حكمتها ، ويعاني من العبودية لشتى الأرباب ما يقضي على كرامة الإنسان التي منحها الله للإنسان .
ولقد جاء الإسلام بالتوحيد ليوحد السلطة التي تدين العباد؛ ثم ليحرر الناس بذلك من العبودية بعضهم لبعض؛ ومن عبوديتهم لشتى الآلهة والأرباب . . وجاء ليحرر الضمير البشري من أوهام الوثنية وأوهاقها؛ وليرد إلى العقل البشري كرامته ويطلقه من ربقة الآلهة وطقوسها . ومن ثم حارب الوثنية في كل صورها وأشكالها؛ وتتبعها في دروبها ومنحنياتها . سواء في أعماق الضمير ، أم في شعائر العبادة ، أم في أوضاع الحياة وشرائع الحكم والنظام . في ظلال القرآن
فليحذر الداعية من تلبيس إبليس عليه وخلط الأمور في عقله فيرفع شعار التبعية العمياء والعصبية الجهلاء في الدعوة لأنه لم يتريث ولم يحكم عقله في موروثه التربوي الذي أخذه من عائلته وقبيلته
يقول تعالى : ( يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الأعراف
إن دعوة الله تقر العرف الصالح الطيب والرصيد المستساغ من العائلة مثل الجود والكرم والشهامة والجرأة والحياء والصدق والوفاء والبر وحسن الصلة والولاء والشورى وقبول الرأي الآخر ..... تقبل ذلك وتحبه وتنميه ، وتمج ولا تقبل القبيح من الأفعال والمر من الخصال والسيئ من الأقوال مثل الجبن والاختلاط والسفور والتهور والاندفاع والكذب والخيانة والتآمر والتربص والكيد والاعتداد بالرأي والبخل ...تقاوم ذلك وتبعده وتقصيه .
إن الداعية بمجرد أن تطأ أقدامه أرض وميدان وساحات الدعوة يقف في محاريبها ويتحدث من شرفاتها يصبح مولودا جديدا قد بدأ مرحلة جديدة من عمره فينبغي عليه أن يَجُب كل شيء في ذهنه وفكره يخالف قواعد دعوته وأصول فكرته ومبادئ بيعته ونصوص رسائل إمامه وإلا كيف يقسم ويبايع عليها وهو ما زال يحمل هرمونا قاتلا للدعوة محطما لأركان الأخوة فيها مشتتا لتكافلها مفرقا لتعارفها ؟؟ أعتقد أن من يحمل هرمونا قاتلا بعد بيعته يعتبر قد نقض ركنا من أركان الوفاء وأشرف واقترب من المرور على عفن وقذر الخيانة .


3- يقول تعالى منكرا على قوم إبراهيم تبعيتهم العمياء على لسان إبراهيم عليه السلام : ( وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)الأنبياء
ويقول تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) الشعراء
لقد تاه العقل وسط مغارة التقليد العفن واستبد بهم وسط ظلمات الجهل ، ظلمات من فوق ظلمات فلم يبصروا أنوار الحقيقة والهداية .
وهذا ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرد بحزم على عمر رضي الله عنه مصححا وموضحا أن التبعية تقود الفرد إلى الطريق المظلم الذي يذهب بالفرد إلى الهاوية والدمار والانحراف والجماعة إلى التفرق والتشرذم والفشل .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) رواه أحمد
الفرد المسلم بعد دخوله من الباب أصبحت يده عليا بين أهله وعائلته فهو يعطي العادات الحميدة والأخلاق الحسنة والعبادات الصحيحة يصحح المفاهيم ويوضح الغامض ويكشف عن الحسن ويفصل المجمل ، يقبح القبيح ويرهب من الاقتراب منه إنه يستمد تقاليده من دعوته وفكرته ( هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) الحج


4- إن التبعية العمياء والعصبية المحفوفة بالجهالة الجهلاء شبكة من شباك إبليس حول الإنسان يقول الله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)لقمان
يقول الإمام الطبري : بتزيينه لهم سوء أعمالهم، واتباعهم إياه على ضلالتهم. تفسير الطبري
ومن اليسير والسهل أن يلبس إبليس على بعض العاملين في الحقل الدعوي ما ورثوه من عرف سيء شربوا من معينه لعشرات السنين حتى أصبح واقعا مختلطا بدمهم فمرة يساوقوا ومرة يؤولوا ومرة يسوفوا حتى يتحول ذلك إلى عرف لا يقدر على إنكاره أو التخلص منه .


5- التبعية من عادة رؤساء الضلالة ومحبي الانحراف والفسق يعضون عليها بالنواجذ ويقاتلون من أجل الدفاع عنها ويربطون مصيرهم بها ومن قلد صنيعهم ورضي بحالهم وركن إلى قبيح أفعالهم فإنه أوشك على الوصول إلى النهاية المخيفة ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء
( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)الزخرف
(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) سبأ
يقول الشهيد سيد قطب : وهو الترف يغلظ القلوب ، ويفقدها الحساسية؛ ويفسد الفطرة ويغشيها فلا ترى دلائل الهداية ؛ فتستكبر على الهدى وتصر على الباطل ، ولا تتفتح للنور .في ظلال القرآن
الداعية بدعوته عزيز ليس في حاجة إلى موروث ينزل من عزته ويضع من قدره وإذا أراد أن يصل إلى هدفه ومراده فعليه أن يجمع بين الموروث العائلي من الأمور الحميدة والأخلاق الفاضلة وما يكتسبه من دعوته وفكرته وينطلق بهما بين الناس يقوي الموروث بالفكرة وينميه بالدعوة ويكثره بطلب المزيد من الفضائل والمثل الطيبة .
إن من لبس ملابس التبعية العمياء بعد وصوله إلى المحراب الدعوي وتقليده الأهوج لموروثه العائلي السيئ بعد فتح الأبواب والنظر من الشرفات في حاجة إلى علاج سريع قبل أن ينتشر بين بقية الأعضاء فتتعدد عدواه وتنتقل آفاته بين نباتات الدعوة وأوراقها وسيقانها وأغصانها فتمرض ثمارها ويقل نتاجها
والعلاج سهل يسير شريطة أن نحمل هما وهمة وعزما أكيدا وعزيمة صادقة على التغيير وهذه مهمة مشتركة بين من يتحكم في مصافي الدعوة ومن أصيب بهذا الهرمون الضار .


العلاج


1- دقة الاختيار والتنقيب في ماضي كل فرد قبل ضمه وعلاجه قبل تقليده وتطهيره مما علق به
وهذا يحتم على من يتحكم في مصافي الدعوة أن يجهد نفسه بعض الشيء في قراءة الماضي جيدا والعودة إلى الوراء باحثا ومتفحصا بعين البصر والبصيرة قبل الضم إلى المؤسسة الدعوية لأن بذل الجهد في هذا الوقت في البحث والتنقيب أولى من أن يتحول إلى جرثومة قاتلة في المستقبل تعدى الصغير والكبير يستفحل أمرها وينتشر شررها ويصعب السيطرة عليها
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على القبائل قبل الهجرة ومعه الصديق رضي الله عنه الذي يعرف أنساب العرب يسأل ويستوثق حتى دل على خير أهل الأرض في رحلة الإسراء فركز جهده عليهم حتى كانت بيعة العقبة الكبرى ثم الهجرة بعد ذلك إلى المدينة فعن ابن عباس قال : حدثني علي بن أبي طالب ، من فيه قال : لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب ، خرج وأنا معه ، وأبو بكر رضي الله عنه ، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب ، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه وكان مقدما في كل خير ، وكان رجلا نسابة فسلم ، وقال : ممن القوم ؟ قالوا : من ربيعة . قال : وأي ربيعة أنتم ؟ أمن هامها أي من لهازمها ؟ فقالوا : من الهامة العظمى ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : وأي هامتها العظمى أنتم ؟ قالوا : من ذهل الأكبر قال : منكم عوف الذي يقال له : لا حر بوادي عوف ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ، ومانع الجار ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء ، ومنتهى الأحياء ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم أخوال الملوك من كندة ؟ قالوا : لا . قال : فمنكم أصحاب الملوك من لخم ؟ قالوا : لا . قال أبو بكر : فلستم من ذهل الأكبر ، أنتم من ذهل الأصغر قال : فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين تبين وجهه ، فقال : إن على سائلنا أن نسله والعبو لا نعرفه أو نجهله . يا هذا ، قد سألتنا فأخبرناك ، ولم نكتمك شيئا ، فممن الرجل ؟ قال أبو بكر : أنا من قريش ، فقال الفتى : بخ بخ ، أهل الشرف والرياسة ، فمن أي القرشيين أنت ؟ قال : من ولد تيم بن مرة ، فقال الفتى : أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة . أمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر ، فكان يدعى في قريش مجمعا ؟ قال : لا ، قال : فمنكم - أظنه قال - هشام الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف ؟ قال : لا ، قال : فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء ؟ قال : لا ، قال : فمن أهل الإفاضة بالناس أنت ؟ قال : لا . قال : فمن أهل الحجابة أنت ؟ قال : لا ، قال : فمن أهل السقاية أنت ؟ قال : لا ، قال : فمن أهل النداوة أنت ؟ قال : لا ، قال : فمن أهل الرفادة أنت ؟ قال : فاجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام الناقة راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام : صادف در السيل درا يدفعه يهضبه حينا وحينا يصدعه أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال علي : فقلت : يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال : أجل أبا حسن ما من طامة إلا وفوقها طامة ، والبلاء موكل بالمنطق قال : ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار ، فتقدم أبو بكر فسلم ، فقال : ممن القوم ؟ قالوا : من شيبان بن ثعلبة ، فالتفت أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر الناس ، وفيهم مفروق بن عمرو ، وهانئ بن قبيصة ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك ، وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا ، وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلسا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : كيف العدد فيكم ؟ فقال مفروق : إنا لنزيد على ألف ، ولن تغلب ألف من قلة . فقال أبو بكر : وكيف المنعمة فيكم ؟ فقال المفروق : علينا الجهد ولكل قوم جهد . فقال أبو بكر رضي الله عنه : كيف الحرب بينكم وبين عدوكم ؟ فقال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى ، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب ، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد ، والسلاح على اللقاح ، والنصر من عند الله ، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى ، لعلك أخا قريش . فقال أبو بكر رضي الله عنه : قد بلغكم أنه رسول الله ألا هو ذا ، فقال مفروق : بلغنا أنه يذكر ذاك ، فإلى ما تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر رضي الله عنه يظله بثوبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإلى أن تؤووني وتنصروني ، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله ، وكذبت رسله ، واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغني الحميد ) ، فقال مفروق بن عمرو : وإلام تدعونا يا أخا قريش ، فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا ، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) إلى قوله : ( فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) فقال مفروق : وإلام تدعونا يا أخا قريش زاد فيه غيره فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ، ثم رجعنا إلى روايتنا قال : فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) فقال مفروق بن عمرو : دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك . وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة ، فقال : وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا ، فقال هانئ : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش إني أرى ان تركنا ديننا واتباعنا على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر أنه زلل في الرأي ، وقلة نظر في العاقبة ، وإنما تكون الزلة مع العجلة ، ومن ورائنا قوم نكره أن يعقد عليهم عقد ، ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر . وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة ، فقال : وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا ، فقال المثنى بن حارثة : سمعت مقالتك يا أخا قريش ، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك ، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة ، والسمامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما هذان الصريان ؟ ) فقال : أنهار كسرى ومياه العرب ، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول ، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول ، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك ، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق ، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه ، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه ؟ ) فقال النعمان بن شريك : اللهم فلك ذلك قال : فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ) ، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يدي أبي بكر وهو يقول : يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض ، وبها يتحاجزون فيما بينهم . قال : فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج ، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم ) دلائل النبوة للبيهقي
لقد ذكرت الحديث كاملا رغم طوله مع علمي أن البعض سيقول أما كان بالإمكان ذكر دليل مختصر بدلا من هذا ؟ لنعلم كم المعاناة التي أحاطت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبحث عن دار الانطلاق بهذا الدين وينقب عن معادن الرجال الذين يصلحون لحمل الأمانة ورغم معاناته لم يساوم ولم يتعجل حتى دل على معالم الطريق ودور الانطلاق بالدين ومواطن الرجال .
ولو تعب من يتحكم في مصافي الدعوة اليوم ونقب عن كل فرد في دائرته بهذه الطريقة لأراح الدعوة من مشاكل كثيرة قد تحدث في المستقبل .
إن قليل الصبر ضعيف التحمل لن يصبر على قراءة هذا النص إلى آخره ومن كان هذا حاله فأعتقد أنه لن يقدر ولن يستطيع أن ينقب بين القبائل والعائلات عن ماضي بعض الأفراد في دائرته قبل الضم وسيتعجل عليهم في الحكم بالإيجاب أو السلب .
إن هذا المشهد تكرر أكثر من مرة وفي أكثر من مكان ومع أكثر من قبيلة وذلك لثقل المهمة التي تحتاج إلى رواحل من نوع خاص يحملون همها ويضحون من أجل تبعاتها ويتمسكون بها ويعضون عليها بالنواجز ولا يفرطون فيها ولا يساومون عليها .


2- تربيته تربية إيمانية
هذا الذي ظهرت على أفعاله هرمونات العائلة بعد ضمه إلى المؤسسة ولم تكتشف إلا بعد سيره ينبغي أن يعطى جرعات من الدواء الإيماني مركبة ومكثفة لانتشاله من هذا الواقع المر الذي تربى عليه ومتابعته متابعة دقيقة في ذلك وقياس مدى تقدمه وتغيره وتخلصه من هذا الهرمون القاتل ومدى استجابته للتغيير وليكن الدواء المكثف والمركب بعمل ورد متابعة في قراءته للقرآن والأذكار واستخراج الدروس والعبر من حياة الصالحين والمصلحين من الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين ، رحلات التفكر المستمرة ومتابعته في قيام الليل وصلاة الفجر وأوراد القراءة والمطالعة بين صفحات الكتب وزيارة الدعاة وحضور المنتديات والندوات ومشاركته في الأعمال الدعوية والخيرية ... حتى ولو كان مخضرم الدعوة الأول في حيه أو قريته أو مدينته ...
هذه الخنساء رضي الله عنها التي بكت صخرا أخيها بكاء أبكى الجبال الصم من شدته وقوته وتناقله الركبان ، فبعد أن سكن الإسلام في قلبها واستقر في جوارحها وثابت إلى بارئها تغير حالها ونطقت بكلمة الإيمان الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في " الاستيعاب " : أن الخنساء حضرت حرب القادسية ومعها بنوها: أربعة رجال: فقالت لهم: يا بني أنتم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين؛ ووالله الذي لا إله إلا غيره إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم. وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب العظيم في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية؛ يقول الله عز وجل: ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) .
فإذا أصبحتم غداً فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين. فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فتقدموا واحداً بعد واحد، ينشدون الأراجيز؛ فقاتلوا حتى استشهدوا جميعاً. فلما بلغها الخبر قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. فكان عمر رضي الله عنه يعطيها أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد منهم مائة درهم، حتى قبض وماتت الخنساء.
وكانت الخنساء تقول الأبيات اليسيرة، فلما أصيبت بأخيها صخر جدت وأجادت، وجمعت نفسها وشهرت. فمما يستحسن من شعرها قولها في قصيدة أولها: البسيط
يا عين جودي بدمعٍ منك تغزار ... وأبكي لصخرٍ بدمعٍ منك مدرار
وقولها
إنّي أرقت فبتّ اللّيل ساهرةً ... كأنّما كحلت عيني بعوّار
لقد سكنت إلى ربها فتخلت عن عرفها وعاداتها وطبعها الذي ألفته منذ سنين ولو أعطي من يحمل الهرمون العائلي الضار جرعات مركبة مكثفة من الدواء الشافي لتغير حاله إلى أحسن الأحوال
إن من يتمسكون بأمراض العائلات والقبائل أصيبوا بضعف في إيمانهم وخلل في فهمهم وقصور في تصورهم ولو أبصروا بأم عقولهم وذاقوا حلاوة الإيمان واستلذوا بها في قلوبهم لتركوا هذا الهراء ولثبتوا على طريق الإيمان


3- قراءة واقع الأسرة التي تربى ونشأ فيها والنظر إلى آفاتها بعين العقل
وهذا أمر يريح الباحث ويطمئن قلبه لأن دائرة العائلة أو القبيلة واسعة ودائرة الأسرة التي يقيم فيها خاصة وضيقة الأولى أعم وأشمل وأكبر والأسرة أخص وأضيق فالبحث فيها بعد القبيلة أيسر على أصحاب المصافي الدعوية ولأنه عندما يقرأ صفحات حياة والد هذا الأخ وأخوته وأقاربه من حوله يستريح يرصد ذلك ويجعله في مخزون ذاكرته يجهز العلاج والدواء ويربى قبل الظهور بالتحصين إن كان ذكيا واعيا بصيرا بالمستقبل
إنه من المعروف والمسلم به في الزراعة ما يسمى بتحصين النباتات ضد العدوى قبل ظهورها وفي الطب ما يسمى بالتحصين المبكر باللقاح قبل ظهور المرض على أعضاء الإنسان أو الطير أو الحيوان ..
وأولى بمن رصد هرمونا في أسرة من الأسر أن يرعى هذا الأخ بالتحصين حتى لا يظهر على جوارحه في المستقبل قصور أو شلل في فكره الدعوي بتبعيته لهرمونات العائلة


4- التعاهد والرعاية المستمرة
الأرض إن لم يتعاهدها الفلاح بالزراعة والتنظيف والري والرش تحجرت وفسد نبتها وازداد فسادها وقل صلاحها وانعدم نتاجها وضاعت خيراتها
وهذا المسكين الذي ظهرت عليه هذه الموروثات العائلية بعد ضمه إن لم يرعى جيدا فسيزداد فساده ويكثر شره ويقل خيره ولا يرجى نفعه .
عن زيد بن أسلم، قال: مرّ شأسُ بن قيس وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، عظيمَ الكفر، شديد الضِّغن على المسلمين، شديدَ الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه. فغاظه ما رأى من جَماعتهم وألفتهم وصَلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع مَلأ بني قَيْلة بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملأهم بها، من قرار! فأمر فَتى شابًّا من يهودَ وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذَكّرهم يَوْم بعاث وما كان قبله، وأنشدْهم بعض ما كانوا تقاوَلوا فيه من الأشعار وكان يوم بُعَاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفرُ فيه للأوس على الخزرج ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجُلان من الحيَّين على الرُّكَب: أوسُ بن قَيْظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس وجبّار بن صخر، أحد بني سَلمة من الخزرج. فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رَدَدْناها الآن جَذَعَةً! وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ!! موعدُكم الظاهرة والظاهرةُ: الحَرَّة فخرجوا إليها. وتحاوز الناس. فانضمت الأوس بعضها إلى بعض،والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغَ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال:"يا معشرَ المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُرِكم بعد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمرَ الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكَوْا، وعانقَ الرجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رَسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيدَ عدوِّ الله شَأس بن قيس وما صنع. فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع:"قل يا أهل الكتاب لم تكفرُون بآيات الله والله شهيدٌ على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا) الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قَيْظيّ وجبّار بن صخر ومَنْ كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية: ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين) إلى قوله: ( أولئك لهم عذابٌ عظيم) تفسير الطبري
لقد نضح الإناء بما فيه لأن الإيمان لم يملأ الأركان والزوايا بعد ، فبعد أن ذكرهم الملعون بماضيهم حدثت معارك طاحنة بين الماضي السيئ وبين الإيمان انتصر في البداية الماضي السيئ ولما ذكروا بما هم فيه وبادرت القيادة الواعية وعالجت الموقف ومسحت آثار الماضي حتى لا يتسع الخرق وينتشر في كل الثوب وأكد ذلك وحي السماء عادوا إلى رشدهم
ولو فطنت كل قيادة إلى علاج الوحي لمسحت آثار العصبية في وقت قصير
إن من يحمل هرمونا قبليا ضارا في حاجة إلى رعاية مستمرة وتعاهد متواصل فإذا ما نضح إناؤه تم تذكيره حتى يبرأ من أمراضه وعاهاته


5- تذكيره وتربيته على التجرد والإخلاص
إناء التجرد والإخلاص ميدانه كبير مملوء بالفيوضات الربانية دواؤه مفيد يشفي كل مريض وإن من ظهر على جوارحه وأعماله هرمونات العائلة ونقع فيه فترة من الزمن فإنه يشفى بأمر الله ولكن شريطة أن يجد اليد الحريصة الأمينة المخلصة القادرة على نقعه في الإناء جيدا


6- تذكيره بخطورة هذا الفعل على عمله الدعوي
وهذا باب من أبواب المصارحة والمكاشفة معه أن نصارحه بما فيه بعيدا عن التجريح والتشهير الممقوت ونذكره بخطورة هذا الأمر على مستقبله إن لم يتخلى عنه
عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الشَّامِيِّ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا فُسَيْلَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ ؟ قَالَ : ( لَا وَلَكِنْ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ ) رواه ابن ماجه
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَخَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي بِسَيْفِهِ يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لَا يُحَاشِي مُؤْمِنًا لِإِيمَانِهِ وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ أَوْ يَدْعُو إِلَى الْعَصَبِيَّةِ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ) رواه أحمد
قال الشافعي رحمه الله من اظهر العصبية بالكلام وتألف عليها ودعا إليها فهو مردود الشهادة لأنه أتى محرما لا اختلاف فيه بين علماء المسلمين علمته واحتج بقول الله تعالى (إنما المؤمنون اخوة) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وكونوا عباد الله إخوانا ) شعب الإيمان
من كان فيه بقية خير بعد سماع التذكير فإنه يرق ويخشع ويعود فلنكثر من التذكير وسماعه وإسماعه حتى ترق القلوب وتخشع الجوارح فتحب الحسن والجمال وتبغض وتنكر سيء الفعال
إن الحنين إلى الماضي الطيب تحن إليه النفوس الطيبة والحنين إلى الماضي السيئ تشتاق إليه النفوس السيئة وتذكر الماضي الجميل وتقليده والوفاء به فطرة سليمة وتذكر الماضي السيئ وتقليده فطرة منتكسة
روى أبو داود عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَكَانَ رَجُلًا شَدِيدًا وَكَانَ يَحْمِلُ الْأُسَارَى مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَدَعَوْتُ رَجُلًا لِأَحْمِلَهُ وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ خَرَجَتْ فَرَأَتْ سَوَادِي فِي ظِلِّ الْحَائِطِ فَقَالَتْ مَنْ هَذَا مَرْثَدٌ مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا مَرْثَدُ انْطَلِقْ اللَّيْلَةَ فَبِتْ عِنْدَنَا فِي الرَّحْلِ قُلْتُ يَا عَنَاقُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ الزِّنَا قَالَتْ يَا أَهْلَ الْخِيَامِ هَذَا الدُّلْدُلُ هَذَا الَّذِي يَحْمِلُ أُسَرَاءَكُمْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَسَلَكْتُ الْخَنْدَمَةَ فَطَلَبَنِي ثَمَانِيَةٌ فَجَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى رَأْسِي فَبَالُوا فَطَارَ بَوْلُهُمْ عَلَيَّ وَأَعْمَاهُمْ اللَّهُ عَنِّي فَجِئْتُ إِلَى صَاحِبِي فَحَمَلْتُهُ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ بِهِ إِلَى الْأَرَاكِ فَكَكْتُ عَنْهُ كَبْلَهُ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقَ فَسَكَتَ عَنِّي فَنَزَلَتْ ( الزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ وَقَالَ : ( لَا تَنْكِحْهَا) رواه أبو داود والنسائي وقال الحاكم صحيح الإسناد
لقد أخبر الرجل أن هذا الأمر الذي كنت عليه في الجاهلية لا ينبغي أن تعود إليه في الإسلام وإن موروثك ينبغي عليك أن تغيره لخطورته على الإسلام وعلى مستقبلك الدعوي ولأنها امرأة بغي لا تصلح لأن تكون رفيقة لداعية


7- عدم الاستعجال عليه
لأن البعض ربما انبهر بسمعته ومكانته وطوله وعرضه وثقافته فيتعجل عليه بعد أن أصيب بغفلة عن هرمون عائلته فيضر الدعوة به ولا يصلحها


8- التدرج به
الطبيب يتدرج مع المريض وينتقل به من مرحلة إلى مرحلة حتى يتماثل للشفاء وعلى المربي أن يربت على كتفه بالرعاية وأن ينتقل به من مرحلة إلى مرحلة يفعل ذلك وعينه تقرأ حكمة الله في صلاة المسلمين بعد فرض الصلاة إلى المسجد الأقصى ستة عشر شهرا ثم تحول القبلة بعد ذلك إلى المسجد الحرام حتى يخلص العرب من التبعية العمياء بأن البيت بيت العرب والعائلة ، حتى يخلصهم من جرثومة العصبية للبيت ويوجههم إلى أن البيت هو بيت الله ، يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله : إنه يريد لها أن تخلص له؛ وأن تتخلص من كل رواسب الجاهلية ووشائجها؛ وأن تتجرد من كل سماتها القديمة ومن كل رغابها الدفينة؛ وأن تتعرى من كل رداء لبسته في الجاهلية ومن كل شعار اتخذته ، وأن ينفرد في حسها شعار الإسلام وحده لا يتلبس به شعار آخر ، وأن يتوحد المصدر الذي تتلقى منه لا يشاركه مصدر آخر .
ولما كان الاتجاه إلى البيت الحرام قد تلبست به في نفوس العرب فكرة أخرى غير فكرة العقيدة؛ وشابت عقيدة جدهم إبراهيم شوائب من الشرك ، ومن عصبية الجنس ، إذ كان البيت يعتبر في ذلك الحين بيت العرب المقدس . . والله يريده أن يكون بيت الله المقدس ، لا يضاف إليه شعار آخر غير شعاره ، ولا يتلبس بسمة أخرى غير سمته .
لما كان الاتجاه إلى البيت الحرام قد تلبست به هذه السمة الأخرى ، فقد صرف الله المسلمين عنه فترة ، ووجههم إلى بيت المقدس ، ليخلص مشاعرهم من ذلك التلبس القديم أولاً؛ ثم ليختبر طاعتهم وتسليمهم للرسول صلى الله عليه وسلم ثانياً ، ويفرز الذين يتبعونه لأنه رسول الله ، والذين يتبعونه لأنه أبقى على البيت الحرام قبلة ، فاستراحت نفوسهم إلى هذا الإبقاء تحت تأثير شعورهم بجنسهم وقومهم ومقدساتهم القديمة . ....ولقد علم الله أن الانسلاخ من الرواسب الشعورية ، والتجرد من كل سمة وكل شعار له بالنفس عُلقة . . أمر شاق ، ومحاولة عسيرة . . إلا أن يبلغ الإيمان من القلب مبلغ الاستيلاء المطلق ، وإلا أن يعين الله هذا القلب في محاولته فيصله به ويهديه إليه : (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) . .فإذا كان الهدى فلا مشقة ولا عسر في أن تخلع النفس عنها تلك الشعارات ، وأن تنفض عنها تلك الرواسب؛ وأن تتجرد لله تسمع منه وتطيع حيثما وجهها الله تتجه وحيثما قادها رسول الله تقاد .في ظلال القرآن بإيجاز


9- على هذا الأخ أن يجاهد نفسه
بعد المصارحة والمكاشفة عليه أن يتحمل جزءا من العلاج وأن يقاوم مرضه وأن لا يستسلم له وأن يستعين بالله عليه
قال علي الثقفي : لا تقم على خلق تذمه من غيرك ، ولا تفعل ما لا يحمد منك حتى تصلحه من نفسك ولو بالتخلق . شعب الإيمان للبيهقي
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ، ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ لَمْ يَسْكُنِ الدَّرَجَاتِ الْعُلا، وَلا أَقُولُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: مَنْ تَكَهَّنَ، أَوِ اسْتَقْسَمَ، أَوْ رَدَّهُ مِنْ سَفَرٍ تَطَيُّرٌ" رواه الطبراني وفي شعب الإيمان للبيهقي وقال أبو الدرداء : ( يا أهل دمشق اسمعوا قول أخ لكم ناصح ، مالي أراكم تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون ، وتؤملون ما لا تدركون ، وإن من كان قبلكم جمعوا كثيرا ، وبنوا شديدا ، وأملوا طويلا ، فأصبح جمعهم بورا ، ومساكنهم ومالهم غرورا ) إن الطبيب مهما بذل مع مريضة من مجهود وهمة أثناء علاجه والمريض مستسلم للمرض مهزوم أمامه فإنه من الصعب أن يعالجه ويداويه أو يخلصه من هذا الداء الذي أصابه ولذلك على هذا الأخ أن لا يستسلم لهذا الهرمون الضار القاتل وأن يقاوم مرة بعد مرة وستأتي اللحظة التي يتخلص من هذا المرض المهلك
بعد الهجرة إلى المدينة عانى الصحابة كثيرا في بدايات حياتهم وتأقلمهم مع البيئة الجديدة فرغم متعة الدعوة وحلاوتها إلا أن الحنين إلى الماضي ظل يراود النفوس بكل ما فيه جبال مكة وفيافيها ودورها وأوديتها ، أرضها وسماؤها ....
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ قَالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ
وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ ) رواه البخاري
وعن ابن عباس ، قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال : ( أما والله ، لأخرج منك ، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي وأكرمه على الله ، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت ، يا بني عبد مناف إن كنتم ولاة هذا الأمر من بعدي ، فلا تمنعوا طائفا ببيت الله ساعة من ليل ولا نهار ، ولولا أن تطغى قريش لأخبرتها ما لها عند الله ، اللهم إنك أذقت أولهم وبالا فأذق آخرهم نوالا ) مسند أبي يعلى الموصلي
وبالرغم من أن الحنين إلى الوطن وموطن الميلاد فطرة إلا أن الصحابة وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم ظلوا يجاهدوا أنفسهم ويسألوا ربهم أن يجعل لهم المدينة كمكة وأن يحببها إليهم
كل ذلك من أجل بناء الدولة ونشر الإسلام ولقد كان
فما الظن بالعبد الذي حمل بفيروسات كثيرة وموروثات قاتلة تتنافر مع الفطرة وتهدد كيانه وتزلزل أركانه ومستقبله الدعوي !!!.. لذلك عليه أن يقاوم وإن عانى كثيرا حتى يبني مستقبله ويسير على بصيرة


10- عدم تقليدهم أماكن دعوية خوفا عليهم وحرصا على الدعوة قبل تطهيرهم
لأن ضررهم أكثر من نفعهم ويعدون غيرهم كما يعدي الصحيحَ الأجربُ


11-الرفق به والصبر عليه
لقد ابتليت به الدعوة فلابد من الصبر عليه والرفق به لأن الزمن جزء من العلاج
روى البخار ي عن عمرو بن دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُول :
كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ قَالَ جَابِرٌ وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَوَقَدْ فَعَلُوا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ رواه البخاري
لقد نضح إناء النفاق على الرجل وبالرغم من خطورته فإن الرفق سيطر على الموقف
فما كان الرفق في شئ إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه
في بعض الأحيان من يصابون بالهرمونات الضارة في الدعوة يكبرون ويتحولون إلى رموز مؤثرة ولو أقصوا منها بسبب كثرة إصاباتهم والخوف من تعدي ضررهم فإن إقصاءه سيحدث زلزالا كبيرا وخصوصا بين المتأثرين به فيجب التلطف وتحكيم فقه الموازنات بين المنافع والمضار
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ) رواه البخاري
رجل لا يستطيع أن يفرق بين الشارع والمسجد بين أماكن الخلاء وأماكن العبادة فلابد من الصبر عليه والرفق به
وكم في المحاريب الدعوية من يبول ولا يجد من يريق على بوله سجلا من ماء
ولذلك على من يتحكمون في المصافي الدعوية أن يفطنوا لذلك ويعالجوا الأمور برفق فكلما بال أحدهم نضحوا على بوله سجلا من الرفق به والرحمة بحاله حتى يعرف الطريق إلى الخلاء ويتخلى عن عاداته السيئة
إن المسكين يفعل ذلك وهو لا يعرف أن رائحته كريهة تفوح من حوله ولو علم أن هذا الأمر يخالف العرف والمروءة ما فعله
12- تغيير الجو من حوله قدر المستطاع
لقد عاش الرجل عشرات السنين وسط هذا الجو يأكل ويشرب يحزن ويفرح يعمل ويستريح ....... ولذلك ينبغي على من أتى به أن يهيأ له جوا آخر ليخرجه من هذا الواقع وليشعره بأن هناك غيره أفضل منه وذلك بابتكار الوسائل التي تخرجه من هذا الجو مثل كثرة الزيارة والمعايشة المستمرة والملازمة وكثرة السؤال عنه ، الاتصال به كثيرا إيجاد صحبة بديلة ، مقابلته خلال الصلوات الخمس قراءة الورد القرآني جماعة ..... المهم أن يبتكر من الوسائل ما يعوضه عن الجو الموجود فيه ، وليس المهم كثرة الوسائل مع قلة نفعها ولكن المهم قوة تأثيرها ورجاء نفعها


أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفع به وأن يهدينا إلى سواء الصراط آمين ..آمين والحمد لله رب العالمين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق