خير الناس

بقلم الشيخ/عاطف أبو زيتحار


من وضع في خلده( يا ) ورسم اسمه بعدها فكلما سمعها في القرآن أو في الأحاديث أسرع إليها ولبى النداء وكلما سمعها في التكاليف رسم اسمه وأسرع إليها
لما أصيب أبو عقيل الأنصاري وحملوه إلى خيمة الجرحى سمع المنادي ينادي يا للأنصار يا للأنصار الكرة الكرة فقام رغم ما حل بجسده من جراح وقال احملوني إلى الصفوف فقال له رجل يا أبا عقيل إنه لم يسمك فقال يا للأنصار ، فقال يا أخي إنه نوه باسمي فقال يا للأنصار وأنا من الأنصار
وأنت لقد نوه الإسلام باسمك ونادى عليك النبي فهل يليق بك بعد أن عرفت التركة أن تضع يديك على عينيك وإصبعك في أذنيك ثم تصر على الاعتذار إصرارا ؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( خَيْرُ مَعَايِشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ إِلَيْهَا يَبْتَغِي الْمَوْتَ أَوْ الْقَتْلَ مَظَانَّهُ وَرَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَافِ أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْدِيَةِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ )
وعَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
وَأُرَاهُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ حَجَّاجٌ قَالَ شُعْبَةُ قَالَ سُلَيْمَانُ وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) قَالَ حَجَّاجٌ ( خَيْرٌ مِنْ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ)
وعَنْ أُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِتْنَةً فَقَرَّبَهَا قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا ؟ قَالَ : ( رَجُلٌ فِي مَاشِيَتِهِ يُؤَدِّي حَقَّهَا وَيَعْبُدُ رَبَّهُ وَرَجُلٌ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ يُخِيفُ الْعَدُوَّ وَيُخِيفُونَهُ )
(يا) أين اسمك بعدها ؟ هي في حاجة إلى من يجبر كسرها ويسد جوعها ويروي ظمأها ويفي لها بعهدها فهل تكون أنت داعية الإسلام الذي يرسم اسمه ؟
ليس كل الناس يصلح لأن يكون راحلة للدعوة أو يرسم اسمه بعد( يا )كما جاء في حديث النبي  عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً )
لقد بوب الإمام البخاري في كتاب الصلاة بابا تحت عنوان بَاب يُفْكِرُ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ )
هذا هو صاحب الهمة العالية الذي يستحق أن يرسم اسمه في هذا المكان ليخلد في التأريخ وليذكر بين الأجيال
يقول بن القيم في صيد الخاطر : من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام
وقال الآخر:
ولكل جسم في النّحول بليةٌ ... وبلاء جسمي من تفاوت همتي
وبيان هذا أن من علت همته طلب العلوم كلها ولم يقتصر على بعضها وطلب من كل علم نهايته، وهذا لا يحتمله البدن.
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل وصيام النهار، والجمع بين ذلك وبين العلم صعب.
ثم يرى ترك الدنيا ويحتاج إلى ما لا بد منه.
ويحب الإيثار ولا يقدر على البخل، ويتقاضاه الكرم البذل، ويمنعه عز النفس عن الكسب من وجوه التبذل.
فإن هو جرى على طبعه من الكرم، احتاج وافتقر وتأثر بدنه وعائلته.
وإن أمسك فطبعه يأبى ذلك.
وفي الجملة يحتاج إلى معاناة وجمع بين أضداد، فهو أبداً في نصب لا ينقضي، وتعب لا يفرغ.
ثم إذا حقق الإخلاص في الأعمال زاد تعبه وقوي وصبه، فأين هو ومن دنت همته ؟ إن كان فقيهاً فسئل عن حديث قال ما أعرفه، وإن كان محدثاً فسئل عن مسألة فقهية قال ما أدري، ولا يبالي إن قيل عنه مقصر.
والعالي الهمة يرى التقصير في بعض العلوم فضيحة قد كشفت عيبه، وقد رأت الناس عورته.
والقصير الهمة لا يبالي بمنن الناس ولا يستقبح سؤالهم ولا يأنف من رد، والعالي الهمة لا يحمل ذلك.
ولكن تعب العالي الهمة راحة في المعنى، وراحة القصير الهمة تعب وشين إن كان ثم فهم.
والدنيا دار سباق إلى أعالي المعالي، فينبغي لذي الهمة أن لا يقصر في شوطه.
فإن سبق فهو المقصود. وإن كبا جواده مع اجتهاده لم يلم.
لنكن من خير الناس بسماع النداء وشد الرحال
طوبى لمن سمع النداء فشد للنجوى رحاله
وجفا المضاجع واستقام بلا تراخ أو كلالة





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق