دكتور عاطف زيتحار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
ومن والاه.. وبعد
فإن حب آل البيت وموالاتهم والصلاة والسلام عليهم عبادة مشروعة, وهو من صميم عقيدة أهل السنة والجماعة, وبالرغم من أن الشريعة كثُرت أدلتها واستفاضت نصوصها حول هذا الأمر, غير أن بعض الاتجاهات الإسلامية المعاصرة وضعت شباكاً ونسجت خيوطاً حول هذا الحب, واحدها الخجل, وثانيها الجبن, وثالثها الغفلة.... وهكذا, وهو ما جعل الروافض يركبون هذا القطار ويتقولون على أهل السنة بما ليس فيهم,
ولو أزالت هذه الاتجاهات هذه الشباك التي نسجتها حول هذا الحب, وتركت
العنان لأتباعها أن يكتبوا ويتحدثوا عن مستلزمات هذا الحب لسد باب ولج منه الروافض
إلى شرائح مجتمعية كثيرة وبقاع إسلامية متعددة.
والحديث حول حب أهل البيت وغفلة الاتجاهات المعاصرة,
يحتم الوقوف حول معاني بعض الألفاظ مثل: الجبن والخجل والغفلة في اللغة والاصطلاح,
لأن التعريف يكشف عن معان لغوية واصطلاحية تصف الواقع وتصوره للقارئ كأنه رأي عين,
وهذه الألفاظ على وجه الخصوص ترد على المتقولين على بعض الاتجاهات ما ليس فيهم,
وتدحض شبه واتهامات الروافض بأن هذه الاتجاهات نواصب, وهذا مجاف للحقيقة وبعيد عن
الواقع, فالغفلة عن الحديث عن آل البيت أو الخجل أو الجبن لا يخرج هؤلاء إلى دائرة
النصب كما يروج هؤلاء؛ لأن النواصب يعادون آل البيت ويناصبونهم العداء, ولو قلنا
بذلك لأكدنا قول الذين يستحلون دماء أهل السنة بهذه الحجة, فالإنسان قد يغفل عن
أشياء كثيرة لا يعرف فضلها وقيمتها, أو يعرف فضلها ولكنه تركها كسلاً أو مسايرة
للواقع من حوله...., وعلى ذلك:
1-فالخجل لغة: التحير والدهش من الاستحياء.., وقيل الخَجَلُ:
أن يَفْعَلَ الإِنْسانُ فعلا يَتَشوّرُ منه فيستحي وقد خَجَّلْته أنا تَخجيلاً وأَخْجَلَهُ
فِعْلُه, وخَجِلَ البعير إذا سارَ في الطِّينِ فبقِيَ كالمتحيِّر, وفي التهذيب: إذا
ارْتَطَمَ في الوَحْل.. وخَجِلَ بالحِمْلِ: إذا ثَقُلَ عليه فاضطَرب تحتَه....., والخَجَلُ،
محرَّكةً: أن يَلْتَبِسَ الأمرُ على الرجُلِ فلا يَدْرِي كيفَ المَخْرَجُ منه كما في
المحكم..., وهو مأخوذ من الإنسان يَبقَى ساكناً لا يتحرَّكُ ولا يتكلَّمُ، ومنه قيل
للإنسان: قد خَجِلَ إذا بَقِيَ كذلك...؛ وفَرّق بعضُهم بينَ الخَجَل والحَياء، وقال:
إنّ الخَجَل أخَصُّ مِن الحَياء، فإنه لا يكون إلّا بعدَ صُدُورِ أمرٍ زائدٍ، لا يُريدُه
القائمُ به، بخِلاف الحَياء، فإنه قد يكون لِما لَم يَقَع فيه، فيترُك لأجلِه....؛
قِيل: خَجِلَ الرجُلُ: إذا بَقِيَ ساكِتاً هكذا بالتاء الفوقيّة...، ساكِناً بالنون
لا يَتكلَّمُ ولا يتَحرَّكُ(1).
والخجل المقصود هنا هو التحير والدهش والاسترخاء والكسل
والتواني والسكون والسكوت.. وسببه التقدير الخاطئ للأمر, أو الرسائل السلبية التي
جمعها في عقله وهو صغير, فصنعت حاجزاً بينه وبين ما يريد وهو كبير..؛ وسبب ذم
الخجل أنه يمنع صاحبه مما ينفعه في دينه ودنياه، أو يحمله على فعل ما لا ينبغي، فهو
يحول بين المرء وبين قول الحق وفعل الخير، فقد يصد الخجل المرء عن طلب الحق والسعي
في تحصيل العلم الواجب ويجر صاحبه إلى الوقوع في الكذب والنفاق وترك الواجبات والفرائض،
ويلبس عليه فيقلب المعروف إلى منكر والمنكر إلى معروف, والحق إلى باطل والباطل إلى
حق.. وهذا هو الخجل المحرم.
أما الحياء فهو خير كله, وهو خلق رفيع وشعبة من شعب
الإيمان, يحث على فعل الخير والمعروف وترك المنكر والقبيح؛ قال عنه النبي صلى الله
عليه وسلم: "الحياء شعبة من الإيمان". رواه البخاري ومسلم. قال الراغب: الحياء
انقباض النفس عن القبيح وهو من خصائص الإنسان؛ ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون
كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة، فلذلك لا يكون المستحي فاسقاً، وقلما يكون الشجاع
مستحياً، وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان.., قال بن حجر: خُلق يبعث صاحبه
على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق(2).
وعلى هذا فالحياء منقبة عظيمة وفضيلة كبيرة وكيف لا ومن
معانيه الترفع عن المعاصي والسيئات والآثام؛ وأما الخجل فإنه آفة خطيرة, ومنقصة
كبيرة لشعور المتوشح به بقصوره أمام الآخرين، فلا يطالب بحقه لخجله, ولا يقول كلمة
الحق لخوفه, ولا يتحدث أمام الآخرين لشعوره أن من معه أفضل منه, وما على هذا الخلق
الذميم تربى صغار الصحابة والتابعين, وإنما تربوا على الفضيلة وعلى قول الحق وعلى
حب القرآن الكريم وحب الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته وآل بيته وأزواجه وصحابته
أجمعين..
وقد يلتف الخجل حول المرء فيمنعه من الحديث عن آل البيت
ظناً أن من حوله سيتهمونه بالابتداع في الدين وموالاة الروافض والسير في ركابهم,
فيتحير ويصاب بالدهش والاسترخاء والكسل والتواني فيسكن ويسكت.. حتى لا يتهم ويقال
فيه ما ليس فيه.
2- أما الخوف فهو ضد الأمن, ومنه ما هو محمود وهو خوف
الفطرة الذي لا يقود إلى الجبن, ومنه ما هو مذموم وهو الذي يخرج العبد من دوائر
الفطرة إلى دوائر الجبن والهلع فيغير حاله من حسن إلى سيء ومن مقدام شجاع إلى جبان
خوار, وحول النوعين تحدث القرآن, قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ
أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ( آل
عمران: 175) , وقال تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ (طه: 68), وقال تعالى: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا
تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ
إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ (النمل: 10) وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى
أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا
لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ (هود: 70), ومن هذا النوع
الفطري خوف الصحابة يوم الأحزاب, ولكنهم لم يجبنوا عندما طلبوا وندبوا, أخرج مسلم
في صحيحه عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله
صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت, فقال حذيفة أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر, فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :" ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟"
فسكتنا فلم يجبه منا أحد, ثم قال :"ألا برجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي
يوم القيامة؟" فسكتنا فلم يجبه منا أحد, ثم قال: "ألا برجل يأتينا بخبر القوم
جعله الله معي يوم القيامة؟" فسكتنا فلم يجبه منا أحد, فقال :"قم يا حذيفة
فأتنا بخبر القوم" فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم, قال: "اذهب فأتني
بخبر القوم ولا تذعرهم علي" فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم
فرأيت أبا سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول
رسول الله:" ولا تذعرهم علي" ولو رميته لأصبته فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام
فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من
فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال:" قم يا
نومان".., فخوف الصحابة هنا فطرة وليس جبناً, ولذلك عندما ندبوا لبوا, وعندما
طلبوا لم يهربوا..
ولذلك الخوف إذا كان سببه المرض أو الفقر أو وقوع
مكروه.. إلخ, فلا يسمى جبناً لأنه فطرة في النفس, وهو محمود ومباح, أما الجبن فهو
أنانية وذل وتفريط وانكسار وتغيير وتبديل وتأخير وهروب من الميدان...؛ فالجبن ضد الشَّجاعة،
والجبان من الرِّجالِ هو ضعيف القلب هزيل النفس, الذي يحجم عن مباشرة ما ينبغي وما
لا ينبغي.
قال ابن مسكويه في الجبن هو: الخوف مما لا ينبغي أن يخاف
منه. وقيل: هو الجزع عند المخاوف، والإحجام عما تحذر عاقبته، أو لا تؤمن مغبته(3).
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الأنفال: 45).. وقد ذم النبي ﷺ الجبن والبخل ونهى
عنهما: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "شرُّ ما
في رجل شحٌّ هالع، وجبن خالع"(4)... فالجبن آفة عصمنا الله منه ووقانا فتنه
وبوائقه.
وقد يحجم الداعية عن ذكر أهل البيت والتعريف بهم لضعف
شخصيته وخوفاً من أن تطاله ألسنة البعض بأنه مبتدع أو مفرط متساهل, وهذه أنانية
تجاه من أمرنا بحبهم وتوقيرهم وموالاتهم, وتفريط في حق هؤلاء الأشراف الذين هم
امتداد طبيعي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
3-أما الغفلة فهي غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له،
وقد استعمل فيمن تركه إهمالا وإعراضا, والتغافل: تعمُّد الغّفلة...., والمُغفَّل: الذي
لا فطنة له, والغَفول، من الإبل: البلهاء التي لا تمتنع من فصيل يرضعها، ولا تبالي
من حلبها, والغُفْل: المقيد، الذي أغفل فلا يرجى خيره، ولا يخشى شره.., وغفلة المرء: غيبة الشيء عن باله وعدم تذكره
له.., وقيل هي: عدم الفطنة وقلة التمييز، وهي سَهْو يعترِي الإنسان من قلة التّحفّظ
والتيقظ.., وقيل الغفلة عن الشيء: هي أن لا يخطر ذلك بباله(5).., فالغفلة على هذا
ضد اليقظة وهي مذمومة, ولذلك وجب على الداعية أن يكون فطناً وأن يذكر الناس بهذا
الحب وهذه الموالاة, لأن غفلته عن التذكير بآل البيت غير محمود في حقه, فكيف يكون
داعية إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو غير فطن لفضائل آل بيته, غافل
لمكانتهم, غير مميز لهذا النسب ومقدم له على غيره؟ ولذلك وجب عليه الفطنة فهو وريث
النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي عليه أن يغفل هذا الجانب الدعوي العقائدي.
من خلال هذه التعريفات تبين أن الخجل والجبن والغفلة
آفات تمنع المرء من قول الحق أو العمل به, فالجبان ضعيف القلب هياب, أناني ذليل
منكسر يعرف الفضل لأهل البيت ولكنه يسكت خوفاً, والخجول قريب منه جمع بين سوء
التقدير أو سوء التربية, فهو متحير مسترخ مندهش كسول عنده توان وفتور ساكن ساكت في
أغلب أحيانه, حمله على ذلك فيروسات تجمعت في صدره وسيطرت على عقله فمنعته وأخافته
من ولوج الميادين والجلوس بين الناس والتحدث إليهم أو الاستماع منهم..؛ والغافل عن
آل البيت إما أنه غفل عنهم إهمالاً وكسلاً, أو تغافل فتعمد السهو, وإما أنه مُغفَّل
لا فطنة له لا يعي هذا الأمر في الشريعة ولا يعرف مكانة هذه الشريحة, وكل هذا
مذموم في حق الدعاة.
وللأسف أن هذه الشرائح الدعوية ظهرت بين المسلمين بشدة
أثناء تناول بعض الأمور والقضايا الملحة المتعلقة بالدين أو الوطن أو المتعلقة
بالأمة بشكل عام, فكلما حُدّثوا نكسوا رؤوسهم جبناً, وتواروا عن أعين الناس خجلاً,
وكلما وُوجِهوا بالحقائق أشاحوا وأعرضوا كالصم البكم العمي, وإذا دُعوا إلى هذه
القضايا والمسائل جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا على جبنهم
وخجلهم وتمادوا في غفلتهم..
ومعرفة فضائل آل البيت ومنزلتهم من أهم القضايا المهمة
والخطيرة التي تُركت للروافض يرتعون فيها, ويضللون الأمة بمضامينها, ويلعبون على
أوتارها, ويستخفون بعقول العوام من أهل السنة والجماعة؛ وهذه المسألة -حب آل بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم- ليست من نوافل القول وإنما هي من صميم الدين,
والتعلق بها والولاء لها عقيدة.
ولكن للأسف خجلت
بعض الاتجاهات الإسلامية المعاصرة أن تتناول حب آل بيت رسول لله صلى الله عليه
وسلم على منابرها وفي محاريبها وفي كتاباتها ومؤلفاتها, فتوصف من قبل المعارضين
لها بالتحلل والتشيع والابتداع والتفريط في الدين.., فسكتت جبناً, وإن نطقت وتكلمت
نطقت وتكلمت بغير الحقيقة, فلا حديث لها إلا عن البدع والابتداع حول آل البيت,
والتخريف والخرافات حول مقاماتهم, وهو الوجه السيء لهذه المرآة النظيفة وكأنهم
يتعمدون إهمال الفضائل والمحاسن والواجبات تجاه آل بيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ويظهرون النقائص من وجهة نظرهم, فيخوفون الناس من الاقتراب من هذه الدائرة
الدينية, ويرهبونهم من الولاء لها وحبها, وكان الأولى بهم ذكر فضائل آل البيت كما
ذكرها السابقون, والتعريف بحقوقهم وواجباتهم على الأمة.., ثم التعريج بعد ذلك على
التحذير من هذه المخالفات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة وهذا ما قالته المشيخة
العامة للطرق الصوفية ونصت عليه في قانونها العام, وتعمل جاهدة على إحياء حب آل
البيت على نهج الصحابة والتابعين.
لقد أجمع أهل العلم قديما وحديثاً على أن حب آل البيت
طاعة والصلاة عليهم عبادة وتوقيرهم وإظهار الولاء لهم قربة, وأن بغض طائعهم معصية
ونفاق. فأهل السنة ينصون على هذا في مؤلفاتهم وبالأخص كتب العقيدة وشروحها, وكتب الفقه
وأصولها, وكتب الحديث وشروحها، وجاء جل أبواب الفضائل في كتب الحديث عن فضلهم وبيان
عظيم مكانتهم عليهم السلام, وحثوا على أن ذلك دين يدان لله تعالى به، ومن طالع الاستذكار
لابن عبد البر, والمغني لابن قدامة, والمجموع للنووي سيجد فقهاء المذاهب يذكرون المرويات والفتاوى
التي رويت عن ابن عباس وعلي والحسن وجعفر الصادق وأبوه محمد بن علي الباقر، ومن طالع
كتب الحديث سيجد في صحيح الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب الفضائل أبوابا للحديث
عن مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار, فيذكر فاطمة -رضي الله
عنها- بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ومناقب جعفر بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب،
والحسن والحسين -رضي الله عن الجميع- .
إن آل البيت هم الامتداد الطبيعي لرسول الله صلى الله
عليه وسلم, روى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأنا
تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي،
أذكركم الله في أهل بيتي .." الحديث . وروى البخاري في صحيحه عن أبي بكر رضي الله
عنه أنه قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل
من قرابتي. وروي عنه أيضا أنه قال : ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته
. أي احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم(6). وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية لما
أراد أن يبين أصول معتقد أهل السنة في كتابه: العقيدة الواسطية، تجده يقول فيها: ويحبون
أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث
قال يوم غدير خم: "أذكركم الله في أهل بيتي" ـ وقال أيضاً للعباس عمه وقد
اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال: "والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم
لله ولقرابتي" ـ وقال: "إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل
كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
اهـ.
وإنه ليس بخاف على أحد أن الأمة الإسلامية اليوم انقسمت
على نفسها وتعددت تياراتها, واختلفت جماعتها, وتفرق شملها, وتداعت عليها أمم الأرض
فالتهمت خيراتها, وانتهكت أعراضها واحتلت أرضها, روى ثوبان مولى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يوشك الأمم أن تداعى عليكم
كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير
ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في
قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت"(7).
لقد انتهز العدو فرصة ضعف الأمة وتشتتها وتشرذمها فانقض
عليها يركلها هنا وهناك في كل مكان من أرضها ذات اليمين مرة وذات الشمال أخرى..؛
وإن لم تستفق من غفلتها, وتستيقظ من ثباتها فإن العدو سيجهز على ما تبقى من خيرات
لديها, وحتى تعود وتتوحد ضد عدوها فإن القاسم المشترك الذي يجمع شتات أمرها ويوحد
صفها ويأتي بالشارد من أبنائها هو -بجوار المصدرين القرآن الكريم والسنة المطهرة- حب
أهل البيت الذي يجمع ولا يفرق, ويوحد ولا يشتت, فمحبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم من آكد عقيدة أهل السنة والجماعة وعلى هذا تواترت الأدلة..؛ كما أن من حقهم علينا
نصرتهم وإكرامهم والذب عنهم سواء الأحياء منهم والأموات, ويستحب الصلاة عليهم في التشهد؛
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فيقول المصلي في تشهده: اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد.
لقد استغل الروافض غفلة بعض الاتجاهات الإسلامية عن هذا
الحب وانغمسوا بين صفوف المسلمين من هذه الزاوية يشوهون هذا الحب بخرافات ما أنزل
الله بها من سلطان, وتحريفات بعيدة عن القرآن والسنة المطهرة وأقوال أئمة أهل
البيت, فركن البعض إليها وقادته عاطفة حبه لأهل البيت إلى أن يساير هؤلاء في غلوهم
وانحرافهم, ولو فطن أهل الاعتدال لانغمسوا كما انغمس الشافعي وأحمد وأبي حنيفة
ومالك بين الصفوف المسلمة يعلموا ويلقنوا, فلم يتركوا ساحة الحب لغيرهم, فكتبوا
ودونوا وخطبوا ودرسوا, بل الأجمل من ذلك أن المذاهب الأربعة حمل ألويتها من آل
البيت ما يقرب من ألف عالم حتى القرن الرابع عشر.
ولعل سر انكماش هذه الاتجاهات بجوار هذه الشباك السوداء
التي رسمتها لنفسها أو رسمها لها بعض أعدائها.., ما حدث من ملوثات عقائدية حول هذا
الحب من الروافض فجعلهم ينكمشون في ركن معين وقصروا هذا الحب على المطالعة, أو
توجيه الانتقاد لمن اجتهد في حبه لآل البيت, فلم يتحدثوا إلى محبيهم وروادهم عن آل
البيت, ولم يذكروا ذلك في كتبهم الحديثة, وجل همهم هو الحديث عن البدع والخرافات
دون التعرض لفضائل أهل البيت وحقوقهم على الأمة وحرمة انتساب من ليس منهم إليهم.
ولخطورة الأمر دينياً ووطنياً, حيث أنه معلوم للجميع أن
الروافض يريدون السيطرة على مساحات متعددة من الوطن الإسلامي, ولذلك أصبح من أوجب
واجبات العصر الدينية والوطنية الحديث عن آل البيت في الخطب والمحاضرات والدروس
والكتابات؛ وتناول دور بعض الرجال من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من أحفاد علي
رضي الله عنه وأرضاه وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما وأبناء الحسين ومحمد الباقر
وجعفر الصادق وغيرهم من آل هاشم والمطلب رضي الله عنهم جميعا, ليعلم الناس شيئا عن
تاريخ هؤلاء, وذلك من باب الحماية لشبابنا والعوام من بيننا, وخصوصاً بعد انتشار التشيع
والرفض وحتى يتمكن الناس من الرد على أولئك الذين يتهمون علماء أهل السنة بكراهية
أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن إخفاء حب آل البيت في الصدر جبناً أو غفلة, وعدم
الحديث عنه خوفاً وخجلاً, وعدم تربية الأجيال عليه, وترك المجال للآخر يرتع ويلعب
بعواطف المسلمين؛ فيه من الخطورة ما فيه على الدين والأوطان جميعاً.., ولذلك لابد
من نزول الدعاة إلى هذا الميدان وتخصيص خطب ودروس, وإفراد مؤلفات له أو إخراج
مؤلفات الأئمة العظام كجزء أحمد بن حنبل في فضائل أهل البيت, وإظهار ما كتبه ابن
تيمية في العقيدة الواسطية ومجموع فتاويه ورسائله, ورسائل بن رجب الحنبلي وشروحه
على السنة..
والمراجع الصحيحة التي تتحدث عن مناقب آل البيت كثيرة منها
كتب السنة الصحيحة كصحيح البخاري وغيره، فعلى سبيل المثال قال البخاري في صحيحه: باب
مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى
الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة, ثم ذكر بعض
الأحاديث في هذا المجال، وكذلك ذكر أيضا مناقب الحسن والحسين وعلي بن أبى طالب وأخيه
جعفر رضي الله عن الجميع، وهناك بعض كتب التراجم الصحيحة التي تترجم لهم كسير أعلام
النبلاء للحافظ الذهبي والإصابة لابن حجر, وكتاب إحياء فضائل أهل البيت للسيوطي.
ومن أعظم الكتب التي عنيت بنقل الكثير من أخبار السلف وزهدهم
وجهادهم وحرصهم على الخيرات كتاب سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، وكتاب حلية الأولياء
للحافظ أبي نعيم، ومختصراته التي من أهمها صفة الصفوة لابن الجوزي، وتهذيب حلية الأولياء
لصالح الشامي، وكذلك كتب التواريخ مثل البداية والنهاية للحافظ ابن كثير، وكذلك كتب
الإمام ابن الجوزي والإمام ابن القيم، وإن من أهم كتب ابن الجوزي في الوعظ: التبصرة،
والمدهش، ومن أهم كتب ابن القيم في الوعظ والتربية كتاب مدارج السالكين..؛ فقد تكلم
عنهم الذهبي ونوه بفضلهم في السير وابن كثير في البداية والنهاية، وشيخ الإسلام في
الفتاوى، وابن حبان في مشاهير علماء الأمصار، وابن الجوزي في المنتظم وغيرهم..؛ وقد
كتب بعض المحدثين في فضائل آل البيت كما عمل النسائي في كتابه فضائل علي وكذا السيوطي
في كتابه فضائل فاطمة.
ومن الكتب المعاصرة الجيدة عن آل البيت النبوي، كتاب: فضل
أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعةـ للشيخ عبد المحسن العباد المدرس بالمسجد
النبوي، وكتاب: العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريطـ للدكتور سليمان الرحيلي،
وهي رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وكتاب: أهل البيت عند شيخ
الإسلام ابن تيميةـ للدكتور عمر القرموشي, ومن المعاصرين الدكتور علي الصلابي فقد كتب
كتابات في حياة علي والحسن والحسين رضي الله عنهم.
فليخرج الدعاة من غفلتهم وليستفيقوا من سباتهم, وليقتلوا
غفلتهم ويقضوا على جبنهم وخجلهم, ويظهروا حبهم, ويبرزوا ولاءهم, ولا يتركوا
الساحات لغيرهم ممن يتظاهرون عند جهال المسلمين بحب وموالاة أهل البيت, وهم في الحقيقة
يأخذون كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويتأولونه على أمور يفترونها على الله
ورسوله وآل بيته..؛ ولهم في حرب ومعاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة قديماً
وحديثاً يعلمها القاصي والداني والصديق والعدو.
وأخيراً وليس آخرا:
- * إذا كانت الاتجاهات الاسلامية المعاصرة أهملت وأغفلت هذا
الجانب في حديثها ومؤلفاتها ومناهجها, فإن التصوف الإسلامي وطرقه وعلماءه ومشايخه
ومريديه أعلنوا عن حبهم لآل البيت وجعلوه شغلهم ومنهج حياتهم, ولا يغفل ذلك إلا
جاحد.
- * أن أغلب هذه الاتجاهات أهملت الحديث في خطبها ومناهجها
حول هذا الفرض وقدمت عليه غيره, ليس انكارا له وإنما غفلة عن منزلته ومكانته.
- * أن بعض الاتجاهات أراحت تفكيرها ونأت بنفسها عن الحديث
عن هذه المكانة لآل البيت حتى لا تحسب على غيرها ولا تتهم بما ليس فيها, ولو فطنت
لقدمتهم على غيرهم ولجعلت الحديث عن مكانتهم ومنزلتهم من أولوياتها الدينية.
- * أن على الدول الاسلامية أن ترعى هذه المنزلة وأن تعتني
بهذا النسب, وأن تجعل لآل البيت المكانة والمنزلة اللائقة بهم بين الناس.., فتهتم
بهم تعليمياً, وإعلامياً..
- * أن على المؤرخين ورجال الحديث تنقية تراث آل البيت مما
لحق به من تشوهات, وإبراز الحقائق العلمية لجموع الأمة ليستفيد منه القاصي والداني.
- * أن على هذه
الاتجاهات الإسلامية المعاصرة التجرد من راياتها أثناء حديثها عن آل البيت
ومنزلتهم ومكانتهم.., لأن بعض الرايات ما زالت تربط بين حب آل البيت والبدع
والخرافات, فإذا ما ذكر الحب والولاء والصلاة عليهم تبادر إلى أذهانهم هذه الملوثات..,
فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم ثم نكسوا على روسهم.., ولو تجردوا
لفصلوا بين الحب والخرافة, والولاء والبدع, والصلاة عليهم ومعرفة فضلهم والافراط
والغلو والمغالاة في حقهم.
رحمنا الله وغفر لنا وتجاوز عن تقصيرنا في حق آل بيته
وللحديث بقية حول هذا الموضوع.
دكتور عاطف زيتحار.
(1)
الرازي: مختار الصحاح ص196, الخليل بن أحمد الفراهيدي: العين,
ج4, ص160, أبو منصور الأزهري: تهذيب اللغة, ج7, ص29, الزبيدي: تاج العروس, ج38, ص396.
(2)
فتح الباري: ج1, ص 68, 74.
(3)
تاج العروس: للزبيدي, لسان العرب: ابن منظور, القاموس المحيط:
الفيروزآبادي, التعريفات: الجرجاني, المنسوب للجاحظ.
(4)
أخرجه أبو داود وأحمد.
(5)
المصباح المنير: أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري ص233,
ابن سيده: المحكم المحيط, ج2, ص433, الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن, دار
القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت, ص 609.
(6)
ابن حجر: فتح الباري, ج7, ص79.
(7)
رواه أحمد وأبو داود واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع إسناد
أحمد جيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق