عدالة الصحابة وشبهات المتمردين

عاطف زيتحار ا
لسلام عليكم ورحمة الله وبركات 
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد 
فإن فضل أصحاب رسول الله ﷺ عظيم عند الله عز وجل وعند رسوله ﷺ قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ ﴾( ). وقال تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ 
( ). وعن عمران بن الحصين – رضي الله عنهما - عن النبي - ﷺ - قال: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون و تظهر فيهم السمن".( ) وعن جابر بن سمرة قال : خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية ، فقال : ( إن رسول الله - ﷺ – قام فينا مثل مقامي فيكم، فقال احفظني في أصحابي ثم الذين يلوني ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف) ( ) . نعم إنهم خير القرون وجيلهم خير الأجيال, وكيف لا وقد حملوا لنا الدين وحفظوه من التحريف وبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم وفلذات أكبادهم, ويأـتي في طليعة هذا الجيل الفريد السبعة المكثرين لرواية حديث رسول الله ﷺ الذين حملوا لنا أكثر من ثلثي الدين متمثلا في روايتهم للسنة النبوية الشريفة, وعلى قدر ما حملوا من خير حمل عليهم الأعداء وأثاروا حولهم الشبهات ليطعنوا من خلالهم في دين الله وسنة ﷺ.., فشككوا في عدالتهم وقالوا: الصحابة بشر كغيرهم مِن الناس يُخطئون ويُصيبون، ويضلُّون ويهتدون، حتى إن سورة التوبة سُمِّيَت بالفاضحة؛ لأنها أظهرتْ حقائق الكثير منهم آنذاك[ ].., وقالوا: يوجد في القرآن آياتٌ كثيرةٌ تتحدَّث عن المنافقين في المجتمع النبوي المدني، وقد مات النبيُّ ﷺ ، ولم يُبيِّنْ هؤلاء المنافقين[ ]... وقالوا: ابْتُدِعتْ نظريةُ عدالة الصحابة في العصر الأموي لخدمة أغراض سياسية ولم تكن في العهد الأول[ ]. وقالوا أيضاً: الآيات التي يُستدَلُّ بها لعدالة الصحابة جاءتْ عامَّةً، ولم تقصد الصحابة بأعيانهم. وقالوا: إن ارتداد عدد كبير من الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ دليل على عدم عدالتهم, ومن ذلك أيضاً وقوع الصحابة في الكبائر... ومن ذلك: نقد الصحابة لبعضهم، وتوثقهم من أخبار بعضهم[ ]، خاصة اعتراضات عائشة الكثيرة على الصحابة. وششككوا في رواية بعض الصحابة كأبي هريرة الذي انفرد برواية كثيرٍ من الأحاديث مع قِصَر صُحْبته التي لم تتجاوز أربع سنوات..., وغير ذلك كثير. إن شبهاتهم هذه وغيرها كالدخان الصاعد في الهواء قد يزكم قليل المناعة وحامل الأمراض, أما المحصن والسليم والمعاف فإن هذا الدخان لا يؤثر فيه لأنه يعلم قيمة هذا الدخان مهما ارتفع فهو وضيع, ولأنه يعلم علم اليقين أنَّ الصحابيَّ الذي يُبحَث في عدالته هو الصحابيُّ الذي صحَّ سماعه عن النبي ﷺ ، وتوافرت فيه شروطُ الصُّحْبة، وأن يموت هذا الصحابيُّ مسلمًا، وإنْ تخلَّل إسلامَه رِدَّةٌ ثم عاد إلى الإسلام؛ أَيْ: أنْ يكون سماعه في سنِّ التمييز وقادرًا على حفظ ما سمعه، وقال السخاوي في تعريف الصحابي: "وهو لغةً: يقع على من صَحِبَ أقلَّ ما يُطلق عليه اسم صُحْبة، فضلًا عمَّن طالتْ صُحْبتُه، وكَثُرتْ مجالستُه، وفي الاصطلاح: (رائي النبي ﷺ): اسمُ فاعلٍ من رأى، حال كونه (مسلمًا)، عاقلًا (ذو صُحْبة) على الأصحِّ، كما ذهب إليه الجمهور من المحدِّثين والأصوليين وغيرهم، اكتفاءً بمجرد الرؤية ولو لحظةً، وإنْ لم يقع معها مجالسةٌ ولا مماشاةٌ ولا مكالمةٌ؛ لشرف منزلة النبي ﷺ ؛ فإنه كما صرَّح به بعضُهم: إذا رآه مسلمٌ أو رأى مسلمًا لحظةً طبع قلبه على الاستقامة؛ لأنه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابل ذلك النور العظيم أشرف عليه، فظهر أثرُه على قلبه وعلى جوارحه، وممَّن نصَّ على الاكتفاء بها أحمد... وابن المَديني والبخاري"[ ]، فالعدالة عمومًا في علم الحديث: أن يكون راوي الحديث مسلمًا بالغًا عاقلًا سالِمًا من أسباب الفِسْق، وخوارم المروءة، والصحابة الذين رووا الأحاديث لنا لم يُذكَر عن أحدٍ منهم أيُّ أمرٍ يُخرجه من دائرة العدالة بأمر يُفسِّقه، ومَنْ هُم غير ذلك؛ هم خارج محلِّ النزاع حاليًّا. فإن قالوا: هم بشرٌ ويُخطئون، نقول لهم: هناك خلْطٌ بين مسألة عدالة الصحابة، ومفهوم العدالة المقصود بها في علم الحديث، فالعدالة التي يقصدها المحدِّثون هي: عدم تعمُّد الكذب من الصحابة في رواية حديث النبي ﷺ ، وليست العِصْمة من المعاصي التي يقول بها الشيعةُ، فربَّما وقع بعضُ الصحابة في بعض المعاصي، ولكن لم يتعمَّد أحدٌ منهم الكذب، ولم يُنقل إلينا كذبُ أحدِهم، وقد ذكر السخاوي (902هـ) عن ابن الأنباري (328هـ) قوله: "وليس المرادُ بعد التُّهمِ ثُبُوتَ العِصْمة لهم، واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد: قبول روايتهم مِن غير تكلُّف ببحثٍ عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إلا إن ثَبَتَ ارتكاب قادح، ولم يثبُتْ ذلك ولله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله ﷺ حتى يثبت خلافه"[ ]. فالعدالة هنا ليست العِصْمة مِن الذنوب، وليست امتحان استخراج معلومات؛ إنما نَقلُ عِلمٍ يقوم به المتمكِّن من الحفظ، ثم لو نظرنا إلى عدد الصحابة عمومًا، على سبيل المثال: ذكر العلماء أنَّ عدد الصحابة مئة ألف صحابي، فكم عدد الصحابة الذين رووا الأحاديث؟ ومسند الإمام أحمد أكثرُ كتابٍ جمع روايات الصحابة، وفيه أخرج الإمام أحمد لـ(904) من الصحابة، منهم (80) صحابيًّا مُبْهمون دون اسم، فبقي (824) صحابيًّا وصحابية، فتكون نسبة مَن روى عن النبي لا يتجاوز (0,008) أي ثمانية بالألف، وعدد المكثرين من هؤلاء الذين رووا أكثر من 500 حديث هم 7 صحابة فقط[ ]، فمعظم الصحابة لم يرووا الأحاديث مع الحاجة لها وتوافر دواعيها وطلب التابعين لها، وفتوح البلدان، وكان أكثر حديث جاء عن الصحابة رواية هو قوله ﷺ: ((إِنَّ كَذِبًا عَليَّ ليس كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار))[ ]؛ حيث رواه أكثر من سبعين صحابيًّا. لقد اتَّفق أهل السنة والجماعة على عدالة جميع الصحابة[ ] بنصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة؛ أي: إنه لم يثبت أن أحدًا من الصحابة كذب، أما الخطأ والنسيان فممكن ذلك، فهم بشرٌ غير معصومين، وأذكر هنا بعض الأدلة على عدالتهم: من القرآن: قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18]. ومن السنة النبوية: عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، قال: قال النبي ﷺ: ((لا تَسُبُّوا أصحابِي فلو أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهمْ ولا نَصِيفَهُ))[ ]، وقوله ﷺ ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْني ثمَّ الذين يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ))[ ]، فهذه الخيرية عامةٌ في كلِّ شيء. ونقل كثيرٌ من العلماء الإجماع على عدالتهم، قال الغزالي (505هـ): "والذي عليه سَلَف الأمَّة وجماهير الخَلَف أن عدالتهم معلومةٌ بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدُنا فيهم إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكابُ واحدٍ لفِسْق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل"[ ]. وقال أبو محمَّد بن حزم (456هـ): "الصحابة كلُّهم من أهل الجنة قطعًا؛ قال اللَّه تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 101]، فثبت أن الجميع من أهل الجنة، وأنه لا يدخل أحدٌ منهم النار؛ لأنهم المخاطبون بالآية السابقة، فإن قيل: التقييد بالإنفاق والقتال يُخرج من لم يتَّصِفْ بذلك، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة، وهي قوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ﴾ [التوبة: 100] يُخرج من لم يَّتصِف بذلك، وهي من أصرح ما ورد في المقصود، ولهذا قال المازري في «شرح البرهان»: "لسنا نعني بقولنا: الصحابة عدول - كلَّ من رآه ﷺ يومًا ما، أو زاره لمامًا، أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب، وإنما نعني به: الذين لازموه ﴿ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157] [ ]. وقال الخطيب البغدادي (463هـ): "واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين، هذا مذهب كافة العلماء ومَنْ يُعتدُّ بقوله من الفقهاء"[ ]. لذلك كان واجباً على أهل العلم وطلابه المتخصصين في السنة الدفاع عن ها الجيل وبالأخص هذه الشريحة التي حملت لنا هذا الدين نقياً طرياً مباركاً طيباً كما أنزل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق