بقلم الشيخ/عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد أفسدت قريش في مكة الحياة العامة والخاصة ,وظلمت وعدت على المسلمين ,انتهكت الحرمات , وقتلت ودمرت وحرضت وفعلت الأفاعيل منذ البعثة حتى قبيل الفتح ,ولما جاءت اللحظة الفارقة في تاريخ المسلمين ناداهم القرآن بالخروج إليهم لعل صدورهم تُشفى مما أصابها من أذى في العهدين المكي والمدني .
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) ﴾
لقد عاشت الدعوة مع المشركين في فجرها الأول ومهد تنظيمها وبداية انطلاقتها بين مطرقة التشهير والتشويه والترويج لشائعاتهم وأراجيفهم ,وسندان حروبهم وقتالهم وضرباتهم المتلاحقة وظلمهم المستمر.
حتى بعد تأسيسها ورسم معالم انطلاقتها ووضع خطة لبناء مستقبلها وانتشار وزيع صيتها ورفرفة أعلامها , ظلت ضرباتهم مستمرة حتى الفتح الأكبر الذي شفى الله به الصدور وأذهب به غيظ القلوب .
يقول الإمام الطبري رحمه الله في قوله تعالى: (ويشف صدور قوم مؤمنين)، يقول: ويبرئ داء صدور قوم مؤمنين بالله ورسوله، بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم، وإذلالكم وقهركم إياهم. وذلك الداء، هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموْجِدة بما كانوا ينالونهم به من الأذى والمكروه.
إن الظلم حرقة في القلب ,ومرض سرطاني ينتشر بسرعة في الجوارح فيؤثر عليها سلبا, تقرأ غالبا في قسمات وجه المظلوم حزنا ,وتسمع من فلتات لسانه ألما , مهموم كئيب قلق , علاه الكدر وابتعد عنه الصفو ...ونضح إناؤه بما فيه .
لقد أشعل النظام البائد في السنوات الماضية في صدورنا جميعا نيران ظلمه, وذلك بمعتقلاته التي أنشأها لتكميم الأفواه ,وبشرطه التي نظمها ودربها على ضرب الأجساد وانتهاك الحرمات , ووسائل إعلامه التي تقلب الحقائق وتزيف الأمور , وبزمرته المحيطة به التي نهبت وسرقت أقواتنا وفرقت بيننا وأمرضت أجسادنا . وببلطجيته الذين أفسدوا علينا الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية...
شفاء الصدر والتعويض النفسي:
بعد أن أهانوا مصر وشعبها في السنوات الماضية, قطفوا زهرتها وسرقوا غلتها, واستباحوا بيضتها, وخربوا ودنسوا تربتها وأساءوا إليها وإلى شعبها ,وأشعلوا نيران ظلمهم في صدور الجميع.
أتت اللحظة الكريمة بعد أن هبت علينا رياح الثورة المباركة, فحوكموا بعد أن حاكمونا ,وسجنوا بعد سجنونا ,وشفى الله صدور كثير من المكلومين ,وداوى جراح الأرامل واليتامى والمرضى ,وخفف من آهات الجميع. وجفف دموعهم......
وعوضهم نفسيا بمحاكمة هؤلاء وسجنهم عن السنوات الماضية التي قضوها في الذل والاهانة.
**** لقد منّ الله على المؤمنين يوم بدر وعوضهم نفسيا , وشفى صدورهم عمليا بنصر مبين على الكافرين قال تعالى (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)
إن حريقا كان مشتعلا في نفوس الصحابة الكرام وعندما جاءت اللحظة التي تشفي الصدور خرجوا على الصعب والذلول من أجل شفاء صدورهم.
لقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة ما يقرب من ثلاثة عشر سنة ذاق فيها هو وأصحابه كل ألوان القهر والاضطهاد على أيدي المشركين ، حاصروهم وصادروا أموالهم وقتلوا وعذبوا وشردوا الكثيرين منهم , ولقد تحدث القرآن الكريم في سورة الأنفال فقال تعالى: ( ذلك بأنهم شاقوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( شاقوا الله ) أي أولياءه.
فقد فرقوا بين النبي وبين أصحابه واستعملوا كل الأساليب اللئيمة والخسيسة ففرقوا جمعهم وشتتوا شملهم وسلبوا أموالهم
ومن المجاز: ( شق فلان عصا المسلمين ) : خالفهم. وانشقت العصا بينهم: تفرقوا. ورأيت برقا يشق شقاً إذا استطال ولم يأخذ يميناً وشمالاً.
( ش ق و )هو شقيّ بيّن الشَّقوة والشِّقوة والشقاوة، وأشقاه الله تعالى، وما أشقاكم، وتقول: فلان يدعي لنفسه السعود، وهو أشقى من أشقى ثمود.
نعم فهم داء دب بين المسلمين في العهد المكي لشق عصاهم وتفريق جمعهم وتشتيت شملهم وعدم تمكينهم من إقامة دولتهم.
ومن يفعل ذلك فيفرق بين الولد وأبويه والزوج وزوجته والخليل وخليله والقريب وقريبه فهو أشقى الأشقياء ويستحق الرد المزلزل في أقرب فرصة ( ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب )
يقول تعالى مصورا بعض المشاهد التي أساءوا فيها للإسلام والمسلمين ومذكرا لهم بماض سيء فعله أهل الشرك مع نبيهم صلى الله عليه وسلم : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
روى البخاري عن أبي إسحاق قال حدثني عمرو بن ميمون أن عبد الله بن مسعود حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فجاء به فنظر حتى سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه وأنا أنظر لا أغني شيئا لو كان لي منعة قال فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم على بعض ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فشق عليهم إذ دعا عليهم قال وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ثم سمى اللهم عليك بأبي جهل وعليك بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعد السابع فلم يحفظ قال فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر)
لقد دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وسرى عن نفسه بسبب مرض الظلم الذي طاله منهم حتى جاءت لحظة النصر وتحقيق الوعد شفى الله صدره وأذهب غيظ قلبه وعوض أصحابه خيرا مما أخذ منهم.
إن هذه الآيات السابقة من سورة الأنفال تذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام عليهم الرضوان بما صنعه معهم أهل الشرك من تضييق وتعذيب واستهزاء وسخرية ...لتثير فيه وفي أصحابه حماسة حب الإثخان في الأرض والأخذ بالثأر .
قال الإمام الطبري رحمه الله : : فتأويل الكلام إذًا: واذكر، يا محمد، نعمتي عندك، بمكري بمن حاول المكرَ بك من مشركي قومك، بإثباتك أو قتلك أو إخراجك من وطنك، حتى استنقذتك منهم وأهلكتهم، فامض لأمري في حرب من حاربك من المشركين، وتولى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القيم، ولا يَرْعَبَنَّك كثرة عددهم، فإن ربّك خيرُ الماكرين بمن كفر به، وعبد غيره، وخالف أمره ونهيه.
أتذكر ذلك يوم أن أرادوا قتلك والقضاء على الإسلام في صورتك واتبعوا أمر إبليس وجروا خلفه ؟ ،أتذكر يوم أن استهزءوا برسالتك وبكتاب ربك ودعوا على أنفسهم ( أو ائتنا بعذاب أليم) فقد جعلت لكم اليوم بدرا نصرا وعزا وللكافرين عذاب أليم كما تمنوا ودعوا ، فهم لا يعرفون قدرك وعظيم رسالتك وكرم صحبتك.
أتذكر يا محمد يوم أن صدوا أصحابك عن المسجد الحرام ومنعوك من الصلاة والطواف .
هؤلاء الذين ألغوا عقولهم وجعلوا صلاتهم الصفير والتصفيق عند البيت استهزاء وسخرية ، لهم معك ومع أصحابك ماض سيء ، فخذ بثأرك واشف قلبك .
يقول الإمام الطبري :وأما قوله: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون"، فإنه يعني العذابَ الذي وعدهم به بالسيف يوم بدر. يقول للمشركين الذين قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" الآية، حين أتاهم بما استعجلوه من العذاب "ذوقوا"، أي اطعموا، وليس بذوق بفم، ولكنه ذوق بالحسِّ، ووجود طعم ألمه بالقلوب. يقول لهم: فذوقوا العذابَ بما كنتم تجحدون أن الله معذبكم به على جحودكم توحيدَ ربكم، ورسالةَ نبيكم صلى الله عليه وسلم.
لأن يوم الفرقان هو يوم التمييز بين الحق والباطل ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ...)
لم ينسى النبي صلى الله عليه وسلم أموالا سلبت وأعراضا انتهكت ودماء سفكت وأرحاما قطعت وأرضا هجرت وخربت وسمعة أهدرت وأجسادا عذبت .....
لم ينسى دم سمية الطاهر الذي أهدر بيدٍ خسيسة، ولا ياسر الذي مات من شدة التعذيب ولا تعذيب بلال وغيره من الصحابة ، لأنه يؤمن بأن دماء المسلمين غالية .
لم ينسى النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مال صهيب الرومي رضي الله عنه وغيره من الصحابة الكرام .
ولم ينسى ما فعله المشركون مع خباب بن الأرت عَنْ خباب بن الأرت رضي الله عنه قَالَ :شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)
لم ينسى أيضا مآسي آل أبي سلمة رضي الله عنهم أثناء هجرتهم إلى المدينة المنورة .
هذه المأساة الكبيرة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام لأن هذه الأسرة ذاقت في ذات الله الكثير حيث فرق بين الزوج وزوجته وابنه ، وبين الزوجة وزوجها وابنها في مشهد محفوف بالغلظة والجفاء ، لقد نزع الله الرحمة من صدورهم .
هذا المشهد الغائر في التأريخ لم ينساه النبي ولم يغب عن عقله وخلده لحظة واحدة (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) لذلك ندب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم من أوذي منهم ، ليأخذوا بثأرهم ممن آذاهم فكان النفير العام لغزوة بدر يقول الله تعالى : ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) )
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :كلٌ حدثني هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالو لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول يلقي حربا واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ثم رد من الطريق أبا لبابة ابن الحارث من الروحاء واستعمله على المدينة ودفع اللواء إلى مصعب ابن عمير وكانت إبل رسول الله سبعين) .
إن نداء النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالخروج لملاقاة العير هو نداء لمن أوذوا وضربوا وعذبوا وأخرجوا وأهينوا لعل الله أن يشفي صدورهم ويذهب غيظ قلوبهم .
وهل يظن اليهود أن المسلمين سينسون في يوم من الأيام ما فعلوه بهم وبأبنائهم وبنسائهم وبأموالهم على مر التأريخ في سيناء وفي فلسطين ولبنان وغير ذلك من بلاد المسلمين ؟ ........ أيظنون أننا سننسى ما فعلوه في صبرا وشاتيلا وقانا ودير ياسين وجنوب لبنان وفي غزة أو ما فعله الأمريكان في العراق أو ما فعله الصرب بأهلنا في البوسنة ..... أيظن المحتل القاتل للمسلمين في كل مكان في الشيشان وفي كوسوفا وفي أفغانستان وكشمير.....أننا سننسى ما فعله بأهلنا وأرضنا ؟ لا وألف لا . أيظن المضيقون على حريات الأقليات المسلمة في بلاد أوربا وغيرها أننا سننسى لهم هذا التضييق ؟ ننسى بعد بدر الفتح وبدر الخلافة ودخول الناس في الإسلام .
وهل يظن كل عربيد تآمر على بني جنسه وعلى شعبه وخانه وظلمه وقتله... أننا سننسى له ذلك ؟ نعم ننسى بعد القصاص لدماء شهدائنا وجرحانا , ننسى إذا أعلنوا التوبة فإن عفا عنهم الناس كل الناس فبها , وإلا فالقصاص القصاص حتى تُشفى صدورنا ونُعوض نفسيا عما فقد منا .
لقد شفى الله صدور المسلمين في بدر بنصر مبين على الكافرين وأتم عليهم نعمة الشفاء بأن أراهم آياته فنزلت عليهم الملائكة مؤيدة ومعينة وناصرة ,وأنزل عليهم المطر وثبت الأرض من تحت أقدامهم وغشاهم النعاس أمنة منه ,وتحول الحطب في يد عكاشة إلى سيف ,وأصيبت أعين الأعداء بحفنة تراب , واتخذ منهم شهداء وعادوا إلى المدينة فرحين مستبشرين.
ونحن اليوم بعد أن رأينا من سجن شعبه وضربه وعذبه وجلده وأهانه قد سجن وحوكم , شفيت قلوبنا وارتسمت البسمة على وجوهنا وحل الصفو مكان الكدر الذي غلبنا سنين عديدة وأزمنة مديدة .
نسأل الله أن يديم علينا نعمة الشفاء والعافية وأن يذهب غيظ قلوبنا دائما وأن يمكن لدينه في الأرض.
**** وفي أحد عوض الله الصحابة نفسيا وشفى صدورهم يقينيا وهون عليهم مر الهزيمة فأخبرهم بأنه جعل أرواح شهدائهم في حواصل طير خضر تسبح في الجنة تأكل من خيراتها وتشرب من أنهارها وواساهم وشفى صدورهم بقوله :( ويتخذ منكم شهداء) وقوله: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن كثير من الصحابة أخبارا تشرح الصدر وتثلج القلب وتهون المصاب أمثال عمرو بن الجموح وعبد الله والد جابر وحنظلة عسيل الملائكة.....لقد خفف الله عنهم بهذا التعويض وعندما عاتبهم كان عتابه عتابا رقيقا حتى لايرفع درجة الهم في قلوبهم . أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)
ونحن اليوم نعوض نفسيا بعد هذه الثورة المباركة بحل جهاز أمن الدولة وبحل الحزب الوطني وعودة مقراته وميزانيته إلى الشعب واسترداد المال المنهوب والمسروق ورؤية هؤلاء في هذه الصورة التي سخروا منا عندما وضعونا فيها ونحن اليوم نقول لهم بعيدا عن الشماتة ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)
الظلم سقم:
المظلوم سقيم بسبب ماحل ببدنه وما نزل بقلبه من آلام , يتمنى زوال هذا الواقع حتى ترتسم البسمة على جبينه بعد أن غابت طويلاً .
لقد تساوق حصار الشعب مع هزيمة الرومان على يد الفرس فكانت هما فوق الهم وحزنا فوق الحزن وغما فوق الغم ومازادهم مرضا فوق مرضهم هو حديث المشركين أن الرومان هُزموا وهم أهل كتاب وأنتم أهل كتاب ونحن عباد أوثان وسننتصر عليكم كما انتصر الفرس على الرومان .
عن عكرِمة رضي الله عنه ، أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، قالوا: وأدنى الأرض يومئذ أَذْرعات، بها التقَوا، فهُزِمت الروم، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة، فشقَّ ذلك عليهم، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميُّون من المجوس على أهل الكتاب من الروم، ففرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنكم أهل الكتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أمِّيُّون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم، فأنزل الله( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ...) الآيات، فخرج أبو بكر الصدّيق إلى الكفَّار، فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟ فلا تفرحوا، ولا يقرّنّ الله أعينكم، فوالله ليظهرنّ الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، فقام إليه أُبيّ بن خلف، فقال: كذبت يا أبا فضيل، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أنت أكذب يا عدوّ الله، فقال: أناحبك عشر قلائص مني، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمتُ، وإن ظهرت فارس على الروم غرمتَ إلى ثلاث سنين، ثم جاء أبو بكر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "مَا هَكذَا ذَكَرْتُ، إنَّما البِضْعُ ما بينَ الثَّلاثِ إلى التِّسْعِ، فَزَايِدْهُ فِي الخَطَرِ، ومادّه فِي الأجَلِ". فخرج أبو بكر فلقي أُبَيًّا، فقال: لعلك ندمت، فقال: لا فقال: أزايدك في الخطر، وأمادّك في الأجل، فاجعلها مئة قلوص لمئة قلوص إلى تسع سنين، قال: قد فعلت.
وروي أنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما نزلت هذه الآية يصيح في نواحي مكة: " الم.غلبت الروم.في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون.في بضع سنين ". وهذا من شدة فرحه وذهاب مرض صدره .
بل زاد الله المؤمنين فرحا فوق فرحهم وسعادة فوق سعادتهم وشفاءا لصدورهم فوق شفائهم عندما تساوق نصر بدر مع نصر الرومان فأزال مرضا نفسيا ومعنويا مع إزالة المرض الحقيقي وهو ظلم الكافرين للمسلمين طوال العهد المكي .
شفاء الآخرة خير:
يوم القيامة لن يدخل الجنة إلا سليم الصدر , أما المريض فلا مكان له في الجنة ,ومريض الصدر بالظلم يشفى قبل دخوله الجنة قال تعالى : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل )
نحن في الدنيا نتطلع إلى شفاء صدورنا بقهر الظالمين والعلو والغلبة عليهم ولكن الناظر بعين العقل والبصيرة عندما يعد أيام الدنيا بجوار أيام الآخرة يتمنى شفاء الآخرة ودواءه على شفاء الدنيا ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) ﴾
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) ﴾
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) ﴾
﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) ﴾
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) ﴾
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) ﴾
هذا هو عداد أيام الدنيا بجوار عداد أيام الآخرة لا وجود له بعد أن عُطل وتوقف مع تغير الزمان والمكان . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لما أدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، وقال : " يا أهل الجنة ، كم لبثتم في الأرض عدد سنين " ؟ ، ( قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم ) ، قال : لنعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم ، رحمتي ورضواني وجنتي ، امكثوا فيها خالدين ، ثم يقول : " يا أهل النار كم لبثتم في الأرض عدد سنين ؟ قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم ، فيقول : بئس ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم ، ناري وسخطي ، امكثوا فيها خالدين مخلدين "
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صنف من الناس هم أول من يدخلون الجنة لهم صفات خرجوا بها من الدنيا ولم يعلم بها إلا الله وشعارهم معها حاجتي في صدري يعرفها ربي أخفياء أتقياء أنقياء أبرياء , نظروا إلى أيام الدنيا وأيام الآخرة ووازنوا بينهما فرأوا أن الآخرة أبقى وخير من الأولى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِي رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ تُسَدُّ بِهِمْ الثُّغُورُ وَيُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِهُ وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لَا يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ ائْتُوهُمْ فَحَيُّوهُمْ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ نَحْنُ سُكَّانُ سَمَائِكَ وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ أَفَتَأْمُرُنَا أَنْ نَأْتِيَ هَؤُلَاءِ فَنُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ قَالَ إِنَّهُمْ كَانُوا عِبَادًا يَعْبُدُونِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَتُسَدُّ بِهِمْ الثُّغُورُ وَيُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِهُ وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ فِي صَدْرِهِ لَا يَسْتَطِيعُ لَهَا قَضَاءً قَالَ فَتَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ{ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
تصنع لهم تشريفه أفضل من تشريفة الملوك تشفي صدورهم وتعوضهم خيرا مما أخذ منهم.
إن البعض يموت وهو مريض بداء الظلم الذي وقع عليه من قبل الآخرين ولم يشفي صدره منهم في الدنيا ,هذا المظلوم يوم القيامة يَشفي الله صدره من عدوه فيأخذ له حقه كاملاً ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) ﴾ إلى الديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال له عمر : ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ؟ قال : " رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة ، فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي ، فقال الله تبارك وتعالى للطالب : فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء ؟ قال : يا رب فليحمل من أوزاري" قال : وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، ثم قال : " إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم ، فقال الله تعالى للطالب : " ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه ، فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا ؟ قال : هذا لمن أعطى الثمن ، قال : يا رب ومن يملك ذلك ؟ قال : أنت تملكه ، قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك ، قال : يا رب فإني قد عفوت عنه ، قال الله عز وجل : فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين "
فكل ظالمك إلى الديان وكن كخيري ابني آدم الذي قال لأخيه الظالم ﴿ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ﴾
لقد بوب الإمام البخاري بابا أسماه بَاب الِانْتِصَارِ مِنْ الظَّالِمِ لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ:
{ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا }
{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا.
ثم أعقبه ببَاب عَفْوِ الْمَظْلُومِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى{ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا } { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } { وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ }
وكأن الإمام البخاري يريد أن يهمس في آذن كل مظلوم إن لم تنتصر على خصمك في الدنيا فنصر الآخرة أبقى وأنفع ,
وإن لم يشفى صدرك في الدنيا فشفاء الآخرة أولى لك من الأولى , فقه ذلك الفضيل بن عياض فقال لصديق له ينصحه: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل: يا أخي اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لايحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل، قل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلا بمثل وإلا فارجع إلى باب العفو فإن باب العفو أوسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام الليل على فراشه، وصاحب الانتصار يقلب الأمور.
عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :" ينادي مناد : من كان أجره على الله فليدخل الجنة ، مرتين ، فيقوم من عفا عن أخيه ، قال الله تعالى : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله"
نسأل الله أن يشفي صدورنا في الدنيا بهزيمة الظالمين والمنافقين والكافرين , وأن يتمم شفاءنا صدورنا في الآخرة بدخول الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا , والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق