الاسراء ولقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء

دكتور عاطف زيتحار 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات ثم إلى سدرة المنتهى.. وقبل العروج إلى السموات لقي الأنبياء عليهم السلام في المسجد الأقصى وصلى بهم إماماً كما ثبت في السُنَّة الصحيحة أن نبينا صلوات الله وسلامه عليه صلَّى بإخوانه الأنبياء عليهم السلام إماماً في رحلة الإسراء والمعراج عند بيت المقدس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقد رَأَيْتُنِي في جماعة من 

الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرْبٌ جعد كأنه من رجال شنوءة -قبيلة مشهورة من صفاتهم أنهم شداد طوال القامة-، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم ـ يعني نفسه ـ، فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام.) رواه مسلم. وقد اختلف العلماء في وقت ومكان صلاته بالأنبياء هل كانت تلك الصلاة قبل عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء أم بعد أن هبط منها، والراجح: قبل عروجه إلى السماء، قال ابن حجر: "قال عياض: يحتمل أن يكون صلَّى بالأنبياء جميعاً في بيت المقدس، ثم صعد منه إلى السماوات .. ويُحتمل أن تكون صلاته بهم بعد أن هبط من السماء فهبطوا أيضاً.. والأظهر: أن صلاته بهم ببيت المقدس كان قبل العروج". وقال: " قال (البيهقي): وصلاتهم في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة لا يرده العقل، وقد ثبت به النقل، فدلَّ ذلك على حياتهم. قلت: وإذا ثبت أنهم أحياء من حيث النقل، فإنه يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن، والأنبياء أفضل من الشهداء ". فتح الباري شرح صحيح البخاري. وفي إمامته بالأنبياء دروس: 
-أن الأمة إذا أرادت تقود وتسود فليكن إمامها كمحمد علماً وسلوكاً, عبادة وعقيدة, جهاد ودعوة.., ومأمومها كعيسى وموسى وإبراهيم... في انقياده وحسن اقتدائه, ولين جانبه, في ذله وانكساره وتبتله بين يدي ربه, وتواضعه وعظيم خلقه بين إخوانه وبني جنسه. 
-أن المأموم مهما أوتي من العلم والمكانة والمنزلة عليه أن يطيع إمامه وأن يستمع إليه فقد يأتي إمامه بما لم يأت به, فقد علم الله الخضر وجعله إماماً في العلم لموسى عليه السلام وهو عبد صالح وموسى عليه السلام نبي مرسل.
 -عالمية الرسالة تنبع من هذه الإمامة فقد حشر الله الأنبياء عليهم السلام في المسجد الأقصى فصلى بهم النبي عليه السلام إماماً, وفي هذا إعلان وإعلام بأن الشريعة الإسلامية التي جاء بها سيدنا محمد هي الحق وهي الخاتمة لسائر الشرائع, يقول تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" الأنبياء: 107 
 -أنه لا يتقدم للإمامة إلا من كان أهلا لها, فيقدم الأقرأ لكتاب الله والأعلم به والأفقه بها, وذلك لأن الإمامة مسئولية, فقراءته قراءة لمن خلفه, ودعاؤه عام وليس خاصاً به, ومخالفاته لا يجبرها إلا فعله وليس فعل مأمومه.. عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاث لا ‏يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجلاً قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم، ‏ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل دخل، ولا يصلى وهو حقن حتى ‏يتخفف". رواه أبو دود والترمذي.". قال أبو عيسى حديث ثوبان حديث حسن. -أن جبريل عليه السلام قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي إماماً بالأنبياء, ولم يتقدم النبي عليه السلام من تلقاء نفسه, وإلا ففي القوم من هو من أهل المكان ميلاداً ووفاة, والعالم مهما أوتي من العلم إذا خرج من بلده إلى بلد أخرى لم يعلم عوائدها, ولا مذهبها فعليه أن يتريث في التقدم حتى يُقدم من أهل العلم في هذا المكان.., وإن كان أعلم منهم. 

 أما لقاؤه الثاني بالأنبياء ففي السماوات روى البخاري بسنده عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان - وذكر يعني رجلا بين الرجلين - فأتيت بطست من ذهب ملئ حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا قيل من هذا ؟ قال جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا ولنعم المجيء جاء فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي فأتينا السماء الثانية قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على عيسى ويحيى فقالا مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء السماء الثالثة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على يوسف فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الرابعة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد صلى الله عليه و سلم قيل وقد أرسل إليه قيل نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال مرحبا من أخ ونبي فأتينا السماء الخامسة قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتينا على هارون فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا على السماء السادسة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد صلى الله عليه و سلم قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزت بكى فقيل ما أبكاك ؟ قال يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي فأتينا السماء السابعة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ونعم المجيء جاء فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم..." الحديث. ومعني وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ : أي هل أذن له بالصعود إلى السماء، وليس كما يتوهم بأنه بعث إليه بالرسالة. وقال السيوطي أيضًا: الحكمة في كون آدم في الأُولى أنه أوَّل الأنبياء وأوَّل الآباء، وهو أصلٌ فكان أوَّلاً في الآباء، ولأجل تأنيس النبوَّة بالأُبُوَّة، وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدًا من محمد، ويليه يوسف؛ لأنَّ أُمَّة محمد يدخلون الجنَّة على صورته، وإدريس قيل: لأنه أوَّل مَنْ قاتل للدِّينِ فلعلَّ المناسبة فيها الإذن للنبي بالمقاتلة ورفعه بالمعراج؛ لقوله تعالى: ﴿ {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57]، والرابعة من السبع وَسَط معتدل، وهارون لقربه من أخيه موسى، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله، وإبراهيم لأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدَّد للنبي بلُقْيَاه أُنْس لتوجُّهه بعده إلى عالم آخر، وأيضًا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع؛ فلذلك ارتفع عنه إلى قاب قوسين أو أدنى. وقال أيضًا: اقتصر الأنبياء على وصفه بالصالح، وتواردوا عليها؛ لأن الصلاح تشمل خلال الخير؛ ولذا كرَّرها كلٌّ منهم عند كل صفة. وقد ذكر القرطبي كذلك أن الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي في أمر الصلاة، قيل: لأنه أوَّل من تلقَّاه عند الهبوط؛ ولأنَّ أُمَّته أكثر من أُمَّةِ غيره؛ ولأنَّ كِتَابَه أكبر الكتب المنزَّلة قبل القرآن تشريفًا وأحكامًا، أو لكون أُمَّة موسى قد كُلِّفت من الصلوات بما لم تُكَلَّف به غيرُها من الأمم، فثقلت عليهم، فأشفق موسى على أُمَّة محمد، ويُؤَيِّد ذلك ما ذُكِر في الرواية السابقة بقوله: أنا أعلم بالناس منك. ولعلَّ الحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء والمعراج أنه لمَّا عُرج به في تلك الليلة تعبَّد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد، فجمع الله له ولأُمَّته تلك العبادات كلها؛ يصليها العبد في ركعة واحدة، بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص، وفي اختصاص فرضيتها بليلة الإسراء إلى عظيم بيانها؛ ولذلك اختصَّ فرضها بكونه بغير واسطة بل بمراجعات تعدَّدت. ونضيف إلى ذلك أن الله تعالى أراد أن يُعِدَّ رسوله لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلاميَّة، هذه المرحلة تُشبه المرحلة التي رأى فيها موسى آيات الله تعالى، وهي مرحلة مجابهة فرعون؛ فقد قال الله تعالى عن موسى: ﴿ {لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 22-23]. فموسى الذي سيقابل فرعون الطاغية قد هُيِّئَ بهذه الرؤية لاحتقار كلِّ القوى الأرضيَّة ما دامت معه قوَّة الله تعالى، والرسول كان مأمورًا بالصبر طيلة الفترة المكية، ثم إنه بعد الهجرة أمر بالمجابهة، وكان الإسراء والمعراج قبل الهجرة بقليل - بعام واحد على أصحِّ الأقوال - فكانت رؤية آيات الله الكبرى تمهيدًا لهذه المرحلة التي سيقف فيها رسول الله بالقلة من أصحابه في وجه الدنيا كلها، فقال تعالى في أوائل سورة النجم عن المعراج: ﴿ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]. لقد علمنا الأنبياء في رحلة المعراج: 
1-أن الاستئذان خلق نتعبد لله رب العالمين وأن دخول الأماكن له آدابه.. وهي مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا قيل من هذا؟ قال جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحباً ولنعم المجيء جاء.."  ومن الأدب أن جبريل لم يقل أنا وإنما سمى نفسه بالرغم من معرفتهم له وهذا أدب من آداب الاستئذان.., عن جابر رضي الله عنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في دَيْن كان على أبي، فدققتُ الباب، فقال: "من ذا"؟ قلتُ: أنا، فقال:" أنا، أنا، كأنه كرهها" رواه البخاري. وعن ابن بريدة قال: استأذن رجل على رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على الباب، فقال: أأدخل؟ ثلاث مرات، وهو ينظر إليه، فلم يأذن له، ثم قال: السلام عليكم، أأدخل؟ فقال:" ادخل"، ثم قال:" لو قمتَ إلى الليل تقول: أأدخل؟ ما أذِنْتُ لك، حتى تبدأ بالسلام". . وفي هذا الأدب يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} (النور:27).
2-حسن الاستقبال وحفاوته, وهذا ما ظهر من الأنبياء في السماوات " مرحباً بك وبمن معك" وهو لون من ألوان كرم الضيافة, جاء صفوان بن عسال ت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني جئت أطلب العلم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «مرحبًا بطالب العلم إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم على بعض حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب...» قال أبو رفاعة رضي الله عنه: «انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، قال: فقلت: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فأقبل عليَّ رسول الله وترك خطبته حتى انتهى إليَّ، فأُتي بكرسيٍّ حسبت قوائمه حديدًا. قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها» ولما قدم الأشعريون أهل اليمن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتاكم أهل اليمن هم أرقُّ أفئدة، وألين قلوبًا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية» 
3-لكل نبي من الأنبياء زاده النبوي الخاص به, وله رسائله المستقاه من شريعته, فآدم رسالته تكمن في التحذير من عدو الأمة الذي فتنه وأخرجه من الجنة, وتذكير الأمة بما حدث بين هابيل وقابيل من حسد أفضى إلى قتل أحدهما للآخر.. أما رسالته البينة في الرحلة فهي التحذير من المعصية على اختلاف أشكالها وألوانها فأهلها يبكونه ويحزنون فؤاده.., قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فَلَمَّا عَلَوْنا السَّماءَ الدُّنْيا، فإذا رَجُلٌ عن يَمِينِهِ أسْوِدَةٌ، وعَنْ يَسارِهِ أسْوِدَةٌ، قالَ: فإذا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وإذا نَظَرَ قِبَلَ شِمالِهِ بَكَى، قالَ: فقالَ مَرْحَبًا بالنبيِّ الصَّالِحِ، والابْنِ الصَّالِحِ، قالَ: قُلتُ: يا جِبْرِيلُ، مَن هذا؟ قالَ: هذا آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وهذِه الأسْوِدَةُ عن يَمِينِهِ، وعَنْ شِمالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فأهْلُ اليَمِينِ أهْلُ الجَنَّةِ، والأسْوِدَةُ الَّتي عن شِمالِهِ أهْلُ النَّارِ، فإذا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وإذا نَظَرَ قِبَلَ شِمالِهِ بَكَى..: الحديث أخرجه مسلم عن أبي ذر. فلنكن من أهل اليمين الذين يضحكون والدنا ولا يبكونه, لأن هذا من البر به.. وهكذا سائر الأنبياء لكل نبي زاده ورسائله ونصائحه وتوجيهاته لهذه الأمة يحي وعيسى, وإدْرِيسَ, وعِيسَى، وهارون ومُوسَى، وإبْراهِيمَ صَلَواتُ اللهِ عليهم أجْمَعِينَ. هذه بعض الدروس من لقاء النبي عليه السلام بالأنبياء وللحديث بقية عن الاسراء والمعراج. دكتور عاطف زيتحار. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق