عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المعلوم أن مصطلح العدل يقابله الظلم , والتعديل يقابله التجريح ( ), والاعتدال يقابله الجمود والغلو والتطرف.., ولذلك كثُرت التعريفات الاصطلاحية للاعتدال ومشتقاته في السياسة والاقتصاد , في الأخلاق والسلوكيات , في المادة والثروة , في الكسب والغنى , في الجهاد والدعوة , في العقيدة والعبادة :
1 - فعرفه العلامة علي بن محمد السيد شريف الجرجاني ( ) بقوله:الاعتدال في الشرع : عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينه. والعدل : عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط ( ).
2- وعرفه الشيخ المراغي ( ) بقوله : الاعتدال : الوسط بين الإفراط والتفريط ( ).
3- وعرفه الإمام الغزالي ( ) : الاعتدال هو الميزان الصحيح لجميع أنواع السلوك ، والخروج عن حد الاعتدال إلى الإفراط أو التفريط ، هو مصدر الأمراض النفسية ، والعلاج هو العودة إلى الاعتدال الواجب( ).
3- وعرف أبو البقاء العكبري ( ) الاعتدال بقوله : هو توسط حال بين حالين في كم وكيف. ( ).
4 – وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : والاعتدال في الصلاة : هو القيام مع الطمأنينة بعد الرفع من الركوع ، وهو ركن في الفرض والنافلة ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته:" ثم ارفع حتى تعتدل قائماً "( )، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - داوم عليه ؛ لقول أبي حميد في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه" ( ) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :" صلوا كما رأيتموني أصلي"( ) , ويدخل في ركن الاعتدال الرفع منه لاستلزامه له ، وفرق المالكية وبعض الحنابلة بينهما فعدوا كلاً منهما ركناً ؛ قال المالكية : وتبطل الصلاة بتعمد ترك الرفع من الركوع ، وأما إن تركه سهواً فيرجع محدودباً حتى يصل لحالة الركوع ثم يرفع ، ويسجد بعد السلام إلا المأموم فلا يسجد لحمل الإمام لسهوه ، فإن لم يرجع محدودباً ورجع قائماً لم تبطل صلاته مراعاة لقول ابن حبيب : إن تارك الرفع من الركوع سهواً يرجع قائماً لا محدودباً كتارك الركوع ؛ ثم إن أكثر المالكية على نفي ركنية الاعتدال ، وأنه سنة . قالوا : فيسجد لتركه سهواً ، وتبطل الصلاة بتركه عمداً قطعاً ؛ لأنه سنة شهرت فرضيتها ( ).
5-وعرف الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري – رحمه الله - الاعتدال السياسي بقوله: أن يأخذ المرء موقفاً ينزع نحو المهادنة وتقديم التنازلات في سبيل تحقيق قدر من العدل والسلام. والتطرف، على خلاف الاعتدال، هو: تجاوز حد الاعتدال ؛وهو على زنة تفعُّل , من تطرف ؛ والطرف هو: حافة الشيء ؛ والتطرف، في المصطلح السياسي، هو: أن يتمسك المرء بموقفه وبالحد الأقصى لا يحيد عنه ولا يقبل تقديم أية تنازلات , ولا يتهاون بغض النظر عن الأوضاع والملابسات المحيطة بالموقف. ومصطلحاً الاعتدال والتطرف شائعان في الخطاب السياسي، فيوصف إنسان بأنه متطرف , وآخر بأنه معتدل حسب ما يتخذانه من مواقف ؛ ولكن ما يغيب عن الكثيرين أن التطرف والاعتدال يُقاسان بالنسبة إلى مرجعية ما كامنة ، فما هو متطرف من وجهة نظر ما قد يكون اعتدالاً من وجهة نظر أخرى ، وكل شيء يعتمد على المرجعية ؛ وما يفوت من يستخدمون مثل هذه المصطلحات أن أسباب الصراع (في المجال السياسي والاقتصادي) ليس لها علاقة كبيرة بما يُسمَّى العُقد النفسية والتاريخية ، وإنما هي في العادة أسباب بنيوية ، لصيقة بالعلاقات التي توجد في الواقع ؛ وطالما ظلت البنية الشاذة ظل الصراع ، أي أن القضية ليس لها علاقة كبيرة ، في كثير من الأحوال ، مع الحالة النفسية أو مع مدى استعداد أحد أطراف الصراع لإظهار الاعتدال والتسامح , ولذا فنحن نذهب إلى أن مصطلحي الاعتدال والتطرف , ليس لهما مقدرة تفسيرية عالية في مجال السياسة والاقتصاد( ).
وهكذا كثرت التعريفات الاصطلاحية لكلمة الاعتدال , والمقصود به هنا , الاعتدال في فهم السنة النبوية المطهرة , فلا إفراط ولا تفريط , ولا جمود ولا تطرف ولا غلو , بل توسط واعتدال .
فضل الاعتدال:
إن الاعتدال من أخلاق الأنبياء ؛ عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما- أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم –قال:"إن الهدي الصالح , والسمت الصالح ,والاقتصاد ,جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة"( ),قوله :" والاقتصاد " أي : سلوك القصد في الأمور القولية والفعلية ,والدخول فيها برفق على سبيل يمكن الدوام عليه( ) , والاعتدال أيضاً يخفف الحساب يوم القيامة , عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول :" قال الله عز وجل: ] ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [ فأما الذين سبقوا بالخيرات فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ,وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً ,وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون]: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [إلى قوله:] لُغُوبٌ [ ( ), ومن فضائل الاعتدال أنه يعين المسلم على الانتفاع بوقته ( فالمسلم المعتدل يحافظ على وقته وذلك بتنظيمه وتقسيمه تقسيماً مناسباً , بحيث لا يطغى جانب من جوانب حياته من عمل أو عبادة أو نوم أو لهو محمود على جوانب أخرى..) ( ).
هذا عن فضل الاعتدال أما عن أنواعه: فأنواع الاعتدال تشمل كل أمر يقوم به المسلم , سواء كان من العبادات أو العادات, يقول الإمام ابن القيم في الفوائد : وضابط هذا كله العدل, وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط, وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة, بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به؛ فإنه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك؛ وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك, إذا كانت وسطاً بين الطرفين المذمومين كانت عدلاً وإن انحرفت الى أحدهما كانت نقصاً وأثمرت نقصاً.
فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود, ولا سيما حدود الشرع المأمور والمنهي؛ فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود, حتى لا يدخل فيها ما ليس منها ولا يخرج منها ما هو داخل فيها؛ قال تعالى: ] الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ [( ), فأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلاً, وبالله التوفيق( ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق