الممسوخون الجدد(1)

عاطف أبو زيتحار 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
لقد كشفت زلازل الحياة وبراكينها عن مسخ في أمتنا قريب من مسخ الأمم السابقة , وإن اختلف في الشكل , فإن الجوهر متفق , ففي المحراب الدعوي رأينا أدعياء ممسوخين , يأكلون أموال الناس بالباطل ليلا ونهارا , ويصدون عن سبيل الله , يأمرون بالمنكر , وينهون عن المعروف , يدلسون , ويفتون بغير ما أنزل الله , يؤيدون الباطل , ويقفون في وجه الحق , وهكذا في السياسة , وفي الاقتصاد , وفي الحياة الاجتماعية , رأينا عريض الوساد في الإعلام يطل برأسه , ورأينا قليل الفهم الذي يحمل فهم قرد , ولهاث ذئب , وعواء ونباح كلب , يظهر في كل مجالات الحياة , "أولئك كالأنعام بل هم أضل". 
المسخ في اللغة: 

يقول الإمام زين الدين الرازي في مختار الصحاح : المَسْخ تَحْوِيلُ صورةٍ إلى ما هو أَقْبَح منها وبابه قَطَع يُقال مَسَخه الله قِرْداً. , ويقول ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم : المَسْخ: تحويل صُورة إلى صورة، مَسخه الله يَمْسخه مَسْخا، وهو مَسْخٌ مَسيخ ، وكذلك المشوّه الخلق. والمَسيخ من الناس: الذي لا مَلاحة له. ومن الطعام: الذي لا مِلْح له. ومن الفاكهة: ما لا طَعم له، وربما خَصوا به ما بين الحلاوة والمزازة، قال الأشعر الرقبان، وهو أسدي جاهلي: مسيخ مليخٌ كلَحم الحُوار فلا أنت حُلوٌ ولا أنت مّر . وفي المصابح المنير : وَمَسَخَ الْكَاتِبُ إذَا صَحَّفَ فَأَحَالَ الْمَعْنَى فِي كِتَابَتِهِ .انتهى . 

المسخ في الأمم السابقة: 
لقد ظهر مسخ الأبدان في الأمم السابقة وعلى وجه الخصوص في بني إسرائيل , فمسخ الله أجساد من اعتدوا في السبت قردة وخنازير , يقول الله تعالى : " وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ " البقرة الآية : 65 . ويقول تعالى "وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ۝ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۝ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ۝ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ".الأعراف الآيات : 163 : 166... فلقد ابتلاهم الله بأن حرم عليهم صيد الحيتان يوم السبت , فاحتالوا على الله في صيدها , فمسخهم قردة وخنازير , يقول الأستاذ سيد قطب : لقد تنازلوا هم عن آدميتهم ، حين تنازلوا عن أخص خصائصها - وهو الإرادة التي تسيطر على الرغبة - وانتكسوا إلى عالم الحيوان حين تخلوا عن خصائص الإنسان .في ظلال القرآن . عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله :" وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" قال: هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة، يقال لها: "أيلة"، فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعًا في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها. فمضى على ذلك ما شاء الله، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم، فنهتهم طائفة وقالوا: تأخذونها وقد حرمها الله عليكم يوم سبتكم؟ فلم يزدادوا إلا غيًا وعتوًا، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم، فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة من النهاة: تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب، " لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" وكانوا أشد غضبا لله من الطائفة الأخرى؟ فقالوا:" مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" وكل قد كانوا ينهون ، فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا:" لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ" والذين قالوا:" مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ" وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردة. تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير, تحقيق : سامي بن محمد سلامة 3/494 , ط : دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة : الثانية 1420هـ - 1999 م وروى الإمام الطبري بسنده عن ابن عباس –رضي الله عنهما- ، قوله: "فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين"، فجعل الله منهم القردة والخنازير. فزعم أن شباب القوم صارُوا قردةً، وأن المشيخة صاروا خنازيرَ. يقول الله تعالى :"قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ" المائدة الآية : 60 . روى الإمام الطبري بسنده عن عُمرَ بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، قال: حدِّثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير، كان أن امرأة من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل، وكان فيها مَلِك بني إسرائيل، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة ، إلا أنّ تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة به، فجعلت تدعو إلى الله، حتى إذا اجتمع إليها ناس فتابعوها على أمرها قالت لهم : إنه لا بد لكم من أن تجاهدوا عن دين الله، وأن تنادوا قومكم بذلك، فاخرجوا فإني خارجة. فخرجت، وخرج إليها ذلك الملك في الناس، فقتل أصحابها جميعًا، وانفلتت من بينهم. قال: ودعت إلى الله حتى تجمَّع الناس إليها، حتى إذا رضيت منهم، أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت معهم، وأصيبوا جميعًا وانفلتت من بينهم. ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها، أمرتهم بالخروج، فخرجوا وخرجت، فأصيبوا جميعًا، وانفلتت من بينهم، فرجعت وقد أيست، وهي تقول: سبحان الله، لو كان لهذا الدين وليٌّ وناصرٌ، لقد أظهره بَعْدُ! قال: فباتت محزونة، وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازيرَ، قد مسخهم الله في ليلتهم تلك، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت: اليوم أعلم أن الله قد أعزَّ دينه وأمر دينه! قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يديْ تلك المرأة. جامع البيان في تأويل القرآن للإمام الطبري ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ,10/438 , ط : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 2000 م هذا هو المسخ في الأمم السابقة فقد مسخهم الله قردة مرة وخنازير أخرى , أو قردة وخنازير معا .. أو غير ذلك. والمسخ كان حقيقيا كما أخبر القرآن الكريم , فتحولت أجسامهم كاملة إلى أجسام خنازير وقردة .. 
المسخ بين الأمس واليوم: 
 أما المسخ في أمتنا فإنه يختلف عن الأمم السابقة , فالمسخ مسخ تفكير وعقول وقلوب , فأصبح البعض يجمعون بين أعضاء الإنسان وأفعال الحيوانات .. , فبدنه وجسده جسد إنسان ولكن تفكيره وعقله عقل حيوان أو شيطان , ولذلك تأتي الأفعال موافقة لحالة المسخ , فالممسوخ قردا تجد أن جسمه جسم إنسان وأفعاله أفعال قرود , والممسوخ حمارا تجد أن أفعاله أفعال حمير , والممسوخ كلبا تجد أن أفعاله أفعال كلاب , والممسوخ شاة تجد أن أفعاله أفعال شياه , وكم وراء بعض الأبدان الجميلة الرائعة من وحوش كاسرة مفترسة، ومن حشرات مؤذية أو قاتلة , ومن حيوانات ناطحة أو رافسة !! .. يقول الله تعالى :" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ". الأعراف الآية: 179. ويقول تعالى :" أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا " الفرقان الآية : 44. ويقول تعالى :" إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ".محمد الآية : 12. أخرج الحكيم الترمذي وابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وأبو يعلى وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خلق الله الجن ثلاثة أصناف : صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض ، وصنف كالريح في الهواء ، وصنف عليهم الحساب والعقاب . وخلق الله الإِنس ثلاثة أصناف : صنف كالبهائم ، قال الله { لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل } وجنس أجسادهم أجساد بني آدم ، وأرواحهم أرواح الشياطين ، وصنف في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله » .الدر المنثور في التأويل بالمأثور للإمام السيوطي 4/374. وفي رواية أخرى : وَخَلَقَ الله الإنْسَ ثَلاثَةَ أصْنَافٍ صِنْفاً كَالبَهَائِمِ وَهُمُ الكُفَّارُ ، قال : قال الله تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } إلى قوله : { أُوْلَئِكَ كالانعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ } وَصِنْفاً آخَرَ أَجْسَادُهُم كَأَجْسَادِ بَنِي آَدَم وَأَرْوَاحُهُم كَأَرْوَاحِ الشَّيَاطِينِ ، وَصِنْفاً فِي ظِلِّ الله يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلَّهُ » فمع الحركة والجري بين ميادين الحياة وساحاتها المختلفة ومجالاتها المتنوعة , تظهر هذه المعادن المختلفة , فيرى الإنسان في محراب الدعوة والعبادة شياطين في صور إنسان , ويرى الإنسان في محراب الأخلاق والسلوكيات والمعاملات حيوانات في جسوم إنسان.. ينضح على كل واحد من هؤلاء ما سكن في قلبه من طبع , عن أَبِي سَعِيدٍ الخدري –رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ , وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ , وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ , وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ , فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ , وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ فَقَلْبُ الْكَافِرِ , وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ , وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ"أخرجه أحمد في مسنده . وكل مجموعة تأتلف وتلتقي مع أختها , فيجتمع صاحب التفكير الحيواني مع أخيه , وصاحب التفكير الشيطاني مع أخيه , وصاحب القلب المصفح مع أخيه , وصاحب القلب الأغلف مع أخيه , وصاحب القلب المنكوس مع أخيه , وهكذا .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :"النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا وَالْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ". رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه - مرفوعا . وصور المسخ في أمتنا كثيرة , جاءت في كثير من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .. 0- فهذا الذي يتحدث يوم الجمعة والإمام ينصح ويعظ , ولا يلتفت إلى نصيحته , ولا يعبأ بكلامه , ويلغي أثناء الخطبة , حمار في صورة إنسان قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً ، والذي يقول له : أنصت ،لا جمعة له" أخرجه أحمد في مسنده . وكم رأينا اليوم حُمُرا أهلية نافرة شاردة لا يتحدثون فقط أثناء الخطبة, ولا يكتفون باللغو فيها , وإنما يهاجمون الأئمة والدعاة أثناء خطبهم , ومنهم من اعتدى عليهم , وذلك بسبب أن الإمام تحدث في السياسة , أو انتقد مؤيده , أو تحدث عن الظلم ..ولقد رأيت أحد هؤلاء الممسوخين وقد تقاضي مقابل أن يقاطع الخطيب في الجمعة خمسة آلاف جنيه من رجل موسر . 1- وهذا الذي يرتدي عباءة النفاق ويعيش مترددا بين معسكري الإيمان والنفاق يكذب إذا حدث , ويخون إذا أؤتمن , ويفجر إذا خاصم , ويغدر إذا عاهد , ويخلف إذا وعد , , ينتظر من تكون له الغلبة فينهب معه , مثله كمثل الشاة العائرة بين الغنمين لا تدري أيهما تتبع كما قال عليه الصلاة والسلام : " مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه ". وعن ابن عمر – رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل المنافق : مثل الشاة العائِرة بين الغنمين تُعيرُ إِلى هذه مرةً ، وإِلى هذه مرة ، ولا تدري أيُّها تَتَّبع " . ولذلك مصيره يوم القيامة من جنس فعله , أخرج أحمد والبيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الغنمين ، إن أتت هؤلاء نطحتها وإن أتت هؤلاء نطحتها "... وكم رأينا اليوم هذه الشياه وهي تجري بين الفريقين , فيوم أن كانت الجولة مع التيار الإسلامي في الشعب والشورى والدستور والرئاسة , ارتمت في أحضانهم , فلما ولت رئاستهم وانقلب عليهم , ارتمت في أحضان المنقلب , وأيدته في انقلابه وقتله وتشريده ومصادرته لأموال خصمه واعتقاله له .." الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ۝ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ". النساء الآيات : 141- 143. 2- وهذا الذي يسمع نصوص الشريعة – من المشركين والمنافقين واليهود - فلا يفهم حكمها , ومقاصدها , ومراياها مسخ الله عقله , فأصبح كالدواب بعد أن جلس يستمع بأذنيه ألفاظ الكلام وغاب عن وعيه حكمه ومقاصده ومعانيه وأسراره ودروسه وعبره.. " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ۝ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ۝ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ۝ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ". الأنفال الآيات : 20- 23 ., يقول العلامة بن الجوزي : الكلام له لفظ ومعنى , وله نسبة إلى الأذن والقلب وتعلق بهما , فسماع لفظه حظ الأذن , وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظ القلب , .. وهذا السماع لا يفيد السامع إلا قيام الحجة عليه , أو تمكنه منها . وأما مقصود السماع وثمرته والمطلوب منه : فلا يحصل مع لهو القلب وغفلته وإعراضه , بل يخرج السامع قائلا للحاضر: " مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ". محمد الآية:16.مدارج السالكين , تحقيق : عماد محمد 1/42 ط: دار الحديث القاهرة 1426-2005م.بتصرف. 3- وهذا الذي ينسلخ من آيات الله فلا يتبعها منفذا أوامرها مؤتمرا بها , منتهيا عن نواهيها , محتكما إليها محكّما لها , مسخ الله قلبه فأصبح كالكلب يلهث إن طردْته أو تركته قال تعالى :" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ۝ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ۝ سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ۝ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ". الأعراف الآيات : 175 – 178. قال مجاهد في قوله : "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث", قال: تطرده بدابتك ورجلك , "يلهث"، قال: مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه , قال ابن جريج: الكلب منقطِع الفؤاد، لا فؤاد له، إن حملت عليه يلهث، أو تتركه يلهث. قال: مثل الذي يترك الهدى لا فؤاد له، إنما فؤاده منقطع..أ.ه , وكم رأينا اليوم كلابا تعوي من فوق المنابر المتعددة : فعلى شاشات التلفاز انسلخت من آيات الله فأفتت بحل القتل , وأيدت انتهاك العرض , وارتمت في أحضان الظالمين المجرمين المعاندين .., ومن فوق منابر المساجد عَوَت بالتأييد والتطبيل للظالمين الانقلابيين .., وعلى صفحات الجرائد كتبت وقلبت أدلة الشريعة ونصوصها ... فضلت وأضلت كثيرا من خلق الله ..كم زاغت عن الحق والحقيقة وأعلنت تأييدها للباطل مستخدمة تحريفاتها وتأويلاتها وفتاواها الضالة المضلة , وما زالت تلهث حتى اليوم , وستظل في لهاثها حتى يقضي الله بيننا وبينها , أو يتوب عليها . 4- وهذا الذي يحمل كتاب الله ولا يفهم ما فيه من حكم ودروس ولا يعمل بما فيه من أحكام وتشريعات , مسخ الله عقله وفؤاده فجعله كالحمار , يقول تعالى :" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ". الجمعة الآية :5 . والجزاء يوم القيامة من جنس العمل , يَقُولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - :"يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ". أخرجه مسلم ... لقد طالبت الشريعة من يسمع صوت الحمار أن يستعيذ بالله لأنه رأى شيطانا , وحذرت من رفع الصوت أكثر مما يحتاج إليه السامع ,لأن أنكر الأصوات صوت الحمير, وهو رعونة وإيذاء " وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ". لقمان الآية :19. , والداعية أو الخطيب أو رجل الدين عندما يدعو الناس إلى الخير والمعروف ولا يأتيه , وينهى عن إتباع الهوى والمعاصي والمنكرات ويأتيها , يكون قد اتبع الشيطان وسار في ركابه , وساعتها يمسخ الله صوته وصورته , فينزع الهيبة من ناصيته ويلبسه ملابس الخيبة .. , وكم رأينا دعاة مسخوا حميرا يصعدون المنابر , وبمجرد أن سمع الناس نهيقهم خرجوا وتركوا المسجد .رأيت أحدهم وكان مفتشا بالأوقاف بمجرد أن صعد المنبر رأيت الناس يخرجون من المسجد وهم يقولون :والله لا نصلي خلفك أبدا , كيف نصلي خلف لص ؟.!! 5- وهذا الذي يعطي الناس من خير الله الذي منحه إياه , ثم يعود في عطيته , ويمنع عباد الله حقهم , ممسوخ في صورة كلب يأكل قيئه , عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَضَاعَهُ وَكَانَ قَلِيلَ الْمَالِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أُعْطِيتَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ مَثَلَ الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ". أخرجه مسلم في صحيحه . , وعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ". أخرجه أبو داود في سننه ... 6- وهذا الذي يسمع الحكمة فينتقي أسوأ الألفاظ والكلمات ليشهر بالمتحدث , ويسخر من حديثه , مسخ الله قلبه وعقله , فقل فهمه واختل واضطرب فعله , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَثَلُ الَّذِي يَجْلِسُ يَسْمَعُ الْحِكْمَةَ ثُمَّ لَا يُحَدِّثُ عَنْ صَاحِبِهِ إِلَّا بِشَرِّ مَا يَسْمَعُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى رَاعِيًا فَقَالَ يَا رَاعِي أَجْزِرْنِي شَاةً مِنْ غَنَمِكَ قَالَ اذْهَبْ فَخُذْ بِأُذُنِ خَيْرِهَا فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِأُذُنِ كَلْبِ الْغَنَمِ".أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه . وكم في وسائل الإعلام اليوم من يسخر من العلماء والصالحين والمصلحين , فينتقي من ألفاظه ما يسيء إليه , ويقلل من حديثه , ويترك نافعه ومفيده .., إن وسائل الإعلام تبحث عن كلاب ضالة عقورة في مرعى الأغنام , لتشهر بالمتحدث وتنثر على حديثه ترابا . وكم رأينا أقواما مسخت أفهامهم , في المحاريب الدعوية أثناء تبليغنا عن الله ورسوله .. نسأل الله العفو والعافية 7- هذه نماذج ذكرتها للعد لا للحصر وكم بيننا اليوم من ممسوخين فكريا , وثقافيا , وبدنيا , فهذا الذي ينتهك العرض ويغتصب الحرائر ممسوخ كالبهيمة , وهذا الذي يعتقلهن خنزير لا نخوة له ولا غيرة عنده , وهذا الذي يتلذذ بإراقة الدماء وتعذيب الأبدان حيوان شرس في صورة إنسان , وهذا الذي يروع الآمنين فجرا لا يراعي حرمة فتاة , ولا عفة أم , ولا عورة بيت , ذئب أغبر في صورة إنسان . .., وهذا الذي يؤيد السفاح في قتل أخيه , ويصفق للمجرم في اعتقال قريبه ممسوخة شجاعته ومروءته , وهذا الذي يدعو الناس إلى التعري أو التي تدعو الناس إلى التعري , وتصف العفة والحجاب بالرجعية والتخلف , بهيمة ممسوخة , سبقها من قبل المشركون عندما رأوا المسلمين يطوفون في ثيابهم عيروهم لأنهم كانوا يطوفون عرايا فأنزل الله :" قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ والإثم والبغي بغير الحق ، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون". نعم لقد كثر المسخ وتعددت الحيوانات , فلا تتعجبوا كثيرا مما ترون من الممسوخين الذين انتكست فطرتهم , ولا تجعلوا كثرتهم عائقا لنصحكم وأمركم ونهيكم , ولكن اجعلوا شعاركم معهم وأنتم تنصحونهم وتأمرونهم وتنهونهم :" مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ". فلعلهم يستفيقون من مسخهم , ويعودون إلى رشدهم .. وللحديث بقية..