عاطف أبو زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الهجرة إلى الحبشة
لقد فرت بدينها وضحت وهاجرت وركبت البحر وعانت من ويلات السفر وملاحقة الأعداء , ففي الفوج الأول من الهجرة الأولى إلى الحبشة المكون من بضعة أسر, كما روى الواقدي أن خروجهم إليها في رجب سنة خمس من البعثة ، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا وأربع نسوة، وأنهم انتهوا إلى البحر ما بين ماش وراكب، فاستأجروا سفينة بنصف دينار إلى الحبشة( ).
لقد كانت المرأة بجوار الرجل كتفاً بكتف , فكان أول من هاجر كما ذكر المؤرخون وأصحاب المغازي والسير : رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مع زوجها عثمان بن عفان – رضي الله عنهما- , وسهلة بنت سهيل بن عمرو خرجت مراغمة لأبيها فارة عنه بدينها، زوجة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة الذي خرج هو الآخر هاربا عن أبيه بدينه , وولدت لزوجها بأرض الحبشة: محمد بن أبي حذيفة صنو الزبير بن العوام ؛ وأم سلمة بنت أبي أمية زوجة أبو سلمة بن عبد الأسد ؛ وليلى بنت أبي حثمة بن غانم العدوية زوجة عامر بن ربيعة حليف آل الخطاب ؛ وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو زوجة أبي سبرة أبي رهم العامري، ثم خرجت بعدهن أسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب ، وولدت له هناك بنيه: محمدا وعبد الله وعونا ؛وفاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن شق بن رقبة بن مخدج الكنانية زوجة عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية , وأمية بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن يثيع الخزاعية زوجة خالد بن سعيد بن العاص, وولدت له هناك ابنه سعيدا وابنته أم خالد واسمها آمنة بنت خالد ؛ وأم حبيبة بنت أبي سفيان زوجة عبيد الله بن جحش الذي تنصر وارتد عن دينه ومات نصرانيا , ففارقته وتزوجت بعد عودتها برسول الله – صلى الله عليه وسلم - , وبركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب زوجة قيس بن عبد الله حليف لبني أمية بن عبد شمس , وحرملة بنت عبد الأسود بن جذيمة بن الأقيش بن عامر بن بياضة بن يثبع بن جعثمة بن سعيد بن مليح بن عمرو من خزاعة زوجة جهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدري , وريطة بنت الحارث بن جبيلة بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة زوجة الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وولدت له هناك موسى وزينب وعائشة وفاطمة , وفاطمة بنت المجلل العامرية زوجة حاطب بن الحارث بن معمر الجمحي ، وولدت له هناك محمدا والحارث , وفكيهة بنت يسار زوجة حطاب بن الحارث بن معمر الجمحي , وحسنة زوج سفيان بن معمر بن حبيب الجمحي، وعمرة بنت أسعد بن وقدان بن عبد شمس العامرية زوج مالك بن ربيعة بن قيس العامري , وسودة بنت زمعة زوج السكران بن عمرو , وبعد عودتهم في المرة الأولى ظانين هدوء قريش وعدم ملا حقتها , عادوا مرة ثانية إلى الحبشة بعد أن اشتد إيذاء قريش وهاجر معهم خلق كثير .
يقول بن اسحاق وغيره: ثلاثة وثمانون رجلاً إن كان عمار بن ياسر فيهم واثنان وثمانون رجلاً إن لم يكن فيهم ، قال السهيلي: وهو الأصح عند أهل السير كالواقدي، وابن عقبة وغيرهما( ) وثماني عشرة امرأة: إحدى عشرة قرشيات، وسبع غير قرشيات، وذلك عدا أبنائهم الذين خرجوا معهم صغارًا، ثم الذين ولدوا لهم فيها( ).
لقد ثبتت المرأة في هجرتها هذه على دينها رغم مفارقة زوجها له , ومن ذلك أم حبيبة – رضي الله عنها - , تحملت في ذات الله الكثير , وكانت مكافأتها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زوجا لها .
وظلت بجوار الزوج والأولاد ترعى وتربي , وتدعوا إلى الله , وتضحي بالغالي والنفيس حتى عادت إلى مكة , أو إلى المدينة المنورة , فهاجرت الهجرتين كرقية وغيرها من المسلمات , قال عثمان بن عفان - رضى الله عنه - : يا رسول الله، فهجرتنا الأولى وهذه الآخرة إلى النجاشي، ولست معنا...؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" أنتم مهاجرون إلى الله وإلي، لكم هاتان الهجرتان جميعاً". فقال عثمان –رضي الله عنه - : فحسبنا يا رسول الله( ).
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: ودخلت أسماء بنت عميس, وهي ممن قدم معنا, على حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم- زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر, فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر –رضي الله عنه - حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر –رضي الله عنه -: الحبشية هذه، البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم - منكم، فغضبت، وقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطعم جائعكم, ويعظ جاهلكم, وكنا في دار -أو في أرض- البُعداء البُغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأيم الله لا أطعم طعامًأ ولا أشرب شرابًا, حتى أذكر ما قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن كنا نُؤذى ونُخاف وسأذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: يا نبي الله، إن عمر –رضي الله عنه - قال كذا وكذا، قال: " فما قلتِ له؟" , قالت: قلت له كذا وكذا، قال: " ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان , قالت: فلقد رأيت أبا موسى –رضي الله عنه - وأصحاب السفينة يأتون أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرحُ ولا أعظمُ في أنفسهم مما قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ).
أيضاً (يرتبط زواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأم حبيبة بهجرة الحبشة ارتباطًا وثيقًا، ويحمل هذا الزواج منه - صلى الله عليه وسلم - , لأحد المهاجرات الثابتات, معنى كبيرًا، وكان عقد الزواج على أم حبيبة -رضي الله عنها- وهي في أرض الحبشة، وجاء تأكيده في كتب السنة، فقد روى أبو داود في سننه بسند صحيح عن أم حبيبة -رضي الله عنها- أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوجها النجاشيُّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع شرحبيل بن حسنة( ).
ويستنتج الباحث من دلالات هذا الحديث المهم متابعةَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأحوال المهاجرين، ومشاركتهم في مصابهم، وتطييب أنفس الصابرين، وتقديرَ ثبات الثابتين وبالتتبع لأحوال المهاجرات لا نجد (أم حبيبة) - رضي الله عنها - هي الوحيدة التي يعني الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأمرها، ويواسيها في مصابها، بل سبق ذلك صنيعه مع (سودة) - رضي الله عنها - فلما رجعت مع زوجها إلى مكة من الحبشة توفي زوجها السكران بن عمرو، فلما حلت أرسل إليها - صلى الله عليه وسلم - وخطبها، فقالت: أمري إليك يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مري رجلاً من قومك يزوجك" , فأمرت حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود فزوجها، فكانت أول امرأة تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خديجة.
وهذان الحدثان مؤشران, من مؤشرات حكمة تعدده - صلى الله عليه وسلم - في الزواج بشكل عام ولهما دلالتهما وحكمتهما بالاهتمام بالنساء المجاهدات بشكل خاص, هذا فضلاً عن ما يمكن أن يقال, إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يهدف أيضا من وراء الزواج بأم حبيبة تخفيف عداوة (بني أمية) بشكل عام، وتخفيف عداوة زعيمهم أبي سفيان (والدها) بشكل أخص للإسلام ونبيه والمسلمين.
فالتأليف للإسلام وارد في السيرة والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان حريصًا على قومه بكل وسيلة لا تتنافى مع قيم الإسلام..( ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق