يراه الناس على جوارحك وفي عينيك ولا تراه(1)

يراه الناس على جوارحك وفي عينيك ولا تراه(1)


عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المعلوم والمسلم به أن الله خلقنا وخلق لنا أعضاء وأعطى لكل عضو حدوده وإمكانياته وقدراته على العطاء ، فالبصر له حدوده في الإبصار والسمع له حدوده في السماع والعقل له حدوده في التفكير والجسد له حدوده وله قدرته على التحمل والأداء والعطاء ... وهكذا
كل الجوارح ، وبعض الأعضاء دوائرها أوسع وحدودها أكبر من غيرها ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) رواه البخاري . فدائرة الأذن وحدها أوسع من دائرة العين وخاطرة القلب أوسع من دائرة الأذن وما عند الله أكبر وأوسع من خاطرة القلب لاحد ولا منتهى له
ولقد خلق الله عز وجل من حولنا مخلوقات كثيرة نتعامل معها يوميا بالليل والنهار ، منها ما هو محسوس ملموس مألوف لنا ، ومنها ما لم نره وما لم نشاهده فإبليس يرانا ولا نراه يقول الله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) ) الأعراف . وهكذا الملك يرانا ولا نراه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ ) رواه الترمذي
وكم حولنا من أمور وأشياء نتعامل معها ولكننا لا نراها مثل الرياح وجريان الكهرباء في الأسلاك .....وغير ذلك ومنها مالا يراه الإنسان بالعين المجردة بل يحتاج إلى مجهر حتى يتمكن الإنسان من رؤيته..هذه الأشياء جميعها قد تلفت انتباه البعض فتدعوه إلى التفكير فيها والوقوف معها ، ولربما غفل عنها البعض بسبب مشاغله وكثرة مشاكله فلم ترعى انتباهه
ولكن المدهش والذي يدعونا إلى التفكير والوقوف بجِد ما نرتديه من أثواب على أجسادنا وأعضائنا يوميا يراها الناس وينظرون إليها في الصباح والمساء بأعينهم ويشمونه بأنوفهم ويستشعرونه بقلوبهم ونحن لا نراها ولا نلتفت إليها بل نغفل عنها ، يمدحنا الناس على ارتدائها ويشكروننا ويحبوننا على جمالها وارتفاع ذوقها ، أو العكس يبغضوننا ويكرهوننا ولا يلتفتون إلينا ولربما سخروا منا ، إن هذه الأثواب إما أن تكون مدعاة للسخرية والاستهزاء ومثارا للنقد والتجريح والذم وإما أن تكون مدعاة للحب والقرب والتآلف والود ، فإن كان ما نرتديه جميلا معطرا استحسنوه وأحبوه وإن كان قبيحا كريها ردوه وما قبلوه
من المعلوم أن لكل صنعة في دنيا الناس زيها فالطبيب له زيه الخاص به أثناء عمله وأثناء إجرائه للعمليات الأخضر والأبيض ، ورجل الشرطة له زيه الخاص به من الجندي إلى القائد كل له زيه ورجل المرور له زيه ورجل المطافي والإسعاف له زيه وهكذا المحامي والقاضي ورجل الدين حتى المسجون له زيه الخاص به ....إلخ
والناس مع زيهم أذواق منهم من يقبله كما هو ومنهم من يجدد فيه ويضيف عليه بعض اللمسات الطيبة التي تضفي إليه حلاوة وبهاء ، وكل مصلحة أو هيئة تلزم أفرادها بالزي حتى تُمَيَّز عن غيرها ويُعرف من يعمل بها وينتمي إليها ، والفرد إن لم يكن راضيا عن الزي فإنه بعد الانتهاء من العمل يقوم بخلعه ولا يرتديه في الشارع بين الناس لعدم رضاه عنه أو بسبب انتهاء العمل والبعض حتى في ساعات العمل يتخلون عنه بسبب عدم رضاهم وارتفاع بغضه في قلوبهم
هذا حال المصالح والهيئات مع من يعمل ببلاطها ويتقاضى راتبا منها تلزمهم ولربما فرضت عقوبات وشرعت قوانين صارمة ضد من يخالف ذلك والمرء بإمكانه أن يحتال يهرب مرة ويرتدي أخرى ...
وأيضا في دنيانا تتنوع الملابس ، تتعدد أشكالها وأحجامها وتفصيلاتها فمنها الصيفي والشتوي الصغير والكبير الجميل والرديء ومنها ما هو معد للارتداء داخل البيت ومنها ما هو معد للخروج منها الداخلي والخارجي أصحاب الأذواق العالية يتفننون في صناعة الأناقة فتجد الموضة في الملبس متناسقة الألوان من الرأس إلى القدم فإذا ما تحرك أحدهم كأنه عالم أزياء أو معرض للجمال
وكل واحد يرتدي حسب حالته فالفقير يلبس ما يناسبه والغني يلبس ما يناسبه
وكما قيل ارتدي من اللباس ما يعجب الناس وكل من الطعام ما يعجبك لأن الملبس أكثر عرضة للناس من الطعام
والبس كمثل الناس لا تخرج عن المعتاد في شيء فتخطيء أو تشي ومن المعروف أن معارض الأزياء ومحلات الملابس تتسابق بين الحين والحين فيما بينها مع بداية ومطلع المناسبات والمواسم على أحدث الموضات فتسرع في عرض كل ما هو جديد ومستورد حتى تجذب الناس إليها وتربح أكثر من غيرها
والإنسان يبحث عما يواري عورته فإذا ما كشفها كشفها بعيدا عن أعين الناس على هذا اصطلح الناس وبه أمرت الفطرة والدين وإلا تشبه الإنسان بالحيوان
هذا هو العرف العام عليه تعارف الناس وإليه ركنوا وخلفه جروا ومن ينكر ذلك إلا أبله أو به خبل وعته فهم فيه في الصباح والمساء في الظهر والعصر والعشاء ، لقد أصبح جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية وأعمالهم الحياتية .
إن ما ذكرته الآن هو ما يشغل بال أغلب الناس ويأخذ حيزا من تفكيرهم ويسيطر على أركان حياتهم وللأسف غفلوا عن ثوب أهم وأخطر من طعامهم وشرابهم ولباسهم ونومهم .....وعن زي أجمل من زي العروس في ليلة زفافها والزوج في ليلة زفافه وعرسه ،أو أقبح من ثوب السجين في ليلة إعدامه.... ألا وهو ثوب الحياة في رحاب الطاعة والموت في ظلال المعصية.......ثوب الجمال والذوق الحسن والموضة الطيبة في جنة الإيمان ونعيم السير في رحابه ، أو ثوب القبح والذوق العفن والموضة القذرة في الجري خلف أبالسة الجن والإنس وأهواء النفس الأمارة بالسوء
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : (ما من الناس أحد يبذل خيراً أو شراً ، إلا كساه الله رداء عمله)
إن بعض الناس وخصوصا الشباب مولع ومغرم دائما بالموضة في كل شيء والملابس الجميلة والجذابة وندائي إلى كل محب للموضة مولع بالذوق والأناقة والجمال في داخل بيته وخارجه نصائح أخوية وخواطر من واقع الحياة اليومية:
1- لكل عمل زيه
إن خيرا فخير وإن شرا فشر ما تفعله بالليل يظهر على جوارحك بالنهار فإن خلوت بالليل بنفسك وغلقت الأبواب وفتحت أبواب المعصية فاقتحمت المواقع الإباحية وشاهدت المسلسلات الخليعة الماجنة أو شربت المسكر والمحرم أو اقترفت الفاحشة ألبسك الله ثوب البغض في قلوب الناس فرآك الناس في الصباح شيطانا رجيما .. ما رآك إنسان إلا واستعاذ بالله منك وإن ابتسم إليك
وإن خلوت بربك فصليت له ركعت وسجدت وتذللت بين يديه وبكيت من خشيته وقرأت القرآن الكريم كساك الله رداء الحب فما لقيك إنسان إلا وأحبك ولو كنت أسود اللون دميم الخلقة فكم من أشعث أغبر ذي تمرين كساه الله مهابة وحبا ، فاختر لنفسك ثوبا تُحمد عليه وتُحب به بين الناس إن كنت عاقلا ، وإلا فالأبله والمجنون يرتدي المرقع والممزق من الثياب والمتسخ وبجواره الجميل الطاهر المعطر ( إن الله جميل يحب الجمال )
2- أين عطرك ومزيل عرقك ؟؟
بدونه مع ارتفاع حرارة الجو وكثرة العرق يفوح منك وتظهر الروائح الكريهة التي لا تقبلها ولا تحبها ولا يقبلها الناس من حولك بل تنفر منها وينفر منها أقرب الناس إليك
كان هرم بن حيان يقول : ما أقبل بقلبه إلى الله عز وجل ، إلا أقبل الله تعالى بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ومحبتهم . ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )
ويروى أن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنه لما هاجر إلى المدينة ، وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة ، فأنزل الله عز وجل ، الآية يعزّيه بها ويخبره أنه سيحدث له في قلوب المؤمنين الذين هاجر إليهم محبة . وقيل : إن الله تعالى جعل له في قلوب المؤمنين محبة ، فلا ترى مؤمناً إلا يحبه .
هذا هو العطر الذي لا يشترى بمال ولا بجاه ولا سلطان وإنما يشترى بالجري في محاريب الطاعة وميادينها والسعي إلى رضوانه والعكوف على محبته بالليل حتى يفوح بالنهار وبالنهار حتى يظهر بالليل فأزل روائحك الكريهة بهجر النوم والوقوف بين يديه والابتعاد عن شباك المعصية وحماها
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأَصْحَابِهِ: ( مَنِ الْمُؤْمِنُ ؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ: ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَمُوتُ حَتَّى يَمْلَأَ اللهُ مَسَامِعَهُ مِمَّا يُحِبُّ، وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا اتَّقَى اللهَ فِي جَوْفِ بَيْتٍ إِلَى سَبْعِينَ بَيْتًا عَلَى كُلِّ بَيْتٍ بَابٌ مِنَ الْحَدِيدِ لِأَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ حَتَّى يَتَحَدَّثَ بِهَا النَّاسُ وَيَزِيدُونَ ) قَالُوا: وَكَيْفَ يَزِيدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: ( لِأَنَّ التَّقِيَّ لَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ فِي بِرِّهِ لَزَادَ ) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنِ الْكَافِرُ ؟ " قَالُوا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ: ( الَّذِي لَا يَمُوتُ حَتَّى يَمْلَأَ اللهُ مَسَامِعَهُ مِمَّا يَكْرَهُ، وَلَوْ أَنَّ فَاجِرًا فَجَرَ فِي جَوْفِ بَيْتٍ إِلَى سَبْعِينَ بَيْتًا عَلَى كُلِّ بَيْتٍ بَابٌ مِنْ حَدِيدٍ لِأَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ حَتَّى يُحَدِّثَ بِهِ النَّاسُ وَيَزِيدُونَ ) قَالُوا: كَيْفَ يَزِيدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " لِأَنَّ الْفَاجِرَ لَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ فِي فُجُورِهِ لَزَادَ ) شعب الإيمان ، وفي رواية أخرى : ( لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ عَمِلَ بِالْخَيْرِ فِي سَبْعِينَ بَيْتًا لَكَسَاهُ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ حَتَّى يُعْرَفَ )
ولذلك لا تنتظر من الناس مدحا بالنهار وثناء وأنت نائم بالليل فعلى قدر همتك وجريك وسعيك في المحراب التعبدي يلبسك الله رداءه ، فجمله وزينه وكبره وعطره إن كنت زكيا بالسعي لا بالنوم وبالكد لا بالراحة وبالنشاط والهمة لا بالكسل والفتور وبالطاعة والإيمان لا بالمعصية وإتباع الشيطان ، هذا ما جعل أبو بكر قبل وفاته ينصح به عمر ويشد على يديه : إني موصيك بوصية إن أنت حفظتها : إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وإن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة..... رواه ابن أبي حاتم وابن أبي شيبة وأبو نعيم في الحلية
3- عطر وذوق رفيع في السماء والأرض
العطر الجميل الغالي هو الذي ينتشر حتى يصل أثناء سير الإنسان وينتشر من حوله حتى يفوح ويصل إلى أكثر من مكان فيعرف به بين الناس أثناء مروره وحركته وعمله ، والمؤمن يفوح عطر الإيمان من جوارحه حتى يصل إلى عنان السماء فيخبر به ربه حتى يصل إلى ملائكة الرحمن ،
فمن يعرض عن هذه المنزلة الرفيعة والعالية إلا من ليس عنده إدراك ؟ أما العقلاء فيقبلون وكلهم شوق وحب ، عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ مَرْضَاة اللهِ فَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ اللهُ لِجِبْرِيلَ: إِنَّ فُلَانًا عَبْدِي يَلْتَمِسُ أَنْ يُرْضِيَنِي أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي عَلَيْهِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَى فُلَانٍ، وَيَقُولُهَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَقُولُهَا مَنْ حَوْلَهُمْ حَتَّى يَقُولَهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، ثُمَّ تَهْبِطُ لَهُ إِلَى الْأَرْضِ ) زاد الطبراني في الأوسط : فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وهي الآية التي أنزل الله عليكم في كتابه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) مريم: 96 وإن العبدَ ليلتمسُ سخطَ الله فيقول الله: يا جبريلُ إن فلاناً يسخطني، ألا وإن غضبي عليه، فيقول جبريل: غضبُ الله على فلان، ويقول حملةُ العرش، ويقول مَنْ دونهم، حتى يقول أهل السماوات السبع، ثم يهبط إلى الأرض ) رواه الطبراني
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله قد أحبّ فلانا فأحبه فيُحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في أهل الأرض ).رواه البخاري
إن كنت تريد هذا الخير وهذا الفيض فغير من حالك وبدل من وضعك يحبك الله ويضع لك القبول في الأرض بعد أن رش عليك من عطر الحب فيحبك الناس
4- ثوب مستورد نفيس
لا يقدر على شرائه إلا الأغنياء ولا يرتديه إلا القادة وكبار النفوس أما الصغار والهمل والرعاع فشعارهم معه النظر من بعيد لأنهم قرءوا عليه (ممنوع الاقتراب)
أهل الإيمان عندما يرتدون ثوب القيام والصيام والذكر وقراءة القرآن ويصلوا إلى درجة أن عداد الحسنات عندهم لا يقدر ولا يقوى على عد حسناتهم فإن الله عز وجل يلبسهم أجمل وأنفس أنواع الثياب مما يجعل من يخلطون بين الطاعة والمعصية يغبطونهم من بعيد ويتعجبون من جمال ثيابهم
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كَثُرَتْ صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)
5- ضياع الذوق وفساد العطر
أهل المعصية والنفاق والريب والكذب ومدمنوا الخيانة لا ذوق عندهم ولا قيمة لنظرتهم فلا تعبأ بها ولا تلفت إليها سينكرون جمالك لأن بصيرتهم ضعيفة ولربما أنكروا عطرك بالرغم من انتشاره لأن الزكام عم وانتشر من حولهم فهم في واد وأنت في واد فاحمد الله الذي عافاك مما ابتلاهم به ، ضاع ذوقهم وقل جمالهم وغاب عطرهم فلا تلتفت إلى حسدهم ومقتهم وغضبهم
يقول الله تعالى مخبرا عن روائحهم الكريهة ومحذرا من الركون إليهم أو السماع لهم ( يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ(96)التوبة
فلا تنتظر أخي الكريم محبة هؤلاء لأن هذا مستحيل ولا تستجدي منهم الرضا فإنه بعيد ولا تطلب منهم القرب فإنهم رجس يقول الشيخ الزحيلي : المنافقون أنجاس أرجاس رجسا معنويا يقتضي الاحتراز عنهم، كما يجب الاحتراز عن الأرجاس الحسية، خوفا من التأثر بأعمالهم والميل إلى طبائعهم. وزادهم رجسا أنهم حصب جهنم هم لها واردون، جزاء بما كسبوا في الدنيا من أعمال النفاق وخبث الأفعال وسوء الأخلاق . التفسير المنير للزحيلي
ضحكت فقالوا ألا تحتشم ...بكيت فقالوا ألا تبتسم.... بسمت فقالوا يرائي بها.... عبست فقالوا بدا ما كتم ...صمت فقالوا كليل اللسان ...نطقت فقالوا كثير الكلم ......حلمت فقالوا صنيع الجبان ولو كان مقتدرا لانتقم ...بسلت فقالوا لطيش به .. ..وما كان مجترئا لو حكم ....فأيقنت أني مهما أرد.... رضا الناس لابد من أن أذم
لا وزن لمحبة أهل المعصية , ولا قيمة لرضاهم يعرف ذلك أهل العقل والبصيرة النافذة لإيمانهم بأن عطرهم زكام ورضاهم سخط وجمالهم قبح والقرب منهم يحرق ويدمر عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) رواه البخاري ومسلم
أنت تعرفهم بسمتهم وصفاتهم فلا تلتفت إليهم ولا تكثر من الجلوس معهم إن مدحوك أو أثنوا عليك فهم يغرونك وإن ذموك فلن يضروك عن ابن مسعود قال : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم.
6- اجعل من نفسك معرضا للجمال يمشي بين الناس
جمال في حركة اليدين ومشي الرجلين وقسمات الوجه ونظرة العينين وفلتات اللسان ... ولن تكون هكذا إلا إذا استخدمت كل جوارحك في الطاعة وابتعدت بها عن المعصية.. أنفق وابذل الخير والمعروف بيديك وامشي إلى الخير برجليك ومتع لسانك بذكر حبيبك ونصب أقدامك بين يدي ربك ومولاك وسيدك ، وأكثر من النظر في كتابه ومطالعة آياته واملأ جوارحك بالتفكر في آلائه ونعمه ... لا تترك جارحة من جوارحك إلا وجعلت لها وردا وقسما من الطاعة ساعتها يكسوا الله كل أعضائك بالجمال والنور والبهاء فيراك الناس مَعرِضا له ، فتبهرهم بجمال يديك ووجهك وبصرك وقامتك ...ويصدق فيك قوله (وألقيت عليك محبة مني)
7- فتش معي رحمك الله
عن بائع العطر وحامل المسك وحائك الثياب ومنظفه لأني أريد أن أقتبس منه وأتعلم على يديه فهو دلال ماهر وصانع حاذق صادق .... يدل أهل الصلاح على مواطن الجمال ..وأماكن العطر .ومعارض الحسن ...ويحذر من أماكن القبح ....وموارد الهلاك
( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) الكهف
( وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) الأنعام
( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) البقرة
هل وجدته معي ؟ اسأل الله أن تلقاه وأن يلقاك في الدنيا فيكسوك من جماله ويفيض عليك من عطره
8- يريد الله أن لا يجعل لهم حظا
محروم من ضاع جماله واتسخت ثيابه بسبب إهماله ، يسير بين الناس أشعثا أغبرا مفلفل الشعر أفطس الأنف أسود اللون دميم الخلقة قعيد كفيف ....وهو يظن في نفسه أنه ملك الجمال وهو لا يدري أن كلاب الأرض تبغضه وهوامها تلعنه بسبب عفن ريحه وسوء وقبح منظره ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)التوبة كم وضع على جسده من المساحيق ولكن لا فائدة وكم جمل بين الناس من حديثه ولكن لا فائدة لقد كساه الله ثوب البغض والكره والذل ، فلو وضع مساحيق الدنيا كلها لن تجدي (إني أبغض فلانا ) من أجل ذلك أبعده وأقصاه عن ميادين الخير ومواطن النور
9- أثواب تراها وتحبها العوالم الأخرى حتى الجمادات
مع الطاعة تترنم بذكرك كل المخلوقات حتى الجمادات ( أُحد جبل يحبنا ونحبه )
عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَهُوَ بِدِمَشْقَ، فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ، أَيْ أَخِي ؟ قَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ ؟ قَالَ: لَا . قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِحَاجَةٍ قَالَ: لَا . قَالَ: مَا قَدِمْتَ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالِمِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ؟ وفي رواية الترمذي عن أبي أمامة إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير .
ثوب العلم جميل فضفاض من ارتداه كساه الله من البهاء والجمال والحسن والرضا حتى يسبق جماله وحسنه وبهاؤه كل من حوله فيصبح كالقمر بين النجوم
10- هل لك في جمال الصحابة ؟
إن أردت فتشبه بهم وقلد صنيعهم وسر على دربهم واقتفي أثرهم افعل الحسنات وابتعد عن السيئات ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) الفتح
يقول بن كثير وقوله: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) : قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ) يعني: السمت الحسن.وقال مجاهد وغير واحد: يعني: الخشوع والتواضع.وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن مجاهد: ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) قال: الخشوع قلت: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، فقال: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون.وقال السدي: الصلاة تحسن وجوههم.وقال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.تفسير بن كثير
وقال بعضهم: إن للحسنة نورا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس.
وقال أمير المؤمنين عثمان: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صَفَحَات وجهه، وفَلتَات لسانه.
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس، كما روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته. تفسير بن كثير
سيماهم في وجوههم هذا هو الثوب الذي كساهم الله إياه فتشبه بهم وافعل أفعالهم وتمسك بصنيعهم ، رحماء بينهم _ تراهم ركعا سجدا _ يبتغون فضلا من الله ورضوانا ...فإن الموعد الجنة
تشبهوا إن لم تكونوا مثلهم.........إن التشبه بالرجال فلاح
11- أهل التوسم يرقبونك فالحذر الحذر
اصنع لك مكانة في صدورهم واحجز لك مقعدا في قلوبهم وإياك أن تنزوي في ركن من أركان قلوبهم كالمعارضة في المجالس النيابية وماذا عساها أن تفعل وهي قلة ؟
في الصباح يرونك وتبدوا لهم أعمالك واضحة جلية فإما أن تُحَب وإما أن تُبغَض فارسم وضعك وحدد مكانتك ، الأذكياء يجمعون بالليل نورا يبهرهم ويلفت انتباههم بالنهار ، ويجمعون بالنهار زادا يملأ حقائبهم ويجذب أهل التوسم إليهم بالليل (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) (122)
(يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم )
قال ابن زيد في قوله:(وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس)، قال: الإسلام الذي هداه الله إليه (كمن مثله في الظلمات)، ليس من أهل الإسلام . وقرأ:( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )، سورة البقرة: 257. قال: والنور يستضيء به ما في بيته ويبصره، وكذلك الذي آتاه الله هذا النور، يستضيء به في دينه ويعمل به في نوره، كما يستضيء صاحب هذا السراج . قال:(كمن مثله في الظلمات)، لا يدري ما يأتي ولا ما يقع عليه .تفسير الطبري ، وفي مسند الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل )
فهيا بنا نجمع النور من أماكنه فالميدان واسع وأماكن النور كثيرة ( القيام والقرآن والذكر والصلوات ...حتى إذا رآنا أهل الفراسة أحبونا وأقبلوا علينا وباركوا مسعانا ودعوا لنا ، ولنبتعد عن أماكن الظلام ومراتع اللهو حتى لا نفضح أنفسنا أمامهم بعد ارتيادها والدخول فيها عن ثَوْبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احْذَرُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ، وَيَنْطِقُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ ). رواه الطبراني ، وروى الترمذي عن أنس ابن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل عبادا يعرفون الناس بالتوسم ) قال العلماء: التوسم تفعل من الوسم، وهى العلامة التى يستدل بها على مطلوب غيرها. يقال: توسمت فيه الخير إذا رأيت ميسم ذلك فيه، ومنه قول عبد الله بن رواحة للنبى صلى الله عليه وسلم:
إنى توسمت فيك الخير أعرفه * والله يعلم أنى ثابت البصر
توسمته لما رأيت مهابة * عليه وقلت المرء من آل هاشم
وقال ثعلب: الواسم الناظر إليك من فرقك إلى قدمك.
وأصل التوسم التثبت والتفكر ،وقيل : تفريغ القلب من حشو الدنيا، وتطهيره من أدناس المعاصي وكدورة الأخلاق وفضول الدنيا.وعن ابن عباس ( للمتوسمين ) قال: لأهل الصلاح والخير.تفسير الطبري بإيجاز
هؤلاء لابد من أن يصنع ويضع لهم المرء ألف حساب لأنهم يرقبون المرء بنور الله عن أنس قال : مررت في طريق فوقعت عيني على امرأة ثم دخلت على عثمان فقال : ما لي أراكم تدخلون عليّ وآثار الزنا عليكم؟! فقلت : أوحي نزل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا ولكن فراسة صادقة . تفسير النيسابوري ، قال يحيى بن سلام : قلب المؤمن نوريّ يعرف الحق قبل أن يتبين لموافقته له وهو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم ( اتقوا فراسة المؤمن فإِنه ينظر بنور الله ) وقيل : يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم به ولهذا يزداد نوراً على نور . قال أبي بن كعب : المؤمن بين أربع خلال : إن أعطي شكر وإن ابتلي صبر وإن قال صدق وإن حكم عدل . فهو في سائر الناس كالرجل الحي الذي يمشي بين أموات يتقلب في خمس من النور : كلامه نور ، وعلمه نور ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة . قال الربيع : سألت أبا العالية عن مدخله ومخرجه فقال : سره وعلانيته .تفسير النيسابوري
فلا تفضح نفسك بينهم وسجل اسمك في دواوين قلوبهم
12- انقع ثوبك جيدا
الثوب قبل الغسيل ووضع ورش العطر عليه يختلف عنه تماما بعد الغسل ونقعه بالماء الطاهر والصابون الجيد وكلما اجتهد الإنسان في غسله وتنظيفه وكيه ظهر عليه الجمال والحسن ولفت الانتباه
ولذلك الأذكياء يجتهدون في غسل الثوب بأنواع المنظفات المتعددة ولا يكتفون بنوع واحد حتى يظهر جمال الثوب الحقيقي ويبدوا للناس على طبيعته فيبهرهم منظره ويجذبهم جماله
في بعض الأحيان يخرج الإنسان من البيت مرتديا من الثياب أجمله وأبهاه وقد وضع ورش من العطر أحلاه وأثناء عودته إلى بيته لربما عاد وقد اتسخ ثوبه فيضطر إلى خلعه ونقعه من جديد حتى يعود كما كان أو أفضل مما كان , وأنا وأنت في حاجة إلى نقع الثوب بين الحين والحين في غسالة الحسنات لتطهيره مما علق به من أدران وأوزار وسيئات
وكم عندنا من غسالات لتطهير الأبدان على مدار اليوم والأسبوع والعام والعمر مثل الصلوات الخمس والجمعة ورمضان والحج والجهاد والتفكر... والنوافل المتعددة بين الجميع
أخيرا
لقد دخل أسيد ومعاذ الإسلام وبعد دخولهما جاءا إلى قومهما بغير الوجه الذي خرجا به فهل يرانا الناس غدا بوجه جديد بعد الصلاة ؟ هل يرانا الناس بوجه جديد وثوب جديد كل يوم في الصباح بعد أن قضينا ليلة في رحاب القيام القرآن ؟ هل يرانا الناس بعد العودة من الحج بملابس جديدة يرونها على أجسادنا ولا نراها ؟ هل يراك الأهل عند دخولك وعودتك إليهم بوجه جديد وبقلب جديد وببسمة جديدة تطرد بها إبليس وتجذب بها الملك ؟هل يراك أصدقاؤك في العمل وفي الحقل الدعوي كل مرة بوجه أفضل مما كنت عليه يرونك قد ازددت حسنا وبهاء وحبا في قلوبهم؟ هل يرى جيرانك بيتك يشع بالنور ويتراءى لهم بالخير بعد أن عمرته بركعات وتلاوة آيات في ظلام الليل ؟ اجعل الناس من حولك إذا رأوك يقولون لقد جاء بغير الوجه الذي خرج به ، واحذر أن تتحول بينهم إلى خبيث مبغوض كسلان بسبب كثرة نومك وعدم جدك واجتهادك وارتفاع فتورك وقلة طاعتك وكثرة معصيتك ، اجعل لك مرآة تستعرض على وجهها حسنك وقبحك من أعمالك تنظر فيها قبل الخروج إلى الناس ، تريك العيوب والمحاسن ، واحذر أن تكون مرآتك كثيرة القذى فتقودك إلى الردى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) )
كن غنيا أخي الكريم وارتدي من ثياب الإيمان أجمله وأغلاه وألزم نفسك به وحافظ عليه حتى لا تتعرض للعقوبة من جهات المراقبة والمتابعة وادخل إلى معارض الأزياء في أيام الربح ومواسم الخير واملأ جوارحك وواري عوراتك حتى تسابق الأحرار أو تزاحمهم كتفا بكتف وقدما بقدم ..
أسأل الله العظيم أن يلبسنا حلة الإيمان ورداء التقوى وأن يصلح من أحوالنا وأن يمتعنا بدعوتنا آمين ..آمين والحمد لله رب العالمين

هناك تعليق واحد:

  1. الفقير إلى عفو الله20 أكتوبر 2010 في 2:45 م

    بارك الله لكم ونفع بكم وقدر لكم الخير حيثما كنتم

    ردحذف