دراسة حول الحضارة المملوكية
من الريادة والانتشار إلى الضعف
والانكسار
اعداد/ عاطف احمد أبو زيتحار
المقدمة
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
وبعد
فإن
العصر المملوكي عصر مزدهر بالجهاد والتضحية , والعلم والبناء , ويكفي هذا العصر
فخرا أنه دحر أقوى قوة اجتاحت العالم , قوة المغول , الذين دمروا وخربوا , حتى
أوقف الله لهم المماليك فأوقفوا احتلالهم , وصدوا هجومهم , وانتصروا عليهم في عين
جالوت التي كانت قاصمة فاصلة في التاريخ الاسلامي .
وبجوار
انتصاراتهم في عين جالوت وفي غيرها من المعارك الحربية , شهد العالم الإسلامي
بأسره على تقدمهم في سائر العلوم والفنون , ويأتي على رأسها فنون القتال والجهاد .
غير
أن خلفهم لم يحافظ على نهج سلفهم , فأدخل الترف واللهو, ونسي الجهاد والقتال ,
فسلب الله ملكهم , وجعل بأسهم بينهم .
ولتشعب
هذا الموضوع اخترت بعض المحاور المهمة للحديث , وهي كالآتي :
-
الأصول والنشأة .
-
نهاية دولة المماليك .
-
العلاقات الخارجية لدولة المماليك .
-
الجانب الحضاري في الدولة المملوكية ويشتمل على:
-
المحور العمراني والاقتصادي.
-
المحور القتالي والجهادي.
-
المحور الاجتماعي .
سائلا ربي القبول والاخلاص
الفصل الأول : الدولة المملوكية
الأصول والنشأة
المبحث الأول : التعريف بهم :
المملوك
اسم وجمعه مماليك , اسم مفعول مشتق من الفعل العربي ملك , ويقال عبد مملكة بفتح
اللام وضمها إذا سُبي وملك دون أبويه , ويبدو أن هذا المعنى مأخوذ من القرآن
الكريم , حيث وردت كلمات : "ملكت أيمانكم " , "ملكت ايمانهم "
, "ملكت يمينك" أكثر من مرة([1]).
وقيل : يطلق اسم (المماليك) اصطلاحا، على أولئك الرقيق-
الأبيض غالبا- الذين درج بعض الحكام المسلمين على استحضارهم من أقطار مختلفة
وتربيتهم تربية خاصة، تجعل منهم محاربين أشداء، استطاعوا فيما بعد أن يسيطروا على
الحكم في مصر وأحيانا الشام والحجاز وغيرها قرابة الثلاثة قرون من الزمان ما بين
648-922 هـ (1250-1517م) ([2]).
وكلمة (مماليك) : جمع مملوك، وهو الرقيق الذي يباع
ويشترى، وهي اسم مفعول من الفعل (ملك) ، واسم الفاعل (مالك) والمملوك هو عبد مالكه([3])، ولكنه يختلف عن العبد الذي بمعنى الخادم([4]) , كما أن كلمة (مماليك) تختلف في معناها عن كلمة
(موالي) التي مفردها (مولى) ([5])، والتي تعني- اصطلاحا- عند المؤرخين المسلمين: كل من
أسلم من غير العرب. فالموالي قد يكون أصل بعضهم من أسرى الحروب الذين استرقوا ثم
أعتقوا، أو من أهل البلاد المفتوحة الذين انضموا إلى العرب فصاروا موالي بالحلف
والموالاة. ([6])
وقيل : هم من الرقيق الذين كانوا يشترون لأغراض عديدة في
المجتمعات منذ القدم، ويعتبر الرقيق الأتراك أول من استخدموا في الجندية في الدولة
الإسلامية زمن الأمويين، إذ يذكر الطبري بأن نصر بن سيار، والي الأمويين على خراسان،
اشترى: ألف مملوك من الترك وأعطاهم السلاح وحملهم على الخيل([7]).
وقيل : المماليك جمع مملوك وهو الرقيق، الذي اشتري
بالمال، وقد استقدمهم سلاطين الدولة الأيوبية من بلاد مختلفة أهمها: بلاد تركستان
والقوقاز وآسيا الصغرى، وبلاد ما وراء النهر، ثم اشتروهم وهم غلمان صغار، وقاموا
بعزلهم عن الناس في أبراج خاصة، وتربيتهم تربية دينية وعسكرية مناسبة، ثم كونوا
بهم جيوشًا، وقد وصل عدد كبير منهم إلى مراتب رفيعة جدًا، وكانوا يتميزون بالشجاعة
والإقدام، ولا يعرفون لهم ولاء إلا ولاء الإسلام الذي ينتمون إليه([8]).
المبحث الثاني : الجذور والبدايات
:
في البداية ( نحب أن نقرر أن هؤلاء ليسوا مماليك أو
عبيد، وإنهم أحرار تمامًا وأن بيعهم باطل، لقد كانوا جميعًا صفقات غير مشروعة، كان
الأب يبيع ابنه ليدفعه إلى المجد في القصور، وكان الأقوياء والنخاسون يخطفون
الأطفال ويبيعونهم، والإسلام يرفض هاتين الوسيلتين، ولا يجيء الرق في الإسلام إلا
عن طريق الحرب الدينية التي يقصد بها الجهاد في سبيل الله , لذا فهؤلاء من وجهة
نظر الشرع الإسلامي أحرار وليسوا مماليك ([9]).
وكان الخليفة المعتصم العباسي (218 ـ227هـ/ 833 ـ 842م)
أول من شكل فرقاً عسكرية ضخمة منهم وأحلهم مكان العرب الذين أسقط أسماؤهم من ديوان
الجند، وقد بلغت مماليك الخليفة المعتصم بضعة عشر ألفاً، وقد امتلأت بهم بغداد مما
أدى إلى اصطدامهم بالناس في الطرقات، وأثار سخط أهل العاصمة، فبنى لهم مدينة
سامراء لتكون عاصمة لهم، ومقراً لجيوشه التركية من المماليك والأحرار([10])، وقد استخدم المعتصم الجيش التركي تخلصاً من النفوذ
الفارسي والعربي في الجيش والحكومة سواء، وقد لجأ إلى الأتراك بالشراء والتربية
والإعداد اعتقادا منه بأنهم مجردون من الطموح الذي اتصف به الفرس، ومن العصبة التي
عرف بها العرب ([11]).
ولكن سرعان ما أخذ أولئك المماليك في التدخل في شئون
الدولة حتى أمست في أيديهم يفعلون بها ما يشاؤون([12])، وأصبح الخليفة منذ مقتل المتوكل سنة 247هـ/861م في
أيديهم كالأسير، إن شاءوا خلعوه وإن شاءوا قتلوه ([13]) ، وهكذا أصبح
هؤلاء الجنود عنصر تمرد ضد الخلفاء فأساؤوا التصرف في شئون الإدارة والحكم فانفضت
الولايات من حول العاصمة، وكان من الطبيعي أن يزداد نفوذ الترك في الخلافة
العباسية، بعد أن صار منهم الجيش والقادة، فلما ضعف سلطان الخلافة طمع عمال
الأطراف إلى الاستقلال بولاياتهم، وصار الجيش وقادته من الأتراك وسيلة الخلفاء
للقضاء على الحركات الاستقلالية المختلفة، فازداد المماليك الأتراك في الدولة
العثمانية أهمية على أهميتهم، وأضحى منهم الولاة والوزراء وأرباب الدولة ([14])، والواقع فمنذ العصر العباسي الأول اتخذ مصطلح مماليك
معنى اصطلاحا خاصاً عند المسلمين، إذ اقتصرت التسمية على فئة من الرقيق الأبيض
الذي كان يشترى من اسواق النخاسة، ويستخدم كفرق عسكرية خاصة ومع ضعف الخلافة
العباسية في العصر العباسي الثاني، كان من الطبيعي أن تزداد الحاجة للرقيق الأتراك،
ذلك أن الدويلات التي انفصلت عن جسم الخلافة مثل الطولونيين، والأخشيديين في مصر ([15]) ، والصفاريين
والسامانيين في خراسان وما جاورها ([16])، والغزنويين والغوريين في الهند ([17])، أقبلوا على شراء الأتراك الإرقاء لتأكيد سلطتهم وبظهور
الأتراك السلاجقة على مسرح السياسة في المشرق الإسلامي إزداد نفوذ الأتراك عموماً
ذلك أن السلاجقة في الأصل من العناصر التركية، كما أن الدولة السلجوقية زادت من
الاعتماد على المماليك الأتراك ([18]) ، ويعد نظام
الملك الوزير الكبير للسلطان السلجوقي ألب أرسلان وملكشاه هو أساس النظام التربوي
المملوكي في كتابه سياسة نامة، وقد جاء فيه أنه: يجب ألا يثقل على المماليك
القائمين على الخدمة إلا إذا دعت الحاجة ولا ينبغي أن يكونوا عرضة للسهام، ويجب أن
يتعلموا كيف يجتمعون على الفور مثلما ينتشرون على الفور، ولا حاجة إلى التكليف كل
اليوم بإصدار الأمر بمباشرة الخدمة لمن يكون الغلمان، صاحب الماء، صاحب السلاح،
والساقي، وأشباه ذلك، ولمن يكون في خدمة كبار الحجاب وكبير الأمراء، ويجب أن يؤمرا
بأن يبرز للخدمة في كل يوم من كل دار عدد منهم، ومن الخواص عدد معين، هذا وقد كان
للسلطان مماليك صغار، وكان عليهم من الصبيان الخاص رقباء، وعلى طوائفهم من جنسهم
نقباء
([19])، ونظم نظام الملك وزير السلطان ملكشاه السلجوقي
المماليك، وكان أشد الناس تمسكاً بهم، وقد أحاط نفسه بجيش كبير من المماليك عرفوا
بالمماليك النظامية نسبة لاسمه، فقوى بهم نفوذه ([20])، ويعتبر نظام الملك أول من أقطع الاقطاعات للمماليك
الأتراك، وبعد إن كان عطاء الجندي يدفع نقداً صار يعطى إقطاعاً ([21])، فتسلم الأرض إلى المقتطعين يضمن عنايتها وعمارتها مما
يحفظ قوة وثروة الدولة، كما فتحت القلاع والمدن والولايات للقادة من مماليكهم
الذين سموا بالاتابكة ([22])،والجدير بالذكر أن الوزير نظام الملك أول من لقب بلقب
أتابك، وقد منحه أياه السلطان ملكشاه حين فوض إليه تدبير أمور الدولة سنة 465هـ ([23])، وهكذا اتخذ السلاجقة أشخاصاً من كبار المماليك ليكونوا
مربيين لأولادهم في القصر ومنحوهم الإقطاعات الكبيرة مقابل قيامهم بشؤونهم وتأديتهم
الخدمة الحربية وقت الحرب، ولكن سرعان ما صار هؤلاء الأتابكة أصحاب النفوذ الفعلي
في تلك الإقطاعات وبخاصة عندما ضعفت الدولة وتفككت فاستغلوا بولاياتهم شيئاً
فشيئاً
([24])، وأقاموا دويلات منفصلة عن جسم الدولة السلجوقية عرفت
باسم: دويلات الأتابكة: وكان عماد الدين زنكي أقوى هؤلاء الأتابكة، وأسس دولة ضمت
الموصل وحلب وديار ربيعة ([25])، وعند وفاة عماد الدين زنكي، خلفه ابنه نور الدين محمود
وتوسع بالدولة وضم دمشق وقضى على الدولة الفاطمية، وأصبحت مصر من ضمن الدولة
الزنكية، ....., وقد استكثر نور الدين محمود من شراء المماليك الأتراك الذين صاروا
يكونون غالبية جيشه ([26])، وبعد الزنكيين جاء الأيوبيين فأكثروا من المماليك
الأتراك واستخدموهم في الجيش، وتجدر الإشارة أن الجيش الذي قاده أسد الدين شيركوه
إلى مصر كان معظمه يتكون من المماليك والأمراء النورية ([27])، وقد سمي مماليك صلاح الدين الأيوبي بالمماليك
الصلاحية، كما سمي مماليك أسد الدين شيركوه بالمماليك الأسدية، وفي عهد الملك
العادل سمي المماليك بالعادلية نسبة إلى العادل، ولما توفي خلفه أبناؤه الأشرف:
موسى العادل، والكامل، وغيرهم، ونسب عدد من المماليك لكل واحد منهم، فعرف المماليك
الأشرفية، والمماليك الكاملية ([28]).
وينقسم عصر المماليك إلى فترتين (باتفاق معظم
المؤرخين):-
1 - المماليك البحرية: (648 - 792 هـ/1250 - 1389 م).
2 - المماليك البرجية: (792 - 923 هـ/1389 - 1517 م).
فدامت دولتهم ما يقارب 275 عامًا.
وبدأ نفوذهم على العالم الإسلامي بعد انتصارهم في معركة
عين جالوت على المغول سنة 658 هـ/1259 م([29]).
الوصول إلى السلطة :
تُوفي الملك الصالح الأيوبي وقواته تقاتل الصليبيين
بقيادة لويس التاسع، فأخفت زوجته المملوكة (شجرة الدر) خبر وفاته وأدارت شؤون
البلاد باسمه فصارت بذلك أول ملكة في الإسلام، واستدعت ولده توران شاه ليتولى
الأمر، فجاء وانتصر على الصليبيين بمساعدة المماليك سنة 648 هـ/1250 م.
بعد ذلك قتلته شجرة الدر، واستأثرت بالسلطة، واعترض
الخليفة العباسي.
فتزوجت كبير المماليك (عز الدين أيبك) وتنازلت له عن
السلطة , حاول الملك الأيوبي الناصر يوسف (صاحب الشام) استرداد مصر فانهزم أمام
المماليك.
قتلت شجرة الدر زوجها فقتلها المماليك انتقامًا منها سنة
655 هـ/1257 م، فتولى الأمر نور الدين بن عز الدين أيبك، وفي هذه الفترة دخل
المغول بغداد ودمروها سنة 656 هـ/1258 م. وساروا نحو الشام، فتولى السلطة سيف
الدين قطز، وأخذ يجهز للقاء المغول.
معركة عين جالوت:
في 15 رمضان عام 658 هـ/1259 م حدثت معركة عين جالوت
المشهورة (قرب نابلس بفلسطين) بين المماليك بقيادة السلطان قطز وقائده الظاهر
بيبرس , وبين المغول بقيادة الطاغية كيتوبوقا (نائب هولاكو)، فانتصر المسلمون
انتصارًا ساحقًا عظيمًا وطردوا المغول عن بلاد الشام, فأصبحت مصر والشام تابعة
للمماليك , واستقرت لهم الأمور بعد ذلك.
وتعتبر هذه المعركة حدثًا تاريخيًا إسلاميًا عظيمًا،
فهذا أول انتصار يحققه المسلمون على المغول، فحطموا بذلك أسطورتهم المرعبة, ولم
ينتصر على المغول أحد قبلهم.
بعد عين جالوت!!
بعد الانتصار لاحق المماليك المغول شمالًا، فألحقوا بهم
هزيمة أخرى منكرة في قيسارية (بآسيا الصغرى) واستردوها منهم.
سلاطين المماليك البحرية (648
- 792 هـ/1250 - 1389 م)
1 - شجرة الدر ... 648 هـ/1250 م ... قتلت.
2 - عز الدين أيبك ... 648 هـ/1250 م ... قتل.
3 - نور الدين علي ابن أيبك ... 655 هـ/1257 م ... خلع.
4 - سيف الدين قطز ... 657 هـ/1258 م ... قتل.
5 - الظاهر بيبرس ... 658 هـ/1259 م ... توفي.
6 - السعيد بركة - ابن بيبرس ... 676 هـ/1277 م ... خلع.
7 - العادل بدر الدين - ابن بيبرس ... 678 هـ/1279 م ...
خلع.
8 - المنصور قلاوون ... 678 هـ/1279 م ... توفي.
9 - الأشرف خليل - ابن قلاوون ... 689 هـ/1290 م ... قتل.
10 - الناصر محمد - ابن قلاوون ... 963 هـ/1293 م ...
خلع
11 - العادل كتبغا ... 694 هـ/1294 م ...
12 - المنصور لاجين ... 696 هـ/1296 م ... قتل.
13 - الناصر محمد - ابن قلاوون ... 698 هـ/1298 م ...
اعتزل.
14 - المظفر بيبرس - أبي شنكير ... 708 هـ/1308 م ...
قتل.
15 - الناصر محمد - ابن قلاوون ... 709 هـ/1309 م ...
توفي.
16 - المنصور أبو بكر - ابن محمد ... 741 هـ/1340 م ...
خلع.
17 - الأشرف كجك - ابن محمد ... 742 هـ/1341 م ... خلع.
18 - الناصر أحمد - ابن محمد ... 742 هـ/1341 م ... خلع.
19 - الصالح إسماعيل - ابن محمد ... 743 هـ/1342 م ...
توفي.
20 - الكامل شعبان - ابن محمد ... 746 هـ/1345 م ... قتل.
21 - المظفر أمير حاج - ابن محمد ... 747 هـ/1346 م ...
قتل.
22 - الناصر حسن - ابن محمد ... 748 هـ/1347 م ... خلع.
23 - الصالح صالح - ابن محمد ... 752 هـ/1351 م ... خلع.
24 - الناصر حسن - ابن محمد ... 755 هـ/1354 م ... قتل.
25 - المنصور محمد - ابن أمير حاج ... 762 هـ/1360 م ...
خلع.
26 - الأشرف شعبان - بن حسن ... 764 هـ/1362 م ... قتل.
27 - المنصور علي - بن شعبان ... 778 هـ/1376 م ... توفي.
28 - الصالح حاجي - ابن الأشرف شعبان ... 783 هـ/1381 م
... خلع.
29 - الصالح حاجي - ابن الأشرف شعبان ... 791 هـ/1388 م
... خلع([30]).
وأبرز هؤلاء السلاطين:-
سيف الدين قطز - الظاهر بيبرس - المنصور قلاوون - الناصر
محمد([31]).
أهم أحداث فترة (المماليك
البحرية):
- الخلافة العباسية في القاهرة:
استقدم الظاهر بيبرس (أحمد ابن الخليفة العباسي الظاهر)
إلى القاهرة (وكان أحمد قد فر من بغداد بعد أن دمرها المغول). فبايعه الظاهر
بالخلافة، ولقبه بالمستنصر عام 659 هـ/1260 م.
وكان هدف الظاهر بيبرس تقوية مركز الحكم في القاهرة،
وكسب تأييد الأمصار الإسلامية وإحاطة عرش المماليك بالقداسة والشرعية ثم تعاقب
الخلفاء العباسيون وعددهم 18 خليفة (انظر الجدول) خلال الفترة (659 - 923 هـ)
(1260 - 1517 م)، وهؤلاء الخلفاء ليس لهم من الخلافة سوى الاسم فقط فهم مجرد رمز،
ولا يتدخلون في شؤون الحكم أبدًا، ولا حول لهم ولا طول ولا رأي في سياسة الأمور.
- في عام 667 هـ/1268 م بسط الظاهر بيبرس نفوذه على
الحجاز.
- في الفترة (660 - 690 هـ/1261 - 1291 م) جاهد المماليك
الصليبيين واستعادوا منهم جميع المدن المتبقية عندهم في بلاد الشام.
- في عام 680 هـ/1281 م هزم المنصور قلاوون التتار هزيمة
منكرة.
- في عام 702 هـ/1302 م فتح الناصر محمد بن قلاوون جزيرد
أرواد، وطرد الصليبيين منها، فانتهى وجودهم في المشرق الإسلامي.
- وفي نفس العام هزم التتار هزيمة منكرة في معركة (شقحب)
قرب دمشق (واشترك في الجهاد شيخ الإسلام ابن تيمية).
- خلفاء بني العباس في القاهرة:
1 - المستنصر ... 659 هـ/1260 م.
2 - الحاكم بأمر الله " الأول " ... 661
هـ/1262 م.
3 - المستكفي بالله " الأول " ... 701 هـ/1301
م.
4 - الواثق بالله " الأول " ... 736 هـ/1335 م.
5 - الحاكم بأمر الله " الثاني " ... 742
هـ/1341 م.
6 - المعتضد بالله " الأول " ... 753 هـ/1352
م.
7 - المتوكل على الله " الأول " ... 763
هـ/1361 م , للمرة الأولى .. خلع,
8 - الواثق بالله " الثاني " ... 785 هـ/1383
م.
9 - المستعصم ... 788 هـ/1386 م.
10 - المتوكل على الله " الأول " ... 791
هـ/1388 م , للمرة الثانية.
11 - المستعين بالله ... 808 هـ/1405م , خلع.
12 - المعتضد بالله " الثاني " ... 815
هـ/1412 م.
13 - المستكفي بالله " الثاني " ... 845
هـ/1441 م.
14 - القائم بأمر الله ... 854 هـ/1450 م.
15 - المستنجد بالله ... 859 هـ/1454 م.
16 - المتوكل على الله " الثاني " ... 884
هـ/1479 م.
17 - المتمسك بالله ... 893 هـ/1487 م.
18 - المتوكل على الله " الثالث " ... 914
هـ/1508 م تنازل للسلطان العثماني سليم سنة 923 هـ/1517 م([32]).
ثانيًا: عصر المماليك
البرجية (792 - 923 هـ/1389 - 1517 م).
أصل المماليك البرجية:
أصلهم شراكسة، من بلاد الكرج (جورجيا) المشرفة على البحر
الأسود , اشتراهم السلطان قلاوون (أحد المماليك البحرية) لتثبيت السيادة في ذريته،
وأطلق عليهم المماليك البرجية، لأن طائفة منهم سكنت في أبراج القلعة.
أهم الأحداث:
- في عام 792 هـ/1389 م خلع الصالح حاجي وعين السلطان
برقوق فانتقلت السلطة من المماليك البحرية إلى المماليك البرجية.
- في عام 803 هـ/1400 م سار التتار بقيادة تيمور لنك إلى
بلاد الشام فدمروها واحتلوها وسحقوا الجيش الملوكي (المدافع عن البلاد).
- في عام 805 هـ/1402 م زحف تيمور لنك نحو العثمانيين،
وانتصر عليهم وسحق جيشهم عند أنقرة وأسر السلطان بايزيد، ووضعه في السجن إلى أن
مات.
- في عام 830 هـ/1426 م انتصر المماليك انتصارًا عظيمًا
على الصليبيين وأخرجوهم من جزيرة قبرص، وأسروا حاكمهم، وهددوا جزيرة رودس.
وصل البرتغاليون إلى الشواطئ الهندية، فاستنجد المسلمون
هناك بالمماليك، فخرجوا لنجدتهم، ولكن انهزموا أمام البرتغاليين عام 915 هـ/1509
م.
فقدم البرتغاليون إلى سواحل بلاد العرب. ودخلوا إلى
البحر الأحمر.
المماليك البرجية
(الجراكسة) (792 - 923 هـ/1389 - 1517 م).
1 - الظاهر برقوق ... 792 هـ/1389 م ... توفي.
2 - الناصر فرج - ابن برقوق ... 801 هـ/1398 م ... خلع.
3 - المنصور عبد العزيز - ابن برقوق ... ثلاث أشهر ...
خلع.
4 - الناصر فرج - مرة ثانية ... 808 هـ/1405 م ... قتل.
5 - المؤيد شيخ ... 815 هـ/1412 م ... توفي.
6 - المظفر أحمد - ابن المؤيد ... عدة أشهر ... خلع.
7 - الظاهر ططر ... عدة أشهر ... توفي.
8 - الصالح محمد - ابن ططر ... عدة أشهر ... خلع.
9 - الأشرف برسباي ... 825 هـ/1421 م ... توفي
10 - العزيز يوسف - ابن برسباي ... عدة أشهر ... خلع
11 - الظاهر جقمق ... 842 هـ/1438 م ... توفي.
12 - المنصور عثمان - ابن جقمق ... عدة أشهر ... خلع.
13 - الأشرف اينال ... 857 هـ/1453 م ... توفي.
14 - المؤيد أحمد - ابن اينال ... عدة أشهر ... خلع.
15 - الظاهر خشقدم ... 865 هـ/1460 م ... توفي.
16 - الظاهر بلباي ... شهرين ... خلع.
17 - الظاهر تمر بغا ... شهرين ... خلع.
18 - خير بك ... ليلة واحدة ... خلع.
19 - الأشرف قايتباي ... 872 هـ/1467 م ... توفي.
20 - الناصر محمد - ابن قايتباي ... 901 هـ/1495 م ...
خلع.
21 - قانصوه ... 902 هـ/1496 م ... قتل.
22 - الناصر محمد - للمرة الثانية ... 903 هـ/1497 م ...
قتل.
23 - الظاهر قانصوه ... 904 هـ/1498 م ... خلع.
24 - جنبلاط ... 905 هـ/1499 م ... قتل.
25 - العادل طومان باي " الأول " ... عدة أشهر
... قتل.
26 - الأشرف قانصوه الغوري ... 906 هـ/1500 م ... قتل.
27 - طومان باي " الثاني " ... 922 - 923
هـ/1516 - 1517 م ... قتل.
وأبرز هؤلاء الحكام:
الأشرف برسباي - الأشرف قايتباي - الأشرف قانصوه الغوري([33])..
ونخلص إلى أن أعظم أعمال المماليك :
1 – أنهم أوقفوا زحف المغول المدمر، وصدوه عن العالم
الإسلامي.
2 - حاربوا الصليبيين، حتى أخرجوا من تبقى منهم في بلاد
المسلمين في الفترة (660 - 690 هـ/1261 - 1291 م) ([34]) .
الفصل
الثاني : العلاقات الخارجية للدولة المملوكية :
لقد استطاعت دولة المماليك أن تثبت انها أكبر قوة معاصرة
في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج , فنظر إليها حكام العرب نظرة إجلال واحترام
, ونظر إليها العالم الخارجي عن المحيط العربي نظرة خوف واحترام وهيبة .. ولأن العلاقات
الخارجية في الدولة المملوكية متشعبة وكثيرة نستطيع أن نوجزها على النحو الآتي :
العلاقة مع الحفصيين في تونس:
لقد ربطت سلطنة المماليك البحرية في مصر ودولة الحفصيين في
تونس علاقات ودية بفعل أربعة عوامل:
1ـ عامل الدين الإسلامي.
2ـ عامل الجوار.
3 ـ عامل الخطر المشترك الذي هدد العالم الإسلامي آنذاك.
4 ـ عامل الحج على اعتبار أن مصر واقعة على الطريق البري
للحجاج القادمين من شمالي أفريقيا.
لكن شاب هذه العلاقات بعض الفتور بسبب مشكلة الخلافة؛ ذلك
أن ملوك بني حفص تلقبوا بلقب الخلفاء، فلم يعترف المماليك بإمرة المؤمنين في السلالة
الحفصية، وإنما لقبوهم بـ “أمير المسلمين” وهو لقب دون أمير المؤمنين في الرتبة.
ويبدو أن مشكلة الخلافة لم تقف حائلاً بين الدولتين في التعاون
لرد الاعتداءات الخارجية([35]).
العلاقة مع مغول القبجاق:
لم يلبث الدين الإسلامي أن انتشر بين المغول خاصة بعد اعتناق
بركة خان ابن جوجي بن جنكيز خان هذا الدين، الأمر الذي ترتب عليه نتيجتان:
الأولى: ازدياد التقارب بين مغول القبجاق والقوى الإسلامية
في المشرق خاصة دولة المماليك البحرية الناشئة.
الثانية: ازدياد العداء بين مغول القبجاق وبقية طوائف المغول
الوثنيين، خاصة مغول فارس.
وسعى بيبرس إلى الاستفادة من هذا الوضع الناشىء بالتحالف
مع بركة خان زعيم القبيلة الذهبية، وكان من الطبيعي أن يلاقي تجاوبًا من الزعيم المغولي
المسلم، إذ إن اعتناق هؤلاء المغول الديانة الإسلامية جعلت التحالف بين الطرفين ضرورة
سياسية لمواجهة العدو المشترك المتمثل بهولاكو وأسرته.
فما أن علم بيبرس باعتناق بركة خان للدين الإسلامي حتى كتب
إليه يغريه بقتال هولاكو ويرغبه في ذلك.
وبالفعل اتفق بركة خان وبيبرس على محاربة هولاكو، وكتب بركة
خان برسالة إلى بيبرس يقول له فيها: ” فليعلم السلطان أنني حاربت هولاكو الذي من لحمي
ودمي؛ لإعلاء كلمة الله العليا تعصبًا لدين الإسلام ([36]).
علاقة المماليك ببعض القوى الأوروبية:
لقد اجتذبت موانىء مصر المدن التجارية الإيطالية، البندقية
وجنوة وبيزا، بفضل التكاليف الزهيدة للبضائع القادمة من الشرق الأقصى عبر هذا البلد
بالإضافة إلى ميزة الحصول على حاصلات الأراضي المصرية ومنتجاتها الصناعية، وكانت هناك
من جهة أخرى أرباح كبيرة تتحقق بتوريد بعض السلع الأوروبية التي كانت مصر بحاجة إليها
مثل الحديد والخشب، لكن توثيق العلاقات السلمية مع مصر لم يكن بالسهولة التي تبدو لأول
وهلة بسبب عداوة مصر للصليبيين في بلاد الشام. وكانت المدن الإيطالية خاصة تسأل قبل
أن ترتبط بعلاقات تجارية مع مصر: هل تسيء بذلك إلى بقية العالم المسيحي؟ لأن تجار مصر
سوف يستفيدون حتماً من جرَّاء المبادلات التجارية، كما تنتفع خزائن السلطان من حصيلة
الرسوم الجمركية، ويترتب على ذلك تنامي قوة هذا البلد، مما يشكل ازدياداً في الخطر
على المدن الصليبية في بلاد الشام.
وكان التاجر الغربي الذي يتاجر مع مصر يُوصَف بأنه مسيحي
فاجر، في حين تعرَّض حكام المماليك الذين يتعاونون مع التجار الغربيين للانتقاد من
قبل بعض المتعصبين، وبالرغم من أن العقبات على التجارة بين مصر والمدن الإيطالية تأتي
من الطرفين، إلا أنها استمرت ناشطة أحيانًا وسط الأجواء العاصفة، وكان الأمل عند الطرفين
في الحصول على أرباح ومنافع جسيمة يبدد الكثير من المخاوف.
وإذا كانت العلاقات بين المدن الإيطالية التجارية وبين المماليك
تأرجحت بين المشاحنات والهدوء وفقًا لتقلب الظروف السياسية، فإن الوضع اختلف مع الإمارات
المسيحية في أوروبا الغربية مثل قشتالة وأرغونة وإشبيلية.
ويبدو أن حرص الإمارات المسيحية في أسبانيا على عدم وصول
نجدات من دولة المماليك إلى المسلمين في أسبانيا دفع ملوكها إلى مسالمة المماليك، وتبادل
الهدايا مع الأمراء في مصر.
وإذا كانت التجارة مع مصر مباحة بوجه عام لرعايا ملك أرغون
فإنه كان محظورًا عليهم أن يبيعوا المسلمين مواد بناء السفن أو سفنًا مبنية، وفي عام
673 هـ / 1274 م أصدر جيمس الأول ملك أرغون مرسوماً يحظر فيه تصدير المعادن والخشب
والأسلحة والمواد الغذائية إلى مصر.
كما ارتبطت صقلية بعلاقات طيبة مع حكام مصر منذ العهد الأيوبي،
وقد تمتع الصقليون في مصر بتخفيض في التعريفات، واستمرت هذه العلاقة الطيبة في عهد
دولة المماليك البحرية، إذ حرص مانفرد بن فريدريك الثاني على صداقة السلطان بيبرس،
كما حرص هذا الأخير على الاحتفاظ بعلاقة الود التي ربطت مصر بمملكة صقلية، وقد جمعت
الطرفين مصلحة مشتركة وهي العداء للصليبيين في بلاد الشام ومغول فارس.
وتشير المراجع إلى تبادل الهدايا بين مانفرد وبيبرس، فأرسل
هذا الأخير في عام 660 هـ / 1261 م ، وفداً برئاسة المؤرخ جمال الدين بن واصل إلى ملك
صقلية، وحمله هدية جليلة منها بعض الزرافات، وبعض أسرى عين جالوت من المغول، وقد رد
مانفرد بسفارة مشابهة تحمل الهدايا للسلطان ([37]).
المماليك والدول الإسلامية
في آسيا :
حرصا الدولة المملوكية على بسط نفوذها السياسي على الجاز
أسوة بالطولونيين , ولم يقتصر اهتمامهم بعمارة الحرمين وكسوة الكعبة , وإنما امتدت
إلى بسط نفوذهم السياسي على الحجاز .
أما بلاد اليمن فقد ارتبطوا معهم بعلاقات طيبة مع ملوكهم
من بني رسول الذين كانوا يخشون سطوة سلاطين المماليك في مصر , أما في دولة هندستان
فكانت العلاقة مع ملكها محمد بن تغلق علاقة ودية([38]).
العلاقة بالبرتغال والكشوف الجغرافية:
ارتبط تاريخ البرتغال التجاري منذ أوائل القرن السادس عشر
الميلادي بالكشوف الجغرافية، والواقع أن حركة الكشوف هذه التي تم قسم كبير منها في
القرن الخامس عشر الميلادي كانت أهم نتيجة عملية للنهضة الأوروبية، فقد استطاع الملاحون
الأوروبيون أن يحققوا أعظم نصر في هذا المجال في أواخر ذلك القرن تمثل في حادثين:
الأول: كشف الأمريكتين ابتداءً من عام (898 هـ / 1492 م).
الثاني: كشف الطريق البحري من أوروبا إلى الهند بالالتفاف
حول أفريقيا عن طريق رأس الرجاء الصالح في عام (904 هـ / 1498 م).
وكان لهذين الحادثين أثر عميق في تاريخ العالم ومستقبل البشرية([39]).
والواقع أنه تضافرت عدة عوامل أدت إلى الكشف الجغرافي الثاني
المرتبط مباشرة بموضوعنا، والذي كان رائده فاسكو دي جاما لعلَّ أهمها:
1 ـ التخلص من الرسوم الجمركية الفادحة التي كانت تفرضها
السلطات المملوكية في مصر وبلاد الشام على السلع الشرقية عند مرورها في أراضي هذين
البلدين.
2 ـ الرغبة في ضرب الاحتكار الذي كان يمارسه تجار البندقية
في نقل السلع الشرقية من موانئ مصر وبلاد الشام إلى أوروبا كوسيلة لحرمان هذه الجمهورية
من مصادر ثرائها.
3 ـ تطلع التجار من رعايا دول أخرى غير البندقية إلى النزول
إلى ميدان التجارة الشرقية، والحصول لأنفسهم على شطر من أرباحها الوفيرة.
4 ـ ضرب المسلمين حيث أدى العامل الديني دورًا بارزًا في
تخطيط سياسة البرتغاليين، بهدف تحويل المسلمين في غربي أفريقيا وفي غيرها من المناطق
الآهلة إلى المسيحية.
5 ـ سيطرت على الأوروبيين في عصر النهضة رغبة قوية في زيادة
معلوماتهم الجغرافية([40]).
وبوصول البرتغاليين إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح
أنشأوا لهم مراكز تجارية مسلحة على سواحل البلاد الواقعة على هذا الطريق، وعملوا على
بسط سيطرتهم العسكرية والتجارية على هذه المناطق ابتغاء احتكار تجارة الشرق، ونقلها
إلى أوروبا عبر الطريق الجديد.
وقد أحدث نبأ هذا الاكتشاف الجغرافي المهم انفعالاً قويًا
في الدوائر الحاكمة في كل من مصر وجمهورية البندقية؛ ذلك لأن كل ما يصيب تجارة الشرق
الأدنى من ضرر يزعزع أسس قوتهما وثروتهما.
وتابع البرتغاليون نشاطهم التجاري في الهند لتحقيق هدفين
ينتهيان إلى غاية واحدة:
الأول: توسيع مجال تجارتهم بفتح أسواق جديدة.
الثاني: القضاء على تجارة المماليك بتدمير بحريتهم التجارية.
وبالفعل لم يعد أحدٌ يحصي السفن المملوكية التي أغارت عليها
أساطيلهم وأغرقتها أو أحرقتها بعد أن نهبت أو دمرت شحنتها وقتلت ركابها وبحارته([41]).
والواقع أن اتساع نشاط البرتغاليين التجاري في الهند وسيطرتهم
على مصادر تجارة التوابل والسلع الشرقية؛ أدَّى إلى حجب وصول هذه السلع بكميات كبيرة
إلى مصر وبلاد الشام؛ فبدأت الدولة المملوكية تعاني أزمة اقتصادية عنيفة.
التصادم بين المماليك والبرتغاليين:
وكان السلطان المملوكي قانصوه الغوري يدرك تمامًا أن ازدياد
نفوذ البرتغاليين في الهند قد يقضي على مصالحه التجارية وهيبته أمام العالم، وقد تأكد
له هذا بصورة عملية عندما أرسل في عام (910 هـ / 1504م) أسطولاً تجاريًا إلى ساحل مالابار
شحن كالمعتاد كميات ضخمة من التوابل والسلع الهندية، وأثناء عودة السفن حملت معها عددًا
كبيرًا من أمراء الهنود، وعددًا من المسلمين في طريقهم إلى الحج، لكن هذه السفن لم
تصل كاملة إلى ميناء جدة؛ إذ هاجمتها سفن الأسطول البرتغالي في مياه الهند، وصادرت
معظم شحناتها من التوابل والسلع الهندية.
أثارت هذه الأنباء ثائرة السلطان الغوري، فقرر إرسال أسطول
حربي إلى مياه الهند مؤلفًا من خمسين سفينة وعين عليه الأمير حسين كردي.
تجمع الأسطول المملوكي في ميناء جدة، ثم انطلق في عام
(913 هـ / 1507 م) إلى سورات في مقاطعة جوجيرات، وكان أمراؤها حلفاء للمماليك، وفاجأ
الأسطول البرتغالي بقيادة لورنزو دالميدا أو ألميدا الصغير وأوقع به الهزيمة عند شول
إلى الجنوب من بومباي في العام التالي، وقتل القائد البرتغالي في المعركة([42]).
تطلبت هذه الهزيمة التي لحقت بالبرتغاليين انتقامًا، اضطلع
به ألميدا الكبير، في شهر ذي القعدة عام 914 هـ / شهر شباط عام 1509م، ودُمِّرت معظم
وحدات الأسطولين المملوكي والهندي، وانسحب الأمير حسين كردي بعد ذلك إلى جَدَّة([43]).
فجهَّز السلطان قانصوه الغوري أسطولاً آخر لمواجهة البرتغاليين
وعهد بقيادته إلى الأمير حسين كردي، وانضم إليه عدد من الأتراك والمغاربة.
وعندما تحرك الأسطول المملوكي نحو شواطىء الهند في شهر رمضان
عام 921 هـ / شهر تشرين الأول عام 1515م رفض سلطان الطاهريين عامر الثاني بن عبد الوهاب
تقديم الموانىء والقوى البشرية والتموين للأسطول منتهكًا بذلك كل التزامات التحالف
مع المماليك، وقد أدت خيانة السلطان الطاهري إلى إرباك مخططات المماليك؛ فتأجلت الحملة
على الهند وظل الأسطول المملوكي راسيًا عند شواطىء جزيرة قمران مدة ثمانية أشهر منهمكًا
في بناء التحصينات الدفاعية.
وقد حصلت هذه الأحداث في الوقت الذي قُتِلَ فيه السلطان الغوري
في موقعة مرج دابق أي في نهاية عصر الدولة المملوكية([44]).
العلاقات المملوكية العثمانية:
تُعتَبَر العلاقات المملوكية العثمانية هي مفتاح النهاية
في تاريخ الدولة المملوكية؛ إذ سقطت دولة المماليك على أيدي العثمانيين نهائيًّا عام
1517م، ولكن سبق ذلك طريق طويل من العلاقات تراوحت بين المودة والتقدير، وبين القلق،
ثم الصراع الدامي؛ فقد تجددت علاقات الصداقة بين السلطنتين المملوكية والعثمانية بعد
زوال الخطر التيموري، وازدادت تماسكًا في عهد السلطان الأشرف برسباي([45]).
وازدادت أواصر الصداقة بين الدولتين في عهد السلطان جقمق،
فتبودلت المراسلات والسفارات والهدايا بين الدولتين، وأرسل السلطان العثماني مراد الثاني
إلى السلطان المملوكي هدية تضم خمسين أسيرًا من الأوروبيين وخمسة من الجواري ومكية
كبير من الحرير([46]).
واستمرت هذه السياسة الودية قائمة في عهد السلطان إينال،
فبعد أن أتم السلطان العثماني محمد الفاتح فتح القسطنطينية أرسل إلى السلطان المملوكي
رسالة يبشره بانتصاره الكبير، فأرسل إليه إينال رسالة تهنئة، واحتفل في القاهرة بهذا
الحدث الجلل احتفالاً رائعًا([47]).
تردي العلاقات بين المماليك والعثمانيين 888-896هـ
/ 1483- 1491م.
طُويَت صفحة العلاقات الجيدة بين الدولتين المملوكية والعثمانية
على أثر فتح القسطنطينية، وفتحت صفحة جديدة سادها العداء بفعل تصادم المصالح.
فقد توسعت الدولة العثمانية في الأناضول والجزيرة الفراتية
شمالاً حتى البحر المتوسط جنوبًا، وجبال طوروس، وفي نفس الوقت كانت دولة المماليك قد
سيطرت على قيليقيا.
ومع حرص العثمانيين على استمرار تعزيز الروابط مع المماليك،
إلا أن هؤلاء بدأوا يقابلون بشيء من الفتور تنامي العلاقات بين الدولتين بعد ما شعروا
بتعاظم شعبية العثمانيين بين المسلمين نتيجة فتح القسطنطينية، كما لاحظوا، بقلق شديد،
بروز دولة إسلامية قوية أخذت تنمو على حدودهم، وتشق طريقها الخاص بها، وتزايد قلقهم
عندما نشطت في العاصمة العثمانية المساعي لتغيير نظام العلاقات بين الدولتين بعد أن
أخذ البكوات، حماة الحدود، يتلقبون بألقاب السلاطين، ويذكر ابن إياس أن محمدًا الثاني
كان أول زعيم في بني عثمان اتخذ لنفسه لقب سلطان وساوى نفسه بحكام مصر.
كان اتخاذ الألقاب السلطانية يرمز إلى تحول العثمانيين إلى
سياسة الدولة العظمى، وأن المقصود بذلك تأكيد الدول العالمي للسلطنة العثمانية، وقد
أدت هذه السياسة إلى تدهور حاد في العلاقات المملوكية العثمانية، وبدأ المماليك يتوجسون
خيفة من العثمانيين، فتبدلت نظرتهم إليهم من مشاعر الاعتزاز إلى مشاعر الغيرة، ثم أضحى
الصراع على الهيمنة على زعامة العالم الإسلامي السبب الأساسي والرئيسي للنزاع المملوكي-
العثماني.
تزايد الصراع و “جم” يلجأ للمماليك:
بعد وفاة السلطان محمد الفاتح في عام 886هـ/ 1481م، بدأ النزاع
الداخلي على العرش بين الأخوين بايزيد الثاني وجم.
ولم يتمكن جم من الصمود في وجه أخيه، فلجأ إلى دولة المماليك
فاستقبله السلطان المملوكي قايتباي بحفاوة بالغة، مما أثار غضب السلطان العثماني بايزيد
الثاني([48]).
واتخذ السلطان العثماني بايزيد الثاني موقفًا عدائيًا صريحًا
من المماليك، وتصرف على محورين:
الأول: أنه ساند عسكريًا علاء الدولة بن ذي القدر الذي هاجم
ملطية التابعة للمماليك في عام 888هـ 1483م.
الثاني: أنه أحكم سيطرته على الطرق التجارية، وعلى مصدر الخام
البالغة الحيوية للمماليك كأخشاب السفن مثلاً، وبذل جميع المحاولات لإضعاف طاقتهم العسكرية،
كما عرقل شراء الفتيان من أسواق البحر الأسود لنقلهم إلى مصر.
فأرسل السلطان قايتباي حملة عسكرية بقيادة تمراز الشمسي فانتصر
على علاء الدولة وحلفائه العثمانين.
وهكذا أدَّت الصدامات المسلحة التي نشبت مع علاء الدولة بن
ذي القدر بين أعوام 888- 890هـ / 1483-1485م إلى أول حرب مملوكية – عثمانية([49]) .
واضطر قايتباي إلى الدفاع عن أراضيه أما اعتداءات العثمانيين،
ومن هنا بدأت حملات الأمير أزبك، ضد أراضيهم واستطاع هذا الأمير إلحاق الهزيمة بالجيوش
العثمانية ثلاث مرات، أسر في الحملة الأولى عام 891هـ/ 1486م عدد كبيرًا من العثمانيين
من بينهم القائد أحمد بك بن هرسك([50])....., ونتيجة لوساطة باي تونس عقدت اتفاقية سلام بينهما
في 896هـ/ 1491م([51])..
تحسُّن العلاقات مرة أخرى بين المماليك والعثمانيين
896- 920هـ / 1491- 1415م.
لقد توقفت الحرب بين الدولتين، ولكن بشكل مؤقت، وساد الهدوء
جبهات القتال، ولكن إلى حين، وتبادل الطرفان الهدايا والوفود سنة بعد سنة، كما نشطت
حركة التبادل التجاري بينهما، وكان المماليك يشترون الأخشاب والحديد والبارود من آسيا
الصغرى، وهي مواد غير متوفرة في مصر ([52])..
ومن مظاهر المشاركة النفسية الجيدة التي تجلَّت خلال هذه
الفترة، أنه عندما توفى السلطان العثماني بايزيد الثاني، بكى السلطان الغوري عليه،
وحزن لوفاته ثم صلى عليه صلاة الغائب في القلعة، كما صلى الناس عليه بعد صلاة الجمعة
في الجامع الأزهر، وجامع ابن طولون([53])..
النزاع الأخير بين المماليك
والعثمانيين 920- 923هـ/1514- 1517م:
لم يستمر الصلح بين المماليك والعثمانيين أكثر من ربع قرن،
حيث إن تنامي هيبة الدولة العثمانية كحامية لجميع المسلمين، وانتصار سليم الأول على
الصفويين في معركة جالديران في رجب عام 920هـ/ آب عام 1514م أزعج السلطان المملوكي
قانصوه الغوري، فقد كان انتصار العثمانيين في جالديران مفاجأة غير متوقعة للمماليك
الذين التزموا جانب الحياد تاركين الدولة العثمانية وحيدة في مواجهة الصفويين.
في أوائل عام 921 هـ / 1515م وصلت القاهرةَ تباشيرُ الأنباء
عن استعدادات العثمانيين العسكرية، فقد كان الجيش والأسطول يستعدان لشن هجوم على مصر.
وفي مرج دابق شمالي حلب دارت رحى معركة عنيفة بين المماليك
والعثمانيين سنة (922هـ – 1516م) وكان النصر حليف العثمانيين، وانتحر السلطان المملوكي
قانصوه الغوري بالسم عندما علم بنتيجة المعركة، وأصبحت بلاد الشام ضمن أملاك العثمانيين.
وبعد انتصار السلطان العثماني سليم الأول في مرج دابق، توجه
إلى مصر وبعد انتصاره على المماليك في موقعة الريدانية سنة 923هـ/ 1517م، شنق السلطان
المملوكي طومان باي على باب زويلة، وبذلك أصبحت مصر ضمن أملاك الدولة العثمانية، وهكذا
أُسقِطَت دولة المماليك الجراكسة.
الفصل
الثالث : نهاية العهد المملوكي
كان المماليك دائما أهل طعان ونزال . . كانوا أشقاء
للسيف والرمح ، هو هويتهم وهو مؤهلهم للحياة والبقاء . . وعلى امتداد تاريخهم كان
السيف مقرونا بهم , وكانوا عضد الدولة الإسلامية في كثير من المواقف ، وكانوا
حماتها من أعدائها .
وفي مقابل ذلك عاشوا . . وتحملتهم شعوب مصر والشام ،
وسمحت لهم بالسيطرة عليها .. وهم بدورهم كانوا جيشها وأسطولها وحماتها أمام كل غزو
خارجي ، وكانوا يخضعون لتقاليد البلاد ولا يعرفون لهم ولاء إلا للدين الذي عاشوا
به وربوا على تعاليمه ، وللسلطان الذي يحكم . . . , ثم مع تطورهم الداخلي أصبح ولاؤهم
للسلطان الذي يحكمهم منهم .. ولقد شكلوا مجتمعا ذا هوية خاصة ، له أسلوبه الخاص في الحياة ، وله تربيته
الخاصة وله فكره الخاص .., لقد كان مجتمعهم أشبه ما يكون بالمجتمع العسكري أو
المجتمع البحري الذي يعيش للبحر أو الجندية ، فالجندية عقله وهي عاطفته .. ولا
ولاء عنده لسواها .
وعندما مات فجأة آخر سلاطين الأيوبيين الملك الصالح أيوب
. ., تكتمت زوجه شجرة الدر الخبر لأن بلاد مصر كانت في حرب مع لويس التاسع الذي
هزم وأبيد جيشه في دمياط والمنصورة ، ثم استدعت الزوجة الملكة ابن زوجها "
توران شاه " لينقذ البلاد ، فلما جاء توران وأنقذ البلاد من الصليبيين ،
وحاول أن يستأثر بالسلطة دبرت المرأة قتله .. ثم أقامت نفسها بمساعدة المماليك
ملكة على مصر ، وقد اختار المماليك كبيرهم عز الدين أيبك ليقوم بمساعدة "
المملوكة " التي صارت " ملكة " ( شجرة الدر ) في إدارة شؤون مصر ،
وتطور الأمر فتزوجت شجرة الدر من مساعدها عز الدين ، وتنازلت له عن السلطة .
وهكذا تم تنازل آخر من ينتسبون إلى دولة الأيوبيين بنسب
إلى كبير المماليك ، ومع أن شجرة الدر تعتبر البداية التاريخية لدولة المماليك ،
لكن البداية الأكثر عمقا وأحقية هي التي مثلها هذا التنازل ، ثم استأثر عز الدين
أيبك بالسلطة سبع سنوات أحست فيها المملوكة القاتلة بأنها سلبت كل سلطة ، فقامت
بقتل زوجها الجديد مثلما قتل من قبل ابن زوجها القديم .
لكن المماليك سرعان ما قتلوها ثأرا وانتقاما..واستقر الأمر
لدولة المماليك في مصر والشام.
والمماليك قسمان : برجية نسبة إلى أبراج القلعة التي
كانوا يسكنون فيها بالقاهرة . . وبحرية نسبة إلى جزيرة الروضة المطلة على النيل
التي كانوا يسكنون فيها كذلك ، ومن أشهر المماليك الأول برقوق . . وآخرهم قانصوه
الغوري الذي سقط تحت سنابك خيل السلطان سليم سنة 1527م . . ومن أشهر المماليك البحرية عز الدين أيبك وبيبرس
والمنصور قلاوون . . وقد انتهى هؤلاء من قبل المماليك البرجية بحوالي قرنين وكان
المماليك البرجية ـ أبطال عين جالوت ـ يمثلون امتدادهم التاريخي .
لقد لعب المماليك البرجية بخاصة في تاريخنا دورا لم تقم
به إلا دول قليلة في التاريخ . . لقد صدوا غارتين حضارتين من أكبر وأشهر الغارات
التي عرفها تاريخنا وتاريخ الإنسانية .
كانت الأولى يمثلها زحف هولاكو الذي ينتمون إليه جنسيا ،
لقد صدوه بعقيدتهم الإسلامية التي لم يعد لهم ولاء إلا لها .... وقد وقفوا أروع
وقفاتهم في صده في عين جالوت الشهيرة رافعين راية واإسلاماه ! !
ثم كانت الثانية في معاركهم الدائمة ضد الصليبيين الذين
كانت لهم بقايا بعد صلاح الدين ، فعلى يد السلطانين المنصور قلاوون الذين تسلم
الحكم سنة 678 هـ والسلطان الأشرف خليل ـ الذي تولى الحكم سنة 689 هـ . . على يد
هذين السلطانين ـ فضلا عن جهود بيبرس , تهاوت قلاع الصليبيين الباقية والتي كانوا
قد تقدموا في بعضها بعد صلاح الدين كحصن المرقب وعكا وغيرهما ، وطويت على يد
المماليك آخر صفحات الغزو الصليبي الذي استمر قرنين من الزمان وكان ذلك سنة 960 هـ
.
وقد تضافرت ظروف عالمية ، كاكتشاف رأس الرجاء الصالح ,
وظروف إسلامية كبروز الأتراك , ثم محمد علي ، وظروف داخلية كانقسام الأتراك على
أنفسهم .
تضافرت كل هذه الظروف على إنهاء الدور الذي قام به
المماليك ، لكن كان أكبر سبب هوى بالمماليك وزحزحهم من مكانهم في التاريخ ، هو
أنهم نسوا الرسالة التي عاشوا من أجلها وتعاقدوا مع الشعوب التي حكموها بشأنها .
نسو رسالتهم في الدفاع الخارجي . . نسوا السيف ، وتبلدوا
عند أسلوب معين ، ولم يطوروا أنفسهم ، ثم تطوروا فانقلبوا من حماية خارجية للأمة
إلى متسلطين داخليين عليها يمنعون حركتها وتطورها .
وبذا فقدوا دورهم في التاريخ . . وسقطوا بعد أن أدوا
للحضارة الإسلامية الكثير . . وأنقذوها من أكبر خطرين عالميين وهما التتار
والصليبيون ([54]).
وقيل السبب في سقوطهم : أن الدولة الصفوية الشيعية تحالفت
مع البرتغاليين ضد العثمانيين الذين طلبوا من المماليك مساعدتهم للقضاء على عدوهم
المشترك , رفض المماليك المساعدة، وكذلك منعوا دخول العثمانيين إلى أملاكهم للوقوف
في وجه البرتغاليين.
تمكن السلطان سليم العثماني من هزيمة الدولة الصفوية في
معركة (جالديران) المشهورة عام 920 هـ/1514 م. ودخل عاصمتهم تبريز وأصبحت العراق
تابعة للعثمانيين وقضى بعدها على دولة المماليك في بلاد الشام في معركة (مرج دابق)
في حلب، وقتل فيها السلطان قانصوه الغوري سنة 922 هـ/1516 م.
ثم واصل السلطان سليم زحفه نحو مصر، وانتصر على المماليك
في معركة (الريدانية) في القاهرة، وقتل السلطان طومان باي, وأنهى بذلك سلطان
المماليك فتنازل له آخر خليفة عباسي بالقاهرة عن الخلافة وهو المتوكل على الله تم
ذلك في عام 923 هـ/1517 م، وهكذا صارت الشام ومصر خاضعة للعثمانيين, وقدم أشراف
الحجاز إلى القاهرة وقدموا فروض الطاعة للخليفة العثماني وأعلنوا خضوع الحجاز له.
وبذا انقرضت دولة المماليك, وانتقلت الخلافة الإسلامية
إلى الدولة العثمانية ([55]).
من خلال ما سبق نلاحظ أن
أهم عوامل انهيار دولتهم تتلخص في عدة عوامل داخلية وأخرى خارجية:
أولاً: العوامل الداخلية:
1 ـ تراجع زعامة المماليك في العالم الإسلامي:
على أثر نجاح المماليك في صد غزوات المغول وجحافل تيمورلنك
وطرد الصليبيين من بلاد الشام، ادعى حكام مصر لأنفسهم دور الريادة في العالم الإسلامي،
واعتبروا دولتهم مركز الإسلام ودار الخلافة، وحملوا لقب “حماة الإسلام والمسلمين”،
وسادت أوساطهم نزعة التفرد الديني والسياسي.
ووفقًا لمفاهيم العصر كانت الزعامة معقودة للحاكم المسلم
الأقوى، أي للسلطان القادر على حماية الإسلام والمسلمين.
إلا أن الوضع المميز الذي تمتع به سلاطين المماليك، تبدل
في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ومطلع القرن السادس عشر، فقد ظهر عجز المماليك
عن مواجهة أوروبا المتوثبة، وأضحى زعيم المسلمين غير قادر على حماية الإسلام والمسلمين،
وبرز السؤال من جديد: من الذي ينبغي أن يتزعم المسلمين ويقودهم([56]).
2 ـ الانحلال الاجتماعي:
ظلَّ المماليك على مدى ثلاثة قرون يعتبرون دولتهم طرازًا
نموذجيًا للمجتمع المسلم العادل المحافظ على مبادىء الشرع، والواقع أن هذا المجتمع
رفض كل البدع، وساده التقوى، وانتشر الإيمان الحقيقي بين فئاته، كما احتضن الخلفاء
العباسيين بالإضافة إلى علماء الدين الذين كان لهم الرأي الصائب والكلمة المسموعة.
وتغير واقع الحال مع مرور الزمن، وأضحى الأمر بعيدًا كل البعد
عن الصورة التي رسمناها، إذ إن معظم المسلمين بدأوا منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي
يشعرون بتراجع دولة المماليك على الصعيد الاجتماعي، وجاهروا أن مصر أضحت بلدًا لا يطبق
بعض مبادىء الشريعة الإسلامية([57]).
3 ـ انعزال المماليك عن المجتمع:
كوَّن المماليك مجتمعًا مغلقًا خاصًا بهم، فلم يختلطوا بالرعية،
بل ظلوا بمعزل عنهم مترفعين عليهم، محتفظين بجنسهم وعاداتهم، وكان التحدث باللغة التركية
شرطًا أساسيًا في الانتساب إلى الطبقة الحاكمة، فالمماليك كانوا يتحدثون بهذه اللغة
في مجتمعاتهم واجتماعاتهم، وانحصر زواجهم إمّا من نساء تركيات جيء بهن خصيصًا لهذه
الغاية، أو من بنات الأمراء، ولم يتزوجوا من بنات مصر إلا في القليل النادر، لكن زواجهم
هذا لم يغير عادة العزلة فيهم، ولم يدعهم إلى الاختلاط بغيرهم، مما أوجد فجوة بين الحكام
والمحكومين ([58]).
4 ـ فساد النظام الإداري:
كان التنظيم الإداري والعسكري في بداية العصر المملوكي نظامًا
فعالاً وصارمًا، فعندما يعتلي سدة الحكم سلاطين أقوياء، يضبطون الأمور بحزم وحكمة.
لكن هذا التنظيم بدأ يفقد فعاليته تدريجيًا، إذ أن الصلاحيات
الواسعة التي منحها السلاطين للأمراء ضمانًا لولائهم قد أساءوا استعمالها، وأن السلاطين
أنفسهم لم يقيدوا تلك الصلاحيات؛ مما أفسح بالمجال أمام الطامحين للخروج على الطاعة،
وقد أدى التهاون في ضبط هذا التنظيم الذي حمل في طياته بذور الفساد، أن نمت هذه البذور
وتفتحت؛ ففسخت أواصره وأفقدته تماسكه، خاصة في ظل حكم السلاطين الصغار والضعفاء، عندئذٍ
يبرز الأمير القوي الذي يعزل السلطان ويجلس مكانه ([59]).
5 ـ فساد النظام الإقطاعي:
لقد قدم الفلاح في العصر المملوكي الكثير من الضرائب النقدية
والعينية، وكانت طريقة تحصيلها تتسم في الغالب بالعنف، وقد عانى إلى جانبها من التزامات
متنوعة، وقيود مفروضة عليه ألزمته قسرًا الفلاحة في الإقطاعية، فأضحى عبدًا لصاحبها
لا يستطيع الهرب منها والتخلص من ظلم المقطِع وقسوته، وليس له من خيراتها إلا القليل.
أمَّا الأمراء فقد أحجموا عن الاهتمام بإقطاعاتهم طالما أنها
غير وراثية، وازداد اعتمادهم على الرواتب النقدية والعينية، كما تراجع بناء الجسور
والأقنية، وأُهمِلَ ترميم ما هو قائم منها، فتدهور الانتاج الزراعي، وازداد عجز الدولة
عن سد النفقات العسكرية، فاضطر السلطان إلى فرض مزيد من الضرائب بشكل تعسفي، فنتج عن
ذلك انطلاق المقاومة الشعبية بكل أشكالها([60])..
6 ـ التدهور الاقتصادي:
منذ اعتلاء السلطان قايتباي عرش السلطنة في عام 872 هـ /
1468م بدأت مظاهر التدهور الاقتصادي على الدولة المملوكية؛ وذلك من خلال المظاهر التالية:
1- انحلال النظام الداخلي.
2- إهمال الأسس التي قامت عليها تربية المماليك.
3- بذخ السلاطين وترفهم.
4- كثرة المصادرات.
5- كثرة فرض الضرائب([61]).
6- تركهم الجهاد , وانشغالهم بمتع الحياة.
7- انقسامهم، وخلافاتهم الداخلية وكثرة الصراعات بينهم.([62])
8- حياة البذخ التي عاشها الأمراء , ومن ذلك : أن الناصر
بن سيف الدين قلاوون نحر عشرين ألفاً من الذبائح في الاحتفال بزواج ولده , ولما
سافر الناصر في رحلة خلال الصحراء حمل على ظهر أربعين بعيراً حديقة من الخضر
بطينها الخصيب ليستمد منها حاجاته كل يوم([63]) .
8- شدة البأس فيما بينهم , فأغلب سلاطينهم غلاظ الأكباد
قساة القلوب فالاغتيال هو الطريقة الوحيدة للتخلص من السلاطين من أجل الكرسي .
9- في عهد السلطان الملك الناصر بن برقوق وهو من
المماليك البرجية التي ساد عهدها الترف والدسائس والعنف والانحلال الاجتماعي،
وخفضوا قيمة النقد، حتى على عادة الحكومات، وفرضوا الضرائب الباهظة على ضروريات
المعيشة، وأساءوا استغلال احتكار الدولة لسكر والفلفل. وفرضوا في الإسكندرية
رسوماً باهظة على تجارة أوربا مع الهند، مما دعا تجار الغرب إلى البحث عن طريق إلى
الهند حول أفريقية. وخسرت مصر على مدى جيل بعد رحلة فاسكوداجاما (1498) كثيراً من
نصيبها الذي كان يوماً هائلاً، من التجارة بين الشرق والغرب، وأوقعت هذه الكارثة
الاقتصادية البلاد في حالة من الفقر المدقع إلى درجة أن السلطان سليم الأول لم يلق
إلا مقاومة ضعيفة، حين أنهى حكم المماليك، وجعل من مصر ولاية عثمانية ([64]).
ثانيًا: العوامل الخارجية:
أدَّى الانشقاق الداخلي في صفوف المسلمين في العالم الإسلامي
إلى إضعاف المجتمع الإسلامي تجاه العدو الخارجي، كما أن النزاع الديني الذي أعاق علاقات
الشرق بالغرب أخذ يتفاقم من جديد في أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، وظلت الصليبية
الغربية المتجددة هي العدو الرئيسي للإسلام والمسلمين كما كانت سابقًا.
فقد وجهت البرتغال ضربة قاصمة إلى قلب التجارة المملوكية
مع الهند، وشكَّل الكشف الجغرافي وتواجد البرتغاليين في مياه الهند، وسيطرتهم على التجارة
الشرقية كارثة حقيقية للدولة المملوكية، وقد هدف البرتغاليون من وراء ذلك إلى القضاء
على مصدر ثراء هذه الدولة، الداعم لقوتها العسكرية، وقد نجحوا في ذلك وأنهوا فعلاً
السيطرة المملوكية على المياه والتجارة الشرقية منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي،
وتبع ذلك تدهور أوضاع الدولة الاقتصادية نظرًا لفقدانها موردًا حيويًا ومهمًا مما أدى
بدوره إلى زعزعة قوتها وثروتها.
كانت هذه الضربة الأولى التي وُجِّهت إلى الدولة المملوكية
فأضعفتها.
أما الضربة الثانية والتي قضت عليها فقد جاءت على أيدي العثمانيين،
وأنهى السلطان سليم الأول العثماني دور المماليك الفاعل في معركة مرج دابق، ثم قضى
على دولتهم المستقلة في موقعة الريدانية، وورث ممتلكاتهم وألقابهم ليصبح حامي الإسلام
والمسلمين
([65]).
الفصل
الرابع : الجانب الحضاري في الدولة المملوكية
ولأن الحديث عن الجانب الحضاري في الدولة المملوكية حديث
متشعب طويل , اختصرت البحث في التركيز على تحليل الجانب العمراني
والاقتصادي , والمحور الجهادي , والجانب الاجتماعي , وبيان ذلك كالتالي :
المبحث الأول : الحياة العمرانية
والاقتصادية في الدولة المملوكية :
أولا
الحضارة العمرانية :
إن
رقي الفنون في أي زمان إنما يرتبط ارتباطا شديدا بانتعاش الحياة الاقتصادية وتوافر
المال , فالمجتمع الفقير مثله مثل الرجل الفقير يفكر في أسباب الحياة , ويعتبر
الفنون نوعا من الكماليات , لا فائض لها من المال والجهد .
وإذا
اضطرته ظروف الحياة الاجتماعية أو الدينية إلى إقامة بعض العمائر والأدوات وغيرها
من مطالب , فإنه يجنح إلى البساطة وعدم التعقيد لأنه يستهدف تحقيق غرضه بأقل
النفقات .
أما
المجتمع الغني فمثله مثل الفرد الثري يبحث عن المتعة وعن أوجه يستغل فيها فائض
ماله , فينفقه في ابتكار الكماليات ([66]).
ومن
المعلوم أن عصر دولة المماليك ينقسم إلى عصرين، دولة المماليك البحرية، ودولة
المماليك الجراكسة، ومن أهم العمائر الإسلامية في عهد المماليك البحرية: جامع
الظاهر بيبرس، ومدرسة وضريح ومستشفى السلطان قلاوون , ومسجد المارداني، ومدرسة
ومسجد السلطان حسن.
وهذان
مثالان لهذه العمارة:
مسجد
الناصر قلاوون بالقلعة: وهذا المسجد مربع الشكل، ويتكون من صحن محاط بأربعة أروقة
ورواق القبلة، يتكون من أربعة بلاطات، والأروقة الأخرى يتكون كل منها من بلاطتين
فقط، أما القبة التي تعلو المحراب فتشغل ثلاث بلاطات مربعة، والواجهة بسيطة يعلوها
صف من النوافذ ذات العقود المدببة، وللمسجد مدخلان بارزان عن الواجهة.
مدرسة
ومسجد السلطان حسن: ويقع هذا الأثر الرائع بميدان قلعة صلاح الدين، وقد أنشأه
السلطان حسن بن محمد بن قلاوون، وهو من أجمل الآثار الإسلامية، فمبانيه تجمع بين
قوة البناء وعظمته، ودقة الزخارف وجمالها، والملاحظ في منطقة قلعة صلاح الدين التي
يقع فيها هذا الأثر، عند النظر إليها من لوحة مصورة، كثرة المساجد الأثرية القديمة
في هذه المنطقة.
أما
دولة المماليك الجراكسة، فقد تركت لنا عدة آثار رائعة منها:
مدرسة
وضريح السلطان قايتباي بالقرافة الشرقية:
ألحق
سلاطين المماليك بالمساجد والخوانق الشرقية مدافن لهم، ومن الآثار المعمارية التي
أنشئت في هذه المنطقة مجموعة السلطان قايتباي، والتي تعد من أبدع وأجمل المجموعات
المعمارية في مصر الإسلامية، ويرجع جماله إلى تنسيقها، فهي تتكون من مسجد ومدرسة
وسبيل وكتاب وضريح ومئذنة، وقد أدَّت دقة الصناعة دورًا هامًّا في إبراز جمال هذا
الأثر المعماري القيم.
مسجد
الغوري ومجموعته المعمارية:
وتتكون
من وكالة وحمام ومنزل ومقعد وسبيل، وكُتَّاب ومدرسة، وقبة، ثم المسجد ويمتاز شكل
مئذنته بقمتها المكونة من رأسين مربعين، وقد برع المماليك في بناء الدور والمنازل
والقصور، وبلغوا فيها حدًّا كبيرًا من الدقة والمتانة والجمال ([67]).
المسجد
في الدولة المملوكية :
وفي
المساجد نجد المحراب علامة دلالية لتعيين اتجاه القبلة(الكعبة ) . وهذه العلامة
على هيئة مسطح أو غائر(مجوف) أو بارز .والمسلمون استعملوا المحاريب المجوفة ذات
المسقط المتعامد الأضلاع. أو المسقط النصف دائري . وقد اختيرت الهيئة المجوفة
للمحراب لغرضين رئيسين هما ، تعيين اتجاه القبلة، وتوظيف التجويف لتضخيم صوت
الإمام في الصلاة ليبلغ المصلين خلفه في الصفوف .وكانت تجاويف المحاريب تبطن وتكسي
بمواد شديدة التنوع كالجص والرخام والشرائط المزخرفة بالفسيفساء أو المرمر المزخرف
, ونري المحاريب التي شيدها المماليك في مصر والشام من أبدع المحاريب الرخامية ،
حيث تنتهي تجويفة المحراب بطاقية على شكل نصف قبة مكسوة بأشرطة رخامية متعددة
الألوان. و أبرع الفنانون المسلمون في استخدام مختلف أنواع البلاطات الخزفية
لتغشية المحاريب أما الخزافون في الشرق، فقد استخدموا بلاطات الخزف ذات البريق
المعدني والخزف الملون باللون الأزرق الفيروزي . وقد حفلت المحاريب بالكتابات
النسخية التي تضم آيات من القرآن الكريم، بجانب الزخارف النباتية المميزة بالتوريق
والأرابيسك . كما استخدمت فيها المقرنصات الخزفية لتزيين طواقي المحاريب. وجرت
العادة وضع المحراب في منتصف جدار القبلة بالضبط ليكون محوراً لتوزيع فتحات
النوافذ على جانبيه بالتوازن.
والمئذنة
(المنارة) الملحقة ببنايات المساجد لها سماتها المعمارية .و تتكون من كتلة معمارية
مرتفعة كالبرج و قد تكون مربعة أو مستديرة أو بها جزء مربع و أعلاها مستدير.
وبداخلها سلم حلزوني (دوار) يؤدي إلي شرفة تحيط بالمئذنة ليؤذن من عليها المؤذن
وليصل صوته أبعد مدى ممكن. والمآذن المملوكية تتكون من جزء مربع ثم جزء مثمن ثم
جزء مستدير بينهم الدروات ويعلوها جوسق ينتهى بخوذة يثبت بها صوارى تعلق بها
ثرايات أو فوانيس. ومئذنة مدرسة لغورى بالقاهرة، أقيم فى طرفها الغربى منار مربع
يشتمل على ثلاثة أدوار يعلو الدور الثالث منها أربع خوذ كل خوذة منها فى دور
مستقل، ومحمولة على أربعة دعائم وبكل خوذة ثلاث صوارى لتعليق القناديل أو الثريات ([68]).
وفي
دلهي في الهند وصل الاهتمام بزخرفة المساجد درجة عالية على يد قطب الدين أيبك الذي تولى بعد موت سيده , وقد
اشتهر عنه تمسكه بتعاليم الإسلام، ويظهر ذلك بوضوح في عدائه الشديد لنظام الطبقات
الذي كان سائداً في الهند، ومعاملته للناس على أساس المساواة التي ينص عليها
الإسلام , وينسب لأيبك في دلهي مسجد عظيم أسماه " قوة إسلام "، ويبلغ
ارتفاع مئذنته 250 قدم، وهي تعد أطول منارة في العالم، ولا تزال قائمة إلى اليوم
وتعرف باسم " قطب مينار" أي منارة قطب " وتمتاز بنقوشها وزخارفها
ذات الطابع العربي والهندي.
وانتهى
حكم أيبك على هندستان في سنة 608 هـ (1210م) وذلك على أثر سقوطه من على فرسه,
أثناء لعبة الكرة أو البولو- جوكان- فتوفي على الأثر, وخلفه أحد مماليكة البارزين
وزوج ابنته " شمس الدين التتم" الذي سار سيرة حسنة في رعيته، واشتد في
رد المظالم وأنصاف المظلومين , فيؤثر عنه أنه أمر أن يلبس كل مظلوم ثوباً مصبوغاً
, وأهل الهند جميعا يلبسون البياض، فكان إذا قعد للناس أو ركب، فرأى أحداً عليه
ثوب مصبوغ نظر في قضيته وأنصفه ممن ظلمه.
وكان مسجد السلطان حسن (1356 - 1363)
عجيبة عصره، ولا يزال أفخم آثار الفن المملوكي. وذهب المقريزي المؤرخ إلى أنه
"فاق كل ما بنى من مساجد (31) " ولكنه كان قاهرياً محباً لوطنه. وتروى
أسطورة غير مؤكدة كيف أن السلطان جمع مشاهير المهندسين من بلاد كثيرة، وطلب إليهم
أن يذكروا له أعلى صرح على البسيطة، وأمرهم بأن يشيدوا صرحاً أعلى منه، فذكروا له
قصر خسرو الأول في مدينة طيسفون (مدينة بابلية على نهر دجلة) الذي يرتفع الجزء
الباقي من مدخله 105 من الأقدام فوق سطح الأرض. فبنى العمال جدران المسجد الجديد،
بعد أن سرقوا حجارة الأهرام المتهدمة، على ارتفاع مائة قدم، وزادوا فوقها إفريزاً
(كورنيش) بارتفاع 13 قدماً وشيدوا في أحد الأركان مئذنة بارتفاع 280 قدماً. وإن هذا
المبنى الشاهق ليترك انطباعاً في نفوس الغربيين، ولكنه قل أن يسر الناظرين منهم.
ومهما يكن من شيء فإن أهل القاهرة كانوا فخورين به، إلى حد أنهم ابتدعوا أو
استعاروا خرافة تقول بأن السلطان قطع يد المهندس حتى لا يصمم تحفة رائعة تضارع
هذه، وكأن المهندس يصمم بيده وكانت مساجد المقابر أكثر فتنة وجذباً للأنظار، رغم
الغرض الذي بينت من أجله، وقد بناها سلاطين المماليك خارج أسوار القاهرة لتضم
رفاتهم. من ذلك أن السلطان الظاهر برقوق الذي بدأ حياته عبداً شركسياً، انتهى أمره
في مجد صامت، راقداً في مقبرة من أفخم هذه المقابر ([69]).
القصور والدور في العصر المملوكي :
لقد
أسفرت الحفائر في الدول العربية الإسلامية ولاسيما في سامراء بالعراق، والفسطاط
بمصر ،ومدينة الزهراء بالأندلس عن كشف أطلال بعض البيوت الأثرية . وظهر أن معظم
هذه البيوت قد لوحظ في تصميمها، موافقتها لجو البلاد وللعادات الشرقية الإسلامية،
فكانت حرمة الدار مكفولة، ومن في ظاهر الدار لا يستطيع رؤية من في داخلها. وكانت
في معظم البيوت فسقية وحديقة .
كما
كان يعنى بالقصور الإسلامية عناية كبيرة ،وكانت الطبقات السفلية من هذه القصور
متينة البناء ومشيدة بالحجر وذات عقود جميلة . وكانت الطبقات العلوية تمتاز
بأسقفها البديعة المصنوعة من الخشب المزخرف بالنقوش المذهبة بينما كانت واجهات
القصور تزدان بالمشربيات البارزة والمصنوعة من الخشب الخرط، مما كان يكسب المدن
الإسلامية طابعاً جميلاً أُعجب به الرحالة والتجار من المشرق والمغرب .
وفي
عهد المماليك والأتراك كانت البيوت الكبيرة في القاهرة تشمل طابقا أرضيا للرجال (
سلاملك ) ،وطابقا علوياً للنساء ( حرملك ) ،وكان يلاحظ في تصميم الدار أن تُطلَ
القاعات الرئيسية على الجهة البحرية لتستقبل النسيم . وكانت المشربيات أهم مايزين
واجهات البيوت والقصور، فتلطف شدة الضوء وتدخل النسيم وتمكن النساء من رؤية ما
يحدث الخارج بدون أن يراهن أحد . وكانت النوافذ المتسعة في القاعات تطل على صحن
الدار ، أما النوافذ المطلة على الشارع فكانت صغيرة ومرتفعة .
وكان
قايتباى أعظم البناة بين المماليك البرجية، فبالرغم من أن الحرب مع الأتراك
أنهكته، فقد دبر الأموال لتشييد المباني النفيسة في مكة والمدينة والقدس، وجدد في
القاهرة قلعة صلاح الدين والجامع الأزهر، وبنى داخل العاصمة مسجداً ذا زخارف
منسقة. وتوج قايتباى أعماله في أخريات أيامه، بمسجد تذكاري من الجرانيت والرخام،
ذي زخرفة رائعة ومئذنة عالية ذات شرفات، وقبة مزينة بنقوش هندسية، مما جعل هذا
المسجد مأثرة من المآثر الأقل قيمة للفن الإسلامي.
وانتشرت
الفنون الصغيرة في عهد المماليك. وصنع النقاشون على العاج والعظام والخشب ألفاً من
المنتجات الجميلة، من صناديق الأقلام إلى المنابر، وهي منتجات كان يتخيلها الذوق،
ويقوم على تنفيذها العمل المتواصل والمهارة. وحسبك في هذا أن تلقي نظرة على منبر
مسجد قايتباى خارج أسوار المدينة في متحف فكتوريا وألبرت. وبلغ التطعيم بالذهب
والفضة ذروته أيام هذه الأسرات الدموية. أما مصانع الخزف المصري التي كانت قد
ابتدعت ألفاً من البدع والأشياء الغربية في آلاف السنين السحيقة في القدم، فإنها
أخرجت الآن للعالم الزجاج المطلي بالمينا ومصابيح المساجد والكؤوس والزهريات
المزدانة بالصور أو الزخرفة التشكيلية من المينا الملونة، والمرصعة بالذهب
أحياناً. وبمثل هذه الطرق وبكثير غيرها لا يحصيها العد، خلع الفنانون المسلمون على
الجمال شكلاً خالداً، وبذلك عوضوا عن وحشية ملوكهم أو كفروا عنها ([70]).
وبجوار
ما سبق من حضارة معمارية فإن السلطان المنصور سيف الدين قلاون (1279-1290)، اشتهر
في التاريخ بتشييد البيمارستان الذي أنشأه في القاهرة، والذي خصص له مليوناً من
الدراهم (ما يعادل 500.000 ريال أمريكي) في العام ...، وبني قنوات لجر ماء الشرب
إلى العاصمة، وأنشأ حمامات عامة، ومدارس، وأديرة، وثلاثين مسجداً، واحتفر قناة تصل
الإسكندرية بالنيل سخر في حفرها مائة ألف عامل([71]).
وفي
القاهرة بدأ السلطان قلاون في عام 1285 تشييد بيمارستان المنصور أعظم مستشفيات
العصور الوسطى على الإطلاق، فقد أقام في داخل فضاء واسع مسوّر مربع مباني أربعة
يتوسطها فناء يزدان بالبواكي، وتلطف حرارته الفساقي والجداول. وكان يحتوي على
أقسام منفصلة لمختلف الأمراض وأخرى للناقهين، ومعامل للتحليل، وصيدلية، وعيادات
خارجية، ومطابخ، وحمامات، ومكتبة ومسجد للصلاة، وقاعة للمحاضرات، وأماكن للمصابين
بالأمراض العقلية، زوت بمناظر تسر العي. وكان المرضى يعالجون فيه من غير أجر
رجالاً كانوا أو نساء، أغنياء أو فقراء، أرقاء، أو أحراراً، وكان كل مريض يعطي عند
خروجه منه بعد شفائه مبلغاً من المال حتى لا يضطر إلى العمل لسب قوته بعد خروجه
منه مباشرة. وكان الذين ينتابهم الأرق يستمعون إلى موسيقى هادئة، وقصاصين محترفين،
ويعطون في بعض الأحيان كتباً تاريخية للقراءة, وكان في جميع المدن الإسلامية
الكبيرة مصحات للمصابين بالأمراض العقلية ([72]).
يعتبر
عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون (698- 708ه-/1299- 1308م) من أزهى عصور الدولة
المملوكية فقد أكثر من العمائر، ومن أهم منشآته في مدينة القاهرة الميدان العظيم،
والقصر الأبلق بالقلعة، والإيوان ومسجد القلعة، والميدان الناصري، وبستان باب
اللوق، وقناطر السباع.
ومن
بين الأعمال العظيمة التي أنجزت في عصر الناصر محمد حفر قناة من الإسكندرية إلى
فوة، وبذلك أعاد وصل الإسكندرية بالنيل.
وبلغ
اهتمام الناصر بالعمارة أن أفرد لها ديوانًا، وبلغ مصروفها كل يوم اثني عشر ألف
درهم([73]).
وكان
السلطان قايتباي (873- 902هـ / 1468- 1496م) محبًّا للعمارة، فقد بنى ورمم كثيرًا
من المساجد والقلاع والحصون والمدارس والزوايا، ولا يضارع عصره في المباني وفرة
وجمالاً سوى عصر الناصر محمد بن قلاوون.
أمّا
مدينة الإسكندرية فقد حظيت بعناية السلطان قايتباي، فقد أنشأ بها قلعة أطلق عليها
اسم البرج، وتعتبر أكبر آثاره الحربية.
أما
الفنون في عصر المماليك فنجد أنها وصلت حدَّ الروعة والإتقان والرقي، ويشهد على
ازدهار فن النحت على الخشب في العصر المملوكي، أن الفنانين استطاعوا أن يبدعوا في
زخرفة الحشوات بالرسوم الدقيقة.
كذلك
ازدهرت في عصر المماليك صناعة الشبكيات من الخشب المخروط، المعروفة باسم المشربيات
([74]).
وأكبر
دليل على اتساع حضارة المماليك العمرانية أن الظاهر بيبرس وحده جدد بناء الحرم النبوي
, وجدد بناء قبة الصخرة في القدس، بعد أن تداعت أركانها , وأعاد الضياع الخاصة بوقف
الخليل في فلسطين، بعد أن دخلت في الإقطاع، ووقف عليه قرية اسمها بإذنا , وبنى المدرسة
الظاهرية بين القصرين، وعين فيها كبار الأساتذة كان من بينهم مدرس الحنفية الصاحب مجد
الدين بن العديم، ومدرس الشافعية الشيخ تقي الدين بن رزين، وولى الحافظ شرف الدين عبد
المؤمن الدمياطي مشيخة الحديث، والشيخ كمال الدين الحلبي مشيخة القرَّاء , وبنى مسجده
المعروف باسمه في ميدان الأزهر في القاهرة , وبنى مشهد النصر في عين جالوت تخليدًا
لذكرى الانتصار على المغول , وجدد أسوار الإسكندرية , وأعاد بناء القلاع التي هدمها
المغول في بلاد الشام مثل قلعة دمشق، قلعة الصلت، قلعة عجلون وغيرها([75])
...
والخلاصة
: أن خير شاهد على الحضارة العمرانية في الدولة المملوكية قلعتها كثيرة القصور ,
ففيها القصر الكبير , والقصر الأبيض , والقصر الأسود , والقصور الجوانية وعددها
ثلاثة , والقصر الأبلق , والقصر المعروف بالأشرفية.... ,وبجوار ذلك مآذنها , فهي
بلد الألف مئذنة ([76]).
ثانيا : الجانب الاقتصادي:
حدث
نمو تجاري قوي، ونظمت التجارة الخارجية والداخلية، وزادت الثروات بطريقة خيالية في
العصر المملوكي الأول , وفي العصر المملوكي الثاني دخل المماليك التجارة بأنفسهم واحتكروا
السوق، وفرضوا الضرائب، وأرهقوا التجار الأوروبيين، واضطربت حالة النقد، بسبب التلاعب
في موازين النقود. وكانت هذه الأوضاع المرهقة اقتصادياً من ضمن عوامل أخرى أجبرت أوروبا
على البحث عن طريق جديد للتجارة.
ومن
الواضح في العهد المملوكي أن الحاكم مستأثر بالمال والحياة والسوق نتيجة لنعمة الموقع
المتميز، ومرور التجارة في أراضيه. وهي على كل حال ثمرة لحدث سعيد يمكن مقارنته بالبترول
في عصرنا في بعض دول العالم الثالث، وهو حدث لابد أن تنعكس آثاره على العمران والبناء
والرفاهية الخاصة. بل والصرف على التعليم وخلق مناخ يسمح بظهور بعض المواهب.
ولكن
على مسار الكتلة البشرية الكبيرة في المجتمع المملوكي كان الاتجاه معاكساً، فهذه الكتل
لم يكن لها نصيب لا في مباهج الدنيا ولا في العلم، فانتعشت الطرق الصوفية، واستوعبت
هذه الكتل مقابل وعد الآخرة، إذ فشلت في الحصول على نصيب من الدنيا.
ولما
كان العمران والتعليم ثمرتين للوفرة المالية، لا لتطور عالم الأفكار والعلاقات الاجتماعية؛
فإن انقراضه سيحدث لنفس السبب، أي زوال الوفرة المالية. وهنا يأتي الحدث الكبير باكتشاف
رأس الرجاء الصالح، وتحول طريق التجارة إلى مسار جديد .. فماذا سيحدث للعمران، والعلم؟
وقد قررنا أن المجتمع كان قد تدمر قبلها وانخرط في حياة الطرق الصوفية أو عالم الهروب
من الدنيا على مستوى القاعدة، وعالم المتعة الحسية المادية على مستوى القمة.
إن
الإجابة كشفت عنها حملة نابليون بعد قرنين من الزمان أي في القرن السابع عشر حيث يصف
الجبرتي الحالة بشكل يدعو إلى الشفقة ([77]).
لقد اهتم سلاطين المماليك بالزراعة اهتماما كبيرا حيث أن
الزراعة كانت الحرفة الأولى لغالبية السكان , والمورد الأول الذي عاش عليه معظم
الأهالي .
وانقسمت الأراضي الزراعية في مصر من حيث جودتها إلى
أقسام :
- الباقة: وهو خير الأراضي وأجودها , ومن أشهر المزروع
فيها القمح والكتان .
- البرائب: وتصلح لزراعة القرط والمقاثي
- البرنس: وهي كل أرض خلت مما زرع فيها ..
- الوسخ : وهي الأرض التي استكم وسخها , ولم يستطع
المزارعون من ازالتها بل زرعوعوها كما هي .
- الخرس: تستخدم مرعى للدواب .
- الشراقي: وهي التي لايصل إليها ماء .
- المستبحر: وهي المنخفضة التي إذا سار الماء إليها لا
يجد منصرفا .
- السباخ وهي التي غلب عليها الملح ويزرع فيها الباذنجان
والقصب الفارسي .
أما اهم الحاصلات :
القمح , وكان يكفي حاجة المجتمع ويصدر باقيه , الكتان ,
وقصب السكر , والفواكه والخضر ([78]).
ونستطيع أن نوجز سر التقدم الاقتصادي في الدولة
المملوكية فيما يلي :
نقل التجارة العالمية بين المشرق والمغرب عن طريق الدولة
المملوكية , فتنقل مصر إلى أوربا توابل الهند والصين , مثل : الشاي , والقهوة.. ([79]).
المبحث الثاني : الجيش المملوكي ومقومات حركة الجهاد
.
البدايات
:
تبلور
في دولة المماليك الأتراك النظام التربوي العسكري الإسلامي، وصار راسخاً متيناً،
ومكنها من صد الزحف المغولي شرقاً، وطرد المستعمر الصليبي من مصر والشمام غرباً.
وفي ذلك يقول القلقشندي : ود أبت سلطنة المماليك في مصر على أن تنقل عن كل مملكة
سبقتها أحسن ما فيها، فسلكت سبيله، ونسجت على منواله، حتى تهذبت وترتبت أحسن
ترتيب، وفاقت سائر الممالك، وفخر ملكها على سائر الممالك ([80]).
دور نجم الدين أيوب في وضع أسس التربية للجيش المملوكي والنهوض به:
حيث
قام بشراء المماليك والغلمان الأتراك بشكل لم يسبق له نظير في تاريخ السلطة الأيوبية،
فخلال مدة حكمه أضاف إلى الجيش في دفعة واحدة ما تعداه من أكثر من ألف مملوكاً تركياً
جلبهم من إقليم التركستان (خوارزم)، ومن مناطق شمالي البحر الأسود وبحر قزوين
([81])،
وغيرها من الأماكن، وقد أصبح العنصر التركي في عهد الملك الصالح هو الغالبية المتميزة
للجيش الأيوبي وسرعان ما شكلوا نواة عسكرية ـ سياسية نشطة تحولت إلى دولة المماليك
البحرية، بعد أقل من بضع سنين على وفاة الملك الصالح لتختفي تدريجياً العناصر المتكون
منها الجيش الأيوبي، كالبربر والسودان، ومن أهم معالم التطوير في البنية العسكرية الأيوبية
في عهد السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب الآتي:
أ ـ الصالحية: وهي القوة العسكرية الجديدة من المماليك الأتراك
باسم (الصالحية) نسبة إلى الملك الصالح أيوب نفسه، ومن الواضح أن الملك الاصالح نجم
الدين أيوب هو صاحب الفضل في تكوين هذه الفرقة الجديدة من المماليك التي تحمل أيضاً
إسم البحرية، والتي قدر لها أن تنهض بدور خطير في تاريخ مصر السياسي لما يقارب من قرنين
ونصف، ومما يقوله: ابن تغري بردي نقلاً عن ابن واصل مؤرخ الأيوبيين: اشترى من المماليك
الترك ما لم يشتره أحد من أهل بيته حتى صاروا معظم عسكره وأرجحهم على الأكراد وأمرهم ([82])، ويبدو أن الملك الصالح أراد أن يشكر المماليك في مساندتهم
له للوصول إلى دست السلطنة، ولذلك عمل منهم جيش قوي يسانده في فرض إرادته على الأقاليم
الأيوبية بعد أن لمس غدر الطوائف الأخرى من الجند المرتزقة مما دفعه إلى الاعتماد على
تلك الفرقة الجديدة وترجيحهم على العناصر الأخرى السائدة([83]).
ب ـ
ثكنات المماليك الصالحية في جزيرة الروضة:
اتخذ
الملك الصالح أيوب لمماليكه قاعدة في جزيرة الروضة تعرف قلعة الجزيرة أو قلعة الروضة،
وجعلها مقراً لهم وشرع في حفر الأساس وبنائها بين عامي 637هـ/1239م و638هـ/1240م، ولتطوير
هذه الثكنات هدم الكثير من الدور والقصور والمساجد التي كانت في الجزيرة وأدخلت في
نطاق القلعة مشيداً فيها مبانٍ كثيرة منها ستين برجاً وأقام بها مسجداً وغرس بداخلها
أنواعاً شتى من الأشجار، ومن شحنها بالسلاح وآلات الحرب وما يحتاج إليها من الغلال
والأزواد والأقوات وقد أنفق السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب على عمارتها أموالاً
كثيرة، وكان السلطان يقف بنفسه ويرتب ما يعمل بها، وقد عمل كل ذلك من أجل أن ينتقل
من قلعة الجبال ويسكن مع مماليكه البحرية([84]).
الجانب التربوي للجيش المملوكي في العهد الأيوبي :
كان الصالح أيوب ـ ومن تبعه من الأمراء ـ لا يتعاملون مع
المماليك كرقيق، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد كانوا يقربونهم جداً منهم لدرجة تكاد
تقترب من درجة أبنائهم، ولم تكن الرابطة التي تربط بين المالك والمملوك هي رباطة السيد
والعبد أبداً، بل رابطة المعلم والتلميذ، أو رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة
وأبناء عائلته، وهذه كلها روابط تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو العسف،
حتى أنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب (الأستاذ) وليس لقب السيد([85])
, وكانت المدةالتي يقطعها المملوك ليعتبر منتهياً من تعليمه
تمر بمراحل ثلاث:
ـ المرحلة الأولى: تبتدئ من الصغر إلى سن البلوغ، حيث كان
المماليك يجلبون صغاراً، تحقيقاً لرغبة الملوك والسلاطين ثم يوزعون على طباق القلعة
حسب أجناسهم، تحت إشراف جهاز إداري محكم يتولى شئونه في التعليم والتدريب والإعداد
العسكري وكان هذا الجهاز يتكون من الموظفين المختصين بشئون الجيش وبخلفيات الأمم التي
ينتمون إليها وبالدين الإسلامي الحنيف ([86])، فأول ما يبدأ به المماليك في المرحلة الأولى تعليمهم ما
يحتاجون إليه من القرآن الكريم، ولكل طائفة فقيه يأتيها كل يوم ويأخذ في تعليمها القرآن
ومعرفة الخط والتمرين بآداب الشريعة الإسلامية، وملازمة الصلوات والأذكار ([87])، وكان من ضمن المنهج الدراسي الخاص في هذه المرحلة الاهتمام
بالتمرينات والألعاب الرياضية مدة من الزمن، وكانت الصلاة تؤدى في أوقاتها تحت المراقبة
الدقيقة حتى تؤدى على وجهها الصحيح، وحتى تصبح ملكة عند المماليك من صغرهم، ويؤمرون
بحفظ بعض الأدعية المأثورة لتلاوتها في مناسباتها وأهم ما في هذه المرحلة، إبراز التعاليم
الدينية في صورة تعلقهم بها، حتى يصبح أحب شيء إليهم هو الجين والأخلاق الفاضلة ([88]) , إن الفقهاء والعلماء والمؤدبين الذين أشرفوا على تربية
المماليك ساروا على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستفادة من القرآن الكريم
وتربية الأتباع على معاني العقيدة الصحيحة والتصور الصحيح عن الله عز وجل...
إن الفقهاء والعلماء الذين تولوا مهام تربية وتعليم المماليك
في نهاية عهد الدولة الأيوبية حرصوا على الإعداد الرباني وكانت خطواتهم تتم بكل هدوء
وتدرج وانصبَّت أهدافهم التربوية على تعليم الكتاب والسنة وتلاوة القرآن الكريم وتطهير
النفوس من أمراضها وإعداد الأفراد لتحمل تكاليف الجهاد والدفاع عن حياض الإسلام والهجوم
على أعدائه وقد غرست تلك التربية الكثير من القيم الأخلاقية، كالإخلاص لله والصبر،
والتوكل والاستعانة وكثرة الدعاء والثبات والخوف والحذر من الله عز وجل، وكان لهذه
التربية المتميزة أثرها على أطفال وشباب المماليك فنشأوا على تعظيم أمر الدين الإسلامي،
وتكونت لديهم خلفية واسعة عن الفقه الإسلامي، وأصبحت مكانة العلماء عالية عند المماليك
طيلة حياتهم وهذا من أسباب النهضة الحضارية الثقافية العلمية الراقية التي وجدناها
في عهد المماليك([89]).
2 ـ المرحلة الثانية: وهي التي تبتدئ بسن البلوغ حيث يشرع
في تعليمه فنون الحرب من رمي السهام ولعب الرمح والضرب بالسيف وركوب الخيل، ويراعى
في هذ المرحلة الأخذ بشدة، فلا يتسامح مع المملوك إذا أخطأ , إنما يعاقب عقاباً قاسياً
إذا بدا عليه الشذوذ في أخلاقه أو الانحراف عن المبادئ الدينية، ثم يقسمون إلى فرق
يتولى كل منهم معلم في العلوم الرياضية والتدريبات العسكرية، فيتمرنون على فنون من
الرياضة العنيفة مثل السباحة والعوم لمسافات طويلة والمبارزة، ولعب الكرة راجلين وراكبين،
وأما في أوقات الفراغ فإنهم يتركون إلى هواياتهم العملية أو الدينية أو الأدبية، ومن
هنا ندرك السر في ظهور عدد من المماليك في صفوف الفقهاء والشعراء والكتاب البارزين([90]).
وقد كان لهم خداماً وأكابر من النواب يفحصون الواحد منهم
فحصاً شافياً ويؤخذونه أشد المؤاخذة ويناقشونه على تحركاته وسكناته فإن عثر أحد مؤدبيه
الذي يعلمه القرآن أو رأس النوبة الذي هو حاكم عليه على أنه اقترف ذنباً أو أحل برسم
أو ترك أدباً من آداب الدين أو الدنيا قابله على ذلك بعقوبة شديدة بقدر جرمه فلذلك
كانوا سادة يدبرون الممالك وقادة يجاهدون في سبيل الله وأهل سياسة يبالغون في إظهار
الجميل ويردعون من جار أو تعدى([91]).
3 ـ المرحلة الثالثة: وهي مرحلة ظهور المواهب العسكرية، ووضوح
الاتجاهات والكفايات السياسية، وفي هذه المرحلة تعقد المبارزات بين المماليك، لمعرفة
مقدار المهارة الفنية والعسكرية في صفوفهم، ثم يرسلون إلى ميادين القتال ليعرف بلاؤهم
هناك، ثم يكافأ المبرزون منهم بمنحهم الحرية، وعتقهم من الرق، وهناك من يبقى في الرق
مع تولي المناصب كالذين باعهم سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام ثم اعتقهم ووضع
اثمانهم في بيت مال المسلمين، ويوضعون في وظائف عسكرية صغيرة، يترقى فيها المملوك حتى
يبلغ الإمارة، فيمنحه السلطان لقبها، ثم يترقى في سلكها، حتى يصل إل كبريات المناصب
في الدولة وكثيراً ما كانت ترتفع به مواهبه وعبقريته إلى منصب السلطنة ورياسة الدولة([92]) ، وبفضل الله ثم
هذه التربية المتميزة نبغ من بين هؤلاء من خلّد التاريخ بطولاتهم، وسجل على صفحاته
امجاداً عظيمة للمسلمين من تصديهم للمشروع المغولي والقضاء على الوجود الصليبي في ديار
المسلمين، يقول بروكلمان في شأنهم: وعدت الاجيال التالية عصر بيبرس كما عدت عهدي الرشيد
وصلاح الدين ـ أحد العصور الذهبية في الإسلام([93]) .
4 ـ نظام الأكل والثياب والراحة: كان لتعليم المماليك نظام
دقيق، فليس لهم أن يخرجوا من مقرهم، إطلاقاً، لا سيما ليلاً، وكان عليهم أن يذهبوا
إلى الحمام يوماً في الأسبوع، ويكون أكلهم اللحم والأطعمة والفواكه والحلوى، والفول
المسلوق وغير ذلك، وكانوا يتسلمون كسوات فاخرة، وقد يأخذون مرتباً قليلاً قد يصل إلى
ثلاث أو عشرة دنانير في الشهر ([94])، وكان السلطان يذهب ليتفقد أحوالهم من طعام وغيره، ولكن
منذ عهد السلطان برقوق سمح للمماليك بالخروج من الطباق والمبيت خارجها في القاهرة،
بحيث أصبحت فقط مكاناً لتعليمهم، ويلاحظ المقريزي أن ذلك جرَّ إلى نسيان تقاليد المماليك
في التعليم بالطباق وأنهم أخلدوا إلى البطالة، وسعوا إلى نكاح النساء، حتى صارت المماليك
أرذل الناس وأدناهم ([95]).
5ـ نظام التخرج وإنهاء الدراسة: كانت الدراسة في الطباق بين
أربعة أو خمسة عشر شهراً، وإن كانت أحياناً تمتد إلى عدة سنين، فإذا إنتهت الدراسة،
أعتق المملوك، ويكون الإعتاق بالجملة ويقام له إحتفال خاص يحضره السلطان والأمراء وذلك
بناء على شهادة تسمى إعتاق أو عتاقه([96])، فسلم المملوك سلاحاً وفرساً ولباساً خاصاً – قماشاً- وإقطاعاً
يبقى له مدى الحياة، وحينئذ يسمى عتيقاً أو معتوقاً ـ جمعها معاتيق ـ ومعتقه يسم أستاذه
أما رفاقه المتحررون معه، فيسمون خشداشية ([97])، مفردها خشداش وكان المماليك المتخرجون يقسمون أقساماً،
لكل جماعة منهم باش أو نقيب، أما الذين يصلون إلى الإمارة وهي مرتبة تهيء الوظاف الكبرى
الحاكمة في البلاط والجيش أو حتى للسلطنة نفسها وكان من المفروض أن المملوك لا يحصل
على الإمارة إلا بعد أن ينتقل من مرتبة إلى مرتبة، فلا يليها إلا وقد تهذبت أخلاقه
وكثرت آدابه وامتزج بروح الإسلام وبرع في الشئون الحربية، بحيث من كان منهم من يصير
من كثرة علمه في مرتبة فقيه أو أديب أو حاسب،، لذلك كانوا سادة يديرون المماليك وقادة
يجاهدون في سبيل الله، وأهل سياسة.
6 ـ لغة المماليك: هي اللغة التركية، وهي لغة مملوءة بالفارسية
والعربية حتى لو لم يكونوا تركاً، فعدد كبير من سلاطين المماليك وأمرائهم وصلوا إلى
السلطنة ووظائفها العالية، دون أن تكون لهم معرفة بالعربية([98])، ومع ذلك، فكثير من المماليك أتقن العربية وأصبح فصيح اللسان،
وله مسائل في الفقه عويصة، يرجع له فيها العلماء([99]).
مقومات حركة الجهاد عن المماليك :
مقومات حركة الجهاد في الجيش المملوكي كثيرة , منها على
سبيل العد لا الحصر :
- تجديد حركة الجهاد ضد المغول والصليبيين :
هذا التجديد يلحظه الباحث للدول الثلاث : الزنكية
والصلاحية –نسبة لصلاح الدين – والمملوكية , فيدرك الباحث أن قيام هذه الدول كان
صحوة اسلامية استهدفت ايقاظ العالم الاسلامي من سباته العميق الذي استغله العالم
الغربي .
فإن كان عماد الدين زنكي ونور الدين محمود قد تمكنا من
القضاء على ما يعكر صفو الوحدة وتوج ذلك بالقضاء على إمارة الرها في العراق والخلافة
الفاطمية الشيعية في مصر , وأكمل صلاح الدين من بعدهم , فحرر بيت المقدس أولى
القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - , ثم جاء من بعدهم
المماليك فساروا على نهج أسلافهم , فقهروا المغول والصليبيين معا.
واتبع المماليك أساليب متنوعة في إحياء فريضة الجهاد ,
كالخطب على المنابر وإلقاء الدروس في المساجد , وحرص المماليك على اصطحاب العلماء
والفقهاء معه إلى ميدان القتال لتحفيز الجند وثبيتهم في القتال وحضهم على قتل
عدوهم , وبث روح الحماسة في نفوسهم([100]).
- الاقطاع الحربي :
نشأ في عهد الدولة السلجوقية وكان بدلا من المرتبات ,
وكان في الدولة المملوكية مقابل الخدمة الجهادية , واختلف عن في الدولة المملوكية
عن الدول السابقة بأن جُعل في السلطان وأمرائه وأجناده دون سائر الرعية.., وكانوا
يقصدون من وراء الاقطاع تثبيت أقدامهم في الأرض التي يقيمون بها , وأصبحت خاضعة
لهم .
وراعو في الاقطاع الجوانب الأمنية لدولتهم , فجعلوه
وسيلة لاجتذاب المستأمنيين من المغول والصليبيين إلى معسكرهم ([101])..
- ديوان الجيش المملوكي :
كان من عمله الاشراف على توزيع هذه الاقطاعات على
الأمراء والأجناد ومتابعتها .
تسجيله للأموال المعروفة بالفواضل , أي المتوفر بسبب
الوفاة .
تسجيل العمليات المعروفة بالتفاوت , وهي الفروق الناتجة
عن تغيير مرتبة الجندي .
الانفاق العام على الحاميات والحصون والقلاع ([102]).
- الجيش المملوكي وتنظيماته الحربية :
عندما أطل الخطر المغولي على دول العالم الإسلامي جعل
المغول يبدعون في تنظيمات جيشهم , فعددوا عناصره , وأحكموا خططه , واستطاعوا بهذا
الجيش السلطاني أو المماليك السلطانية دحر عدوهم , وكانت مهمة هؤلاء المماليك
السلطانية مقصورة على ملازمة السلطان والجهاد , ثم كان هناك جند الأمراء أو مماليك
الأمراء الذين يستدعون من اقطاعاتهم وقت الحرب فإذا ما انتهت مهمتهم عادوا من حيث
أتوا , فضلا عن المتطوعة والقوات المساعدة ..
فالجيش السلطاني هو الملازم للسلطان ويعتم عليه في صد
الهجوم , فالظاهر بيبرس مثلا كانت عساكره من هذا الجيش اثني عشر ألف جندي , ثلثه
بمصر , وثلثه بدمشق , وثلثه بحلب , وكان هؤلاء خاصته , فإذا غزا خرج معه ثلث الجيش
يقال لهم جيش الزحف , فإذا احتاج استدعي أربعة آلاف أخر , فإذا اشتد الأمر استدعى
ثلث الباقي ([103]).
وبجانب هؤلاء كان هناك المماليك الخاصكية الذين دخلوا
الخدمة صغارا , كان السلطان يستدعيهم , فيجعل منهم حرسه الخاص , ويكلفون بالمهمات
الشريفة([104]).
ويجري مجرى ذلك
أجناد الحلقة , وكان تنظيمهم في غاية الدقة , حيث يشرف على كل ألف منهم أحد أمراء
المئين , ولكل مائة نقيب , ولكل أربعين مقدم ([105]).
وبجوار هؤلاء كان هناك فرق الغزاة المتطوعة الذين كانوا
يعرفون بالأحداث المتطوعة , وذلك منذ العهد النوري ([106]).
المبحث الثالث : أبرز المظاهر الاجتماعية في الدولة
المملوكية .
من
المعلوم أن العصر المملوكي شهد عصرين:
-
العصر المملوكي الأول: الذي ساده مماليك البحرية 1250م-1382م. وهو عصر القوة
والعطاء.
-
والعصر الثاني: الذي ساد مماليك البرجية 1382م-1517م. وهو عصر الضعف.
لقد
شكل المماليك في العصرين طبقة مغلقة مترفعة عن الشعب، ومتقاتلة فيما بينها إلى
أقصى درجة. فالمماليك لم يختلطوا بسكان مصر، وترفعوا عن الناس، وكان رجال الدين
واسطة الاتصال بينهم وبين الشعب. وفرضوا أنفسهم بقوة الجيش الذي استغل موارد
البلاد بتعسف.
أما
المماليك البرجية فقد كونهم السلطان قلاوون. ليكون طائفة جديدة من المماليك، ترتبط
به، ويكون ولاؤها له. فاختار عنصراً قوقازياً، أطلق عليهم الشركس، وكانوا على عداء
مع المماليك البحرية. وبدأوا يتدخلون في الشئون العامة تدريجياً كمنافسين للمماليك
البحرية. حتى وصلوا إلى سدة الحكم عام 1382م.
ونستطيع
أن نوجز علاقاتهم الاجتماعية في النقاط التالية :
1.
احترم المماليك - ربما من باب المصلحة - طبقة العلماء، وأكرموهم، ولكن للمفارقة
كان كثير من المماليك يأبون على العلماء ركوب الخيل باعتبارها درجة لا ينالها إلا
المماليك!
2.
قربوا التجار ولكنهم كانوا يرهقونهم بالمطالب.
3.
احتقر المماليك الشعب والفلاحين. فأرهقوا المجتمع واكتظت المدن بالفقراء والعاطلين
وساءت حالة الفلاحين.
4.
كثرت الثورات خاصة في صعيد مصر معقل العرب ([107]).
وختاما
:
هذه
بعض الجوانب الحضارية في دولة المماليك , اختصرتها مخافة الإطالة , وافتتحتها بذكر
نبذة عن الدولة المملوكية من الريادة والانتشار إلى الضعف والانكسار , ثم ثنيت
بهذه الجوانب والمحاور , مقتصرا على الحياة العمرانية والاقتصادية , ثم الجيش
وتنظيماته , ثم أعقبت ذلك بنبذة مختصر عن الحياة الاجتماعية.
فإن
كان من تقصير فمن حظ نفسي , فأسأل الله المغفرة , والكمال المطلق لله وحده.
([1]) - سعيد عبد الفتاح عاشور : العصر
المماليكي في مصر والشام , ص : 1, ط : دار النهضة , الطبعة : الثانية 1976م.
([2]) - شقيق جاسر أحمد محمود ,
المماليك البحرية وقضائهم على الصليبيين في الشام , ص : 107 , ط : الجامعة
الإسلامية بالمدينة المنورة - المحرم - جمادى الآخرة 1409هـ.
([3])- د. علي إبراهيم حسن، تاريخ المماليك البحرية، ص:
23، 24، ط : مكتبة النهضة المصرية، الطبعة : الثالثة، 1967 م , وابن منظور: لسان
العرب كلمة (ملك) .
([4])- جاء في الموسوعة الإسلامية encyclopidia
of Islam: art mamluk 13, p.230"تعني كلمة مملوك ما يملك بقصد تربيته
والاستعانة به كجند وحكام، على عكس لفظ (العبيد) التي تعني العبودية، فالعبد يعني
الأسود بينما قد يكون المملوك أبيضا، ويشتري الحكام الرقيق الأبيضا من أسواق
النخاسة لتكوين فرقة عسكرية خاصة. انظر عبد المنعم ماجد: سلاطين دولة
المماليك ورسومهم في مصر: 1/ 11، ط : مكتبة الأنجلو.
([5])-
المولى
والولي: بمعنى واحد في كلام العرب، وهو يدل على عدة
مسميات، فهو الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع،
والجار؟ وابن العم، والحليف، والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق. ابن منظور: لسان
العرب: 5/ 409، القاموس المحيط: 4/ 294. انظر: د. جميل المصري، الموالي،
موقف الدولة الأموية منهم، ص: 23، ط : دار أم القرى للنشر والتوزيع، عمان،
1988م، الطبعة : الأولى.
([7])-
الطبري محمد بن جرير(ت: 310) : تاريخ الطبري 4/230 , ط : دار الكتب العلمية 1407هـ , نقلاً عن بيت
المقدس د. النقر ص : 47.
([8])-
العسيري
, أحمد معمور , موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام (تاريخ ما قبل
الإسلام) إلى عصرنا الحاضر 1417 هـ/96 - 97 م , ص : 263 , ط : غير معروف
(فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض) , الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م .
([10])-
العبادي
, أحمد مختار , قيام دولة المماليك الاولى في مصر والشام، ص :12 , ط : دار
النهضة العربية، بيروت لبنان.
([11])-د.أحمد
عودات، جميل بيضون، شحادة الناطور, تاريخ المغول والمماليك، ص : 62، ط :
دار الكتدي ، إربد ، 1990م.
([12])- أبو شامة , أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن
إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي (المتوفى: 665هـ) , الروضتين في أخبار
الدولتين النورية والصلاحية 1/120 , تحقيق: إبراهيم الزيبق , ط : مؤسسة
الرسالة – بيروت , الطبعة: الأولى، 1418 هـ/ 1997 م وتاريخ المغول والمماليك ,ص:62.
([13])-
ابن طباطبا، محمد بن علي الفخري , في الآدب السلطانية،( المتوفي سنة :
1326هـ) ص : 220 , ط : - بيروت دار صادر، 1389 هـ/ 1966م.
([16])-
عباس اقبال , تاريخ إيران بعد الإسلام ,
ص : 97 ـ 167,
نقله
إلى العربية: د.محمد علاء منصور،ط : دار الثقافة العربية 1415 هـ 1994م.
([17])-
محمد أحمد النظر ,
تاريخ
بيت المقدس في العصر المملوكي , ص : 48، ط: دار البداية، عمان
الأردن، الطبعة الأولى 2006م ـ1426هـ.
([20])- , البنداري , دولة آل سلجوق للأصفهاني , ص :76 ،
ط : طبعة قديمة - القاهرة 1900م , وتاريخ المغول والمماليك , مجموعة من
المؤلفين , ص :66.
([22])-
القلقشندي القاهري , أحمد بن علي بن أحمد الفزاري (المتوفى: 821هـ), صبح الأعشى
في صناعة الإنشا 4/18، ط :
دار
الكتب العلمية، بيروت , وتاريخ المغول والمماليك , ص:66..
([30])-أحمد
معمور العسيري : موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام
(تاريخ ما قبل الإسلام) إلى عصرنا الحاضر 1417 هـ/96 – 97م , ص : 266 .
([36])- سعيد عبد الفتاح عاشور : العصر المماليكي,
ص : 234 – 237 , والنويري: نهاية الأرب، 30 /87 , والعيني: عقد الجمان في
تاريخ أهل الزمان، 1/361.
([43])-سعيد
عبد الفتاح عاشور: العصر المماليكي في مصر والشام، ص: 178 ، 179 . أحمد دراج:
المرجع السابق، ص 137، 138. هايد: المرجع السابق، ص: 31.
([56])-إيفانوف:
الفتح العثماني للأقطار العربية، ترجمة/ يوسف عطا الله، , ص: 37 ـ 40 . وانظر
أيضًا د/ طقوش: تاريخ المماليك، ص: 555، 556.
([62])-أبو
الحسن موفق الدين , علي بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن ابن وهاس الخزرجي الزبيدي،
(المتوفى: 812هـ) , العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية , ج 1 : عُني
بتصحيحه وتنقيحه: محمد بسيوني عسل , ج2 : تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي , ط :
مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، دار الآداب، بيروت – لبنان , الطبعة:
الأولى، 1403 هـ - 1983م.
([63])-وِل
ديورَانت = ويليام جيمس ديورَانت (المتوفى: 1981 م) , قصة الحضارة 13/325, تقديم: الدكتور محيي الدّين صَابر , ترجمة:
الدكتور زكي نجيب محمُود وآخرين , ط: دار الجيل، بيروت - لبنان، المنظمة العربية للتربية
والثقافة والعلوم، تونس , 1408 هـ - 1988م.
([76])-عبد
المنعم ماجد : التاريخ السياسي لدولة سلاطين المماليك في مصر , ص: 295 , ط:
مكتبة الأنجلو المصرية .
([81])-فاطمة
زبار الحمداني : الملك الصالح وانجازاته السياسية والعسكرية، ص: 109. ، كلية
الآداب، جامعة بغداد رسالة ما جستير عام 1995م.
([100])-
السيد
الباز العريني : المماليك , ص : 3 وما بعدها , احمد مختار العبادي : قيام
دولة المماليك , ص : 94 وما بعدها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق