كيف تصنع متساقطاً في محراب دعوة؟

بقلم الشيخ// عاطف أبو زيتحار

*من المعلوم أن كلمة مصنع عندما تطلق ,ينصرف الذهن إلى تعدد أنواعها واختلاف إنتاجها؛ فمنها ما ينتج النافع المفيد؛ ومنها ما ينتج الضار والمدمر؛ وعلى شاكلة المصانع في الإنتاج وعلى دربها في سير العمل نلحظ مثل هذا الإنتاج في المحراب الدعوي؛ بعض الدعاة يتجرد في حياته الدعوية ويتقي الله في دعوته, فيعمل جاهداً على توريث الناس النافع والمفيد والمنقذ والباقي ويعمل على إنتاج الدعاة من بعده , يسير معهم على بصيرة بعيداً عن هوى النفس وإملاءات الشيطان وهرمونات الصحبة والعائلة الضارة؛ والبعض الآخر مع مرور الزمن ينسى أنه في حقل دعوي فيقوم بتوريث ما حمله من فكر مقلوب وهرمون ضار؛يظنها وظيفة أسندت إليه , فيحابي ويجامل ويتحامل ويورث ضغائنه وموروثاته
ومألوفاته التي ألفها وورثها من قبيلته أو عائلته أو صحبته , وهذه طامة لم يفطن لخطورتها ولا لمعوقاتها وعقباتها في الدنيا والآخرة, ولو فطن المسكين لتجرد من كل هذه الآفات وورث النافع والخير والمفيد.
*الفكر السف في محراب الدعوة:
البعض ينظر إلى نفسه بعد تقليده أمراً دعوياً على أنه قد وصل إلى مرتبة اليقين؛ فينظر إلى إخوانه من برج عال ويحدثهم من قصر منيف؛ ومع مرور الزمن ينسى حجم فكره وقلة بضاعته ويعيش هاجساً بسبب وجوده في الصف الأول يظن معه أنه قد وصل إلى قمة درجات السلم ,والحقيقة أنه مازال يسير ببطء عند أولى الدرجات؛ ولو عاش المسكين في حدود إمكانياته الفكرية وبضاعته الدعوية لأراح واستراح؛ ولكن للأسف تزحلق المسكين وركب جليد المكان فضاعت المكانة؛حكى لي بعض الأخوة موقفاً أطرف من الخيال قال :كان محاضراً يحاضر عن الطاعة وطلب أثناء المحاضرة أن يحاوره مستمعوه فحاوروه ,وكان من بينهم من ناقشه في موضوع كنت كتبته منذ فترة وهو سؤال الرواحل ,ورسم طريق السمع والطاعة قبل الولوج والسير في طريق الدعوة والوصول إلى شرفاتها ,فأعجب المحاضر من كلامه ونقاشه ,ولكن الأمر العجيب أن القيادي البارز زمجر وغضب وانفعل وهاج وماج ,وما كان منه بعد الانتهاء إلا أن وبخ الأخ بطريقة غير لائقة عن طريق الوشاية , وعندما نقل الكلام بدّل الأحرف وغير المضمون..,وعندما سمعت بالأمر من الطرفين قلت: إنها لمن المضحكات المبكيات. هؤلاء الكرام لابد من نصحهم وتوجيههم وإعطائهم دورات في فن القيادة وكيفية استيعاب الجميع ,وذلك من باب الحرص على الدعوة وعلى قواعدها وأركانها وأسسها .
ولقد رأيت عجبا بعد انتقالي من بلدتي الأصلية التي تربيت فيها بين أهلها الطيبين وفطرتهم السليمة وإخواني المتواضعين بفكرهم الراقي وإيمانهم الراسخ وتجردهم وإخلاصهم لله رب العالمين ,رأيت بعد انتقالي إلى مكان آخر رجلاً في الحقل الدعوي انبهر من بجواره بعينيه الخضراوتين؛ ومعسول حديثه؛ وجمال وجهه؛ وكبر حجم بطنه؛ وطوله الفاره؛ وشعره الجميل؛ فاختاره بناء على عواطفه وبعيداً عن تقديره للمصلحة؛ اختاره وهو ينظر إلى وجه واحد من المرآة؛وشتان بين من يختار وهو ينظر إلى المرآة المصقولة ومن يختار وهو ينظر إلى المرآة المكسورة؛ وترقى صاحبنا حتى وصل إلى مكانة مرموقة؛ ولم يشرب من مياه كدرها في يوم من الأيام ,والعجيب في الأمر ليس هذا ,ولكن من هم على شاكلته كثر ,ومن يحملون فكره المقلوب متعددون ,شكلوا جبهة وصنعوا شلة وحزبوا بعض إخوانهم ضد بعض ,فكان أحدهم يمشي بين الإخوان ويتحدث إليهم يبث إليهم فكره ومن لا يوافقه رأيه ينقلب عليه ,يضعف من رأيه ويسفه من عقله.
الدوافع
لربما كان الدافع في بعض الأحيان هو المشاعر الفياضة ,والأحاسيس العالية ,والحرص الزائد على الدعوة, والخوف الكبير عليها من أن تنحرف عن مسارها المرسوم لها ,فغلفت المشاعر والأحاسيس والعواطف الدعوية ريث العقل والحكمة ,فحكم على إخوانه بعيداً عن الوعي والفطنة والخبرة والذكاء النافذ والبصيرة المتجردة,ولربما كان الدافع أموراً أخرى هرموناً عائلياً ورثه ,أو رصيداً تربوياً تعلمه , أو مرضاً نفسياً علق بقلبه وعقله ,ولربما حمل هذا الحريص بطئاً في الفهم وقلة في الإدراك وعدم خبرة بمتغيرات الزمان وسرعته ؛فالبعض لا يستطيع مجارات إخوانه في سرعة فهمهم وقوة إدراكهم وسعة طاقتهم فيصفهم بالمستعجلين والمتهورين وأنهم غير متريثين.
أطلق المسكين هذا الحكم الذي يهدم أكثر مما يبني ,لا لشيء إلا لأنه لا يقدر على مجاراتهم واللحاق بهم وهذه طامة عندما ننظر بالعين الأخرى إلى الجهة الخامسة والزاوية الأخيرة من زوايا المكعب فلربما صنعت متساقطاً على طريق الدعوة دون أن نشعر أو أن ندري .
للحديث بقية .....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق