رأيت شجرة



بقلم الشيخ/عاطف أبو زيتحار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الشاعر معروف الرصافى فى قدرة الله تعالى:
انظر لتلك الشجرة .. ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة .. وكيف صارت شجرة
فانظر وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
انظر إلى الشمس التي جذوتها مستعرة
فيها ضياء وبها حرارة منتشرة
من ذا الذي أوجدها في الجو مثل الشررة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
انظر إلى الليل فمن أوجد فيه قمره
وزانه بأنجم كالدر المنتثرة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
انظر إلى المرء وقل من شق فيه بصره
من ذا الذي جهزه بقدرة مبتكرة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة
انطلقت إلى المسجد لأداء صلاة العصر ,وقبل دخولي إلى المسجد أخبرت بجنازة في الداخل, وجدت الناس ينتظرون الصلاة عليها , صليت ركعتين ,ثم أقام المؤذن الصلاة ,وبعد صلاة العصر مباشرة رأيت صورة شجرة معلقة على حائط المسجد ما أحلاها وما أجملها ,أوراقها خضراء وأغصانها عالية وجذعها جميل وقوي وثمارها مدلاة ,مكتوب على كل ورقة وثمرة إسم نبي من الأنبياء من لدن آدم حتى محمد ,ثم كتب تحتها شجرة الأنبياء دار بصري وشخص إليها وفكرت فيها برهة ,ثم نادى المؤذن على الجنازة وجرت العادة أن يتم التذكير بكيفية صلاة الجنازة قبل الصلاة على الميت ,ثم انطلقت الجنازة إلى المقابر وظلت صورة الشجرة مرسومة بأغصانها وأوراقها وثمارها وبعد وصولها إلى مستقرها الأخير وقفت وذكرت الناس بحديث موجز ثم دعونا وانصرف الناس إلى أماكنهم وبالليل انطلقت لأعزي أهل الميت وإذا بقاريء القرآن يتلوا الآية الكريمة في سورة مريم ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)﴾ وبعد الانتهاء يثني الشيخ الثاني ويفتتح تلاوته بآيات من سورة النور ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36)﴾
لقد رأيت الشجرة بعد أن استمعت إلى آيات القرآن الكريم مرتين: مرة وهي في أوج قوتها وعطائها ونضرتها ومرة أخرى بعد قطعها وذبولها ويبسها .
ودار عقلي بين أبيات من الشعر:
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
فاجعل لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للانسان عمر ثان
وقول محمود الوراق :
رأيت صلاح المرء يصلح أهله ويعديهم داء الفساد إذا فسد
ويشرف في الدنيا بفضل صلاحه ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد
إن الحياة مصنع يظهر انتاجه الحقيقي بعد الوفاة هذا ماقاله الإمام البنا:"إن الامة التى تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة،يهب الله لها الحياة العزيزة فى الدنيا والنعيم الخالد فى الآخرة،وما الوهن الذى اذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا انفسكم لعمل عظيم.. واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة"
نعم لو أحسنا صناعة الحياة لأحسنا ...صناعة الموت
فلِنكُن كالزُهُورْ تَستطِيع أن تَبقى صَامِدة حتَى بعد ذبولها
إن سر إعجابي بصورة هذه الشجرة في المسجد أثناء تأديتنا لصلاة الجنازة ,أن أغصانها وثمارها الوارفة الجميلة وشكلها الحسن ومنظرها البديع يشبه الحياة الدنيا إذا قضيت في رحاب الطاعة .
ومن الموافقات العجيبة التي زادت من إعجابي أثناء تأديتنا لواجب العزاء بالليل أن يقرأ الشيخ على مسامعنا آيات من سورة مريم حتى يصل إلى الآية الكريمة ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) قلت مانال هذا الود وهذا الحب إلا بعد أن قام برعاية شجرة الحياة وسقاها بماء الإيمان ,ثم ثنى الشيخ الآخر بآيات من سورة النور وكلما مر بآية رأيت كأنه يرسم غصنا من أغصان الشجرة أو ثمرة من ثمارها أو ورقة من أوراقها (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وهكذا مع كل مقطع كنت الحظ صورة عظيمة لفروعها وأغصانها وثمارها تُرسم مع آيات القرآن حتى وصل إلى عمود فقرها وأصل جذعها(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فهل أحسنا إليها وقمنا برعايتها حتى ننتفع بثمارها ونستظل تحت أغصانها وأوراقها في الدنيا والآخرة..........
إن العيش في رحاب الحياة الإيمانية الكريمة هو المدخل الحقيقي لصناعة الحياة بين الناس
لأن الحياة شجرة إن أحسنا إليها وقمنا برعايتها وتنظيفها وأعطيناها السماد والمبيد النافع تركت أثرا بين الناس بعد الممات...


هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ورحمة وبركاته ب بارك الله فيكم وبيكم وجعلكم نورا للاسلام والمسلمين كام مراه يحتاج الانسان الى من يدكره بالطريق ولا يجيد غيركم ياهل العلم فكتب الله اجركم اختك ام ايوب جزاك الله خير جزاء شيخنا الفاضل

    ردحذف
  2. الموضوع له تكملة ستنشر في القريب

    ردحذف