مقدمة بحث صفات رجل المرحلة بين الواقع والمصلحة

 بقلم الشيخ عاطف أبو زيتحار

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين , سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سلك طريقهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين.
هبت رياح الثورات على بلادنا العربية لتطيح بالأنظمة الفاسدة المستبدة , التي أكلت طوال السنوات الماضية غلتنا , وسرقت أموالنا , وصادرت حرياتنا , وأفقرت جيوبنا , وأقفرت بيوتنا , وجوعت بطوننا , وأعطشت أجوافنا , وأمرضت أجسادنا .. عادت أهلها ووالت عدوها , شوهت سمعتنا , وأهدرت كرامتنا ... ظلمت وعدت وأفسدت .. وهي تظن أنها بعيدة عن عين الله وسمعه وبصره ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) ﴾

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) ﴾
﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) ﴾
وبعد أن بشّعوا الظلم والفساد منّ الله علينا وعلى أمتنا بهذه الثورات التي أيقن واعتقد الجميع أنها من ترتيب الله لنا .
لقد ظلت الثورة طوال أيامها الأولى تدفن في بطنها ذات كل الناس , وتمحوا كل الفوارق , وتطمس كل اللوحات , وتحطم كل الأهداف إلا هدفاً واحداً , وهو نيل حرياتنا واسترداد كرامتنا , وتنكس كل الرايات إلا راية واحدة – علم بلادنا- ظلت تقتل (أنا) وتحاصرها حتى سقط النظام وتحطمت أسطورته.
وبعد سقوط النظام ارتفعت الخيمة التى احتموا تحتها من الغبار وتوحدوا ضد فتنة النظام , فكشفت بعد ارتفاعها عن معادن كثيرة , وشرائح متعددة كانوا يسكنون تحتها كأسرة واحدة , ولكنهم اكتشفوا أن مشاربهم مختلفة وأفكارهم متغايرة .
بعد أن ارتفعت الخيمة , هبت عليهم رياح جديدة محملة بالأتربة والرماد الحار , كثرت الرايات , وارتفعت الأصوات , وكثرت أنا , واختلطت الأمور , فبدلاً من أن يصنع الجميع لوحة شكر لمن منحهم هذه النعمة ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) ﴾ ارتفعت أصواتهم وكثُر تنازعهم واختلافهم , وبدأ كل فريق ينسب العمل إلى نفسه وهذه هي بدايات المقت وسلب النعمة .
﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) ﴾
وفي هذا البحث نحاول أن نصنع إطاراً يجمعنا يزين الصورة ويبعدها ويرفعها بعيداً عن أيدي العابثين والسوقة والهمل والرعاع , إطار له أربع جهات , واحدة رسمها يوسف عليه السلام , والأخرى رسمها موسى عليه السلام , والثالثة رسمها سليمان عليه السلام , والرابعة رسمها جبريل عليه السلام , نجمع زويا هذه الأُطر بعضها إلى بعض لتشكل لنا في النهاية صورة جميلة ولوحة قيمة بداخلها قواعد وأوصاف رجل المرحلة وراحلتها ورائدها إن شاء الله تعالى.
نسأل الله أن يؤمنا في أوطاننا وأن يديم علينا نعمة الحرية وأن يوحد صفنا وأن يتقبل منا صالح أعمالنا .. اللهم آمين
في الثالث عشر من رجب 1432

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق