عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم , وفضله على كثير ممن خلق , وكرمه بالعقل والفهم على سائر المخلوقات , يقول تعالى :" وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ". الإسراء الآية: (70) , " لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " التين الآية :4 .
وخلقة الإنسان مختلفة من فرد إلى آخر , وبنيان وهيكل أجسادهم ليس واحداً في الشكل , فهذا طويل والآخر قصير , وهذا أبيض والآخر أسود , هذا جميل والآخر دميم .. , هذا عربي والآخر أعجمي , وهذا الاختلاف آية من آيات قدرة الله وإبداعه في خلقه , يقول تعالى : "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ " فاطر الآية : (22) , روى الإمام أحمد بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، جاء منهم الأبيض و
الأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن، وبين ذلك".رواه أبو داود والترمذي من طرق، عن عوف الأعرابي، به . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وكل شريحة تستريح لأختها , تأتلف معها وتسكن إليها , أو تختلف وتفترق وتتناكر معها, فالخبيث مع الخبيث يسكن, والسهل مع السهل يأتلف, والحزن مع الحزن يمكر, والمنافق مع المنافق يدبر ويخون , والكافر مع الكافر يوالي ويؤيد.. .., "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " النور الآية : (26) .
"الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " التوبة الآية : (67)
"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " التوبة الآية: (71)
ولقد أمر القرآن المؤمنين بموالاة المؤمنين , والبراء من الكافرين والمنافقين , - في الحياة الاقتصادية , والسياسية , والاجتماعية , والفكرية ..- حتى لا يعدوهم بكفرهم ونفاقهم , كما يعدي الصحيحَ الأجربُ , يقول تعالى :" إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " المائدة الآيات : 55- 57 .
ويقول تعالى :" وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " البقرة الآية : (221)
ويقول تعالى :" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا " الفرقان الآية : (31)
ويقول تعالى :"قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " الممتحنة الآيتان : 4, 5.
نهي واضح على عدم مصاحبة صحيح العقيدة لمعتلها , وسليم العبادة للمقصر والمفرط فيها , والطائع للعاصي , والمؤمن للكافر أو المنافق , والحر الشجاع المعتدل للمسوخ الذليل الخانع.. , فعلى الأحرار أن يأخذوا حذرهم وأن يتعلموا ويأخذوا بتوجيهات ربهم في الولاء , ونصائح نبيهم صلى الله عليه وسلم في البراء , حتى لا يصابوا بما أصيب به خصمهم وعدوهم من مسخ في أبدانهم , ودمامة في خُلقهم .
الدمامة بين البدن والعقل:
الدَّمَامةُ بالفتح : القِصَرُ والقُبْحُ ورجُلٌ دَميم - ..ومنه حديث عمر [ لا يُزوّجَنّ أحدُكم ابْنَته بدَمِيم ]- النهاية في غريب الأثر لابن الأثير2/330, دَمَامَةً بِالْفَتْحِ قَبُحَ مَنْظَرُهُ وَصَغُرَ جِسْمُهُ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الدِّمَّةِ بِالْكَسْرِ وَهِيَ الْقَمْلَةُ أَوْ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ فَهُوَ دَمِيمٌ.المصباح المنير 3/257
هذا عن دمامة الخِلقة , أما دمامة الخُلق فحدث ولا حرج , فكم رأينا بشرا دميمة خِلقتهم حسنة معتدلة أخلاقهم وأفعالهم , وبشرا حسنة خِلقتهم دميمة أخلاقهم وأعمالهم .كم رأينا بشرا ارتفع جمالهم حتى أصبح حديث الناس , ولكننا رأينا عقولهم ممسوخة , وكم رأينا أبدانا معوقة , وأجسادا مشوهة , وخِلَقا دميمة , ولكن أفكارها معتدلة تزن أمة , وترجح بجماعة لو وزنت بها , وتصلح لأن تسوس دولة لو حكمتها .... , إن جمال البدن يبهر العين , وجمال الفكر يبهر العقل , وشتان بين انبهار العين والعقل , فالعين تحكم على المظاهر والعقل يحكم على الجواهر .
هذا عمرو بن الجموح – رضي الله عنه وأرضاه – كان أعرجا شديد العرج ولكن عقله وفكره معتدلا , خرج يوم أحد بعد أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبنائه , فقهر عذره , ونال كرامة الله وتكريمه , فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه : "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ", ثم قص علينا التاريخ قصة أخرى لعمرو في خلافة معاوية يوم أن جرف السيل قبره فحفروا عنه ليغيروا من مكانه , فوجدوه كما هو كأنه مات بالأمس .روى الإمام مالك بسنده عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّيْنِ ثُمَّ السَّلَمِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مِمَّنْ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَأُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جُرْحِهِ ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً".
أين هذا من الممسوخ عبد الله بن أبي بن سلول الذي رفع شعار : علام نقتل أنفسنا ثم عاد بثلث الجيش ؟!
إن عمرو رضي الله عنه كان أعرج الساق مستقيم القلب , من أجل ذلك عدل الله له ساقه في الجنة , وجعل له آية بعد وفاته , أما الممسوخ المنافق عبد الله بن أبي كان معتدل القامة ممسوخ القلب أعرج الفكر , فنال ذل التاريخ وخسارة الذكرى الحسنة في الدنيا والفوز في الآخرة .
وهكذا كان أسامة رضي الله عنه كانت به دمامة خِلقة كما جاء في الحديث :" كانت بأُسَامة دَمامةٌ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : قد أحْسنَ بنَا إذ لم يكن جاريةً".النهاية في غريب الأثر لابن الأثير 2/330 المكتبة العلمية بيروت , ولكن أسامة رضي الله عنه سبق أقرانه وتغلب على دمامة خِلقته بحسن خٌلقه وقوة بصيرته وعلو فهمه , فقاد جيشا فيه الصديق وعمر رضي الله عنهما ,ولقب بالحب بن الحب , وكتب الوحي , وتعلم لغة يهود في أيام معدودات ..
وهكذا جليبيب رضي الله عنه كان دميما في خلقته , عن أنس - رضي الله عنه - قال : كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له : جليبيب ، في وجهه دمامة فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التزويج فقال : إذا تجدني كاسدا ، فقال : « غير أنك عند الله لست بكاسد »رواه أبو يعلى في مسنده 7/367 برقم 3253. وروى مسلم بسنده عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ , فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ , فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا , ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا : نَعَمْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا , ثُمَّ قَالَ :هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: لَا , قَالَ : لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ , فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى , فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ , فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَقَفَ عَلَيْهِ , فَقَالَ: قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ ! هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ه, َذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ " , قَالَ : فَوَضَعَهُ عَلَى سَاعِدَيْهِ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سَاعِدَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلًا".
وهذا عطاء بن أبي رباح صنع حياته ودخل التاريخ من أوسع أبوابه رغم دمامة خلقته , فهو المولى المفلفل الأفطس الأسود الأشل , وهو المحدث الفقيه الأصولي اللغوي , ورحم الله الإمام البنا قال : إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة الباقية الخالدة .. رسالة الجهاد
وهكذا الأعمش محدث الدنيا مولى ضعيف البصر فقير ذات اليد , ممزق الثياب , رث الهيئة, والأحنف بن قيس الحكيم الحليم كانت به دمامة , فهو النحيف الجسم الأحدب الظهر الأحنى الساقين , ولكنه قهر عذره وتغلب عليه بحسن عمله وجميل سيرته وكثرة علمه , واعتدال فكره .
إن بيننا اليوم أقواما معتدلي القوام عليهم من كل زينة وجمال , ولكن دمامة أخلاقهم , ومسخ قلوبهم وعقولهم , جعل أعمالهم أعمال قرود , وأخلاقهم أخلاق خنازير , وحركاتهم حركات حمير , وتفكيرهم تفكير سنانير .. فهم أنعام في صورة إنسان ..يقول تعالى :" ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ". البقرة الآيتان : 65 , 66. كم بيننا من أقوام نراهم يقترفون ما اقترف أجدادهم , وينتهكون ما انتهكوا , يقلدون صنيعهم , ويحاكون جرمهم وعنادهم , يحتالون على شريعة الله كما احتال من سبقهم , يزيفون ويبدلون ويغيرون ويحرفون , يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ" , لم يرضوا بآداب الدين ، فخرجوا من محيط الكمال الإنساني ، ورتعوا في مراتع البهيمية ، كالقرد في نزواته ، والخنزير في شهواته ، رأينا مسخ عقولهم , ورداءة تفكيرهم , وهم يرتمون ارتماء المتهالك , ويلهثون لهاث الكلب العقور , حيث قادتهم نزواتهم وشهواتهم إلى الفوز بالسفال والخسار...
إن قوما بهم دمامة في خلقتهم , ولكنهم غرس من غرس الله , استخدمهم الله في طاعته والدعوة إليه , روى الإمام أحمد بسنده عَنْ بَكْرِ بْنِ زُرْعَةَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " لَا يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ بِغَرْسٍ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ".وإن خلقا معتدلي القامة والقوام عليهم من كل زينة وجمال , ولكن دمامة أفعالهم وأخلاقهم طردهم من هذا التكريم ولم يجعل لهم حظا بين السعداء , "وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " آل عمران الآيتان : 176 و 177.
مصانع الممسوخين:
لقد تعددت مصانع الممسوخين وأصبح لها روادا يلقنون المسخ ويتلقنونه , يعلمون ويتعلمون , بل قل إن شئت لقد تعددت أدوات المسخ في يد دعاته , فمثلا :
- بعض المدارس والجامعات أصبحت مرتعا ومكانا خصبا للمسخ بعد أن سيطر عليها أغلبية ممسوخة عقليا وفكريا وثقافيا , فقصت المناهج التعليمية , وغيرت الثقافة التربوية ونقل الكفء وجيء بالضعيف عريض الوساد ليلقن , فأنتجت جيلا ممسوخا قل فهمه وضعف إدراكه.
- بل الأدهى والأمر أن تنشأ حضانات ومدارس وجامعات خاصة بالمسخ فمهمتها مسخ الهوية الإسلامية من عقول طلابها , وغايتها القضاء على كل رائحة إسلامية في الحياة العامة والخاصة .., وهذه الحضانات والمدارس والجامعات ما أكثرها بيننا اليوم ..
- بل الأدهى والأمر أن نجد مؤسسة كالأزهر الشريف يحذف هذا العام من منهاجه ما لا يتوقعه معلم أو متعلم , فعلى سبيل المثال يحذف من كتاب واحد في عام واحد – المطالعة والنصوص - أكثر من مائة صفحة , وإذا ما نقبت عن المحذوف وجدته محركات العقول وباعث والهمم النشاط - حذف من النصوص النثرية عشرة موضوعات في قمة الروعة , وترك أربعا منها واحد يحفظ والبقية دراسة ..وحدث ولا حرج في بقية المناهج..
- بل الأدهى والأمر أن نجد بعض المؤسسات الكبرى في الدولة تغمس أفرادها في داخل حضانات وصوب المسخ , متعمدة مسخهم وصياغة عقولهم على عينها , فاختارت من بين أبناء المجتمع أشخاصا ممسوخين فكريا ودينيا , ثم وضعت لهم مناهج خاصة بالمسخ , وبرامج تربوية وتدريبية لمسخ عقولهم , ظلت هكذا طيلة سنوات دراستهم حتى خرجوا ممسوخين مسخا تاما .... واستمرت معهم في نهجها بعد تخرجهم واستلامهم لأعمالهم حتى بعد خروجهم من الخدمة , لم تنزع غطاء مسخها عن عقولهم يوما خوفا من شرودهم وارتمائهم في أحضان الغرس الطيب ..
- وبعض وسائل الإعلام : كالقنوات الفضائية , والمجلات والإذاعات مهمتها نشر المسخ الفكري , والقضاء على مستلزمات الوعي والإدراك الشامل والكامل لدى أبناء أمتنا , فهي تعمل جاهدة ليلا ونهارا على مسخ العقول , وقتل الفهم الصحيح المعتدل , ينفق عليها مليارات الجنيهات من أجل السير في مهمتها وعدم التوقف , وإننا نلحظ يوما بعد يوم كثرة إنتاجها وقوة تأثيرها في قليلي الفهم عريضي الوساد , بليدي العقل.
- وبعض المساجد يعمل الأئمة فيها على مسخ العقول والأفهام , فلا تغيير عندهم ولا تطوير لخطابهم , فهم كمدرس الابتدائي الذي قبع في فصله لعشرات السنين دون أن يخرج طالبا واحدا ليلحق بالإعدادية أو الثانوية أو الجامعة .. ومن أصيبوا براحة في عقلولهم , ولم يعرفوا آهات الجدية يحبون هذه الألوان الخطابية , فخطبة هذا الرجل ثلث ساعة , عبارة عن قصة بعيدة عن واقع الناس , إنه يخطب في واد وواقع الناس في واد آخر . .. لقد أصبحت بعض المساجد حضانات لصناعة الممسوخين عقليا وفكريا وثقافيا.. , وحتى لا تعدى من هؤلاء , فلا ترتاد أماكنهم , ولا تصلي خلفهم خوفا على نفسك من العدوى , وإن كانت صلاتك صحيحة , فالصلاة خلف البار والفاجر صحيحة , ولكن ابحث لك عن خطيب أو داعية همام يستنهض هممك , ويشد من عزيمتك ..
- وبعض الاتجاهات الإسلامية المعاصرة تمسخ عقول أتباعها بربطها الحق برايتها وأشخاصها , وليس بالله والإسلام , فإذا مالت رايتهم وانحرف حزبهم , وضل شيخهم , مالوا , وانحرفوا , وضلوا معه.. وهذا ما نراه اليوم , فهل رأيتم أقل عقلا , وأمسخ فؤادا من صاحب اتجاه يؤيد ظالما ويسكت عن نصرة حق , يرغي ويزبد عند الهاشتاج محرما قوله موبخا كاتبه , ويغمض عينيه عند اغتصاب الحرائر واعتقال الشرفاء وقتل الشباب وحرق جثثهم ؟. وبالرغم من ذلك مازال من الممسوخين من يؤيده ويدافع عنه...
- وللحديث بقية.. نسأل الله القبول .
ما شاء جزاكم الله خيرا
ردحذف