الممسوخون الجدد(3)

عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 أوكلما اجتهدت أخطأت؟
بعد السلام والخروج من الصلاة أتى مسرعا , القسمات متغيره , والفلتات غاضبه , فقلت : ما بك ؟. فقال لي : كلمات لك على صفحاتك , ومقالات على مدوناتك , تهاجم فيها اجتهاد علماء لهم
فضل وسبق , فقلت له هل تصبر قليلا حتى نختم الصلاة , وننتهي ونفرغ من صلاة السنة ؟ , وبعد الانتهاء اصطحبته إلى المكتب , ثم قلت له هل تعرف أن الاجتهاد هو : بذل الوسع في طلب العلم بالأحكام الشرعية بطريق الاستنباط . والمجتهد هو : من قامت فيه ملكة الاجتهاد , أو هو من توفرت فيه شروط الاجتهاد. يقول الإمام الشاطبي : إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين : أحدهما فهم مقاصد الشريعة على كمالها , والثاني : التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها . وقيل تحصل درجة الاجتهاد لمن جمع مستلزماتها وشروطها : من معرفة اللغة العربية , ومعرفة الكتاب الكريم , ومعرفة السنة النبوية , ومعرفة أصول الفقه , والمعرفة بمواضع الإجماع , والمعرفة بمقاصد الشريعة , والاستعداد الفطري للاجتهاد. (لمعرفة المزيد يراجع الوجيز في أصول الفقه317-320 ) وقد يخطيء المجتهد : إما بخفاء بعض الأدلة حتى يتوهم فيه ما لم يقصد منه , وإما بعدم الاطلاع عليه جملة , وحكم هذا القسم معلوم من كلام الأصوليين إن كان في أمر جزئي , وأما إن كان في أمر كلي فهو أشد .(انظر الموافقات للشاطبي 4/414) وليس عيبا أن يخطيء المجتهد في أمر جزئي , ولكن المشكل والخطير والعيب كل العيب أن يخطيء في أمر كلي , أو يكثر خطؤه في الاجتهادات الجزئية والكلية , حتى يتحول إلى ظاهرة , يتحدث بها رواده ومحبوه , ويتناقلها الناس عنه . ثم قلت له : لا تغضب لأن نابتة ظهرت بين الاتجاهات الإسلامية , ادعت الاجتهاد في مسائل غاب عنهم فيها فهم مقاصد الشريعة , وانحرف عندهم فقه الموازنات فيها . فمع مطالعتنا لاجتهادهم وجدنا أن شروط الاجتهاد والمجتهد منهم براء , وهذا ما لاحظناه في اجتهادات بعض المنتسبين إلى التيارات الإسلامية أفرادا كانوا أو جماعات , مثل اجتهاداتهم في تحريم الخروج على الحاكم الظالم المستبد , وتحريم المظاهرات والثورات , وتأييد الخروج على الحاكم المنتخب من قبل شعبه , وتأييد سفك الدماء واغتصاب الحرائر , وتأييد القاتل المجرم . وعندما سألناهم قالوا اجتهادا , أوليس المجتهد إذا اجتهد فأخطأ فله أجر , وإذا أصاب فله أجران , كما جاء في الحديث ؟ , فقلنا لهم : إنها مصيبة وجريمة وليس اجتهاد !! واتضح للقاصي والداني بعدها أن سر اتخاذ هذه القرارات , ليس اجتهادا , وإنما مصالح متبادلة وعمالة واضحة .

 على رسلك أيها المنقاد الممسوخ:

 فقال لي أليس حق السمع والطاعة بعد الاستخارة والشورى واجب ؟ فأسمع وأطيع لشيخي , وأنفذ أوامر حزبي .. فقلت له أي سمع وأي طاعة إذا اتضح لك خطأ المجتهد ؟ عن كَثِير بن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ : إِنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي مِنْ أَعْمَالٍ ثَلاثَةٍ , قَالُوا: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: زَلَّةُ الْعَالِمِ، أَوْ حُكْمٌ جَائِرٌ، أَوْ هَوًى مُتَّبَعٌ".رواه الطبراني في المعجم الكبير يقول الدكتور عبد الله دراز : فإما اتقاء زلة العالم , فطريقه : أنكم إن ظننتم به الخير وأنه موفق , فلا تستسلموا له , فربما جره الاستسلام إلى الزيغ واتباع الهوى , وإن ظننتم به الخطأ والزيغ , فلا تظهروا له تمام الجفوة وشدة الغلظة , فربما جره هذا إلى التمادي في العناد وخلع ربقة الحق في غير ما ظهر خطؤه فيه أيضا , وشواهد هذا حاصلة الآن فيمن زل من المنسوبين للعملاء في زماننا هذا , فإنهم لما قرروا حذف اسمه من عدادهم أعانوا عليه ابليس , فصار ضد الإسلام ونبي الإسلام , يهرف بفحش القول ولا رادع له , أعاذنا الله من زيغ القلوب بعد الهداية .(هامش الموافقات 4/414) وعن عمر رضي الله عنه : ثلاث يهدمن الدين : زلة العالم , وجدال منافق بالقرآن , وأئمة مضلون . وكان معاذ يقول في خطبته كثيرا : وإياكم وزيغة الحكيم , فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة , وقد يقول المنافق الحق , فتَلقوا الحق عمن جاء به , فإن على الحق نورا" قالوا : وكيف زيغة الحكيم ؟ قال : هي كلمة تروعكم وتنكرونها , وتقولون : ما هذه ؟ فاحذروا زيغته , ولا تصدنكم عنه , فإنه يوشك أن يفيء وأن يراجع الحق . وقال سمان الفارس : كيف أنتم عند ثلاث : زلة عالم , وجدال منافق بالقرآن , ودنيا تقطع أعناقكم ؟ فأما زلة العالم , فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم , تقولون : نصنع مثل ما يصنع فلان , وننتهي عما ينتهي عنه فلان , وإن أخطأ فلا تقطعوا إياسكم منه فتعينوا عليه الشيطان". يقول الإمام الشاطبي : وهذا كله وما أشبهه دليل على طلب الحذر من زلة العالم , وأكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه , والوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص فيها , وإن كان على غير قصد ولا تعمد وصاحبه معذور مأجور , لكن مما ينبني عليه في الإتباع لقوله فيه خطر عظيم , وقد قال الغزالي : إن زلة العالم بالذنب قد تصير كبيرة , وهي في نفسها صغيرة.(الموافقات 4/416 بتصرف) هل علمت أن المتبع لا ينبغي عليه أن يقلد العالم في زلته إذا اتضح له وجه الخطأ ؟ يقول الإمام الشاطبي : إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة , ولا الأخذ بها تقليدا له , وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع , ولذلك عدت زلة , وإلا لو كانت معتدا بها لم يجعل لها هذه الرتبة , ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها .(الموافقات 4/416) يقول الأستاذ حسن عبد الرحمن البنا : وكل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم , وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه , وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع..( مجموعة الرسائل 269) إن العيب كل العيب أن نربط الحق بالأشخاص والرايات وليس بالله رب العالمين..!! هل تعلم أن الأشخاص يعتريهم الزوال والنقصان والتغيير والتبديل , فلربما كان صحيح اليوم مريضا غدا , ولربما كان طائع اليوم عاصيا غدا , ولربما افتقر الغني , وشقي السعيد , وخسر الرابح .., وهكذا قال صلى الله عليه وسلم :" لقلب ابن آدم كريشة في غصن شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن " , وكان من دعائه :" يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك". فهل بعد كل ذلك أربط الحق بأشخاص والله يقول :" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"(آل عمران الآية:144) ويقول تعالى :" ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ"(الحج الآية :62) فاربط الحق بالله , فإذا ما انحرفت الراية , وزل الأشخاص , بقي الحق معك ," قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ "(يونس الآية : 35) احذر أخي الكريم أن تمسخ عقلك وفكرك وتصير كالدمية أو قطعة الشطرنج يحركك غيرك بلا تفكير أو إعمال عقل منك , فلقد قال عبد الله بن المبارك لقوم ناظروه في حل النبيذ المختلف فيه واحتجوا له بالنخعي والشعبي – وعدة معهما كانوا يشربون الحرام , فقال لهم : دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال , فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا , وعسى أن يكون منه زلة , أفلأحد أن يحتج بها ؟ فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاووس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة ؟ قالوا : كانوا خيارا , قال فقلت : فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد ؟ فقالوا : حرام , فقال ابن المبارك : إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام , فبقوا وانقطعت حجتهم ..)
فأعمل عقلك أخي وفكر في كل ما يقال لك ولا تجعل أحدا يوردك المهالك وأنت لا تدري ..عافانا الله وإياك من كل بلية . 
وللحديث بقية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق