ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم- بين أبناء النسب والتبني .

عاطف أحمد علي أبو زيتحار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سألني عن الاحتفاء بميلاده -صلى الله عليه وسلم-, فقلت له : إن كنت من أبناء النسب والحسب والشرف فاحتفي وافرح , وإن كنت من أبناء التبني فلا احتفاء لك ولا فرح ولا سعادة..., فتساءل متعجباً : ومن تعني بأبناء النسب والتبني ؟ فقلت له : تعلم أخي أن ابن النسب خرج من رحم أمه , عانت في حمله , وتألمت عند وضعه , وسهرت على تربيته ؛ إنه قطعة منها , نبت لحمه من لحمها , ونشز عظمه من لبنها , وهي تعلم علم اليقين أصل والده ؛ أما ابن التبني فلم تعاني في حمله , ولم تتألم فيه عند ولادته , ولربما خفي عليها أصله .., التقطته من ملجأ لتربيه , وإذا كبر أصبح أجنبياً عليها وعلى أبنائها ؛ فقال لي : وهل هناك فارق في الاحتفال به بين أبناء النسب والتبني ؟ فقلت له : بمثل هذه العلامات والصور والقرائن ذَكّرنا مولده – صلى الله عليه وسلم - بالفارق بين أبناء النسب والتبني , بين الأدعياء والأولياء ..
1- فأبناء النسب لا جدر , ولا حواجز , ولا سُقُف , ولا أسوار بينهم وبين نبيهم -صلى الله عليه وسلم- فالجدار شفاف يشف ما وراءه من سنن وتشريعات , فهم يرون النبي -صلى الله عليه وسلم - وإن لم يجلسوا معه , ويسمعوا كلامه وإن لم يحدثهم أو يحدثوه , شعارهم الدائم : سمعاً وطاعة لك يا رسول الله ؛ ولذلك حق لهم أن يحتفوا به في كل وقت ؛ أما أبناء التبني فالجُدر والأسقف سميكة , والحواجز والأسوار غليظة , لم يبصروا من النبي - صلى الله عليه وسلم - هيئة , ولم يسمعوا منه سنة , اقتصرت معرفتهم على اسمه الذي لم يتقنوا كتابة حروفه , فكيف يحتفون وهم جاهلون ؟
2- أبناء النسب لم يحرموا شرف صحبة سنته , والتربية على مائدة شريعته ؛ تصيبهم وحشة ثوبان – رضي الله عنه – إن لم يقرءوا أورادهم من السنة النبوية , لم تفارقهم يوماً عاطفة عمر – رضي الله عنه – , لم يقدموا عليه مالاً ولا ولداً ولا نفساً , فهو أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم وأنفسهم ومن الماء البارد على الظمأ ؛ ولذلك حق لهم أن يحتفوا به في كل وقت ؛ أما أبناء التبني فقدموا عليه أموالهم وأولادهم وأنفسهم , وحُرموا شرف صحبة سنته , والتربية على مائدة شريعته ؛ لقد تمردوا على ما لم يعهدوا , وكلما ذُكّروا به نفروا وأعرضوا, فكيف يحتفون به؟
3- أبناء النسب يعرفون أصل نسبهم , وشرف حسبهم , يعلمون كل شيء حسن عن ماضيهم المتمثل في قدوتهم محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- , الذي قال الله عز وجل - في حقه :" "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "(التوبة الآية : 128) ولذلك أرواحهم بسنته حية , وبصائرهم بهديه مشعة , عاش النبي -صلى الله عليه وسلم - في ضمائرهم , وسكن في قلوبهم , اكتشفوا الغائب وعثروا على الغامض من حياته , أصبحت عقولهم مولعة بمعرفة كل جديد عنه ..؛ أما أبناء التبني فهم أموات , بسبب جهلهم بنسبهم , فحياتهم ملل وحزن وكدر .
 4-أبناء النسب تصفحوا رسائله في ذكرى مولده , فازدادوا شوقاً إليه , قرءوا:"وددت أني لقيت إخواني" فسُمع خنينهم من وراء أبواب بيوتهم , وازداد بكاؤهم , وارتفعت أصواتهم : ونحن إليك بالأشواق يا رسول الله ؛ قرءوا دعاءه الشريف :" اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه, ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به " فرأوا حرصه وشفقته , وأبصروا رحمته , فازدادوا له حباً وشوقاً , ثم تصفحوا رسالته الثالثة التي قال فيها :" لكل نبي دعوة مستجابة , فتعجل كل نبي دعوته , وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" فعادوا بذاكرتهم إلى الوراء , واستحضروا حصاره في الشعب , وأكل أصحابه ما لا يستساغ , وضربه في الطائف , وقتل سمية وياسر , وتعذيب بلال وخباب , ومصادرة أموال صهيب , والتفريق بين أسرة آل أبي سلمة , وخنق عقبة بن أبي معيط له – صلى الله عليه وسلم - , ووضع سلا جذور بعير على ظهره , ونثر التراب على رأسه , تذكروا حرب أعدائه له في بدر وأحد والأحزاب , كل ذلك ولم يدع على أعدائه من أجل إدخار دعوته لأصحابه وإخوانه يوم القيامة , تذكروا نوحاً يوم أن دعا:" رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا " (نوح الآيتان : 26 , 27) , وتذكروا موسى يوم أن دعا على قومه :" رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" ( يونس الآية :88) فتمنوا أن يروه ليقبلوا الأرض تحت أقدامه , أما أبناء التبني فوضعوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا أن لا يقرءوا له رسالة , فازدادوا بعداً وجفاء وشقاوة..
5-أبناء النسب اختلطت أسماعهم بقلوبهم فلا مسافة بين السمع والقلب , وبين القلب وسائر الجوارح , بمجرد أن يسمعوا له حديثاً , أو يقرءوا له أثراً , يرددوا من أعماقهم :" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ"( النور الآيتان : 51 , 52) , وقوله تعالى :" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" (الأحزاب الآية : 36) ؛ أما أبناء التبني فالمسافة شاسعة بين قلوبهم وأسماعهم , يسمعوا أثره , ويصرخ الداعي فيهم بحديثه , فيرددوا :" مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ" (محمد الآية : 16).
 6-أبناء النسب عرفوا أصل حسبهم من العلماء الثقات , وتعرفوا على ماضيهم من المصادر الصحيحة , فكملت معرفتهم برسولهم-صلى الله عليه وسلم- , كما قال الجيلاني :( من كملت معرفته بالله وبرسوله صار دالاً عليه يصير شبكة يصطاد بها الخلق ) أما أبناء التبني فاستقوا معرفتهم من الضعفاء والجهلاء ففازوا بالسفال والخسار, وصدق فيهم قول الجيلاني : ( أنت أعمى كيف تقود غيرك إنما يقود الناس البصير , إنما يخلصهم من البحر السابح المحمود) .
 7-أبناء النسب رأوا أن حياته الشاملة الكاملة التامة كالباقة الجامعة لجميع أصناف الزهور والورود بجميع ألوانها , رأوا سيرته وهديه كالمرآة الصافية التي يرى فيها كل إنسان صورته , رأوا في حياته –صلى الله عليه وسلم -ما يغنيهم طولاً وعرضاً وعمقاً ,فآمنوا بشمولها وتمامها وكمالها , أما أبناء التبني فلم يبصروا من حياته إلا ما يتماشى مع أهوائهم , فآمنوا بأجزاء وكفروا بأخرى , وصدق فيهم قول الله تعالى في أهل الكتاب :" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "(البقرة الآية :85).
 8- أبناء النسب ولاؤهم لمن ولدهم ورباهم وصاغهم واختلط عرقه بعرقهم , ودمه بدمهم ؛ ولاؤهم لمن شبع لشبعهم , وجاع لجوهم , وتألم لآلامهم , وفرح وسعد لسعادتهم ؛ ولاؤهم للناصح الأمين لهم في حياته وبعد وفاته , عن عبد الله عن النبي –صلى الله عليه وسلم –قال:" إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام" , قال: وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم:" حياتي خير لكم تحدثون ,ونحدث لكم , ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم , فما رأيت من خير حمدت الله عليه, وما رأيت من شر إستغفرت الله لكم", وليهم " اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" (المائدة الآيتان: 55, 56) ,أما أبناء التبني , ففترت مشاعرهم , وخبت أحاسيسهم , وجمدت عواطفهم , ولاؤهم لنسبهم الحقيقي , يقول تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ" (الحشر الآيتان : 11, 12).
 9- أبناء النسب سلبوا بسبب انتمائهم أوطانهم ودورهم وأموالهم وطردوا, وابتلوا بسبب أصلهم وزلزلوا زلزالاً شديداً , ومع ذلك أحبوه لأنهم رأوا فيه سعادة باقية ؛ " قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (الأحزاب الآية : 22) ,أما أبناء التبني فشعارهم مع شدائد الحياة :" مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا " (الأحزاب الآية : 12) يفرون عندما يجد الجد وتحمر الحدق .
 10- أبناء النسب يروا مصادر سنته – صلى الله عليه وسلم – ورجالها كالصدف الذي يحمي اللؤلؤ , والجماجم التي تحمي العقل , والشوك الذي يحمي الورد , والقفص الصدري الذي يحمي القلب , فحافظوا عليهم وأنزلوهم منازلهم ووقروهم ؛ أما أبناء التبني فلم يعرفوا قيمة الصدف الذي يحمي اللؤلؤ, والقفص الذي يحمي القلب ,والجمجمة التي تحمي العقل , والشوك الذي يحمي الورد , نالوا منهم وسخروا من مكانتهم وعلمهم , فكيف يحتفون بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وهم يسخرون ممن نضر الله وجهه بتوقيعه عن رسوله –صلى الله عليه وسلم - ؟
هل تعلم أخي أننا بسبب كثرة أبناء التبني بيننا ترهلت صفوفنا , وازددنا وهناُ وخبالاً وضعفاً , وأصبحنا كغثاء السيل ؟ هل تعلم أخي أن الأعداء تداعوا علينا بسبب وجود هؤلاء بيننا ؟ إن الحل يكمن في تنقية الصفوف منهم , وتنحية من وصل منهم إلى أماكن الصدارة والقيادة بين الاتجاهات الإسلامية ؛ وحث المؤسسات الإسلامية على صناعة حضانات تربوية ليتربى هؤلاء على يدي علمائها الأفاضل. اللهم نضر وجوهنا ,واشرح صدورنا , وارزقنا العمل بسنة نبينا ..
عاطف أحمد علي أبو زيتحار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق