ماذا لو كنت ....؟

عاطف أبو زيتحار 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
اتصل بي وسألني عن أهلي وولدي , فقصصت عليه بعض ما عندي , فقال في حسرة : حسبنا الله ونعم الوكيل , ماذا لو كنت قسيساً ؟ فقلت له : لا تتحسر لو كنتُ قسيساً للبست الذهب وركبت أجمل سيارة .
لو كنتُ قسيسا لقبلوا يدي كلما رأوني . 
لو كنتُ قسيساً لتحركت بحرية وقلت ما شئت في كنيستي. 
لو كنتُ قسيسا لنمت آمنا في بيتي وبين أولادي . 
لو كنتُ قسيساً لجمعت المال والأطيان من وقف الكنيسة وغيره . 
لو كنتُ قسيسا لعُين لي من يحرسني ولتمتعت بحصانة كحصانة القاضي والبرلماني. 
لو كنتُ قسيسااً لكنت قاضياً آمر فينفذ أمري وأنهى فيجتنب نهيي وأحكم فيقضى بحكمي. لو كنتُ وزيراً لكنت من الأسياد. 
لو كنتُ قسيس لسافرت إلى أي بلد في أي وقت . 
لو كنت قسيسا لعجل الله لي الطيبات . 
لا تتحسر 
لو كنت قسيسا لما تربيت في الأزهر الشريف .
لو كنت قسيساً لما حفظت القرآن. 
لو كنت قسيساً لما التحقت بقسم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -وعلومه . 
لو كنت قسيساً لدلست وكذبت على النبي - صلى الله عليه وسلم - , وحرفت آيات القرآن. 
لو كنت وكنت لخسرت الدنيا والآخرة. 
لو كنت وزيرا لما أذاقني الله حلاوة الابتلاء فيه. 
لا تتحسر 
لو كنت وزيراً لما تلذذت بقول الله - عز وجل - :" أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " العنكبوت الآيات : (2 : 6) " فالحمد لله الذي بلغنا إياها , وجعلنا ممن يؤمن بها. 
لو كنت وزيراً لما علمت بيان الحكمة في تضييق الله على العبد رزقه، وتوسيعه، هو الابتلاء لأجل الصبر والامتحان لأجل الشكر، فيالخيبة من لم يصبر، عند التضييق عليه، ولم يشكر عند التوسعة له. 
لو كنت وزيراً لما علمت أن الابتلاء : هو الاختبار والامتحان لإظهار ما عليه الممتحن من قوة أو ضعف. 
لو كنت وزيراً لما علمت بيان العلة في وجود الزينة على هذه الأرض، وهي الابتلاء والاختبار للناس ليظهر الزاهد فيها، العارف بتفاهتها وسرعة زوالها، وليظهر الراغب فيها المتكالب عليها الذي عصى الله من أجلها. يقول الشيخ الجزائري في أيسر التفاسير في قوله تعالى:" قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " (سبأ الآية:36) : أي قل يا رسولنا مرة أخرى تقريراً لهذه الحقيقة العلمية التي خفيت على الناس وجهلها قومك وهي أن الله يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً لا حباً فيه ولا بغضاً له , وإنما امتحاناً له هل يشكر أو يكفر فإن شكر زدناه وأكرمناه وإن كفر سلبناه ما أعطيناه وعذبناه، {وَيَقْدِرُ لَهُ} أي لمن يشاء من عباده ابتلاءً له لا بغضاً له ولا حباً فيه, وإنما لننظر هل يصبر على الابتلاء أو يسخط ويضجر فنزيد في بلائه وشقائه..) أيسر التفاسير 4 /326. 
لو كنت وزيراً لما تعلمت أنه لابد من الابتلاء لمن دخل في الإسلام ليكون الإيمان على حقيقته لا إيماناً صورياً أدنى فتنه تصيب صاحبه يرتد بها عن الإسلام. لو كنت قسيساً لما أيقنت أن الابتلاء يكون بالسراء والضراء أي بالخير والشر وأسعد الناس الشاكرون عند السراء الصابرون على طاعة الله – عز وجل -ورسوله – صلى الله عليه وسلم - عند الضراء. 
لو كنت وزيراً لما تعلمت أن الابتلاء من الله نعمة لا تصيب إلا من يريد الله له به الخير , فإذا أصابت أولياءه فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم - ولو وقع الابتلاء مترتباً على تصرفات هؤلاء الأولياء - فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف ، وفضل الله على أوليائه المؤمنين . 
لو كنت وزيراً لما علمت أن الله يأخذ عباده بالشدة في أنفسهم وأبدانهم وأرزاقهم وأموالهم ..., ليس للعبث , وليس لإرواء غلة ولا شفاء إحنة , ( وإنما ليوقظ الفطرة التي ما يزال فيها خير يرجى؛ وأن يرقق القلوب التي طال عليها الأمد متى كانت فيها بقية؛ وأن يتجه بالبشر الضعاف إلى خالقهم القهار؛ يتضرعون إليه؛ ويطلبون رحمته وعفوه؛ ويعلنون بهذا التضرع عن عبوديتهم له - والعبودية لله غاية الوجود الإنساني - وما بالله سبحانه من حاجة إلى تضرع العباد وإعلان العبودية : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } (الذاريات الآيات56 : 58) ولو اجتمع الإنس والجن - على قلب رجل واحد - على طاعة الله ما زاد هذا في ملكه شيئاً , ولو اجتمع الإنس والجن - على قلب رجل واحد - على معصيته - سبحانه - ما نقصوا في ملكه شيئاً ( كما جاء في الحديث القدسي ) .الظلال3 /258 
لو كنت وزيراً لما علمت أن الشدة تستثير عناصر المقاومة , وقد تذكر صاحبها بالله - إن كان فيه خير - فيتجه إليه ويتضرع بين يديه ، ويجد في ظله طمأنينة ، وفي رحابه فسحه ، وفي فرَجه أملاً ، وفي وعده بشرى . . , فأما الابتلاء بالرخاء فالذين يصبرون عليه قليلون , فالرخاء ينسي ، والمتاع يلهي ، والثراء يطغي , فلا يصبر عليه إلا الأقلون من عباد الله . 
لا تقل لي ماذا لو كنت وزيراً ؟ قل لي: ماذا لو كنت نورانياً , أقل لك : أعيش في رغد من العيش , مالي لم يصادر ,وعرضي لم يدنس ,ومسجدي لم يغلق , والفضائيات ترحب بي كلما اتصلت .., ولكن سيلاحقني الذل والعار , وسيلعنني التاريخ يوما ما . 
لا تقل لي ماذا لو كنت وزيراً ؟ , قل لي : ماذا لو كنت ميزو ومن على شاكلته؟ أقل لك: لو كنت ميزو لفتحت لي القنوات الفضائية أبوابها ,ولتبوأت أكبر المناصب الدينية, ولسافرت إلى أمريكا وكندا ولأغدقت علي الأموال .., ولكني سأكون ديوثاً يلعنني أهلي وولدي والمؤسسة التي نبت لحم عقلي فيها. 
لن أكون وزيرا ولا ميزو ولا برهامي , سأظل أزهرياً وسطياً ما بقيت أردد قول الله تعالى :" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (هود الآيات : 112 : 115)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق