لا تقصص رؤياك على عدوك

عاطف أحمد علي أبو زيتحار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحدث بعض الأخوة الكرام في وسائل الإعلام عن رؤياهم الطيبة التي تبشر القلوب المؤمنة , وتطمئن العقول الحائرة , ونسوا وصية يعقوب لابنه يوسف في قول الله تعالى:" قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ"( ) , يقول الإمام ابن كثير – رحمه الله -: خشي يعقوب- عليه السلام- أن يحدث بهذا المنام أحداً من إخوته فيحسدوه على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسداً منهم له؛ ولهذا قال له: { لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا } أي: يحتالوا لك حيلةً يُرْدُونَك فيها, ثم يقول :ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر، كما ورد في حديث: "استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود"( ).
ويقول الإمام القرطبي – رحمه الله - : هذه الآية أصل في ألا نقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها..( ). لقد قص إخواني رؤياهم الليلة , فتلقفتها في الصباح وسائل الإعلام المتحاملة على كل ما هو إسلامي , ووجدوا منها مطعناً للفكرة , وصنعوا منها مجالس للسخرية , وندوات للاستهزاء , ولقاءات للمكر , وحلقات للكيد , لأن الرؤيا الطيبة والبشرى الحسنة تغيظهم وتحزنهم . ولو قص إخواني الكرام رؤياهم على أولادهم وأقاربهم لفرحوا, وعلى أحبابهم لسعدوا , ولكفونا صديداً انساب على أسماعنا في وسائل الإعلام , عن أنس -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : .. فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً", أخرجه الترمذي والحاكم ,قال الذهبي: صحيح. وأخرج الإمام أبو داود بسنده عن وكيع بن عدس عن عمه أبى رزين – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :" .. ولا يقصها إلا على واد أو ذى رأى ", قال الشيخ الألباني: صحيح. نؤمن من أعماقنا بأن الرؤيا الطيبة جزء من النبوة , وبشرى للصالحين , وشفاء لصدور المظلومين .. لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقص رؤياه على إخوانه , وكان يحب أن يسمع رؤياهم , وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقصون رؤياهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه- قال : سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله عز وجل : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال : هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له"رواه الترمذي في السنن والحاكم في المستدرك , قال الذهبي : صحيح. وأخرج الحاكم بسنده عن أنس -رضي الله عنه- قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه الرؤيا ,قال :" هل رأى أحد منكم رؤيا اليوم ؟" قالت عائشة -رضي الله عنها- : رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي, فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- :" إن صدقت رؤياك دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل أو خير أهل الأرض ,فلما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ودفن في بيتها قال لها أبو بكر -رضي الله عنه- : هذا أحد أقمارك وهو خيرها ,ثم توفي أبو بكر وعمر فدفنا في بيتها"قال الذهبي : صحيح على شرط البخاري ومسلم. وأخرج أبود والحاكم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- : عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :" إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ,وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً , والرؤيا ثلاث : فالرؤيا الحسنة بشرى من الله عز وجل ,والرؤيا يحدث بها الرجل نفسه ,والرؤيا تحزين من الشيطان ,فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدث بها أحداً ,وليقم فليصل "؛ قال أبو داود: « إذا اقترب الزمان ». يعنى إذا اقترب الليل والنهار يعنى يستويان. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وأخرج الإمام البخاري بسنده عن أنس -رضي الله عنه- قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:" من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ". وأخرج الحاكم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول : "هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ؟ ؛ألا إنه لا يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة"؛ قال الذهبي : صحيح. وأخرج الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة – رضي الله عنه -قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول :" لم يبق من النبوة إلا المبشرات " ؛ قالوا: وما المبشرات ؟ قال :" الرؤيا الصالحة ". إننا وسط هذا الظلم والمكر الشديد بالمؤمنين من قبل أعدائهم في حاجة إلى بشرى تطمئن القلوب الخائفة , وتثبت الأبدان المرتجفة ..؛ بشرى تشفي صدورنا , وتخفف آلام أبداننا , وتجفف دمع عيوننا , وتضمد جراح قلوبنا . لقد انقطع الوحي الذي كان يكشف ستر المنافقين , ويفضح مكر الكافرين , وبقيت هذه المبشرات – الرؤيا الصالحة – التي تثبت المؤمنين , وترفع في صدورهم درجة اليقين بأن نصر الله قريب. ولذلك ينبغي علينا أن لا نقصها على عدونا حتى لا يكثر بها من أوجاعنا وجراحنا.., وأن نضعها في موضعها الصحيح حتى لا نترك لهؤلاء مجالا للشغب علينا . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . عاطف أحمد علي أبو زيتحار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق