دور الداعية في تمكين دعوته وإرساء قواعدها

عنوان الحوار : دور الداعية في تمكين دعوته وإرساء قواعدها
 حوار : أ/ أمينة سعيد 

 •في البداية لنتعرف على ضيفنا الكريم وسيرتكم العطرة
 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ومن والاه , وبعد . عاطف أحمد أبو زيتحار , إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية , عضو مؤسسة اسطنبول للثقافة والعلوم , مدرس بمدارس الدعاة , وباحث شرعي .
 • ما المقصود بالتمكين؟
التمكين له معان في اللغة تقول العرب : إن بنى فلان لذو مَكِنة من السلطان أي تمكَّن . وتسمى العرب موضع الطير مكنة لتمكن الطير فيه , والمكانة عند العرب هي المنزلة عند الملك , فالتمكين في اللغة سلطان وملك . ولقد أشار المولى عَزَّ وَجَلَّ إلى التمكين في قوله تعالى عن ذي القرنين: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا" [الكهف: 84]. أي : يسر له كل الأسباب التي تدعم هذا السلطان، وكذلك الشأن في حديث القرآن الكريم، عن نبي الله يوسف بن يعقوب، عليهما السلام، فقد مكن الله ليوسف في الأرض " وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ صدق الله العظيم وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" [يوسف: 56، 57]. أما التمكين في الاصطلاح
فلقد عرف بتعريفات كثيرة : فعرفه الدكتور الصلابي بقوله : هو دراسة أنواع التمكين وشروطه وأسبابه ومراحله وأهدافه ومعوقاته ومقوماته من أجل رجوع الأمة إلى ما كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس. وعرفه الشيخ الدكتور على عبد الحليم، بقوله: هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل من أجل الإسلام، فالدعوة بكل مراحلها وأهدافها ووسائلها، والحركة وكل ما يتصل بها من جهود وأعمال، والتنظيم، وما يستهدفه في الدعوة والحركة، والتربية بكل أبعادها وأنواعها وأهدافها ووسائلها بحيث لا يختلف على ذلك الهدف الأكبر أحد العاملين من أجل الإسلام، كل العاملين مهما اختلفت برامجهم - بشرط أن تكون هذه البرامج من العاملين نابعة من القرآن الكريم والسنَّة المطهرة، وليس فيها شيء مما يغضب الله - لا يستطيعون أن يختلفوا في أن التمكين لدين الله في الأرض هو الهدف الأكبر في كل عمل إسلامي , حتى يكون سلطان الدين الإسلامي على كل دين, ونظام الحكم بهذا الدين على البشرية كلها وهذا التمكين يسبقه الاستخلاف والملك والسلطان، ويعقبه أمن بعد خوف.
 • كيف يقوم الداعية بتمكين وإرساء قواعد دعوته ؟
الدعاة إلى الله هم طليعة الأمة , وهم الذين يُعَبّدون الناس لله عز وجل , ولذلك عليهم حتى يمكنوا لدعوتهم ويرسوا قواعدها : أن يتجردوا من كل لذة دنيوية تخالط دعوتهم , وأن يُخلصوا نيتهم لله رب العالمين , فلا تمكين لدعوة بدون التجرد , ولا علو لها بدون إخلاص , أيضا عليهم أن يجمعوا العلم الكافي للتبليغ وإلا كان المردود عكسيا , فلا قيمة لدعوة بدون رصيد علمي كاف , فالرصيد العلمي درع الداعية أثناء تبليغه وجريه في المحراب الدعوي , أيضا عليهم أن يتوشحوا بالقناعة التامة لما يحملون , فقناعتهم بما يحملون من دعوة يجعلهم ينطلقون في ثبات ويقين لا يبالون بالأشواك التي تعترضهم , ولا يلتفتون إلى الأتربة التى تعلوا زجاج سيارة دعوتهم , يصعدون المرتفعات في ثقة ويقين وشموخ وإباء , ويهبطون الأودية بلا خوف ولا وجل , أيضا عليهم أن يقدموا بين يدي أقوالهم تطبيقات عملية وترجمة حقيقية واقعية لما يحملون من زاد ثقافي , فيطبقون ما يقولون على أنفسهم , فيرى الناس أفعالهم قبل أقوالهم , لأنه لا قيمة لقول داعية بلا عمل , أيضا عليهم أن يضبطوا سلوكياتهم , فلايرتادوا أماكن الشبهات , لأن الناس تنفر من صاحب الأخلاق السيئة والسلوكيات الهابطة , وحتى لا تنقلب هيبتهم إلى خيبة في نفوس الناس . أيضا عليهم أن يربطوا الناس دائما بالله لا بأشخاصهم ولا براياتهم , لأن الأشخاص يعتريهم الزوال والنقصان والتغيير والتبديل , فطائع اليوم ربما كان عاصيا لله غدا , الصغير يكبر , والصحيح يمرض , والغني يفتقر , والرابح يخسر , .. والعكس , ولذلك ربط الله الحق بنفسه يقول تعالى : "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الحج الآية : 6) ويقول :"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (الحج الآية :62) ويقول تعالى : "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران الآية : 144) إذا فعل هذه الوصايا ونفذ هذه التعليمات فحري به وبدعوته أن تنساح بين الناس , وبدونها فإنه وفكرته إلى زوال .
• من هم المؤمنون أو المسلمون ؟
المسلم من أسلم وجهه لله حنيفا ولم يك من المشركين , فآمن بكل ما جاء في كتاب ربه وسنة نبيه , فلم يحرف ولم يعطل , ولم يغلوا ولم يتطرف ولم يجمد في فهم نصوص الشريعة ومقاصدها , فكم من مسلمين اليوم بيننا لا يحملون من الإسلام سوى اسمه في جواز سفرهم أو بطاقاتهم الشخصية , وكم من المسلمين اليوم يؤمنون بأجزاء من الإسلام ويكفرون بأجزاء , أو يأخذون ما يتماشى مع أهوائهم ويطرحون ويعطلون مالا يتماشى مع أهوائهم .يقول الله تعالى :" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " (البقرة الآية : 85)
• ما الحكمة من جعل استخلاف المسلمين في الأرض ؟
الإنسان مكرم بتكريم الله له " ولقد كرمنا بني آدم " " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " هذا الإنسان المكرم سخر الله له كل ما في الكون لخدمته "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " (الجاثية الآية : 13) ومن بين بني الإنسان شرائح فسدت وأفسدت في الأرض , فاستخدمت نعم الله في معصيته وهذا ما جعل الملائكة يقولون بعد خلق آدم عليه السلام " أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ"(البقرة من الآية : 30) فوجب على المسلمين أن يدعوا من أفسد من بني آدم إلى الصلاح والإصلاح , والنجاح والفلاح , وأن يردوا من شرد إلى الصواب , لأنهم خلفاء الله في أرض الله , ودعوتهم ورسالتهم خاتمة الدعوات والرسالات .
• ما معنى الاستخلاف ؟وما هي شروطه ؟
الاستخلاف كما جاء في معجم الفقهاء : إقامة الغير مقامه ليقوم بعمله نيابة عنه Appointment of successor ومنه: استخلاف الإمام غيره في الصلاة إذا سبقه الحدث من يتم بهم الصلاة. ومن شروط الاستخلاف في الأرض: تحقيق الإيمان بكل معانيه والالتزام بشروطه والابتعاد عن نواقضه. وقد فصل القرآن الكريم والسنة النبوية موضوع الإيمان وأركانه وشروطه ولوازمه. , وقد بين علماء أهل السنة في تعاريفهم بيان حقيقة الإيمان فقالوا: بأن الإيمان هو التصديق بالقلب والنطق بالشهادتين والعمل بالجوارح والأركان, أي هو: اعتقاد وقول وعمل, فهذه الثلاثة كلها مندرجة فيه وتمثل أجزاء من حقيقته. وقد تواترت أقوال العلماء ومن بعدهم على هذه الحقيقة, واستدلوا بأدلة كثيرة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على صحة هذا القول في حقيقة الإيمان. قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا" [الأنفال: 2-4].وقال تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" [البقرة: 277]
• .ما هي عناصر التمكين التي ينبغي للمسلم أن يمتلكَهَا، حتى يتحرَّر وينتصرَ على عدوّه ويظهرَ عليه؟
في تصوري أن أهم عناصر التمكين التي ينبغي على المسلم أن يتملكها عنصرين : إيمانه القوي الذي بدونه لا قيمة لعدته المادية وقوته البدنية , فالمسلم لا يتعامل مع من حوله من الناس والأشياء مباشرة بل بينه وبينهم الله إن رأى منه ما يحب أعانه وإن رأى منه ما يكره وكله إلى عدوه , ولذلك نحن نستعين على شدائد الحياة بهذا الإيمان :" ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " , وبجوار الإيمان القوي لا بد من الأخذ بالأسباب المادية فيتسلح بسلاح العلم , ويعد العدة :" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل .." بذلك ينتصر على عدوه ويظهر عليه , وهذه العناصر سمها إن شئت درع المسلم وحصنه , أو سمها سهامه المبرية التي تخترق وتصيب الهدف بأقل مجهود , وبدونها لن ينتصر على عدوه الأول وهو الشيطان الذي إن انتصر عليه فإن نصره على عدوه الثاني سهل وميسور.
• هل هناك شروط للتمكين ولوازمه وبقائه ؟
 من أهم شروط التمكين تحقيق التوحيد وتهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر, ومن البدع القولية والاعتقادية, والبدع الفعلية العملية, ومن المعاصي وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات, وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد, ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله وبالسلامة من البدع , وتربي الناس على الاستعانة بالله في جميع أمور حياتهم والاستعانة به والنذر له والذبح له وحده سبحانه وتعالى وأن تكون الحاكمية لله رب العالمين. وهي تحارب شرك القبور, وكذلك شرك القوانين الوضعية وتدعو إلى إفراد العبودية لله وحده في جميع شئون الحياة الإنسانية, ولسان حالها ومقالها قول الله تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [الأنعام:162،163]. لذلك لابد من محاربة الشرك ومداخله وألوانه وجميع طرقه لأن الشرك ذل في الدنيا وعذاب أليم في الآخرة, ولأن من متطلبات الإيمان ولوازمه محاربة ضده ألا وهو الشرك. أيضا من الشروط اللازمة لبقاء التمكين : الاتصال بالله, وتقويم القلب بإقامة الصلاة, والاستعلاء على الشح, وتطهير النفس والجماعة بإيتاء الزكاة, وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والرضا بحكمه, وتنفيذ شريعة الله في الصغيرة والكبيرة, وتحقيق المنهج الذي أراده للحياة.
 • أهمية اجتماع الدعاة وتلاقيهم ؟ودور ذلك في تمكينهم ؟
نحن نرى كل يوم دعاة الانحلال يدعون إلى التلاقي فيما بينهم والتوحد ضد الفكرة الإسلامية لاجتثاها من جذورها ,أو تشويه صورتها , ولذلك نحن أولى بالوحدة منهم بسبب المخاطر التي نراها يوما بعد يوم تحدق بنا , وتحوط بدعوتنا .لا بد من التكامل والتكاتف والشراكة والوحدة والتلاقي بين الدعاة , فيكمل هذا ما تركه ذاك في مجال الكلمة والكتابة , والجري في المحاريب الدعوية والتحدث من شرفاتها .., لا بد من التخلي عن لمس الأكتاف والتنازع , فلسنا على حلبة مصارعة أو إستاد كرة من يفوز بالجولة يكسب حزاما أو كأسا , يقول الأستاذ عبد البديع صقر: إن أسلوب التحدي يبغض صاحبه للناس فيجب التطلف لأن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف . إن الدعاة إذا توحدوا وكوّنوا كتائب دعوية كل في تخصصه لردوا على شبهات أعدائهم ومكنوا لدعوتهم بيسر وسهولة , ولسدوا فراغا دعويا في كثير من أماكن أصابها الفقر الدعوي , ولرفعوا حرجا أصاب الدعوة بسبب تفرقهم وتشرذمهم " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم "
 • كيف يمكن مواجهة المخطط الافسادي الكبير الذي تواجهه المرأة المسلمة ؟ سبق أن قلت إن دعاة الانحلال والتسيب الخلقي يريدون للمرأة أن تفسد , لأن فسادها فساد لها وللمجتمع , وعفتها عفة لها وللمجتمع بأكمله , ولذلك يبيتون كل يوم ما لا يرضى من القول والفعل لتدميرها وقتل عفتها وعزتها , وتحويلها إلى سلعة . ونحن أمام هذه المخططات الماكرة لابد لنا من اقتحام المنابر الدعوية المختلفة كلما أتيحت لنا , قناة تلفزيونية , محطة إذاعية , مجلة يومية , جريدة أسبوعية , من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر وغيرهما .., حتى نصلح ما أفسده الآخرون. إن هؤلاء يظلون يبيتون للفساد والإفساد طوال أيامهم فإذا ما انبرى الخطيب أو الداعية فحدث الناس في قناته أو محطته أو جريدته أو صفحته هدم ما بناه هؤلاء في دقائق معدودات , لأن ما نثروه زبد , وما قاله الداعية حق , والحق يدمغ الباطل بمجرد ظهوره " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض "
• ما مدى استشعار الدعاة لخطورة التحديات التي تواجه الدعوة وما هي سبلهم لمواجهتها ؟
التحديات كثيرة وما زالت حركتنا الدعوية بطيئة في سيرها وانتشارها رغم كثرة التحديات , ولذلك علينا أن نضاعف من حركتنا كل في مجاله وتخصصه , لأن العناية الربانية لا تتدخل إلا بعد حركة بشرية جادة , فإذا ما تحرك الدعاة جاءهم عون الله ومدده وحفظه , في سورة القصص تحدث الله عن حال أمة مقهورة , وعدهم بالتمكين والاستخلاف :" ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ". ثم انتقل إلى مشهد آخر وفصل جديد , " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه , فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " إن موسى سيستغرق وقتا طويلا في حضانات الإعداد والتربية والتنشئة والتوجيه , وفرعون يقتل الناس ويستحي النساء ويفسد في الأرض .., إن العقل يقول : إن التمكين في هذه الحالة السيئة , يتطلب أن يبعث الله رجلا من بينهم , ثم يهدي على يديه مجموعة يذهبون جميعا إلى فرعون ثم يقضون عليه , أو يرسل صاعقة فتدمر فرعون ومن معه كما أرسلها على أمم سابقة , ويمكن بعدها للمستضعفين في الأرض , كل ذلك لم يكن ولم يحدث بل تربى موسى في أحضان من تربص به ليقتله , لأن الله يريد أن يربي أمة محمد على النفس الطويل والصبر المستمر , وليعلمهم أن نصر الله دائما يأتي بعد حركة بشرية . فالسبيل للخلاص مما نحن فيه , بجوار ما سبق أن نضاعف من حركتنا , وأن نقتل تثاؤبنا , وأن نجمع بين الهم والهمة , وأن لا نبخل على دعوة الله بمال ولا وقت ولا صحة .
• وحدة الصف والتكامل والتعاون بين الدعاة يلعبان دور كبير في تمكين الداعية لدعوتها كيف يكون ذلك ؟
الوحدة والتكامل والتعاون شعار العقلاء , والتفرق والتشرذم شعار الجهلاء , ولذلك الداعية الحق , هي من تبحث عن مواطن الوحدة والتكامل والتعاون , وتفر وتهرب بعيدا عن التفرق والتشرذم والاختلاف . إننا نرى بعض الداعيات يتعصبن لراياتهن , فإذا ما انحرفت الراية انحرفت معها , وإذا مالت أو شطحت أو جمدت أو غالت , مالت وشطحت وجمدت معها , وهذا عيب كبير يؤدي إلى نفور المدعو , والشريك في الدعوة على السواء , لأنه لا تكامل مع وجود هذه الآفات. فعلى كل داعية أن تتجرد وأن لا تربط الحق برايتها , وأن تربط الحق دائما بوسطية إسلامها , ساعتها سنجد قواسم مشتركة بين الجميع تؤدي في النهاية إلى الوحدة والتكامل والتعاون .
• لنلقي الضوء على بعض المشكلات التي تواجه المسلمين في عدم التمكين ، ولماذا هم في مؤخرة الأمم ؟
كنا قديما في مقدمة الأمم , يوم أن جعلنا إسلامنا حكما في قضايانا ومشاكلنا , وبعد أن نحيناه جانبا , وحكمنا فينا وبيننا القوانين الوضعية , ردنا الله من المقدمة إلى الساقة . إن سرا يكمن وراء تداعي الأمم من مشرقها إلى مغربها علينا وهو اغترارنا بالأيديولوجيات الوضعية وتركنا لمنهج السماء , إنها الطامة التي قسمت ظهر أمتنا طوال قرونها الأخيرة . ولن تعود لنا قوتنا إلا بالعودة إلى منهج السماء " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (الإسراء الآية : 82)
• ما النتائج المترتبة و الأثر المترتب علي التمكين إذا حدث للأمة ؟.
 السعادة والراحة والطمأنينة في التمكين لدين الله , والشقاء والتعاسة والنكد والكرب والهم والحزن في عدم التمكين لدين الله , فإذا أرادت أمتنا أن تسعد وتهنأ , فعلى حكامها أن يفسحوا المجال لدين الله , وأن يفتحوا الأبواب الموصدة والشرفات المغلقة في وجهه , ساعتها سيعم الخير والبركة والنماء أرجاء الدنيا بأكملها.
• لنختم بأمثله من التاريخ الإسلامي لعصر لم يتمكن فيه المسلمون وماذا حدث حتى عادوا إلى التمكين .؟
خير مثال على ذلك تركيا يوم أن كانت في ظل الخلافة الإسلامية كانت دولة تخيف الدنيا بأكملها , لها عزتها وسيادتها وريادتها , ويوم أن انسلخت من دينها , وشردت وارتمت في أحضان الغرب , وركبت مراكب العلمانية المتطرفة , ردت من المقدمة إلى الساقة فأصبحت دويلة لا قيمة لها , حتى أذن لها بفجر بدا يبرق في الآفاق . والدولة الأموية قبل خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه سادس الخلفاء الراشدين بعد الحسن بن علي رضي الله عنهما كانت تعيش فرقة واختلافا , وقلة في البركة , فلما تولى عمر بن عبد العزيز عم الخير الدنيا , حتى نثر القمح فوق رؤوس الجبال إطعاما للطير . ونحن إن عدنا عاد الخير , وعم النماء , وكثرت البركة , وإن أعرضنا مسنا الشر. "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا" نسأل الله أن يعزنا بالإسلام قائمين وقاعدين وفي كل وقت وحين , وأن ينفع بكم الإسلام والمسلمين , وأن يجعل أعمالكم خالصة لوجهه الكريم , وأن يجمعنا في ظل عرشه , وتحت لواء نبيه , وفي دار كرامته. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق