عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتشرت كلمات تسخر من أحد الرموز الذين ظهروا مؤخرا , وكان له دور بارز في القضاء على حلم الأمة في استقلالها , ونيل حريتها , كانت هذه الكلمة بمثابة دنس صبه الشباب على حلمه , هذا الدنس من وُصف به لا تقوم له كرامة أبداً , ولو عقل هذا الإنسان لمات كمداً وحسرة
في بيته , لمات مهموما كئيباً حزيناً . ولكن لأنه عبد لم يعرف طريق الحرية يوماً , ذليل لم يعرف طريق العزة , مهان لم يعرف طريق الكرامة , خائن لم يعرف طريق الأمانة , فاحش لم يعرف طريق الطهر , ظالم لم يعرف طريق العدل , كاذب لم يعرف طريق الصدق , وجبان لم يعرف طريق الشجاعة ... , ابتسم للوصف , ورفع شعار هل من مزيد ؟.
هجا يوما الزبرقان بن بدر الحطيئة ببيت يعد في عصرنا مدحا :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فهاج الزبرقان بن بدر وماج , وأرغى وأزبد , وشكا الأمر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فسأل عمر حسان بن ثابت – رضي الله عنه - , وهو شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبين له قيمة الهجو في هذا الشعر , ولم يكن ذلك جهلاً من عمر بمرامي الكلام , فأجاب حسان بما معناه : الأمر أفحش من الهجاء , وأن أقذع الهجاء لأهون من هذا بكثير , إنه لدنس صبه عليه لا تقوم به كرامة .تذكرة الدعاة ص 21.
لقد هاج الرجل وماج ,وأرغى وأزبد كالجمل عند غضبه , والأسد عند زئيره , لأن الكلمة مؤلمة , وموجعة , وقاتلة للأحرار الشجعان .. بالرغم من أن قائلها قالها في حضرة الموصوف فقط , فلم يسمع بها أحد إلا بعد أن شكاه إلى أمير المؤمنين .
واليوم بعد أن انتشرت الكلمة , وجاوزت مئات الآلاف من الملايين المؤيدة لها , والموافقين على انطباقها على الموصوف بها , وأنه يستحق أن يوصف بهذا الوصف وأكثر من ذلك , مازال كما هو مستمرئا للذل , راضيا بالوصف ..
يروى أن لبيد بن الأعصم – رضي الله عنه – الشاعر قتلته كلمة معاوية - رضي الله عنه – عندما ذهب إليه ليأخذ قسمه من بيت المال , وكان شيخا قد كبر وتقدم به السن , فقال له معاوية: فيم الزيادة وقد شبت ؟. وذلك عندما طالبه بزيادة أقرها له عمر من قبل , واستمرت حتى عهد علي رضي الله عنه ؛ فبكى وقال : إذا أموت يا أمير المؤمنين , فاستدرك معاوية , ورق للرجل وأعطاه الزيادة , فذهب الرجل إلى بيته وظلت تأكل فيه الكلمة حتى مات بعد ثلاثة أيام ., قالوا فيه : قتلته كلمة .
لم يكن لبيد بارد الحس , فاتر المشاعر , ولكنه كان شامخا في سماء الحرية والعزة والكرامة .., أما هؤلاء فحدث عن خنوثتهم , وحدث عن عهرهم , وحدث عن ذلهم ولا حرج .
2- كلمة يبغضها الله إلا في مثل هذا الوقت ومع هذا الشخص
الكلمة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي , لا تقبلها الشريعة فهي دنس صُبت على الموصوف بها , والشريعة لا تقبل الفحش من القول , عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ قَالَ :" وَعَلَيْكُمْ " ,فَقَالَتْ عَائِشَةُ : السَّامُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمْ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَهْلًا يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ , وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ , أَوْ الْفُحْشَ " قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟. قَالَ :" أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ ؟. رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ , فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ , وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ". رواه البخاري . وروى الترمذي بسنده عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ , وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ".وهكذا تنهى نصوص الشريعة عن الكلمات البذيئة , والأخلاق السيئة , والأفعال الكريهة , ولكن المطالع إلى الوجه الآخر من مرآة الشريعة يجد أنها أجازت في بعض المواقف أفعالا لم تقبلها بعيدا عنه , وأجازت كلمات تخرج من البعض لا تقبلها من غيرهم , وأوصاف سيئة ضد البعض لا تقبلها على غيرهم .
فأجازت لأبي دجانة أن يُري أهل الشرك اختياله , وأن يفاخر عليهم في ميدان الجهاد , حتى ينال من نفسيتهم , ويرفع من همة قومه , روى الإمام أحمد ومسلم عن أنس , والطبراني عن عبادة بن النعمان، وإسحاق بن راهويه والبزار، عن الزبير بن العوام قالوا: عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا يوم أحد، فأخذه رجال فجعلوا ينظرون إليه - وفي لفظ: فبسطوا أيديهم - كل إنسان يقول: أنا، فقال: " من يأخذه بحقه ؟ " فأحجم القوم، فقام رجال فأمسكه عنهم . وعند ابن عتبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرضه طلبه منه عمر، فأعرض عنه، ثم طلبه الزبير فأعرض عنه، فوجدا في أنفسهما من ذلك. وعند إسحاق بن راهويه عن عمرو بن يحيى المازني أن الزبير طلبه ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند الطبراني عن قتادة بن النعمان: أن عليا قام فطلبه فقال له: اجلس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يأخذه بحقه ؟ " فقام إليه أبو دجانة - بضم الدال المهملة وبالجيم والنون - فقال: يا رسول الله، وما حقه ؟ قال: " أن تضرب به في العدو حتى ينحني ". قال: أنا أخذه يا رسول الله بحقه. قال: " لعلك إن أعطيتكه تقاتل في الكيول " فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان له عصابة حمراء يعلم بها عند الحرب، يعتصب بها، فإذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك، فعصب بها رأسه، فقالت الانصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت. وهكذا كانت تقول إذا اعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصفين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه يتبختر: " إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن ". سبل الهدى والرشاد.
والاختيال هو : الكِبْرُ والعُجْبُ والزَّهْو , والبغض : عكس الحب وهو الكُرْهُ والمقت.., فالاختيال هنا مباح لكسر الأعداء , والمقت هنا مرفوع رحمة بالجند..
ولقد رأينا كتائب الإيمان في فلسطين في أناشيدها , ومواقفها , كيف نالت من نفوس اليهود , لقد أقضت مضاجهم أناشيدهم الحماسية وتدريباتهم القتالية وحركاتهم الجهادية .
إن هذه الكلمة جاءت في وقتها , ولو كانت في غير هذا الوقت لما قُبلت , فالهجوم الشرس على الفكرة الإسلامية على أشده في وسائل الإعلام وغيرها , ولذلك كان لا بد من وقف هجومهم من جنس كلماتهم .
والشخص الموصوف وأجهزته فعلوا الأفاعيل .., وحرضوا الدنيا , وسخروا منا في كل مكان , فكان لا بد من إيقاف تحريضهم , ووقف سخريتهم .., فجاءت الكلمة في وقتها .., وانطبقت على الموصوف بها .
وأجازت لأسيد وحمزة – رضي الله عنهما - أن يجيبا أهل النفاق والشرك بما يكرهون , قال أسيد لأحد المنافقين بعد أن سخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أني لا أدري أيوافق رسول الله أم لا لفقأت خصيتك برمحي هذا ؟. وما سمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عنفه أو وبخه , لأن الكلمة جاءت في وقتها لشخص يستحقها. وهكذا حمزة عندما قال لابن أم أنمار : يا بن أم أنمار , يا بن مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله ؟ فنال من نفسيته وهزمه من داخله قبل أن يلتقيا بالسيفين .
وأجازت للصحابة أن يردوا على اليهود بما يستحقون , كما جاء في رواية أحمد حيث روى بسنده عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه - : أَنَّ يَهُودِيًّا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ , فَقَالَ : السَّامُ عَلَيْكُمْ , فَرَدَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :"إِنَّمَا قَالَ السَّامُ عَلَيْكُمْ" , فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ , فَجِيءَ بِهِ , فَاعْتَرَفَ , فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :"رُدُّوا عَلَيْهِمْ مَا قَالُوا".
أليس هؤلاء الأوغاد هم الذين وصفوا حرائرنا بجهاد النكاح في رابعة ؟ وتقولوا علينا بزواج البنت وهي في التاسعة ؟ ووصفونا بالشذوذ ؟ وفعلوا بنا وبأموالنا وبيتوتنا ونسائنا وشبابنا .. الأفاعيل ؟ إن هذه الكلمة وهذا الوصف مبغوض !! أي نعم , ولكنه مقبول مع هذا الشخص , وفي هذا الوقت .
3- أروهم ما يكرهون , وأسمعوهم ما يبغضون
في عام الفتح تحدث أهل مكة عن ضعف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأن الحمى قد أكلتهم , فعن ابن عباس - رضي الله - تعالى عنهما - قال: " قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم غدا قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا فيها شدة، فجلسوا على قعيقعان مما يلي الحجر، فاطلع الله - تعالى - نبيه على ما قالوا، فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده الأيمن، ثم قال: " رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة ". وفي رواية: " أروهم ما يكرهون " وأمرهم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا بين الركنين، ليرى المشركون جلدهم، ثم استلم الركن، وخرج يهرول وأصحابه معه، حتى إذا واراه البيت منهم، واستلم الركن اليماني مشى حتى استلم الركن الأسود ثم هرول كذلك ثلاثة أشواط ومشى سائرها.
قال ابن عباس: ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها للإبقاء عليهم، فقال المشركون: " هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا، ما يرضون بالمشي، أما إنهم لينقزون نقز الظبي " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكايدهم كلما استطاع ." رواه البخاري ومسلم .
والكلمة التي وصف بها هذا الخسيس لون من ألوان أسمعوهم ما يكرهون ,وهي أيضا لون من ألوان الكيد النفسي لقوم أطلقوا العنان لألسنتهم في النيل من أعراضنا وأموالنا وأنفسنا ..فأسمعوهم أيها الشباب ما يكرهون , وكيدوهم ما استطعتم إلى ذلك سبيلا , وأروهم ما يبغضون .. حفظكم الله وثبتكم ..
نسأل الله الثبات لنا جميعا والفهم الصحيح لدينه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق