شاس يرتدي ثوب ذئب ..فخذوا حذركم



عاطف أبو زيتحار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- العدو إذا ارتدى ثوب الإصلاح فربما قُبل أمره , ومر على بعض الناس دون التفات , أما إذا ظهرت الحقائق وانكشف الغطاء , وأعلن عن نفاقه وبغضه وكرهه دون حياء , وأظهر عداءه وحسده دون خجل , فلابد من وقفة وأخذ الحيطة والحذر والخروج من دوائر الترويض والملاينة والملاطفة إلى دوائر الشدة والغلظة (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)....لأن ترويض الأعداء
أمر صعب لفساد باطنهم وظاهرهم , لأن إناءهم ينضح على من أعطاهم الأمان عندما يجد الجد...
- ومن المعروف أن هناك فرق بين ترويض الذئب على حركة أو موقف , وبين تغيير طباعه الأصلية , فكل إناء ينضح بما فيه ..لربما نضح بعد يوم أو يومين من الترويض , أو أسبوع أو أسبوعين , أو شهر أو شهرين , أو عام أو عامين ..لذلك يجب الحذر , وعدم إعطائهم الأمان الكامل , والانتباه واليقظة عند التعامل معهم.
حكى بعضهم قال: دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وإلى جانبها جرو ذئب. فقالت: أتدري ما هذا؟ فقلت: لا، قالت: هذا جرو ذئب أخذناه صغيراً وأدخلناه بيتنا وربيناه، فلما كبر فعل بشاتي ما ترى، وأنشدت:
بقرت شويهتي وفجعت قومي ... وأنت لشاتنا ابن ربيب
غذيت بدرها ونشأت معها ... فمن أنباك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء ... فلا أدب يفيد ولا أديب
اللهم إنا نعوذ بك من البغي وأهله، ومن الغادر وفعله. المستطرف للأبشيهي
الخيانة من شيم الحيوانات المفترسة والإنسان الخائن يسبق هذا الحيوان لأن الله ميز الإنسان بالعقل وحباه وكرمه بالفهم والإدراك والشعور (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)فإن لم يفعل وخان ضميره , فإن منزلته تتدنى وتنحط وتنزل حتى يصبح أحقر وأذل وأقل في المنزلة والمكانة من الحيوان..
- بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية الماضية ووصولهم إلى أماكن صنع القرار أحبتهم جماهير الشعب والتفت حولهم ... غاظ ذلك رؤوس النظام البائد , فأرادوا أن يشعلوها نارا , وأن يصنعوا فجوة بين الإسلاميين ومن اختارهم واحتضنهم , فأخذوا يحرضوا عليهم في وسائل الإعلام بالليل قبل النهار , ويدفعوا بالسفهاء هنا وهناك لتشويه صورتهم.....
وبمثل ذلك صنع شاس بن عبد قيس عندما رأى أُلفة الأنصار وحب بعضهم لبعض بعد الحروب التي أكلت الأخضر واليابس ولم تبقي على شيء ..أكلت الأموال والأولاد والأشراف وانتهكت الأعراض ...., فبعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يهدأ لليهود ولا للمنافقين بال ولم يرق لهم خاطر ولم يستقر لهم قرار حيث أحدث فيها زلزالاً قويا بوضع أسس وقواعد الدولة وكان على رأسها الإخاء الإسلامي العام.
لقد كانت مسافات الحب والألفة بين الأوس والخزرج قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تكاد تكون منعدمة , .. والسر أن اليهود كانوا يشعلون النيران ويقطعون حبال الود والحب بين القبائل...وكانوا يستفيدون من وراء ذلك , حيث ينشغل العرب بهذه التفاهات ويركز اليهود في السيطرة على الخيرات والمقدرات والاقتصاد .....
لقد تحدثت سورة آل عمران عن قصة رجل يهودي أراد أن يشعل الفتنة بين الأنصار بعد أن غاظه ألفتهم وحبهم
روى الإمام القرطبي في قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) آل عمران نَزَلَتْ فِي يَهُودِيٍّ أَرَادَ تَجْدِيدَ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ بَيْنَهُمْ وَأَنْشَدَهُمْ شِعْرًا قَالَهُ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ فِي حَرْبِهِمْ. فَقَالَ الْحَيُّ الْآخَرُ: قَدْ قَالَ شَاعِرُنَا فِي يَوْمٍ كَذَا وكذا، فكأنهم دخلهم من ذلك شي، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نَرُدُّ الْحَرْبَ جَذْعَاءَ كَمَا كَانَتْ. فَنَادَى هَؤُلَاءِ: يَا آلَ أَوْسٍ. وَنَادَى هَؤُلَاءِ. يَا آلَ خَزْرَجٍ، فَاجْتَمَعُوا وَأَخَذُوا السِّلَاحَ وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَقَرَأَهَا وَرَفَعَ صَوْتَهُ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ أَنْصَتُوا لَهُ وَجَعَلُوا يَسْتَمِعُونَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَلْقَوُا السِّلَاحَ وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَجَعَلُوا يَبْكُونَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَابْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ الْيَهُودِيُّ، دَسَّ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مَنْ يُذَكِّرُهُمْ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْحُرُوبِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاهم وذكرهم، فعرف القوم أنها نزعة مِنَ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَأَلْقَوُا السِّلَاحَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَبَكَوْا وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يَعْنِي الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ. (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يَعْنِي شَاسًا وَأَصْحَابَهُ. (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا كَانَ طَالِعٌ أَكْرَهَ إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْنَا بِيَدِهِ فَكَفَفْنَا وَأَصْلَحَ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَيْنَنَا، فَمَا كَانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا أَقْبَحَ وَلَا أَوْحَشَ أَوَّلًا وَأَحْسَنَ آخِرًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. تفسير القرطبي ج4 ص 155
الدروس المستفادة بإيجاز
1- الألفة والحب والإخاء الحق يغيظ الأعداء , فيجب الحذر من مكرهم وخديعتهم , لأنهم بسبب فقدهم لهذا اللون يحقدون على غيرهم , ولأن بيئتهم خسيسة والإخاء الحق لا ينبت في هذه البيئات ,..ولأن المجتمع الذي ينتشر فيه الحب يزكمهم عطره , فهم يحبون الروث , يرتعون فيه ويمرحون كالخنفساء..
2- رأب الصدع الذي أحدثه شاس العصر بين الشعب والإسلاميين مسئولية الدعاة " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)" فعليهم أن يتحملوا المسئولية كاملة وأن يقفوا لهذا الأمر , وأن يسخروا جهدهم ووقتهم وأموالهم ..حتى يجمعوا ما تشتت , ويوحدوا ما تفرق ويجبروا ما انكسر , وعليهم أن يوضحوا خطورة وسائل الإعلام التي تبث الفتنة بالليل والنهار وترتدي ثوب شاس ..إن الهجمة اليوم ليست على الإسلاميين وإنما على المشروع الإسلامي الذي شوه في أفغانستان , وحوصر في فلسطين- غزة – وجوع في الصومال...ويحارب في بقية دول الربيع العربي ..
3- على كل الشرائح المختلفة أن تعي جيدا أنها ستقف بين يدي الله يوم القيامة وأن تعلم أن الموازين ستتبدل , فالفقر هناك يختلف عن فقر الدنيا , والغني يختلف عن غنى الدنيا , وهكذا الربح والخسارة ....( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)الحج
4- على الجميع أن يعود بذاكرته إلى الوراء قليلاً , وليتذكر ما فعله النظام البائد بأمتنا من تقطيع أوصالها وزرع الشقاق بين أبنائها...ولنقرأ الواقع اليوم بعد ثورتنا الكريمة من ألفة بين الجميع وحب وإخاء ..وإن كانت توابع الزلزال مازالت باقية , ولكنها ستنتهي باعتصامنا بحبل الله .
5- العدو واحد وإن اختلفت أساليبه في التفريق بيننا , فيجب الانتباه , وهجمته الفكرية الثقافية تسبق العسكرية في كثير من الأحيان , فيجب الحذر..
6- التفرق بعد التجمع , والاختلاف بعد التوحد , والعداء بعد الحب عاقبته وخيمة ..فيجب العمل باستمرار على تضميد الجراح بمجرد ظهورها .
7- علاج هجمة العدو الشرسة من أجل تفريق الجماعة وتشتيت شملها وتحطيم فكرها , يتمثل في التمسك بالجماعة , واللجوء إلى الله , والنزول على حكم الله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ" قال ابن مسعود: حبل الله الجماعة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كتاب الله حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ".وقيل: حبله، عهده وأمره، وأكثر المفسرين على أنه القرآن، وقال أبو العالية حبل الله الإخلاص والتوحيد. وقال ابن زيد: حبل الله: الإسلام. وقال القتبي: حبل الله: دينه. وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " أيها الناس عليكم بالطاعة، والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وإن ما تكرهون في الطاعة والجماعة هو خير مما تحبون في الفرقة "وهذا تذكير للأنصار إذ كانوا يقتتلون في كل شهر فلما أتى الإسلام واجتمعوا عليه ألف الله بينهم وزالت العداوة التي كانت بينهم عشرين ومائة سنة، وقد كانوا بني عم.الهداية إلى بلوغ النهاية ج2 ص 1085 وروى البيهقي في شعب الإيمان عَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ أَمَرَنِي اللهُ تَعَالَى بِهِنَّ: الْجَمَاعَةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ - أَوِ الْإِيمَانِ مِنْ عُنُقِهِ، أَوِ الْإِيمَانِ مِنْ رَأْسِهِ - إِلَّا أَنْ يُرَاجِعَ، وَمَنْ دَعَا دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ فَهُوَ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ: " وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى، تَدَاعَوْا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ بِهَا الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللهِ " ج 10 ص 5 ط مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند
8- عندما يستفحل خطرهم , ويسقط قناعهم , ويظهر قبحهم , لا بد من الكشف عن دسائسهم ومؤامرتهم للناس , حتى يظهروا للجميع على حقيقتهم , فيأمن الناس من شرهم ويحذروا أذاهم وينتبهوا لمخططاتهم..ويضعوا خططا للتعامل معهم , وهو ما يسمى بفقه التعامل مع السفهاء.
9- الشدة في التعامل والغلظة في الحديث بين أفراد الجماعة يستفيد منه العدو , فلابد من اللين " وتطاوعا ولا تختلفا" " لينوا في أيدي إخوانكم " " مثل المؤمن كمثل الجمل الأنف إذا قيد انقاد وإذا استنيخ استناخ"
نسأل الله أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً وأن يبارك لنا في أوقاتنا وأن يجنبنا الشر وأهله آمين آمين والحمد لله رب العالمين
Atef_200955@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق