من بحثنا صفات رجل المرحلة بين الواقع والمصلحة
بعد رؤيا الملك وتفسير يوسف لها اتضح للجميع أن مصر مقبلة على أزمة اقتصادية طاحنة ستطول كل شيء ولن تترك شيئاً , فكان من بصيرة الملك للخروج من هذه الأزمة أن يجعل يوسف من خاصته وأهل مشورته بعد أن رأى علمه وخبرته وذكاءه وعفته ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) ﴾
- الرجل عنده قدرة على اكتشاف القدرات فيوسف له ماض مع الأزمات صبر عليها وتحمل وضحى حتى ثبتت براءته , وغالباً ما تكون الأزمات لها قدرة على صياغة الأفراد في قالب التحمل الذي يحول عقل الفرد إلى مصنع للأفكار , وبمثل ذلك إن أردنا أن نخرج ببلادنا من أزماتها وننهض بها في كل المجالات , أن نحمل بصيرة العزيز عند اختيارنا للراحلة ورائد المرحلة , وفَهم يوسف إن وُلّينا أو وقع الاختيار علينا , لأن رجل المرحلة وراحلتها ورائدها من مستلزمات ريادته الخبرات السابقة والتجارب الكثيرة .
- بعد اكتشاف هذه الكفاءة لم يحقد عليه العزيز ولم يزاحمه في مهمته ولم ينسبها الى نفسه ولم يسرق مجهوده وابتكاره ولم يهمش ماضيه الحسن وتضحيته الطيبة , وبمثل ذلك ينبغي علينا أن نكون , فلا نهدم ماضياً ضحى في سبيل رفعة بلاده وأوطانه وعز دينه , ولا نغالي عليه ونزور ماضيه ونلفق له الاتهامات زوراً وبهتاناً , علينا أن نكون منصفين شجعانا مع كل الناس , فنقول للمحسن أحسنت وندفع به إلى الإمام فهو رجل المرحلة , ونقول للمقصر والمفرط كفى.
- لقد أبرز العزيزُ النبيَّ يوسف عليه السلام للناس ومدحه وأثنى عليه وفرح وسعد به ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ , ومن اللياقة في المرحلة المقبلة أن نتحول إلى دعاة لكل ناجح فاهم مدرك لطبيعة المرحلة بعيداً عن العصبية وهوى النفس الأمارة بالسوء حتى نضع الرجل المناسب في المكان المناسب , ويُنحى رويبضة العصر , فلا مكان ولا مجال له بيننا وإن كان من أقرب الأقربين.
- المقاصد العليا مقدّمة على المصالح الفردية والتقصير في ذلك كالتقصير الجماعي في حق فروض الكفاية فيأثم الجميع , ولذلك نلحظ هنا أن الأهواء قد تلاشت , وذابت المصالح الشخصية والأهواء الفردية أمام مصلحة الوطن والعباد.
- من ضروريات المرحلة الملحة تبصير الناس بالمصلح المحسن , فلقد أخبر رفاق يوسف في السجن عن يوسف ولم يكتموا خبره ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ﴾ وتقضي الأمانة أن نعلنها أن فلاناً هو الأصلح , لأن كتمان الأمانة باب من أبواب الخيانة ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾
- من لم يتعلم من ماضيه فلاخير فيه , لقد شكونا كثيراً من الرويبضة في حياتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية والاعلامية والتعليمية ... , وكانت علتنا أننا لم نختاره لأنه فُرض علينا , اليوم تغير الحال , فُتحت الساحات , واتسعت الشرفات , وتمتعتنا بالحريات , فلنختر على بصيرة , ولنحكم عقولنا لا عصبيتنا وأهواءنا .
ورد في سر اختيار العزيز ليوسف فوق ماسبق مارواه الطبري باسناده" .. ثم سلم على الملك بالعربية فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : هذا لسان عمي إسماعيل ، ثم دعا له بالعبرانية فقال : ما هذا اللسان ؟ قال : لسان آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ; -وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا- ، فكلما تكلم الملك بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان ، فأعجب الملكُ أمره..." .
- من الأمانة في المرحلة المقبلة أن تعلن للناس عن كفاءتك وتخصصك بعيداً عن تلبيس إبليس إن كانوا في حاجة إليها , أو تعتذر عن حملها لغيرك إن لم تكن كفئاً في آدائها وتبليغها ﴿ قال إنك اليوم لدينا مكين أمين (54) قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم﴾
- إن هذه الصفات "مكين أمين حفيظ عليم" صفات قوية لها تأثيرها ووقعها في النفس , فالحفيظ هو: الحافظ لما استودع أو هو من يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها , والعليم هو: العالم بما ولي , وقيل في معناهما مشتركاً:حفيظ لما وليت ، عليم بأمره. وقيل حافظ للحساب ، عليم بالألسن. , وقيل :حفيظ للخزائن عليم بوجوه مصالحها. وقيل: كاتب حاسب.وقيل: حفيظ لما استودعتني، عليم بما ولّيتني.وقيل: حفيظ للحساب عليم بالألسن أعلم لغة كل من يأتيني. قال الكلبي: حفيظ بتقديره في السنين الخصبة [في الأرض الجدبة] عليم بوقت الجوع حين يقع. ومكين أمين أي ذو مكانة وأمانة , فمن توفرت فيه هذه الشروط , فكان بين قومه ذو مكانة , حافظ لما استودع من أمانات , عليم بما وُلي , أمين على ماوُلي فهو جدير بالاختيار .
- إن الخطورة المحدقة بأوطاننا , والسيوف المشرعة على أعناقنا تحتم علينا أن نختار الحفيظ الأمين الذي لا يخون , المُوفي الذي لا يغدر , الصادق الذي لا يكذب بشهادة الجميع , العليم المشهود لعلمه .
- فرق بعض العلماء بين القوي الأمين والحفيظ العليم, فاعتبر القوة والأمانة صفات شروط لازمة لأي عمل , واعتبر الحفظ والعلم صفة أعلى يستلزمها العمل الخاص أو الأكثر أهمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق